سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التغيرات المناخية أبرز التحديات التى تواجه القطاع الزراعى وتعيد رسم خريطة الزراعة.. ارتفاع الحرارة وتداخل الفصول يؤثر على الإنتاجية.. ومنسوب سطح البحر يهدد بملوحة الدلتا.. والمراكز البحثية خط الدفاع الأول
يواجه القطاع الزراعي في مصر تحدياً وجودياً مع تسارع وتيرة التغيرات المناخية، التي لا تهدد فقط ب "إجهاد حراري" للمحاصيل والإنتاج الحيواني، بل تعيد رسم خريطة توزيع الزراعات بشكل كامل، وباتت الجهود الحكومية والمراكز البحثية هي خط الدفاع الأول لضمان الأمن الغذائي في مواجهة ارتفاع درجات الحرارة وشح الموارد المائية. تشير الدراسات إلى أن ارتفاع متوسط درجات الحرارة، وتداخل فصول العام، يؤثر بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل الأساسية، فعلى سبيل المثال، توضح التقديرات أن محاصيل مثل القمح والذرة قد تشهد انخفاضاً في بحلول منتصف القرن، وهو ما يضع ضغطاً كبيراً على جهود تحقيق الاكتفاء الذاتي، و هذا التغير يفرض على المزارعين والمخططين الزراعيين تحديث "العروات" وتغيير مواعيد الزراعة التقليدية لتفادي ذروة الموجات الحارة. كما أن التقلبات الجوية العنيفة، مثل الموجات الحرارية والعواصف الترابية، تزيد من فرص انتشار الآفات والأمراض النباتية، مما يفرض أعباء إضافية على إدارة المحاصيل. و التحدي الثاني والأخطر يتمثل في المياه والأرض ف ارتفاع منسوب سطح البحر يهدد بملوحة مساحات واسعة من أراضي دلتا النيل الخصبة نتيجة تغلغل المياه المالحة، مما يقلص المساحات الزراعية المتاحة، و في الوقت نفسه، تتزايد حاجة المحاصيل للمياه بفعل زيادة معدلات البخر المصاحبة للحرارة، مما يرفع من استهلاك المياه لرى المحاصيل و هذا الوضع يجبر الدولة على التوسع في الزراعات المقاومة للملوحة والجفاف، والنقل الاستراتيجي لبعض الزراعات إلى مناطق جديدة مثل مشروعات الاستصلاح في الصحراء . وهنا يأتى دور المراكز البحثية، فالابتكار خط الدفاع الأول في مواجهة هذا التحول، حيث تلعب المراكز البحثية، وعلى رأسها مركز البحوث الزراعية، دوراً محورياً عبر استراتيجية قائمة على الابتكار والتكيف:
استنباط السلالات المقاومة نجح الباحثون في تطوير وإنتاج أصناف جديدة من التقاوي تكون قصيرة العمر، وأكثر قدرة على تحمل الإجهاد الحراري والجفاف والملوحة و هذه الأصناف تستهلك كميات أقل من المياه وتساعد في الحفاظ على معدلات الإنتاج.
نظم الإنذار المبكر تعمل المراكز على تطوير شبكات رصد مناخي لتقديم إرشادات دقيقة للمزارعين حول أنسب مواعيد الزراعة والحصاد، وتفعيل الزراعة التعاقدية لربط المزارع بالأسواق وضمان أسعار عادلة للمحاصيل المتكيفة مع المناخ. تطبيق "الزراعة الذكية مناخياً" حيث يتم دعم المزارعين في تبني هذه السياسات التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية المستدامة، وخفض الانبعاثات الكربونية، عبر تقنيات مثل الري الحديث (بالتنقيط والرش) بدلاً من الغمر، واستخدام التكنولوجيا الحيوية لتطوير التركيب المحصولي. و تتبنى الحكومة المصرية الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، وتضع الزراعة في صلب أولوياتها. وتتضمن الإجراءات الحكومية: تنفيذ مشروعات قومية لتأهيل الترع وتحديث نظم الري في الأراضي القديمة لترشيد استهلاك المياه ورفع كفاءة الاستخدام. تقديم الدعم المالي والفني للمزارعين، وتنفيذ حملات إرشادية واسعة (مثل "معاك في الغيط") لتدريبهم على الممارسات الزراعية المستدامة والمتوافقة مع التغيرات المناخية. التوسع في بناء الصوامع الحديثة لتقليل الفاقد من الحبوب الاستراتيجية، والاستثمار في البنية التحتية القادرة على الصمود أمام الظواهر الجوية المتطرفة. جدير بالذكر أن تغيير الخريطة الزراعية يمثل تحدياً ضخماً، لكنه يفتح الباب أمام تحول إجباري نحو الابتكار والكفاءة، تقوده المراكز البحثية وتدعمه الدولة لضمان بقاء القطاع الزراعي قادراً على تلبية احتياجات الأمن الغذائي المصري أكد الدكتور محمد علي فهيم، رئيس مركز معلومات المناخ بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، أن الدولة المصرية بدأت منذ سنوات في اتخاذ إجراءات وطنية للحد من آثار التغيرات المناخية والتكيف معها في القطاع الزراعي. أضاف فهيم أنه تم استنباط أصناف جديدة من القمح والذرة والأرز ومحاصيل أخرى تتوافق نوعًا ما مع التغيرات المناخية وقد ساهمت هذه الأصناف في المحافظة على إنتاجية المحاصيل بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى أنها مقاومة للأمراض والآفات كما يتم العمل على استنباط أصناف جديدة من المحاصيل الحساسة مثل الفاكهة والخضراوات (كالطماطم والفلفل والمحاصيل الورقية) التي تأثرت سلباً بالحرارة في الصيف الماضي، لتكون أكثر تحملاً لهذه التغيرات. و بدأ المزارعون يعتمدون بشكل متزايد في قراراتهم الزراعية على "خدمات الإنذار المبكر" التي يقدمها مركز معلومات تغير المناخ التابع لوزارة الزراعة حيث ينتج المركز توصيات زراعية جديدة تهدف إلى تقليل تأثيرات التغيرات المناخية، حيث تصل هذه التوصيات للمزارع قبل حدوث المشاكل. وتشمل التوصيات تحديد مواعيد البدء والتوقف عن الري، استخدام مركبات محددة، الرش الوقائي ضد الأمراض والآفات بناءً على التنبؤات المناخية، وتحديد مواعيد الزراعة، وكذلك الخريطة الصنفية وزراعة الأصناف المناسبة في أماكن تجويدها (في الوجه البحري أوضح فهيم أن هذه التدخلات الاستباقية، من إنذار مبكر واستنباط أصناف جديدة، قللت إلى حد ما من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية التي باتت "واقعاً صعباً" يتسم بالتسارع الكبير، وأشار إلى أن هذه الإجراءات، بالرغم من قوتها، لا تزال غير كافية لمواكبة هذا التسارع. و شدد على ضرورة "التوعية التنفيذية"، أي استجابة المزارع للممارسات التي تحد من تغير المناخ، مثل الالتزام بالخريطة الصنفية وزراعة الأصناف المحددة في المناطق المناسبة. وأكد أن خدمات الإنذار المبكر أثرت بشكل كبير في قرارات المزارعين، الذين بدأوا في الاستجابة لها والسعي لمعرفة مواعيد الزراعة والري المناسبة.