تحدثت الأسبوع الماضي عن اثنين من رؤساء الهيئة العامة للتعمير والمشروعات والتنمية الزراعية الأول المهندس عبدالوهاب سليم عرفته منذ أكثر من ربع قرن وفرقت بيننا الأيام وكنت لا أعرف إذا كان علي قيد الحياة أم لا.. وكانت فرحتي طاغية عندما جاءني صوته عبرالهاتف بعد أن قرأ كلامي يوم الاثنين الماضي ليقول لي بصوته المميزأنا مازلت حيا أرزق.. أما الثاني فهو اللواء مهندس محمود عبدالبر الرئيس الحالي للهيئة.. وكان موقفه الرائع السبب الرئيسي في تنشيط ذاكرتي والحديث عن عبدالوهاب سليم.. وإن كنت أتوقع أن يكون هذا الموقف المشرف في الدفاع عن أموال الدولة وحقوقها من جانب محمود عبدالبر السبب الرئيسي في خروجه من الهيئة في أقرب فرصة! وسيتكرر معه نفس السيناريو الذي جري مع المهندس حسين عبدالهادي الرئيس السابق لشركة بنزايون الذي كشف عملية بيع عمر أفندي بأبخس الأثمان! وقد توقعت وقتها وراهنت علي خروج عبدالهادي .. واتوقع وأرهن من الآن علي خروج عبدالبر لأن حلف وحزب الفساد كالاخطبوط له أذرع وعيون كثيرة في كل المواقع! ولايهدأ ولايرتاح إلا إذا أزاح الشرفاء من طريقه.. الهيئة العامة للتعمير والمشروعات والتنمية الزراعية وكما هو واضح من اسمها- معنية بتعمير واقامة المشروعات الزراعية وتنمية وبيع الاراضي الواقعة خارج الزمام.. أي بالمختصر المفيد تعمير وزراعة وتنمية المناطق الصحراوية! وقد نجحت الهيئة في إقامة مناطق علي هذا النحو.. مثل منطقة النوبارية وغيرها.. ولو بقيت الهيئة تؤدي رسالتها علي هذا النحو.. لتغيرت أشياء كثيرة في حياتنا.. ولكان لهذه الهيئة دور أكثر فعالية في تنمية الاقتصاد المصري فبعدما نجحت الهيئة في إقامة منطقة النوبارية بدأت في التفكير بجدية في إقامة مناطق أخري.. وبالفعل كلفت الهيئة مجموعة من بيوت الخبرة والعلماء المتخصصين في أبحاث التربة والمياه الجوفية بإجراء البحوث والدراسات علي المنطقة الممتدة من وادي النطرون وحتي ابورواش علي أطراف مدينة الجيزة وكذلك المناطق الموجودة في سيناء الشمالية والجنوبية ومناطق أخري في صحراء الصعيد.. وقد أثبتت هذه الأبحاث العلمية أنه يمكن زراعة ثلاثين ألف فدان حول مدينة السادات وزراعة حوالي خمسين الف فدان في المنطقة الممتدة من مدينة السادات وحتي ابورواش وزراعة حوالي ثلاثين ألف فدان في سيناء الشمالية! وطبعا لايمكن الزراعة بدون مياه لأنها هي العنصر الاساسي لهذه العملية وقد أثبتت الابحاث والدراسات العلمية أن المنطقة الممتدة من وادي النطرون وحتي أبورواش ترقد علي خزان مياه جوفية وأن هذا الخزان يدخله يوميا ما يقرب من 2 مليون متر مكعب من المياه تتسرب اليه من ترعة النصر والرياحين الشمالي والناصري.. وأكدت الدراسات أنه يمكن زراعة آلاف الأفدنة التي ذكرتها بشرط ألا تزيد الكميات المسحوبة من المياه علي الكمية الواردة إلي الخزان من الروافد التي ذكرتها لأن الزيادة في المسحوب من المياه تؤدي إلي زيادة درجة ملوحة مياه الخزان الجوفي! هذا عن الأراضي الصالحة للاستصلاح والاستزراع لوجود كميات المياه اللازمة لزراعتها فماذا عن الاراضي البعيدة عن هذا الخزان الجوفي، أوصت الدراسات بإقامة مجتمعات عمرانية وصناعية عليها.. تخيلوا لو أن هذه الآلاف من الافدنة زرعت قمحا أوخضروات وتخيلوا كم المشروعات الزراعية والانتاج الحيواني والداجني التي كانت ستصاحب هذاالمجتمع الجديد! وتخيلوا الاعداد من الايدي العاملة التي كانت ستستوعبها هذه المشروعات.. وتخيلوا لو أن الدولة فكرت في نقل بعض الوزارات والهيئات المتكدسة في القاهرة إلي هذه المناطق ألم تكن هذه المشروعات لو أقيمت كفيلة بتقليص الاعداد المهاجرة إلي القاهرة بحثا عن لقمة عيش أو قضاء مصلحة ! القاهرة التي تكاد تنفجر من الملايين التي تسكنها أوتفد إليها، العاصمة تخنقها العشوائيات ..حتي المقابر زاد عدد الاحياء فيها علي عدد الموتي! وصدقوني لن تفلح كل عمليات شد الوجه والنفخ والكباري المعلقة مادام بقي الحال علي ما هو عليه! نعود إلي موضوعنا علي الرغم من كون الكلام السابق هو صلب الموضوع أهملت الدولة وتجاهلت تنفيذ هذه الاقتراحات والدراسات بحجة ضعف الامكانيات المادية وعدم قدرة خزينة الدولة علي تنفيذها في نفس الوقت الذي ضخت فيه المليارات لتنفيذ مشروع توشكي و هو المشروع الذي ثبت فشله بشهادة جميع الخبراء والمختصين!.. إهمال الدولة لملف تعمير وتنمية المشروعات الزراعية التي اعدتها الهيئة وبالذات علي جانبي طريق مصر الاسكندرية الصحراوي اعطي الفرصة لعمليات وضع اليد من قبل بعض المحترفين علي مساحات شاسعة من هذه الاراضي وكانت هذه الاراضي ايضا بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا بالنسبة لبعض ضعاف النفوس من المسئولين الذين تفننوا في تقنين وضع اليد مقابل رشاوي وعمولات فتحولت الارض التي من المفروض زراعتها قمحا أو خضر إلي فيلات وقصور ومنتجعات سياحية! وتفنن كل واصل بنفوذه أو بفلوسه في دق الابار العشوائية بعيدا عن سلطة ورقابة أي جهة مسئولة عن المياه الجوفية ومع زيادة القصور والفيلات والمباني الخرسانية زادت عدد الآبار وزاد سحب الكميات من المياه الجوفية من أجل عمل النافورات واشجار الزينة وبدأ الخطر يعرف طريقه إلي خزان المياه الجوفية في هذه المنطقة! وذرا للرماد في العيون بدأ المسئولون في وزارة الري وهي الجهة المسئولة عن المياه الجوفية.. تخرج علينا من حين لآخر وعلي استحياء تعلن علي لسان الوزير انها ستتدخل لوقف هذا التعدي! وطبعا كلها تصريحات وكلام للاستهلاك وتهدئة للأمور! هل رأيتم أوضاعا معكوسة أكثر من ذلك .. في أغني دول العالم يزرعون كل شبر حتي قمم الجبال! ونحن نحول الارض الصالحة للزراعة إلي منتجعات! وطبعا ليس هذا غريبا علي بلد مثل مصر التي يبدو انها اغني من سويسرا.