النائب فريدي البياضي: مشروع قانون الإيجار القديم ظالم للمالك والمستأجر.. وهذه هي الحلول    هل تعاود أسعار السيارات الارتفاع في الصيف مع زيادة الطلب؟ عضو الشعبة يجيب    ب«الزي الرسمي»... أحمد الشرع والشيباني يستعرضان مهاراتهما في كرة السلة (فيديو)    هل هناك بنزين مغشوش.. وزارة البترول توضح    بعد هبوطه في 6 بنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 6-5-2025    أسعار الذهب اليوم الثلاثاء بعد الارتفاع القياسي بجميع الأعيرة    وسائل إعلام: ترامب لا يشارك في الجهود لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس    غارات إسرائيلية تستهدف سلسلة جبال لبنان الشرقية وبلدة طيرحرفا في جنوب لبنان    الحوثيون: ارتفاع ضحايا قصف مصنع بغربي اليمن إلى قتيلين و 42 جريحا    باكستان ترفض اتهامات الهند لها بشأن صلتها بهجوم كشمير    كانت متجهة للعاصمة.. الدفاعات الجوية الروسية تسقط 19 مسيرة أوكرانية    رونالدو يتصدر تشكيل النصر المتوقع أمام الاتحاد في الدوري السعودي    السيطرة على حريق شب داخل محل نجف بمصر الجديدة    «شغلوا الكشافات».. تحذير من الأرصاد بشأن حالة الطقس الآن (تفاصيل)    إحالة مرتضى منصور للمحاكمة بتهمة سب وقذف خالد يوسف وزوجته شاليمار شربتلي    جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصفين الأول والثاني الإعدادي بالجيزة    رفضته ووصفته ب"المجنون"، محمد عشوب يكشف عن مشروع زواج بين أحمد زكي ووردة فيديو)    طرح فيلم «هيبتا المناظرة الأخيرة» الجزء الثاني في السينمات بهذا الموعد؟    تطيل العمر وتقلل الوفيات، أخبار سارة لعشاق القهوة وهذه عدد الأكواب اليومية لزيادة تأثيرها    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواقع الانشائية بمدينة بدر    ضبط مبلط بتهمة الاعتداء الجنسي على طفل في المنيا بعد استدراجه بمنزل مهجور    الأزهر ينفي ما تم تداوله بشأن اقتراح وكيله بتشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف    الزمالك يستكمل اجتماع حسم مصير بيسيرو عصر اليوم    ترامب: لست متأكدا مما يرغب رئيس وزراء كندا في مناقشته خلال اجتماع البيت الابيض    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    5 مرشحين لتدريب الزمالك حال إقالة بيسيرو    مدرب سيمبا: خروج الزمالك من الكونفدرالية صدمة كبرى فهو المرشح الأول للبطولة    رغم هطول الأمطار.. خبير جيولوجي يكشف أسباب تأخير فتح بوابات سد النهضة    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    5 أسماء مطروحة.. شوبير يكشف تطورات مدرب الأهلي الجديد    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء.. واستعدادات شاملة لعيد الأضحى    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025    مصرع طالب إثر انقلاب دراجة بخارية بقنا    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    التعليم توجه بإعادة تعيين الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة بالمدارس والمديريات التعليمية " مستند"    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    زيزو أحد الأسباب.. الزمالك مهدد بعدم اللعب في الموسم الجديد    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جميل مطر يكتب : حكايات السياسة الأفغانية في ظل الاحتلال
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 08 - 2009

كان طالبان وما زالوا فى كابول عندما وجه مكتب رئيس وزراء بريطانيا الدعوة لعدد من خبراء المخدرات لاجتماع عاجل فى 10 داوننج ستريت. كان من بين الحضور خبير فى علاج الإدمان يدعى مايك تريس كتب مقالا هذا الأسبوع فى مجلة نيوستيتسمان يحكى فيه تفاصيل بعض ما دار فى هذا الاجتماع.
قال إن الدعوة كانت بهدف البحث فى الآثار المحتملة لتدخل عسكرى تقوم به القوات المسلحة البريطانية ضد أفغانستان للقضاء على تدفق الهيروين إلى بريطانيا، وبالتالى على الميزانية الضخمة، التى ستخصص لعلاج المدمنين فى بريطانيا. شرح مندوب الحكومة أن وجودا عسكريا بريطانيا فى مناطق زراعة الأفيون سيجعل فى الإمكان السيطرة على زراعته والحد من عمليات تهريب الهيروين إلى خارج أفغانستان، الأمر الذى قد يكون سببا فى إقبال شديد من جانب المدمنين على المستشفيات طلبا للعلاج. ويخلص الخبير تريس فى مقاله إلى أن ما دار فى هذا الاجتماع يثبت أن موضوع المخدرات والسيطرة عليها كان يحتل مكانة بارزة فى مرحلة التخطيط البريطانى لغزو أفغانستان.
تذكرت بعد الانتهاء من قراءة مقال مايك ترايس الصديق الأخضر الإبراهيمى حين جمعتنا مائدة عشاء، وكان الأخضر عائدا من أفغانستان ومعتزما إنهاء دوره المشهور، الذى أوكل إليه فيها. تحدثنا طويلا عن دخائل السياسة فى أفغانستان وخلفياتها القبلية والمذهبية وتاريخها ضد الأجنبى، وركز تركيزا شديدا على المخدرات زراعة وتجارة وتهريبا ودورها فى تمويل الحرب الدائرة فى أفغانستان وفى مستقبل أفغانستان كدولة وأمة. وأذكر أنه فى نهاية اللقاء قال بلهفة الواثق إن الحرب ستكون طويلة، وفى كل الأحوال لن يخرج الغرب منها منتصرا.
وبعد مرور عدة سنوات على هذا اللقاء، وتحديدا فى شهر مارس الماضى، أدلى الجنرال دافيد ماكيرمان قائد القوات الأمريكية السابق فى أفغانستان بتصريح لخص به الوضع الحربى فى ثلاث كلمات، قال «نحن غير منتصرين». حدث هذا فى أعقاب جلسات مغلقة انعقدت فى قبو من أقبية البنتاجون على مدى أسبوعين شارك فيها وزير الدفاع فى إدارة باراك أوباما. وفى أكتوبر من العام الماضى تنبأ البريجادير مارك كارلتون سميث قائد القوات البريطانية فى هلماند بأن بلاده «لن تكسب الحرب».
الآن تؤكد جميع التقارير أن الشهور الأخيرة شهدت زيادة هائلة فى عدد الهجمات، التى تعرضت لها قوات حلف الأطلسى، وصار من المؤكد أيضا أن أكثر من نصف أفغانستان يخضع لسيطرة طالبان. ورغم الزيادة الكبيرة فى عدد القتلى من الجنود البريطانيين يصر المسئولون فى بريطانيا على أن الحرب سوف تستمر وأن قواتهم «موجودة فى أفغانستان لحماية بلادنا من خطر الإرهاب»، وعاد البريطانيون والأمريكيون إلى التركيز على نغمة أن هذه الحرب دائرة لحماية المدن البريطانية والأمريكية من هجمات القاعدة. بل إن باراك أوباما نفسه قال: «سنحبط ونفكك ونهدم القاعدة فى باكستان ونمنع عودتها إليهما فى المستقبل». الأمر الذى يعنى أن حكام بريطانيا وأمريكا قرروا منح الأولوية لأهداف غير تلك، التى استخدمها وركز عليها بوش لتبرير شن هذه الحرب مثل إعادة بناء أفغانستان وتمكين المرأة الأفغانية وتثبيت دعائم الديمقراطية.
أستطيع أن أفهم دوافع باراك أوباما للإدلاء بتصريح كهذا التصريح لم يعد منطقيا أو مقنعا.. فنحن، وهو معنا، نعرف أن «القاعدة» لم تعد بحاجة إلى قاعدة لها فى أفغانستان أو باكستان لتواصل أنشطتها الإرهابية ضد الغرب ومصالحه. ولا أظن أن الحرب الفاشلة فى أفغانستان بصورتها وضحاياها الحالية من العسكريين والمدنيين هى الطريق الأسرع والأكفأ لتفكيك القاعدة. فالقاعدة أيا كان معناها ونظامها وتنظيمها «فككت» نفسها بنفسها منذ فترة وأقامت «قواعد» شتى فى أماكن شتى.
اليوم تجرى فى أفغانستان، وبدقة أشد، تجرى فى أنحاء محدودة منها، انتخابات لاختيار رئيس للجمهورية. وفى العالم الغربى لهفة تعكسها أجهزة الإعلام وتصريحات المسئولين. يتصورون هناك صدقا أو تحت سيطرة الوهم أن هذه الانتخابات ستقدم إضافة تحسبا لجهود أمريكا وحلف الناتو فى إقامة نظام ديمقراطى أو تشجيع ممارسة الديمقراطية. ولكن تكشف وقائع عديدة عن أن هذه الحرب والأساليب التى استخدمها المبعوثون السياسيون المرافقون للجيوش، وبينهم خبراء ومؤرخون وعلماء سياسة جعلت من أفغانستان نموذجا للفساد فى أبشع صوره، ومثالا على سخف سياسات بناء الأمم أو إعادة بنائها حسب تصورات «غربية». عن هذه السياسات يقول الجنرال دافيد رتشارد قائد القوات البريطانية «إن إعادة البناء فى أفغانستان تحتاج إلى أربعين عاما بشرط استمرار بقاء قوات الاحتلال الأجنبية».
**********
أفغانستان نموذج فساد، ونموذج لحالة حرب لعلها الأطول فى التاريخ، حرب عمرها 2000 سنة. وأفغانستان نموذج مجسم لنظام سياسى قائم على التوازنات القبلية والفقر المتوحش والجهل الموروث ولكنها أيضا مقياس لقياس التخلف السياسى فى أمم كثيرة، وبالتخلف أقصد الاستبداد والفساد وأوهام الاحتماء بالأجانب وتسخير الدين لتحقيق مكاسب سياسية وقبلية.
يقول ضياء مجددى سفير أفغانستان فى بولندا إن لأعضاء حلف الأطلسى أو لمعظمهم على الأقل رجالا فى مجلس الوزراء الأفغانى لا يخضعون لتعليمات أو توجيهات الرئيس قرضاى.
كل رجل من هؤلاء الرجال يحتمى بالدولة الأجنبية التى اختارته ليمثل مصالحها فى المجلس وتدفع له مكافأته. ويستطرد السفير قائلا إن عضو حلف الأطلسى الذى يشترك فى المعونة المالية المقررة لأفغانستان يصدر التوجيهات إلى ممثله فى المجلس فى كل ما يتعلق باحتياجاته وأنصبته فى الصفقات والوكالات. يفعل الشىء نفسه أمراء الحرب وزعماء القبائل الكبرى.
حدث مثلا أن الرئيس قرضاى أصدر أمرا بالتحقيق مع الزعيم القبلى عبدالرشيد دوستوم أحد زعماء الحلف الشمالى بسبب تورطه فى ارتكاب إحدى الجرائم. دوستوم ينتمى عرقيا إلى شعوب الأوزبك والأوزبك، الذين «يشرفون» بالانتساب إلى الأمة التركية. ولما كانت تركيا عضوا فى حلف الأطلسى كقوة احتلال، وهى أيضا طرف مشارك فى تقديم المعونة إلى الحكومة الأفغانية، فقد صار من حقها أن تطلب الرئيس قرضاى أو «تأمره» بإطلاق سراح دوستوم والسماح بسفره إلى تركيا. وعندما أعلن عن موعد إجراء انتخابات الرئاسة طلب من قرضاى توجيه الدعوة إليه ليعود من تركيا إلى كابول قبل الانتخابات للتفاوض معه على دعم قرضاى مقابل ما يشاء وما تحتاجه تركيا وتطلبه.
**********
تحكى إليزابيث روبين فى مقال رائع نشرته لها قبل أيام مجلة نيويورك تايمز حكاية وزير الداخلية فى حكومة قرضاى زرار أحمد مقبل المعروف بأنه يستضيف فى مبنى الوزارة عصابات الجريمة المنظمة، الدولية منها والمحلية على حد سواء، ويخصص لكل منها مكتب وموظفون تابعون لهذه المنظمات فى الوزارة لتسهيل أعمالها مقابل رشاوى هائلة. ويبدو أن الرئيس قرضاى حاول إزاحة الوزير بضغط من القيادة البريطانية فإذا بمندوبة المخابرات الأمريكية فى كابول تتدخل لصالح الوزير. تقول التقارير إن الوزير يتمتع بحماية جاسوسة أمريكية معروفة لها «أفضال كثيرة على أفغانستان».
تقدم للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية فى ثانى انتخابات رئاسة تجرى فى أفغانستان عشرات من شخصيات بعضها معروف وأكثرها غير معروف، ويعمل الاحتلال الغربى بكل طاقاته الإعلامية لإبراز مغزى هذا العدد الوفير من المرشحين، فهو الدليل، كما يزعمون أو حقا يعتقدون، على مدى التقدم الذى حققته مسيرة الديمقراطية فى أفغانستان إلا أن ثلاثة فقط يتصدرون احتمالات الفوز فى هذه القائمة المطولة، وهم حميد قرضاى الرئيس الحالى الساعى لولاية ثانية، وأشرف غانى وكان وزيرا للمالية وشغل منصبا كبيرا بالبنك الدولى، وعبدالله عبدالله وكان وزيرا للخارجية وصديقا لقرضاى ومستشارا لأحمد شاه مسعود الزعيم الطاجيكى، الذى اغتالته القاعدة بآلة تصوير قبل وقوع الغزو الأمريكى.
يقف قرضاى فى المقدمة ليس فقط باعتباره الرئيس القائم ولكن لأنه، وهذا ما لفت اهتمامى أكثر من كونه رئيسا، صاحب حكاية مثيرة تستحق أن تروى. تبدأ الحكاية بطفولته. فقد كان الطفل الأقل قربا لوالده، الذى كان يطلق عليه «هذا المجنون».
اشتهر فى مقتبل عمره بالعنف منذ كان طالبا بجامعة سيملا على سفوح الهيمالايا فى شمال الهند. كان يقضى معظم وقته فى ركوب الخيل مرتديا الجينز ومتشبها برعاة البقر الأمريكيين. وعندما وقع حادث اغتيال والده وكان زعيما من زعماء قبائل الباشتون جاء رجال القبيلة، وألبسوا حميد العمامة حيث إن أشقاءه الأكبر سنا كانوا فى أمريكا. يواصل قرضاى سرد حكايته بنفسه فيقول إنه بعد أسبوعين من وقوع حادثة تفجير برجى التجارة فى نيويورك وجد نفسه على ظهر دراجة بخارية تقطع به الطريق من ضواحى مدينة كويتة فى باكستان إلى جبال أفغانستان، حيث تقع معسكرات تدريب وقيادة طالبان. ولم يكن معه أحد سوى قائد الدراجة البخارية، وكان يحمل هاتفا جوالا متصلا بالأقمار الصناعية زوده به رئيس محطة وكالة المخابرات الأمريكية فى باكستان.
وتنقل إليزابيث روبين عن جاسون آميرين النقيب فى القوات الخاصة الأمريكية المكلف بتجنيد حميد قرضاى قوله إن رجال طالبان حين اكتشفوا حقيقة حميد قرضاى حاولوا اعتقاله فتدخلت على الفور قوات سباع البحر ذات الشهرة الذائعة، التى أسبغتها عليها أفلام مغامرات رامبو فى أفغانستان، ونجحت فى إنقاذه مع بعض رجال القبائل (ممن كانوا معه) من براثن طالبان، ونقلتهم جوا إلى قاعدة عسكرية فى باكستان.
هذا الجزء من حكاية قرضاى لم يأت على لسانه عند سرده لها، بل إنه حاول إنكار بعض التفاصيل المتعلقة بهذه الواقعة. ففى حديث له مع محطة الإذاعة البريطانية أنكر أنه نقل إلى قاعدة عسكرية أمريكية، وأنه لم يغادر أفغانستان مع القوات الخاصة، بينما أكد ضابط المخابرات الذى رافقه إلى أفغانستان وفى العودة إلى باكستان أنهما كانا معا فى القاعدة العسكرية. أما الوقائع فتنحاز إلى رواية آميرين وتكذب أقوال قرضاى. إذ إنه فى يوم بارد من أيام شهر ديسمبر 2001 نقلت الطائرات الأمريكية أمام كاميرات الصحافة العالمية حميد قرضاى من قندهار إلى كابول ليتولى بأمر الولايات المتحدة الأمريكية رئاسة حكومة انتقالية. والجدير بالذكر أن هذه المهمة التى كلفته واشنطن بتنفيذها ما كانت لتنجح لولا جهود رجلين هما الأخضر إبراهيمى وزالماى خليل زادة المبعوث الأمريكى من أصل أفغانى إلى بلاد الأفغان.
لم أقابل أفغانيا أو دبلوماسيا عمل فى أفغانستان إلا وانجرف الحديث إلى عائلة قرضاى. يعود اهتمامى بالعائلة إلى يوم كان السؤال الأهم فى نظرى هو عن السبب، الذى دفع أمريكا أو بالأحرى وكالة المخابرات الأمريكية إلى اختيار حميد بالذات وإعداده لسنوات قبل تكليفه بمهمة سيقوم بها فى أفغانستان فى يوم قادم بعد عدد من السنوات. وبالقدر نفسه، أو أقل، كان اهتمامى بدوافع اختيار أحمد الجلبى ليلعب دورا فى الإعداد لغزو العراق شبيها بدور حميد فى أفغانستان. ربما كان اهتمامى مشتقا وقتها من اهتمامى بحملة شنها مفكرون عقلانيون فى عالمنا العربى تحت عنوان «ضرورة مطاردة أنصار نظرية المؤامرة فى السياسة الدولية وأتباعها بحجة أنها نتاج خيال مريض».
عرفت فى وقت مبكر أن الخطوة الأساسية فى العلاقة التى قامت بين حميد قرضاى وأجهزة المخابرات الأمريكية كانت بفضل جهود أو توصيات من قيوم قرضاى الشقيق الأكبر لحميد وصاحب سلسلة مطاعم تقدم المأكولات الأفغانية فى الولايات المتحدة، وما زال يؤدى دورا جوهريا فى المسألة الأفغانية مستفيدا من تنقلاته الكثيرة ومدد إقامته الطويلة فى السعودية، حيث تجرى معظم الاتصالات مع طالبان وفرق أفغانية أخرى. أما محمود قرضاى، وهو الأشهر على الإطلاق فى عائلة قرضاى من حيث سمعة الفساد، فيقول عن نفسه إن هدفه الأسمى أن يتمكن من نشر العقيدة الرأسمالية على أسس سليمة فى أفغانستان، ويرى أن أخاه رئيس الجمهورية لا يفهم فى الاقتصاد كما يفهم هو. وفى لقاء خاص نقلته روبين يزعم الرئيس حميد قرضاى أنه استدعى إلى مكتبه سفير اليابان ليطلب منه عدم منح شقيقه محمود وكالة شركة تويوتا فى أفغانستان، بينما يردد العارفون أن أمر المنح جاء من المسئولين الأمريكيين وأن تويوتا استجابت للضغط الأمريكى وأن حميد قرضاى ما كان ليستطيع أن يفعل شيئا إن كان صحيحا أنه حاول وقف المنح.
ومما يزيد فى صدقية هذه الرواية حقيقة معروفة ومتداولة فى أفغانستان، إذ قدم جهاز المعونة الأمريكية لحميد قرضاى أرضا وموّل مشروعا معماريا خارج مدينة قندهار، كالمشروعات التى تقام فى مصر وغيرها من الدول العربية لسكن الطبقة الجديدة، وعندما سئل حميد قرضاى، قال كلمته التى صارت ذائعة فى دول كثيرة عم فيها الفساد واستشرى، قال: «ماذا فى يدى أن أفعل.. أخى مستثمر ورجل أعمال كبير، وما الضرر فى هذا؟» هناك أيضا أحمد والى قرضاى، الشقيق الأصغر ومصدر الصداع الدائم للجماعة الحاكمة فى كابول. يقال إن الرئيس قرضاى استدعاه ذات يوم ليعاتبه على عمليات تجارة الأفيون وتهريبه، وكان رد الشقيق الأصغر حاسما وقاطعا شديد العمق، قال: «على الأقل يا شقيقى أنا أخرب مدينة قندهار، أما أنت فقد خربت البلد بأكمله». والغريب أن يصدر عن المرشح الثانى للرئاسة أشرف غانى دفاع عن الشقيق الذى يتاجر فى المخدرات، يقول أشرف: «وماذا فى ذلك.. أمريكا كان فيها مجرمون وعائلات جمعت ثروات وقت تحريم إنتاج الخمور وبيعها، هذه العائلات نفسها تحظى الآن باحترام المجتمع الأمريكى، ويتولى أفرادها أعلى المناصب القيادية فى الولايات المتحدة».
يقال عن التاريخ إنه يعيد نفسه، بينما تشهد الوقائع أمامنا أن الماضى يعيد نفسه بأكثر مما يفعل التاريخ. فما يحدث فى أفغانستان يحدث مثله فى بلادنا وبلاد عربية أخرى.
شاهدت صور السفير الأمريكى فى كابول فى المؤتمرات، التى عقدها المرشحون المنافسون لحميد قرضاى. وسمعت عن ثورة حميد وغضبه على سفير الدولة، التى تنفق عليه وعلى مستشاريه وكبار رجال دولته وتتولى حمايته وحمايتهم وتحتل نصف بلاده بالعسكر وبقوات شركات الأمن الخاصة وقوات حلف الأطلسى، قال: لا فض فوه «هذا تدخل أجنبى غير جائز وخرق للسيادة الوطنية لا يمكن السكوت عليه!!» حميد قرضاى الذى ينتقد ظهور السفير الأمريكى أو استقباله المرشحين المنافسين لا يجد غضاضة فى لفت نظر الزوار والدبلوماسيين الأجانب، الذين لا يعودون من السفر بهدايا مناسبة للقصر. هذه الهدايا لا يعتبرها أهل قصر الأرج، قصر الرئاسة فى كابول، تدخلا أجنبيا.
أذكر كيف صنعت الميديا الأمريكية صورة حميد قرضاى. وأذكر هذه العباءة الخضراء التى قال عنها توم فورد خبير الأناقة فى أمريكا إنها جعلت من حميد قرضاى «الرجل الأكثر أناقة فى العالم». هذا الخبير نفسه قال عن ميشيل أوباما إنها المرأة الأكثر أناقة فى العالم، هكذا وصفت الميديا الأمريكية الرئيس السادات فى سنوات صعوده الإعلامى فى الولايات المتحدة. أراهم يحاولون هذه الأيام صنع صورة قد لا ترقى إلى الدرجة ذاتها لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية لما هو معروف عنه منذ أيام النضال فى تونس من ذوق باهظ التكلفة وعلى مسافة ثلاثين كيلومترا من مسكنه الراقى فى حى من أحياء شمال العاصمة كان المناضلون الفلسطينيون يعانون شظف العيش وتقلبات الجو وثيابهم رثة.
**********
اتصل بى أحد المتابعين لأحوال السياسة والاحتلال والفساد فى كابول ليقول إنه يتوقع فوز قرضاى وإن فى الجولة الثانية بعد ستة أسابيع، بعد أن خفف الأمريكيون وعلى رأسهم رتشارد هولبروك انتقاداتهم وتوقفوا عن التلميح بأنهم يشجعون بدائل له. سألته: هل يتوقع ما يتوقعه زالماى خليل زادة فى مقاله المنشور فى فاينانشيال تايمز قبل أيام قليلة من أن الخاسرين قد يشعلونها نارا حامية فى المنطقة الشمالية، وأن رجال طالبان سيفجرون مواقع حيوية فى كابول؟ قال إنه لا يستبعد شيئا من هذا. وأضاف: أدعوك إلى عدم التعاطف مع من لا يفوز بالرئاسة. ثق تماما أن كلهم بدون استثناء سيفوزون بشىء ما لأن قوى الاحتلال تحميهم ولن تتخلى عنهم. سألته: وماذا عن الشعب الأفغانى؟ أجاب متسائلا: تقصد الخاسر الوحيد؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.