المتابع الجيد للوضع الإقليمى الحالى يعلم أن المنطقة لن تستقر إلا بحل الأزمة السورية، والوصول إلى تسوية بخصوص إيران وملفها النووى. ودون حل تلك المشكلتين ستستمر المنطقة تربة خصبة للإرهاب ورعاية تنظيمات مثل الدولة الإسلامية المعروفة إعلاميا ب«داعش»، والتى تمثل نقطة التقاء بين أفكار الجاهلية وظاهرة انتشار الميليشيات فى المنطقة. فنحن أمام تنظيمات متعددة تعمل خارج مفهوم وحدود الدولة فى شتى أنحاء الوطن العربى، مثل حزب الله، وكتائب القسام، وأنصار بيت المقدس، والقبائل الليبية... إلخ. وهناك -أيضا- موجة من الفكر الرجعى تنتشر انتشارا سريعا بسبب ضعف دول المنطقة فى تقديم الخدمات العامة مثل التعليم. وتوجهات مصر الإقليمية رغم نشاطها فى الفترة الأخيرة لا تعكس رغبة حقيقية فى لعب دور فاعل سواء فى الأزمة السورية أو الإيرانية. فالحرب الباردة بين إيران والسعودية فى المنطقة جعلت من مصر حليفا لما هو أقرب لها دون توجهات استراتيجية بعيدة المدى. ولذلك أصبحت خبراتنا السياسية فى الساحة الإقليمية تتركز فى رد الفعل دون وجود رؤية أو تصور لكيفية إنهاء الأزمة الإيرانية أو السورية والتى تؤثران بالسلب والإرهاب على الوضع الداخلى المصرى. فى ما يخص الملف الإيرانى وهو موضوع تلك المقالة، فإن التسوية النهائية بشكلها الحالى بين مجموعة ال«5+1» (الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن+ ألمانيا) وإيران من شأنها تفادى حرب لا يعلم مداها إلا الله. ولكن تبقى هناك خطورة وتبعات غير محسوبة لتلك التسوية منها: 1- حدوث سباق لاستخدام الطاقة النووية لأسباب سلمية أو غير سلمية فى المنطقة. 2- استمرار الصراع بين السعودية وإيران من جهة وإسرائيل وإيران من جهة أخرى وما له من تبعات معقدة. 3- عدم احتواء الميليشيات المنتشرة إقليميا. والسبب وراء احتمالية حدوث تلك التبعات هو عدم شمولية الاتفاق بين إيران ومجموعة ال«5+1»، وعدم مناقشة التسوية فى إطار تعزيز السلام فى المنطقة. فإيران تهتم بتقوية قدراتها النووية فى حين أن أمريكا وحلفاءها يريدون الحد من تلك القدرات، وبالتالى فإن الهدف من أى اتفاق بغض النظر عن التفاصيل هو الوصول إلى نقطة فى النصف تلتقى فيها مصالح الطرفين. وحتى نتفادى التبعات غير السلمية على مصر -فى حالة نجاح أو فشل مفاوضات الوصول إلى اتفاق نهائى بين إيران ومجموعة ال«5+1»- يجب أن تتحرك مصر الآن لتغيير المناقشات من الوصول إلى اتفاق نهائى للحد من توسع إيران النووى إلى الوصول إلى اتفاق إقليمى يقلل من فرص حدوث التبعات السابق ذكرها. وكى يحدث ذلك فإن أول خطوة هى مشاركة طرف إقليمى فى المفاوضات. فلا يصح أن تكون جميع الأطراف الإقليمية غائبة عن اتفاق سوف يحدد الوضع السياسى للمنطقة فى العقود القادمة. وأفضل طرف للمشاركة فى المناقشات هو مصر لعلاقتها القوية والاستراتيجية بدول الخليج، ولأن عديدا من دول الخليج لديه صراع مباشر مع إيران. إن كان الماضى يفرقنا، فالمستقبل يجب أن يجمعنا.