كانت مؤسسة القضاء على رأس المؤسسات التى استهدفت جماعة الإخوان السيطرة عليها، فقد اعتمدت الجماعة منذ فترة طويلة سياسة اختراق هذه المؤسسة العريقة والسيطرة عليها من الداخل، معتمدة على أعداد من خريجى كلية الشريعة والقانون، وأيضًا زرع خلايا تابعة لها داخل هذه المؤسسة العريقة. نجحت الجماعة فى اختراق هذه المؤسسة مبكرًا وكانت هناك عشرات الخلايا النائمة فى مؤسسة القضاء، وقد جرى تنشيط بعض من هذه الخلايا بعد 25 يناير 2011، ثم جرى تنشيط الخلايا الأكثر خطورة بعد فوز مرسى بالرئاسة، فظهر تيار «قضاة من أجل مصر»، وهم رجال الجماعة داخل هذه المؤسسة العريقة الذين بادروا بإعلان فوز مرسى بالمنصب من قبل أن تعلن ذلك لجنة الانتخابات الرئاسية. واستعان مرسى بعدد من هؤلاء القضاة فى فريقه الرئاسى والحكومى أيضًا ومنهم الأخوان مكى، محمود نائبًا له، وأحمد وزيرًا للعدل. وبدأت الجماعة فى استهداف المحكمة الدستورية العليا فكان قرار محاصرة المحكمة ومنعها من النظر فى دستورية قرارات مرسى. صمد القضاء المصرى وواجه الجماعة فى أوج قوتها ونظر قضية هروب مرسى من سجن وادى النطرون فى الثامن والعشرين من يناير 2011، ووجّه إليه، وهو فى السلطة، اتهامات بالتخابر مع جماعات غير مصرية واقتحام السجون وتهريب مساجين، وهى إحدى القضايا التى يُحاكم فيها مرسى اليوم. رحلت الجماعة عن حكم مصر بقرار شعبى، ولم يتوقف مخطط استهداف مؤسسات الدولة المصرية ومن بينها مؤسسة القضاء، روّجوا للقول بأن قضاء مصر مسيّس، وأنه يصدر الأحكام وفق أهواء السلطة السياسية، وهو قول يستهدف تشويه سمعة القضاء المصرى، فعلوا ذلك وشجّعوا عواصم أجنبية ومؤسسات دولية على رفض أحكام القضاء المصرى فى قضايا مختلفة، اتخذوا من قرار قاضى محكمة جنايات المنيا بإحالة أوراق 528 شخصًا إلى فضيلة المفتى منصّة للهجوم على القضاء المصرى، لم يتوقّف أحد أمام أنه قرار، وأن غالبية المتهمين هاربون، وأن القبض على أى منهم يستوجب إعادة المحاكمة وأن هناك مراحل للاستئناف والنقض، لم يتوقف أحد أمام كل هذه الاعتبارات، وبدأت حملة إخوانية غربية ضد القضاء المصرى، عبّرت الولاياتالمتحدة عن انزعاجها من الحكم، وقال الأمين العام للأمم المتحدة إنه يشعر بالصدمة من الحكم، وصدر عن الاتحاد الأوروبى ما يفيد رفض الحكم. وجاء قرار حكم المحكمة بتأييد الحكم الصادر بحق ثلاثة من النشطاء بالسجن ثلاث سنوات لخرق قانون التظاهر، ليثير ردود فعل دولية غاضبة، رفضوا حكم تأييد حبس النشطاء، طالبوا بالإفراج عنهم فورًا. السؤال هنا: مَن الذى أعطى للعواصمالغربية الحق فى التعليق على أحكام القضاء المصرى؟ مَن الذى أعطى الحق لهم برفض بعض هذه الأحكام والمطالبة بإلغائها؟ الإجابة ببساطة شديدة، جماعة الإخوان التى شكَّكت فى مؤسسة القضاء المصرى، وأيضًا رغبة من العواصمالغربية فى تدمير سمعة القضاء المصرى وتشويه صورته باعتباره قضاءً مسيّسًا. وفى تقديرى أن الدولة المصرية نفسها تتحمّل قدرًا كبيرًا من المسؤولية عن تشويه القضاء المصرى، لأنها لم تبادر بالرد الفورى على مثل هذه التدخّلات غير المقبولة، فمثل هذه الأشكال من التدخّل الدولى فى الشأن الداخلى لا تتم إلا بعد أن تجرى عملية تشويه متعمّدة للمؤسسة المستهدفة، وقد تركت الدولة المصرية حملات التشويه لفترات طويلة، كما أن بعض رجال القضاء أسهموا فى تبرير حملات التشويه عبر الدخول فى لعبة السياسة، ففى اللحظة التى قبل فيها قاضٍ مصرى أن يحدّد دائرة خاصة ويعقد جلسة مسائية للإفراج عن المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى، وتهريبهم بليل، فإنهم بذلك أسهموا فى تشويه صورة القضاء المصرى وأعطوا لمن يريد التحدّث عن «تسييس القضاء» أدلة وبراهين على ذلك. آن الأوان لإعادة الاعتبار إلى قضاء مصر الشامخ، والحسم فى مواجهة استهدافه داخليًّا وخارجيًّا، فاستهداف القضاء المصرى هو استهداف للدولة المصرية.