تعد مصر من الدول القليلة فى المنطقة التى سبق لها وأرست دعائم دولة القانون والمؤسسات، صحيح أن حكامها تلاعبوا وتحايلوا على القانون فى أوقات كثيرة، إلا أن الصحيح أيضا أن مؤسسات الدولة المصرية كثيرا ما تصدت لهم وواجهتهم فى أوج قوتهم. سبق للقضاء المصرى أن أصدر عشرات الأحكام على غير هوى الحاكم، وسبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت ببطلان البرلمان أكثر من مرة، وكان لمؤسسات الدولة احترامها، حيث كان الحاكم يتحايل على الحكم، لكنه لم يشكك أبدا فى نيات المحكمة ولا استهدف قضاتها. بدأت أحداث الخامس من يناير باستهداف جهاز الشرطة، والأخير كان قد وصل إلى مرحلة متقدمة من العداء مع المصريين، بسبب عمليات القمع والاعتقال، إضافة إلى أنه بات عصا النظام الغليظة لتمرير سيناريو التوريث، ومن ثم قام بكل ما من شأنه تحطيم أى معارضة لهذا السيناريو. عموما بدأت جماعة الإخوان فى الالتحاق بالثورة بعد الثامن والعشرين من يناير، عندما أيقنت أن شباب الثورة بدأ يحقق نجاحات فى مواجهة النظام، والأخير بدأ يترنح، هنا تخلت الجماعة عن تحفظها، وبدأت عناصرها توجد فى ميدان التحرير. كما صدرت الأوامر باقتحام السجون وتهريب قياداتها وكوادرها من السجون، تمت الاستعانة بالأشقاء من غزة لإتمام عمليات اقتحام السجون ومقار جهاز مباحث أمن الدولة. حققت الجماعة هدفها الأول بإسقاط جهاز الشرطة، وبدأت تعمل بعد ذلك على هدم باقى مؤسسات الدولة، وهى العملية التى بدأت مع تولى الدكتور محمد مرسى رئاسة الجمهورية، فقد بدأ باستهداف أعرق المؤسسات المصرية وهى مؤسسة القضاء. كان غريبا للغاية ذلك العداء الشديد الذى تكنُّه الجماعة لمؤسسة القضاء المصرى، بدأ الدكتور مرسى بالمناورة فى قضية أداء اليمين الدستورية، وبدا واضحا أن الرجل لا يريد أداء القسم أمام المحكمة الدستورية العليا، ناور وحاول التهرب، لكن المحكمة تمسكت بضرورة أداء اليمين أمامها، وهو ما حدث بالفعل. انتقل مخطط الجماعة بعد ذلك إلى محاولة تفتيت المحكمة وتقزيم دورها، وهو ما تم فى مواد الدستور الجديد، حيث خفض عدد قضاة المحكمة إلى النصف وسلبها حق الرقابة اللاحقة لقوانين الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية. وبدأت الجماعة فى التخطيط لدفع كوادرها إلى سلك القضاء من أجل السيطرة على تلك المؤسسة من الداخل، مستعينة فى ذلك بخلاياها التى كانت نائمة داخل هذه المؤسسات، وحان وقت تنشيطها. فى نفس الوقت عادت الجماعة وبقوة لتفتيت جهاز الشرطة عبر تشويه سمعة الجهاز من خلال الحديث المتواصل عن التطهير والاستعانة بشخصيات من داخله، لديها استعداد تام للعمل مع الجماعة مثل محمد إبراهيم الذى تم تعيينه وزيرا للداخلية، خلفا للواء أحمد جمال الدين الذى نجح فى إعادة ترميم صورة الجهاز فى عيون المواطنين، وبدأ فى استعادة هيبته وعمله وفق القانون، وبدأت الجماعة تدفع بكوادرها لدخول كلية الشرطة من أجل السيطرة على الجهاز تدريجيا. فى نفس الوقت تحركت الجماعة وبقوة من أجل اختراق المؤسسة الأهم فى مصر، الرقم الصعب مصريا وإقليميا، مؤسسة الجيش وهى العملية المتواصلة منذ حادثة رفح الإرهابية حيث هناك كثير من الألغاز المحيطة بهذه الجريمة، وهناك تعمد لغلّ يد المؤسسة عن مواصلة التحقيق فى هذه الجريمة، إضافة إلى غل يد الجيش عن تحصين أمن مصر القومى، عبر تأمين حدود مصر مع قطاع غزة، فالجماعة ترفض سياسة الجيش فى هدم الأنفاق والرقابة على الحدود مع القطاع، تلك الحدود التى باتت مستباحة تماما ويجرى عبرها تهريب السلاح والمسلحين من وإلى القطاع عبر سيناء. تسعة أشهر من حكم الدكتور محمد مرسى ومؤسسات الدولة المصرية تتعرض للهدم التدريجى، ولو استمرت هذه السياسية فلسوف تنتشر الفوضى فى البلاد وتحل ميليشيات الجماعة محل مؤسسات الدولة المصرية، وهنا يمكن أن تتحول مصر إلى دولة فاشلة، وهو خطر يحدق بمصر والمصريين، فهذه الدولة المركزية التى يمتد عمرها إلى آلاف السنين معرضة للهدم على يد جماعة الإخوان التى تريد تحويل مصر إلى مجرد حلقة من حلقات مشروعها الأممى دون أن تتوقف أمام ما يمكن أن يترتب على هدم مؤسسات الدولة المصرية من فوضى فى البلاد والمنطقة وما يمكن أن يترتب عليه أيضا من اضطرابات إقليمية، فمصر ليست أفغانستان ولا الصومال، حيث جرى هدم الدولة هناك دون انتشار الفوضى فى المحيط الإقليمى. أما فى حالة مصر فهدم مؤسساتها يعنى انتشار الفوضى فى المنطقة ككل، ويعنى أيضا تزايد احتمالات التدخل الدولى فى المنطقة، لما لها من أهمية بالغة للمصالح الحيوية للقوى الدولية الكبرى، سواء تمثلت فى مواد خام، على رأسها النفط أو ممرات ملاحية دولية كقناة السويس، من هنا يبدو مهمًّا للغاية تكاتف الجهود لمنع هدم ما تبقى من مؤسسات الدولة المصرية والحيلولة دون مواصلة الجماعة لمخططها. وتلك مسؤولية الشعب مع مؤسسات الدولة المصرية.