1- حمضين وبردع «عارف ليبرالية يعنى إيه؟ يعنى أمك هتقلع الحجاب، يا برادعى عايز مننا إيه، شوف بنتك اللى متجوزة مسيحى» هذه العبارة انطلقت من صوت إسلامجى ضل طريقه بعيداً عن عالم مناداة زبائن السيارات إلى المنابر، وانتشرت فى ذروة حرب الإسلامجية على خصومهم من التيار المدنى، خلال فترة حكم المجلس العسكرى، بالتوازى مع هتاف «يا مشير أنت الأمير». وقتها كان الإسلامجية حديثى العهد بالممارسة السياسية الشرعية، بعد عقود كانوا خلالها إما ضحايا حظر سياسى (الإخوان)، أو الانسحاب الإجبارى للزوايا بعيداً عن النقاش السياسى (السلفيون)، كانت متطلباتهم وحقوقهم الحقيقية تتلخص فى نيل فرصة فى التمثيل السياسى والصراع الشرعى على السلطة، وفق أجندة الدولة الحديثة، وعلى «باترون» الديمقراطية، لكن لأسباب عديدة وربما مختلفة، تغيرت بوصلة التيار الدينى، بعيداً عن هذه المطالب، قبل الإسلامجية التحالف مع بقايا نظام مبارك، وتلكأ الفريق الأكثر تنظيماً -وهو الإخوان- فى تنفيذ مطالبات الثوار، بل وأصبح الثوار بين ليلة وضحاها مدمنى ترامادول، ومتآمرين على الدولة لإحداث الفوضى. وهذا بالضبط ما يعرفه علم المنطق بمغالطة «الرجل القش»، وتعنى توهم خصم غير حقيقى، أو تشويه مبررات الخصم، أو مهاجمة أطروحات هامشية لديه وتصويرها على أنها الأساس. يعنى مثلاً التقاط تصرف مشين لشخص فى التيار المدنى ثم تعميمه، أو مهاجمة بعض الحجج الضعيفة لدى الخصم لتصوير أنه مهزوم، (كان الفيلسوف كارل بوبر يصر على مصارعة الحجج القوية أولاً لدى الخصم، كى لا تبقى صامدة، وكان أرسطو يحث على تمثيل رأى الآخرين تمثيلاً أميناً وقوياً). لرجل القش تكنيكات أخرى منها دمج وتصنيف الخصوم فى فئات متوهمة، وخلع كل النقائص عليهم، أو تحريف آرائهم وتجزئتها ثم مهاجمتهم، أو التعريض بأسمائهم والربط بين الاسم كرمز وبين المرموز (الشخص)، مثلما فعلوا مؤخراً مع اسم «السيسى»، فربطت الدعاية الإخوانية بين اسم الجنرال وبين معناه، وكيف يتصور الوجدان الشعبى أن السيسى مخلوق مشوه أقل من الحصان. كما اعتادت الدعاية نفسها فى وقت سابق مع حمدين فيصبح «حمضين»، والبرادعى الذى تحول إلى «بردع». هذه التكنيكات شرحها باستفاضة عادل مصطفى فى كتابه القيم «المغالطات المنطقية». لكن التكنيكات تصب فى غاية واحدة، أن يتصور الإسلامجية الخصم دمية من القش، ثم يحرقونها، على طريقة «اللنبى»، وفيما يستعدون للراحة بعد نوبات التلويث والحرق، تتبدد جهودهم وتستمر مآسيهم، ويكتشفون أنهم كانوا يحاربون وهماً. 2- الموتورون تاريخياً، وقفت ظاهرة رجال القش أمام أى تغيير، الرجل القش هو الذى أحرق «هيباتيا»، فيلسوفة الإسكندرية العظيمة، واعتبر الوضوء من الصنبور بدعة وضلالاً، وكفّر من قال إن الأرض كروية، واعتبر الديمقراطية مؤامرة كونية على الشريعة، وقال إن ثورة يناير مدفوعة الأجر من أجهزة استخبارات. لتذكر معاً بعض ما قاله رجال القش الإسلامجية منذ ثورة يناير وحتى الآن: - تدريس اللغة الإنجليزية مؤامرة ضد مصر (محمد الكردى عضو حزب النور فى برلمان الإخوان المقبور). - إزالة المادة 219 خطة شيطانية للقضاء على الهوية الإسلامية للوطن (حزب النور وياسر برهامى). - إلغاء مواد الهوية هدفه تكريس الجنس الجماعى وعبادة الشيطان (ياسر برهامى فى موقع أنا السلفى). - العلمانيون يقودون الفوضى بقناع فانديتا لتدمير مؤسسات الدولة (جريدة الحرية والعدالة). - زياد بهاء الدين جاء نائب رئيس الحكومة لأنه بهائى (كذب طبعاً) وأمه مسيحية (محمد الجوادى على تويتر). - الأحزاب العلمانية قبلت أن تكون خدماً للانقلاب (عصام العريان). العينة السابقة كاشفة، فلا تدريس اللغة الإنجليزية هو داء الوطن، ولا منع تدريسها علاج للداء، ولا مجال فى الدستور للحديث عن جنس جماعى أو عبادة شيطان، ولا يوجد فى مصر مندوب للشيطان يبحث عن ثغرة، ولا الأحزاب المدنية هى أعداء الإخوان، بل هى غضبة شعب رأى انتهاكاً للفصل بين السلطات وخطوات حثيثة لبناء ديكتاتورية دينية، وفشلاً دامغاً فى إدارة الدولة، فقرر الانتفاضة، ولم يكن «بهاء الدين» بهائياً كما ردد أستاذ الدورة الشهرية فى طب الزقازيق، ولا دخل لمعتقداته الدينية فى اختياره وزيراً. لكنها ظاهرة «رجل القش» التى تعكس خللاً فى التفكير وربما فى العقل.