تساءل العديد من القراء عما جاء فى مقال " خطاب ال138 والفاتيكان " ومطلب البابا بنديكت السادس عشر بأنه "يتعين على المسلمين أن يسلكوا الطريق الذى سلكته وأتمته الكنيسة الكاثوليكية تحت ضغوط عصر التنوير" ، وعبارته الأخرى والأكثر وضوحا : " أن العالم الإسلامى يجد نفسه اليوم فى حاجة ملحّة أمام مهمة شديدة الشبه بتلك التى تم فرضها على المسيحيين إبتداء من عصر التنوير ، والتى أتى لها مجمع الفاتيكان الثانى بحلول جذرية للكنيسة الكاثوليكية بعد أبحاث طويلة مضنية " .. لذلك سنتناول هنا موضوع " الفاتيكان وعصر التنوير" باختصار شديد أو بالقدر الذى يسمح به تناول عدة قرون فى بضعة صفحات !. ومن هنا سينقسم التناول إلى جزئين أساسيين ، الفاتيكان كدولة وكرسى بابوى ، ثم عصر التنوير ، وتسبقه نبذة عن عصر الظلمات الذى كان سببا فى إنطلاقة وإستمرار عصر التنوير .. 1 الفاتيكان : ينقسم مسمى الفاتيكان إلى جزئين : مدينة دولة الفاتيكان ، ويمكن تشبيهه بالبنتاجون ، من حيث أن له قوانينه الغامضة ، المقلقة على الأقل كنظام دولة لا دولة لها ، وكل الذين ينتمون إليه يميلون إلى الحذر والإبهام.. فدولة مدينة الفاتيكان هذه تنعم بوضع دولى لا مثيل له فى العالم ، من حيث تاريخها المثقل بالدماء عبر القرون ، و من حيث حداثة ميلادها كدولة، إذ تم إنشاؤها فى 11/2/1929 ! وذلك بناء على معاهدة لاتران التى حددت مكانها ومساحتها فى تلك الهكتارات الأربعة وأربعين ، على أحد تلال روما السبعة والمسمى فاتيكانوس ، ومنه إسم الفاتيكان. فهى ليست دولة بمعنى الكلمة ، وإنما هو وضع يسمح للمؤسسة الكنسية بالتدخل فى الشؤن الدولية ! لكن ما من أحد يعترض على عدم المشروعية هذه ، والجميع يغضون الطرف ! و المسمى الآخر ، وهو: الكرسى الرسولى أو البابوى ، نسبة إلى بولس الرسول ، و يترأس إدارة الشؤن الدينية المتعلقة بالكنيسة الكاثوليكية فى العالم . والإثنان ، مدينة دولة الفاتيكان والكرسى الرسولى يترأسهما البابا ! وهو ما يكشف عن مدى إستمرار تمسك البابوية بالسلطة المدنية أو الدنيوية ، التى إنسحبت منها، على الأقل إسما ، بموجب معاهدة لاتران عام 1929. وترجع هذه التقسيمة أوتحديد مساحة الفاتيكان ، وكانت تسمى قبل ذلك "الممالك البابوية " ، إلى الوضع التاريخى ، إذ كانت تلك الممالك تضم مساحات شاسعة ، إستحوذ عليها البابوات على مر التاريخ ، بناء على وثيقة مزوّرة ، قام بتزويرها أحد البابوات فى عام 754 م، وتسمى " هبة قسطنطين " .. وتعنى أن الإمبراطور قسطنطين كان قد وهب البابا سيلفستر الأول ، عام 335 ، أى بعد تأليه السيد المسيح بعشرة أعوام .. بما أن البابا خليفة القديس بطرس ، فإن له الأولوية على البطرياركات الشرقية التالية : إنطاقيا ، والإسكندرية ، والقسطنطينية ، والقدس. وكذلك الأولوية على كافة أسقفيات العالم. وتشير الوثيقة إلى أن قسطنطين قام بالتنازل للبابا عن قصر لاتران ، وهو أكبر وأجمل قصر شيد حتى ذلك الوقت . وتنص على أن بازليكا مدينة لاتران فى روما والتى بناها قسطنطين ستترأس كافة الكنائس حتى كنيستا القديس بطرس والقديس بولس . وهى الكنيسة التى أصبح نيكولا ساركوزى رئيسا فخريا لها يوم الخميس 20 ديسمبر 2007 !! وتواصل وثيقة "هبة قسطنطين" المزورة تزويد كنيستا بطرس وبولس بممتلكات ثرية. كما وهب الإمبراطور للبابا لقب رئيس أساقفة روما ، الذى يمكّنه من إستقبال أعضاء مجلس الشيوخ ، وأنه سيحصل على نفس التكريم والمميزات التى يحصل عليها أعضاء مجلس الشيوخ. ومثلها مثل الإمبراطور ، فإن كنيسة روما سوف يكون لها الحاشية الخاصة بها ، وطاقم الضيافة الخارجى والداخلى ، والحرس الداخلى والخارجى . كما سوف ينعم البابا بنفس الحقوق الفخرية والتبجيلية كالإمبراطور ، ومن بينها إرتداء التاج الإمبراطورى والرداء القرمزى وإجمالا كافة العلامات والشارات الخاصة بالتمييز الإمبراطورى . أى إن كل الهيلمان البذخى الذى ينعم به قادة تلك المؤسسة مبنى على وثيقة مزورة وهو أبعد ما يكون عن تعاليم السيد المسيح عليه السلام !! وتضيف الوثيقة أن الإمبراطور قد أضفى على البابا شرف التكريم الذى يحصل عليه الفارس وجواده . كما تضيف الوثيقة أن الإمبراطور قسطنطين قد منح البابا وكل من يخلفونه من بعده إضافة إلى قصر لاتران مدينة روما وكل المقاطعات التى من حولها وكافة مدن إيطاليا وكافة المناطق الغربية للإمبراطورية ! وظل العمل بهذه الوثيقة المزوّرة ساريا ومستخدما إلى أن قام العالِم لورنزو فاللا( L.Valla) وأثبت تزييفها عام 1442. إلا أن المؤسسة الكنسية لم تعترف بتزويرها سوى فى القرن التاسع عشر ، ورغمها ، لم تتنازل عما استولت عليه زورا وبهتانا. ويمثل البحث الذى أجراه فاللا حجر الأساس لتيار نقد النصوص والوثائق الدينية الذى وصل به القس ريشار سيمون إلى القمة فى القرن السابع عشر. وظلت هذه "الممالك البابوية" حتى الثورة الفرنسية ، عندما تم إرسال الجنرال نابليون بونابارت وإستولى على روما فى 6/2/1798 ، وطالب البابا بالتنازل عن السلطة المدنية . وتواصل الصراع البابوى للحفاظ على السلطتين حتى تم توحيد إيطاليا وتحديد مقر البابا أيام موسولينى و إنشاء "مدينة دولة الفاتيكان" عام 1929 !. ولم تكن وثيقة "هبة قسطنطين" Constatine's Donation)) هى الوثيقة االمزوّرة الوحيدة فى تلك المؤسسة الكنسية وإنما هناك عدد لا حصر له من الوثائق المعروف باسم "القرارات المزورة " False Decretals ) ) والتى أضفوا عليها عبارة " التزوير الورع " خجلا وتمويها Pious Forgery ) ) .. وهو ما يكشف عن الأساس الفاسد وغير الشرعى الذى يرتفع عليه بنيان ذلك الصرح الفاتيكانى .. 2 عصر الظلمات : عصر الظلمات هى تلك الفترة الممتدة فيما بين الإعتراف الرسمى بالمسيحية كديانة وحيدة للإمبراطورية الرومانية ، فى أواخر القرن الرابع ، حتى بدايات عصر التنوير فى القرن السابع عشر ، والتى تمت فيها محاربة العلم ومنع التعليم إلا على الكنسيين ، بل لقد تم منع الأتباع من قراءة الأناجيل ! ويندرج في هذه الفترة كل ما اعتراها من أحداث خاصة فى القرون الوسطى ، كمحاكم التفتيش والحروب الدينية والحروب الصليبية ، التى تم توجيهها للمسلمين وللمسيحيين المنشقين على كاثوليكية روما ، وحرق الناس أحياء و حرق المكتبات والكتب ، وخاصة ما يطلقون عليه "عام الخلاص" سنة 1492، الذى تخلص فيه التطرف الكنسى من المسلمين و اليهود فى إسبانيا ، ومحارق البروتستانت فى فرنسا وأوروبا. فلقد تم حرق ثمانية قرون من الثقافة الإسلامية وكتب الترجمة التى قام بها المسلمون من اليونانية والتى تمثل ، فى واقع الأمر، القاعدة الثقافية التى قامت عليها أوروبا الجاهلية أو الهمجية آنذاك ! فقد إختفى كل ما كتب من عام 711 إلى عام 1492 .. ومما له مغزاه فى علم الأخلاق والتسامح أن يحتفلوا عام 1992 بمرور خمسمائة عام على إقتلاع الإسلام من إسبانيا.. ومن أشهر الوسائل التى استخدمها الفلاسفة والعلماء لمحاربة عصر الظلمات ما يعرف بإسم "الكتابات السرية " التى كان يتم تداولها سرا كمخطوطات، بعد ان أطبقت الكنيسة يدها على المطبعة والمطبوعات بالخطب الرسولية ولم يعد من الممكن طباعة أى كتاب إلا بموافقتها ! ومن أشهر هذه الكتابات "وصية الأب جان ميلييه" (J.Mesliers) ، و "دراسة الدين " للفيلسوف دى مارسيه Du Marsais) ) ، و"موعظة الخمسون" للفليسوف الأديب الساخر فولتير . 3 عصر التنوير : عبارة عصر التنوير تعنى إختصارا الحركة الفكرية والثقافية والفلسفية التى سيطرت على أوروبا عامة ، وخاصة فى فرنسا ، فى القرن الثامن عشر ، وإن كانوا يحددونها أساسا فيما بين عام 1685 و 1815 . وقد تركزت جهودهم لمحاربة القهر والطغيان الكنسى المتواصل ، بل لقد تمخض عن هذا التيار التنويرى عبارة "معاداة الإكليروسية " anticléricalisme ) ) التى صارت مذهبا ممتدا حتى يومنا هذا.ومن أشهر العبارات التى أُطلقت آنذاك ، ما قاله الأديب الفرنسى إميل زولا (1840-1904) : " إن الحضارة لن تصل إلى كمالها حتى يسقط آخر حجر من آخر كنيسة على آخر قسيس " (الأناجيل الأربعة ، 1899) .. وأول ما يجب تحديده هنا هو عدم جواز إطلاق عبارة "عصر التنوير" على أى مجال إسلامى ، فالإسلام لم يعرف فى حياته "عصر الظلمات" التى مارستها المؤسسة الكنسية لكى يتحرر المسلمون من هذه الوصمة ، مثلما يقول البعض أو يطالب بالتنوير فى البلدان الإسلامية !! فقد مارست المؤسسة الكنسية عصر الظلمات بالفعل بينما بدأ الإسلام بفعل أمر " إقرأ " ، كما فرض العلم والتعليم ونشره على كل مسلم ومسلمة. ومن أهم ما أعلنه ديكارت فى فرنسا أن النهضة الفلسفية يجب أن تكون عِلمانية ، أى قائمة على العلم والمنطق وبعيدة عن الدين ورجاله ، رافضا أن تكون الفلسفة مجرد "خادمة للاهوت" فكثيرا ما تم استخدام الفلاسفة حتى يفلسفوا ويمنطقوا ما لا فلسفة ولا منطق له .. والظروف الخاصة بفرنسا ومركزيتها وكاثوليكية الدولة وعدم التسامح الدينى ، وموقفها من حركة الإصلاح الدينى ومحاولة إقتلاع البروتستانت ، جعلت من الفلسفة فى ذلك البلد فلسفة معادية للكنيسة بصفة عامة ، خاصة بعد تقدم العلوم اللغوية ودراسة النصوص الدينية وترجماتها . وبخلاف التقدم فى العلوم فإن أهم ما اتى به عصر التنوير هو دراسة هذه النصوص الدينية ومقارنة الترجمات التى تمت عن اللغة اليونانية ، المكتوب بها كل النصوص الإنجيلية والتراثية ، وإكتشافهم عمليات التغيير والتبديل والتحريف ، وأخطاء الترجمة المتعمدة والتى بُنيت عليها عقائد متعددة ، كما قاموا بعمل حصر للتناقضات الواردة بالأناجيل ، كالتناقض فى موعد ومكان ميلاد يسوع ، وإختلاف مدة تبشيره ، واختلاف شجرة العائلة وإمتداها ، وعدد الحواريين ، وإختلاف يوم وموعد صلبه وبعثه بين الأناجيل ، الخ .. ولا يسع المجال هنا لمزيد من الأمثلة ، لكنهم أثبتوا أنها باللآلاف . كما أثبتوا أن التاريخ الكنسى ملىء بالأساطير والخرافات، لذلك تضافرت جهود الكثير من العلماء لإعادة صياغته. وهو ما نجم عنه محاولات البحث عن يسوع التاريخى والفصل بينه وبين يسوح الإيمان أو كما تقدمه الكنيسة ! وهو التيار الذى واصل أعماله معهد "ويستار" وندوة عيسى Jesus Seminar)) التى إقيمت فى مطلع التسعينات من القرن الماضى بأمريكا و أثبتوا فيها أن 82 % من الأقوال المنسوبه لعيسى لم يتفوه بها ، و86 % من الأعمال المنسوبة إليه لم يقم بها !. ولا تزال أعمالها تتواصل لإثبات صحة الأماكن التى تنقّل بينها . ويعد القس ريشار سيمون (16381712) أشهر من إرتبط إسمه بهذا المجال فى فرنسا ، إذ أرسى قواعد نقد النصوص الإنجيلية وكيفية إقرار درجة مصداقيتها وأصالتها بعيدا عن أية تأثيرات ، بل لعله أول من أثبت أن موسى ليس هو كاتب أو مؤلف الأسفار الخمسة خاصة إنه يتحدث عن وفاته ودفنه !!.. ومن مؤلفات ريشار سيمون : "تاريخ نقد العهد القديم" (1678) ، و "تاريخ نقد العهد الجديد" (1689) ، و"دراسة ترجمات العهد الجديد" (1690) ، و "تعليق على العهد الجديد" (1693). كما قام بالفحص الدقيق للوثائق مشيرا إلى عمليات التعديل والتبديل التى تمت وعدم التوافق التاريخى بين الأحداث المذكورة والأحداث الفعلية. ومن أهم ما اثبته العلماء الدارسين لنصوص العهد الجديد أن معاداة السامية ترجع إلى الأناجيل وأعمال الرسل و خاصة إلى بولس . وهو ما كانت له آثاره فى القرون التالية. ومع تزايد الإعتراضات البروتستنتية والسوسينية ، أتباع سودزينى ، اللذين رفضوا تأليه المسيح ، وان مريم " أم الله " ، و الأسرار الكنسية ، وخاصة الإفخارستيا وفكرة أن المناولة أو قطعة البسكويت " تتحول إلى لحم ودم المسيح فعلا وحقا " واستبعدوا أية قيمة للتراث الكنسى . وكان الفيلسوف سْبينوزا ، منذ عام 1670، قد قام بمهاجمة المعجزات والأسرار ومناقشة مصداقية النصوص ليصل إلى " أن المسيحية ليست سوى ظاهرة تاريخية مرتبطة بحقبة زمانية معينة " .. وتمثل "الموسوعة" الفرنسية وما واكبها من معارك (17511766) أهم سلاح تم إستخدامه فى عصر التنوير ، بتضافر جهود العديد من العلماء والفلاسفة ، لنشر العلوم الحديثة للقارىء فى مختلف مجالاتها ، والإطاحة بالأفكار المسيحية التى لا يتقبلها العقل وكل ما يفرضه الدين من أساطير ومفاهيم لا علاقة لها بالعقل والمنطق، و خاصة عدم التسامح والإستبداد . مما تولد عنه تيار الإلحاد فى أوروبا والأزمة المعروفة بإسم " أزمة المعتقد ". فالإلحاد لم يكن معروفا فى فرنسا قبل النصف الثانى من القرن السادس عشر. والبنيان السياسى والأخلاقى والدينى فى القرن السابع عشر كان قد تصدع من جراء هذه الأزمة وأدت بالفلاسفة وقطاع كبير من طبقة المثقفين برفضهم كلية للحلول اللهوتية وسلطة الكنيسة . وهنا لا بد من توضيح أنه يجب الفصل بين معنى عبارتى " مقاومة الإكليروس" و " الإلحاد " : فالأولى تعنى رفض الفكر الكنسى ومحاولة رجال الدين السيطرة على المجتمع ، بينما الثانية تعنى إنكار وجود الله .
وقبل الربط بين هذه الإشارات التوضيحية و خطاب ال138 مسلما إلى البابا ، لا بد من الإشارة إلى المجامع الكنسية فى عجالة، والفرق بين مسمى مجمع عادى ، أى ينعقد لرأب أية مشكلة خاصة بالدين والأتباع ، وهى تقريبا خاصة بكل كنيسة على حدة ، وبين المجامع المسكونية ، أى العالمية ، بمعنى أنها ملزمة لكافة الكنائس والملوك والرؤساء المسيحيين ، بموجب إعتراف الجميع بسيادة بابا روما . ومن أهم هذه المجامع "مجمع ترانت" الذى بدأ عام 1545 وإمتد إجتماعه 18 عاما على 25 دورة ، وتتالى عليه ثلاث بابوات ، وتنقل بين ثلاث مدن ، وإنتهى عام 1563. ومجرد إلقاء نظرة على التواريخ ندرك مواكبته لأية أحداث وأهمها محاربة البروتستنتية.ومن أهم قراراته فرض أن الكتاب المقدس منزل وأن " الله هو المؤلف الوحيد له " ! وأصر على تأكيد الخطيئة الأولى والأسرار السبعة و فرض "حلول المسيح فعلا وحقا" فى الإفخارستيا ، كما فرض "أن ممتلكات الكنيسة هى ملكية شخصية لله "!! ورفض مطلب البروتستانت ليكون من حق الجميع الحصول على نسخة من الإنجيل وقراءته بلغة كل شعب .. وهو ما يكشف إلى أى عهد كان محرّما على الأتباع قراءة الأناجيل حتى لا يكتشفوا ما تم بها من تغيير أو متناقضات .. وقد إنعقد مجمع الفاتيكان الأول (1869- 1870) للإحتجاج على تقليص "الممالك البابوية" و إدانة الأخطاء العصرية والعلمانية والتقدم العلمى أوالمطالبة بالحريات وكل ما هو ناجم عن الثورة الفرنسية ، كما أقر رئاسة بابا روما على كافة الكنائس ، معصوميته من الخطأ بأثر رجعى بما أنه "الممثل الرسمى لله " على الأرض !!. أما مجمع الفاتيكان الثانى (19631965) فهو يعد أول مجمع هجومى فى التاريخ ، وجعل "مريم أم ألله " و "أم الفادى " ، وبصفتها "أم المنقذ" فهى تساهم فى عملية الفداء مثلها مثل إبنها ! وهو ما يخالف عقيدة أن المنقذ الوحيد لخلاص البشر هو المسيح وفقا للأناجيل ، وطالب بمحاصرة الإلحاد ، وتجديد الخطاب الدينى، وغرس الإنجيل فى كل بلدان العالم إعتمادا على الغرس الثقافى ، واقتلاع اليسار ولاهوت التحرر فى أمريكا اللاتينية ، واقتلاع الإسلام ! وترد عبارة تنصير المسلمين بوضوح لا لبس فيه ، فى قرارات الدورة الخامسة، البند السادس عشر ، إذ يقول النص : " إلا أن هدف الخلاص يتضمن أيضا الذين يعترفون بالخالق ، ومن بينهم أولا وأساساً المسلمين ، الذين بممارستهم إيمان أبراهام، يعبدون معنا الإله الواحد، الرحيم ، الذى سيحاكم الناس آخر يوم " .. وهى الجملة التى صيغت عليها وثيقة " فى زماننا هذا " ، والتى استبعد فيها الفاتيكان المسلمين من سلالة سيدنا إبراهيم ووضع الإسلام ضمن عقائد جنوب آسيا !! بعد هذا التحايل على الدين لتبرأة اليهود من دم المسيح وفقا لما يرد فى أكثر من مائة آية ، هل سيتم سحب كل هذه الآيات من الأناجيل؟ هل سيتم رفع طريق الآلام من الكنائس ؟ هل سيقال للكاثوليك أن الكنيسة خدعتكم منذ عشر قرون لتدافع عن مصالح دولة غازية مستعمِرة ومغتصبة لأرض فلسطين ؟ هل سيتم الإعتراف لهم بأن المسيحية الكاثوليكية الرومية هى إستمرار للعديد من الوثنيات القديمة ؟ وخاصة هل سيقال لهم أن عقيدتهم قد تم إنشاؤها بعد عام 70 وهدم المعبد ، وأن من أنشأها هم اليهود ، وأن العهد القديم كُتب فى المدرسة الماسّورية عام 930 م ، وأن المسيحيين فى القرن الأول وما بعده لم يكن لديهم أية دراية عن يسوع المصلوب وكانوا يعبدون الإله آتيس بدليل أن مجمع نيقية الأول عام 325 لم يذكر فى عقيدة الإيمان عملية صلب يسوع وإنما ذُكرت فى مجمع خلقيدونيا عام 351 ؟!.. مثل كل هذا التلاعب بالدين مطلوب من المسلمين أن يقوموا به فى الإسلام ، وأن يحذفوا ما يشاء البابا بنديكت من القرآن ، ويلغوا التوحيد بالله لنعبد معه "ربنا يسوع المسيح " الذى تم تأليهه فى مجمع نيقية عام 325 ، و " نُحب القريب " الذى أجبرنا على إقتلاع ديننا ونشكره على " الخلاص" منه ، وللبابا الحمد !!! وللعلم : إن القرار السادس من قرارات مجمع الفاتيكان الثانى ، فى البند الثالث من الفصل الأول يقول : "يسوع المسيح أُرسل إلى العالم كوسيط بين الله والبشر. وبما أنه الله فإن كل الكمال الإلهى يسكن فيه جسديا " ! فهل ذلك هو ما يؤمن به المسلمون، يا أيها الموقعون على أننا نعبد نفس الإله ؟!. لقد أعلن الكاردينال وولتر كاسبار فى المؤتمر الذى عقدته منظمة سانت إجيديو ، وهى أكبر منظمة تبشيرية تابعة للفاتيكان ، من 21 إلى 23 أكتوبر ، فى المدة بين تقديم ذلك الخطاب المشبوه وإنتظار رد البابا ، قائلا : "فيما يتعلق بالمسلمين إن القيام بعمل تفسير وتعديل للقرآن بناء على مواقف تاريخية وثقافية ، دون التخلى عن المضمون الأساسى ، ليست مسألة مغلقة بل على العكس مفتوحة ومتاحة ، وهو نفس رأى البابا قبل وبعد خطابه فى راتسبون " .. وهو ما يعنى ضمناً أن خطابه هناك كان متعمدا مقصوداً ، وأن سبّه للإسلام وللنبى عليه صلوات الله كان متعمداً ..
والأمر مرفوع إلى كل من يجد فى نفسه بقية من إيمان ، فى جميع المؤسسات الإسلامية ، وكل المسلمين أينما كانوا ، للدفاع عن الإسلام .. فلقد تم تحديد موعد لقاء أعضاء "النخبة المختارة"، التى حظيت برضاء الفاتيكان للإجتماع باللجنة الكنسية الموقرة التى ستتدارس معهم كيفية تنفيذ قرارات " قداسة البابا " لعمل تفسير جديد للقرآن بعد تعديله وحذف ما لا يروقه فيه ، وذلك فيما بين أواخر فبراير 2008 وأوائل مارس ، أى قبل سفر قداسته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ليعلن فى الخطاب الرسمى الذى اختار وحدد أن يلقيه فى "جراوند زيرو" ، أى مكان الثلاثة أبراج التى نسفوها فى الحادى عشر من سبتمبر 2001 ليتلفعوا بشرعية دولية لإقتلاع الإسلام ، وهو ما يدور حاليا بصورة لايجروء أى إنسان على إنكارها !.. وحسبى الله ونعم الوكيل .. **********************
ومقال آخر مرتبط
الخطاب 138 والفاتيكان !.. بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية
أن هذا الموضوع أكبر بكثير من أن يعالج فى مثل هذا الحيّز المحدود ، ورياح الغدر والتواطوء تخيّم على الآفاق ، وإن كان بيع أرض فلسطين قد بدأ بالخيانة وتواصل بالهرولة والتواطوء ، فإن الأحداث تشير إلى ان نفس الكرّة تعاد فى حق الإسلام ! ففى 29 نوفمبر 2007 ، أى بعد شهر ونصف تقريبا ، أعلن البابا بنديكت السادس عشر باسم أمين سر دولة الفاتيكان وليس باسمه ، رده على خطاب ال138 مسلما الذين هروَلوا جهلا أو عن عمد ، استجابة للمساعى الخفية التى قادها رجال الفاتيكان، وبعض أعوانهم ، لرأب الصدع الذى نجم عن محاضرة راتسبون ، التى سب فيها البابا الإسلام والمسلمين وسيدنا محمد عليه صلوات الله ، وربط فيها بين الإسلام والإرهاب. والمعروف أنه لم يعتذر للآن عن موقفه هذا ، وفقا لمطلب القيادات الإسلامية ، وإنما اعتذر عن رد فعل المسلمين وهمجيته !! و رد البابا موجه إلى الأمير غازى بن محمد بن طلال ، المسؤل عن مؤسسة آل البيت بالأردن ، والذى تزعم تلك المبادرة التى انقاد اليها 138 مسلما من44 دولة بمختلف المراكز والألقاب والتوجهات .. ومن الغريب أن رد البابا موقع عليه يوم 19 نوفمبر ، وأعلن يوم 29، مع إعلان خطابه الرسولى الثانى المعنون " بالآمال نحن منقذون" ، ولعل الحكمة فى تأخير إعلان الرد ترجع إلى الرغبة فى زجه تحت الظل او أملا فى أن تنصير المسلمين سوف ينقذه بتحقيق آماله ! فالإعلام كله فى الغرب قد تناول خطابه الرسولى ، ولا إشارة تذكر تقريبا لرده على أولئك المسلمين إلا فى جرائده و مواقعه الفاتيكانية .. وقد أعرب البابا عن " تقديره العميق لهذه اللفتة وللروح الإيجابى الذى ألهم خطاب المسلمين" .. وبعد تذكيره بالخلافات العقائدية بين المسيحيين والمسلمين" ، أشار إلى ان ما يجمع هاتين العقيدتين (المسيحية والإسلام) هو : "الإيمان بالإله الواحد" ، الذى " فى نهاية الزمان سوف يحاكم كل إنسان وفقا لعمله" .. وهى العبارة الواردة فى وثيقة " فى زماننا هذا" الناجمة عن مجمع الفاتيكان الثانى عام 1965 ، التى برأ فيها اليهود ،ووضع فيها الفاتيكان آنذاك الإسلام بين ديانات الشرق الأقصى ، وأبعد فيها المسلمين عن عمد عن نسبهم لسيدنا إبراهيم ! وقد تناولت تلك الوثيقة بالتفصيل فى مقال سابق . كما أعرب البابا عن رضاه من أن المسلمين قد اختاروا أن يكون موضوع " محبة الله ومحبة القريب" ، التى كانت محور خطابه الرسولى الأول ، هى نفسها محور خطاب المسلمين ! ثم راح يملى شروطه من أجل إمكانية عمل حوار مشترك ، وهى : إحترام كرامة كل إنسان ، المعرفة الموضوعية لديانة الآخر ، تقاسم التجربة الدينية " ، وكلها عبارات مضغمة لمطالب معينة ، و بعد تطبيق ذلك أوضح أنه يمكن التعاون : "فى المجالات الثقافية والإجتماعية من أجل دعم العدالة والسلام " موضحا أن آفاق التعاون هى " ثقافية وإجتماعية وليست لاهوتية " .. أى ما معناه أنه لا نقاش فى العقيدة ، التى هى الخلاف الأساس بين المسيحية والإسلام . وهو نفس الموقف الذى إتبعته من قبل لجنة الحوار الفاتيكانية وفرضت على أعضاء اللجنة فى الأزهر أن يوقعوا على أنه لا نقاش فى العقيدة ! ثم أوكل البابا إلى الدكتور عارف على النايض ، الذى كان يعمل فى المعهد البابوى للدراسات العربية و الإسلامية، إختيار وفدا من الموقعين على الخطاب للقائه، موضحا أن هذا الوفد سيمكنه الإجتماع بحوالى عشرة من الخبراء الكاثوليك ، تحت قيادة المجلس البابوى للحوار الدينى ، برئاسة الكاردينال جان لوى توران ، والجامعة البابوية الجريجورية ، والمعهد البابوى للدراسات الإسلامية والعربية. والسيد توران هذا هو القائل " أن الخيط الموجِّه لعملى فى الحوار سيكون وثيقة "فى زماننا هذا" .. وفى الثلاثين من الشهر ، أى ثانى يوم إعلان رد البابا ، علّق الكاردينال جان لوى توران ، الذى سيترأس الحوار ، قائلا فى حديث له مع جريدة "أفنيرى"(Avvenire) الإيطالية : "لدى المسلمين يمكننا تقدير حجم إعلائهم لله ، وقيمة الصلاة والصوم ، وشجاعة إعلانهم عن إيمانهم فى الحياة العامة " . ثم أضاف قائلا : "ومن جانبهم يمكنهم ان يتعلموا منّا قيمة العلمانية الصحيحة ( !) وأنه يتعيّن على المسلمين أن يكتشفوا قيم عدم إجبار أو حرمان شخصا من ممارسة دين ما .. فما هو مباح لطرف يجب أن يكون مباحا للطرف الآخر ، ومن هذا المنطلق إن كان من الصواب أن يكون للمسلمين مسجدا كبيرا وجميلا فى روما ، فمن الصواب أيضا ومن الضرورى أن يكون للمسيحيين كنيستهم فى الرياض " ! ثم أشار إلى "إن مبدأ المبادلة هذا يمكن أن يتم بصورة فعالة عبر الحوار البلوماسى والكرسى الرسولى وحكومات البلدان ذات الأغلبية المسلمة " .. ثم أوضح الكاردينال أنه لا حوار ممكن مع " إسلام يبشر ويمارس الإرهاب ، الذى هو ليس إسلام أصلي وإنما تحريف للإسلام " وهى عبارة مأخوذة من أحد تصريحات الدكتور عارف على النايض فى حديثه مع إذاعة البى بى سى قائلا : " إن التعاليم الحقيقة للقرآن أيضا قد اختلطت بسبب انحلال وجمود داخلى للعالم الإسلامى ، مما أدى إلى حدوث تحريفات للإسلام الشرعى ، الشديد التسييس والخالى روحيا (...) ومن ضمن هذه التحريفات ذلك الإنطلاق الحالى للإرهاب باسم الدين والذى يتعين على كل واحد منا الواجب الدينى والأخلاقى لإدانته وطرده " .. أما الطامة الكبرى فهى مطلب البابا من ذلك الحوار الذى سيبدأ عما قريب : فهو يطالب الإسلام " أن يتبع نفس الطريق الذى سلكته وأتمته الكنيسة الكاثوليكية تحت ضغوط عصر التنوير. وأن حب الله وحب القريب يجب أن يتحقق فى القبول التام لحرية العقيدة " ، أى ما معناه الإقرار بأن نص القرآن ليس منزّلا وفتح الأبواب على مصراعيها لعمليات التبشير. و كان البابا قد أعرب بأوضح الصور عن معنى الحوار الذى يريده مع الإسلام فى الخطاب الذى ألقاه أمام الإدارة البابوية يوم 22 ديسمبر 2006 ، بمناسبة تقديمه التهنئة بأعياد الميلاد إلى أعضاء لجنة اللاهوت الدولية ، حيث قام بشرح الوصايا العشر وأنها تمثل " أساسا لقيم أخلاقية عالمية" ويمكن تلخيصها فى أهم نقطتين هما : حب الله وحب القريب ، ثم أعرب عن رأيه فى الحوار مع المسلمين قائلا : " فى الحوار الذى يجب علينا تكثيفه مع الإسلام ، علينا أن نضع أمام أعيننا واقع أن العالم الإسلامى يجد نفسه اليوم فى حاجة ملحّة أمام مهمة شديدة الشبه بتلك التى تم فرضها على المسيحيين إبتداء من عصر التنوير والتى أتى لها مجمع الفاتيكان الثانى بحلول جذرية للكنيسة الكاثوليكية بعد أبحاث طويلة مضنية "..
وقبل أن نتناول التعليق على ما عرضناه بعاليه ، تجدر الإشارة إلى المناخ غير الصحى الذى تم فيه "طبخ " ذلك الخطاب الموقّع علية من 138 "مسلما " ! فمجرد إلقاء نظرة على مختلف الوثائق والردود التى واكبته ، ندرك ان هناك ما يحاك فى الخفاء : إذ توجد متناقضات فى تاريخ تقديم الخطاب من 11 إلى 13 أكتوبر ، وهناك إشارة إلى أنه تم تقديمه فى أمريكا قبل تقديمه للبابا وباقى القيادات المسيحية ، وهناك تعليقات على الخطاب بتاريخ 9/10 ، أى قبل تقديمه على الأقل بيومين ( ؟ ! ) ، من قبيل رد جامعة كمبريدج ، ورد دكتور روان ويليامز ، اسقف كانتربرى يوم 11 ، لو إفترضنا أن الخطاب تم تقديمه يوم 11وليس يوم 13 وانبثق الرد جاهزا فى نفس اللحظة !.. وفى 13/10 أصدر الموقع التابع للفاتيكان تلخيصا رسميا للخطاب بقلم ساندرو ماجيستر ، موضحا أن هذا الخطاب قد تم الإعداد له فى مؤتمر بالأردن فى سبتمبر 2007 ، وأن من أهم العاملين عليه الدكتور عارف على النايض ، الذى كان يعمل بمعهد اللاهوت البابوى للدراسات العربية والإسلامية ، وأنه هو وغيره قد إلتقوا عدة مرات بقيادات فى الإدارة الفاتيكانية قبل إصدار ذلك الخطاب ، الذى بدأ الإعداد له منذ عام تقريبا، وأن أهم ما يميّز هذه الوثيقة أنها غير جدالية ، بمعنى أنها تجاوزت أو تناست الخلافات العقائدية .. إذ أن الوثيقة قائمة على عبارة " قل هو الله أحد الله الصمد " وتغاضت عن " لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " !.. و مما نخرج به فى عجاله من موقف الجانب الفاتيكانى هو: حشر مصالحة مع اليهود إعتمادا على إستشهاد الخطاب بالعهد القديم وإعتبار أن الخطاب موجه إليهم ايضا، أن هذا الخطاب يمثل إجماع رأى المسلمين ، ومطالبة المسلمين بإدانة العنف والإرهاب بتعديل نص القرآن او إدانته ، وأنه يتعيّن عليهم تعلم قيمة العلمانية الصحيحة من الفاتيكان (الذى قرر تنصير العالم !) ، وإباحة التنصير وإلغاء حد الردة ، المطالبة صراحة ببناء كنائس فى السعودية بدأ بالرياض .. ومن الواضح أن الخطاب بكله يدور فى محاور أقوال البابا ومطالبه ، وأنه لا نقاش فى العقيدة المسيحية ! وتبقى نقطتان أساسيتان تركتهما للآخر هما : مقولة أننا نعبد نفس الإله ، وأنه مطلوب من الإسلام ، أى الدين نفسه وليس المسلمين ، ان يتبع نفس ما قامت به الكنيسة الكاثوليكية تحت الضغوط الشديدة التى مورست عليها منذ عصر التنوير ، وخضعت لها فى قرارات مجمع الفاتيكان الثانى !.. ويا لها من عبارة جبارة كاشفة ، فهى من ناحية تمثل إعترافا من البابا بنديكت السادس عشر شخصيا بأن مجمع الفاتيكان الثانى قد خرج وحاد عن تعاليم المسيحية استجابة لضغوط عصر التنوير الذى كشف ما تم فى تلك العقيدة من تحريف منذ بداية مشوارها .. ومن ناحية أخرى ، فهو يطالب المسلمين بالقيام بنفس الشىء فى الإسلام ، والخروج صراحة عن تعاليمه وتعديلها وتبديلها لتتوائم مع متطلبات العصر !! وهنا تكفى الإشارة ، مجرد الإشارة ، إلى اهم ما قام به مجمع الفاتيكان الثانى ، ومنها : تبرأة اليهود من دم المسيح ، رغم وجود اكثر من مائة آية تتهمهم صراحة ، الإقرار بأن الله ليس "مؤلف الأناجيل" كما فرضها مجمع ترانت سابقا ، والإقرار بالتناقضات الواردة بها وأنها من باب تعددية الآراء ، إضافة إلى تعديل الطقوس واقتلاع اليسار وتنصير العالم وتوحيد كافة الكنائس وتحميل التبشير على كل الأتباع ، الخ الخ .. وقد أصدر ذلك المجمع الفاتيكانى الثانى العديد من النصوص فى عدة كتب منها : أربعة قوانين أساسية ، وثلاثة بيانات ، و تسعة قرارات. والقرار السادس من هذه القرارات التسع بعنوان : "ربنا يسوع" (21 صفحة َA4 مقاس) ، ويقول البند رقم 3 من الفصل الأول : " يسوع المسيح اُرسل إلى العالم كوسيط بين الله والبشر. وبما أنه هو الله فإن كل الكمال الإلهى يسكن فيه جسديا " .. فهل ذلك هو ما يؤمن به المسلمون يا أيها الموقعون على أننا نعبد نفس الإله ؟!. وعن نفس عبارة أننا نعبد نفس الإله الواحد ، لا يسعنى إلا أن أورد نص عقيدة الإيمان التى صيغت فى مجمع نيقية الأول عام 325 ، عندما تم تأليه السيد المسيح ومساواته بالله عز وجل : " نؤمن بإله واحد ، الآب القدير ، خالق كل الكائنات المرئية واللامرئية ؛ وبرب واحد يسوع المسيح ، إبن الله ، المولود من الآب ، المولود الوحيد ، أى أنه من نفس جوهر الآب ، إله من إله ، نور من نور ، إله حقيقى من إله حقيقى ، مولود وليس مخلوق ، مشارك لطبيعة الآب ، الذى به قد صُنع كل شىء ، ما هو فى السماء وما هو على الأرض ، والذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا قد نزل وتجسد وجعل نفسه بشرا ، وتألم وبُعث فى اليوم الثالث ، وصعد إلى السماوات وسيعود لمحاكمة الأحياء والأموات ؛ ونؤمن بالروح القدس . وملعون من لا يؤمن بذلك " .. (المجامع المسكونية، 3 أجزاء ، دار نشر لوسير ،1994 ). ومن الواضح فى هذا النص تأليه المسيح ومساواته بالله شكلا وموضوعا وقدرة ، والإيمان ، مجرد الإيمان بالروح القدس ، الذى تمت مساواته بالله وبالمسيح فى مجمع القسطنطينية الأول عام 381 وتكوين بدعة الثالوث التى لا يعرف عنها المسيح شيئا ! فهل ذلك هو ما يؤمن به المسلمون ؟! والسؤال موجه إلى أولئك الذين صاغوا ذلك الخطاب المشبوه ، الذى يكشف يقينا عن أن ولائهم للإسلام محل نظر .. أما النقطة الثانية والتى لا تقل فداحة عن الأولى ، فهى مطلب سيادة البابا بأن يتبع المسلمون نفس الخط الذى اتبعته الكنيسة الكاثوليكية رضوخا لمطالب عصر التنوير والتى قام بتنفيذها مجمع الفاتيكان الثانى بجهود مضنية !. ومن المعروف أن ما فعله عصر التنوير هو دراسة النصوص المسيحية و الكشف عن كل ما قامت به المؤسسة الكنسية من تبديل وتعديل فى العقيدة ، و من تحريف فى النصوص ، ومن تزييف فى التاريخ ، وفرضها الف عام من الظلمات على الأتباع ، تخللتها محاكم التفتيش والحروب الصليبية واقتلاع كل ما ومن خالفها ، ومنع التعليم إلا على رجال إكليروسها، بل ومنع الأتباع من قراءة الأناجيل .. لذلك سُمّى بعصر التنوير، فى مواجهة عصور الظلمات ، وفَرَض علي المؤسسة الكنسية مواجهة أعمالها بالوثائق ، بعد مضاهاتها بما يطلق عليه الأصول ، إذ لا توجد أصول أصلية حقا ، وطالب بفصل الدين عن الدنيا وإبتعاد الكنيسة عن مجال التعليم . بل لقد ذهب الفلاسفة إلى أبعد من ذلك برفضهم الحلول اللاهوتية وقاموا بنقد أساسيات التراث الكنسى والعقيدة ، رافضين ذلك الإله-الإنسان ورافضين أى سلطان سوى العقل والمنطق ، الذى اعتمدوا عليه لإعادة النظر فى بدعة العقيدة القائلة بتجسد الله فى المسيح ، وفى العقائد الأخرى والأخلاق فى المسيحية ، مطالبينها بممارسة التسامح وإقامة الحرية وإلغاء التعسف الصارخ فى الإمتيازات الكنسية وبذخها غير المبررة .. فهل يوجد فى الإسلام مثل هذا التاريخ الحافل بما لا يرضى الله والذى نبذه الغرب المسيحى وآثر الإحاد أو غاص فى الماديات بعد أن رأى فى دينه ما رأى ؟! إن المطلوب من المسلمين فى الحوار الذى سيدور فى عقر دار الفاتيكان قريبا ، بناء على ذلك الخطاب المشبوه : أن يقتلعوا الإسلام بأيديهم وأن ينسوا القرآن الكريم وكل ما به من آيات تستنكر تأليه المسيح و الشرك بالله ، وأن يعترفوا بأن الإرهاب من الإسلام بعد ان تم تحريفه وأن يعملوا على إدانة الإرهاب الذى الصقته بالإسلام حديثا كل من المؤسسة الكنسية والإدارة الأمريكية .. وهو نفس ما أعلن أثناء المؤتمر الذى دعت إليه منظمة "سانت إيجيديو" للتبشير فى نوفمبر الماضى بمدينة نابولى ، فيما بين تقديم الخطاب وانتظار رد البابا ، إذ أعلن الكاردينال وولتر كاسبار فى حديثه عن نصوص الرسالات التوحيدية الثلاث ، " أنه فيما يتعلق بالمسلمين أن القيام بعمل تفسير وتعديل للقرآن بناء على مواقف تاريخية وثقافية ، دون التخلى عن المضمون الأساسى ، ليست مسألة مغلقة بل على العكس مفتوحة ومتاحة.. وهو نفس رأى البابا قبل وبعد خطابه فى راتسبون " .. لذلك بدأت بقول أن الموضوع أكبر من أن يُعالج فى مثل هذا الحيّز المحدود ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ذلك الخطاب المشبوه قد تمت صياغته بمفهوم عبارة "لا تقربوا الصلاة" أى إعتمادا على بتر الآية ، وذلك ليس فى صورة الإخلاص وحدها وإنما فى صور وأحاديث أخرى .. ومن هنا يجب توضيح : أن شبهة التبعية للفاتيكان تؤيد القول بتنسيق فيما بينهما ، وكلمة "عار عليكم " تبدو هزيلة ضحلة بالمقارنة بفداحة الوضع ! وقد حددت قائلة : من صاغوا الخطاب ، لأنه من المؤكد أن هناك من وقّع عليه ثقة فيمن عرضه، أو مجاملة ، أو حتى جهلا بكل هذه الخلفيات .. وسؤال أتوجه به إلى علماء الأزهر ومؤسساته وإلى كل المؤسسات الإسلامية فى العالم الإسلامى : أين أنتم من كل ذلك الذى يدور فى حق الإسلام ؟ أين أنتم حتى من الذين ينتمون اليكم إسما ويشاركون فى مثل هذه المحافل الإجرامية فى حق الدين ؟! ألم يحن الوقت أن تنفضوا عن كاهلكم ذلك الدور السلبى غير الكريم وتهبوا للدفاع عن الإسلام ؟ .. أليس من الأكرم أن تشرحوا للعالم الغربى المسيحى المتعصب أسباب نزول آيات الجهاد الحربى فى القرآن ، بكل اللغات ، بدلا من ذلك الصمت الغريب ؟!. وكلمة أخيرة أتوجه بها للبابا بنديكت السادس عشر ، باسمى وباسم كل الأمناء فى أمة محمد ، عليه صلوات الله ، التى أعرف يقينا أنهم لن يرضوا بذلك الهوان : إن القرآن الكريم ، الذى تسعى كل تلك المحاولات الحثيثة لتغييره وتبديله ، هو النص الدينى المنزّل الوحيد الذى لم يعرف التحريف ، وكلها حقائق تعرفونها أكثر منى ، فبدلا من القيام بمزيد من الإسقاطات على الإسلام ، وإشعال الفتن والضغائن بين الشعوب بالإصرار على تنصير العالم ، أعيدوا النظر فى موقفكم من التسامح ، الذى طالبكم به عصر التنوير ، وأوضح لكم فى العديد من النصوص أن الإسلام لا يعرف الأسرار والغياهب ، وقائم على الإستقامة وأمانة علاقة الإنسان بربه . لا يا سيادة البابا المبجل : نحن لا نعبد نفس الإله ، وهذا الخطاب المشبوه لا يمثّل إجماع المسلمين ، والإرهاب ليس من الإسلام وإنما من الضغوط التى تمارس على المسلمين لإقتلاعهم من دينهم الذى أتى مصوبا لكل ما قامت به مؤسستكم على مر التاريخ : نحن نعبد الله الذى ليس كمثله شىء ، الله خالق السموات والأرض والكون بأبعاده وكل ما فيه ، ونؤمن بالرسالتين التوحيديتين قبل تحريفهما والحياد عن تعاليمها، ونؤمن بجميع الرسل والأنبياء ومنهم عيسى عليه السلام ، ونشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ونؤمن إيمانا يقينيا و قاطعا بكامل سورة الإخلاص القائلة : " قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد " ..