لا شك أن دور القضاء سيكون له أهمية كبرى فى تثبيت أركان الدولة الجديدة خلال المرحلة المقبلة. وفى التاريخ اعتمد المصريون على القضاء فى الحصول على حقوقهم فى ظل أنظمة استبدادية لم تراع أى حريات، سواء عامة أو شخصية. فكان القضاء هو حائط الصد الذى اعتمد عليه الناس والمؤسسات والمنظمات فى وقف الاستبداد أو نتائجه على الأقل.. وكشف قمع تلك الأنظمة الحاكمة. وفى لحظات التضييق على الحريات التى مارسها نظام مبارك على سبيل المثال، رفع المواطنون شعارا أخيرا هو: «يا قضاة يا قضاة.. خلصونا من الطغاة».. وأعيد رفعه وترديده مرة أخرى فى عهد مندوب جماعة الإخوان، محمد مرسى، عندما أراد أن يجعل من البلد عزبة تابعة للإخوان، بإعلانه الدستور المستبد فى 21 نوفمبر من العام الماضى «2012».. والذى تحدى به جميع مؤسسات الدولة، بما فيها القضاء. ومن هنا كانت الأنظمة الحاكمة المستبدة تحاول الالتفاف على القضاء، وتعمل من أجل السيطرة عليه، وكانت أدواتهم فى ذلك وزارة العدل وانتداب القضاة والتلاعب بذلك، والتحكم فى موازنة القضاء.. فضلا عن التلويح بالمناصب التنفيذية للبعض، لاختراق القضاء. ومع هذا صدرت أحكام تاريخية من قضاة، فى ظل تلك الأنظمة الحاكمة المستبدة، منها ما يُعلى من الحريات العامة والشخصية، استمرارا لتاريخ جليل للقضاء المصرى، الذى تشهد له فى هذا المجال أحكام محكمة النقض، التى كانت تؤسس لقيم عليا تقفز على قانون جائر وضع بواسطة مشرعين أفسدوا، وأُفسدوا لصالح نظام الحكم.. ناهيك بأحكام حافظت على الدولة وحقوقها، كما جاء فى استعادة بعض شركات القطاع العام، التى تم بيعها زورا وبهتانا وبعمولات لصالح مسؤولين كبار فى دولة فساد مبارك. وفى ظل تلك الأنظمة الحاكمة الفاسدة كان دائما الأمل فى القضاء وقضاته المستقلين، بصنع ووضع بذرة التغيير. وقد رأينا كيف حاولت جماعة الإخوان فى أثناء حكمهم، التعدى على القضاء بالاستعانة بمجموعة من القضاة -كنا نظنهم للأسف قضاة مستقلين- كانوا خلايا نائمة للإخوان، لانتهاك عرض القضاة، والتدخل فى شؤونهم ومحاولة القضاء عليهم. ورأينا الموقف الواضح العدائى من المحكمة الدستورية العليا ومن قضاتها، وذلك بعد حكم حل مجلس الشعب، لمخالفة قانون انتخابه للدستور.. ومحاولات الجماعة ومندوبهم وقتئذ، محمد مرسى، الالتفاف حول الحكم، وإعادة مجلس الشعب، إلا أن المحكمة رفضت ذلك، وأجبرت مرسى وجماعته على الانصياع لحكمها، فما كان منهم إلا أن دعوا أنصارهم لممارسة أعمال البلطجة والإرهاب، ومحاصرة المحكمة الدستورية ومنع القضاة من ممارسة أعمالهم ونظر القضايا.. وللأسف استجابت المحكمة الدستورية لذلك الإرهاب، ولم تنعقد وقتها!! أيضا موقف الجماعة، ومندوبهم محمد مرسى، من النائب العام، وإصدار قرار غير قانونى وغير مسبوق بعزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، وبرعاية من قضاة عملوا لصالح الجماعة لا لصالح القضاء والوطن.. ناهيك بما اقترفه محمد مرسى علنا من انتهاكات فى حق قضاة. أيضا مجموعة قضاة الإخوان الذين حاولوا اختراق مؤسسة القضاء وجعلها تابعة للجماعة، بعد أن أصبحوا تابعين لمكتب الإرشاد ويسيرون على تعليماته وبمساعدة ممن تولوا منصب وزير العدل، الذين عملوا لصالح الإخوان لا لصالح القضاء. لقد تعلم القضاة كثيرا من تلك التجارب. ولم يعد ينفع فى تلك الأيام وفى المستقبل إلا استقلال القضاء استقلالا حقيقيا. وها هو الدستور الجديد يمنح القضاة استقلالا تاما. والدولة بمؤسساتها -ومن بينها مؤسسات لا تزال غائبة- لا تتدخل فى شؤون القضاء. وأصبح أمر استقلال القضاء بين القضاة أنفسهم. وها هم، سيظلون مشرفين على الاستفتاء والانتخابات، حتى تشكيل مفوضية خاصة للانتخابات، فعليهم دور مهم فى مرحلة مهمة من تاريخ البلاد.. فلا يزال القضاء يحمل كثيرا من الأعباء، وهو قادر عليها باستقلاله. وسيظل القضاء هو الحصن للمواطن.. بعد استعادته مستقلا. وسيظل هو الأمل فى استعادة أحد أهم أركان الدولة. وسيظل حامى الوطن والمواطنين فى ظل محاولات من البعض لاستعادة أدوات القمع.