أفغانستان واحدة من أفقر بلدان العالم، رغم أنها غنية بالموارد والإمكانات. وتعتبر الانتخابات اليوم فرصة سانحة أمام الأفغان لانتخاب حكومة تلتزم بالتنمية الاقتصادية لمصلحة الجميع، وبتغيير النظام الحالى القائم على النهب، حيث تعود الثروة إلى قلة من الفسدة المقربين من السلطة. تمتلك أفغانسان الموارد اللازمة لتنمية قوية مستدامة لعقود مقبلة، سواء فى مجالات الطاقة أم الزراعة أم التعدين أم العمران. وفى حالة وجود إطار للتعاون الإقليمى، يمكن لأفغانستان أن تصبح منطقة عبور للسلع والخدمات وأنابيب البترول بين جنوب آسيا ووسط آسيا والشرق الأوسط والصين. وفى إقليم شبه قاحل، تعتبر المياه أهم شىء. ورغم أن أفغانستان تنتج 80 مليار متر مكعب من المياه كل عام، إلا إنها لا تستغل سوى 20 مليارا فقط فى الزراعة والشرب والطاقة المائية. وتتوافر إمكانية إنتاج 10000 ميجاوات من الكهرباء سنويا من نهر آمو فقط، الذى تشترك فيه مع البلدان المجاورة فى آسيا الوسطى. وإذ تمثل الطاقة عنصرا قائدا أساسيا فى التنمية، يمكن للشراكة الإقليمية فى المبادرات الخاصة بالطاقة أن تكون حجر أساس فى التعاون الاقتصادى الإقليمى الأوسع. ويتوفر لأفغانستان شركاء محتملين فى سوق الطاقة الكهربائية، عبر شبكة الكهرباء التى تضم الصين ووسط آسيا وباكستان وإيران والهند فى نهاية المطاف. ولسوء الحظ، فقد سمح فساد النظام الحالى، بازدهار تجارة المخدرات عبر الحدود. وعمل ازدهار تجارة الأفيون والهيروين بدوره على تغذية انتشار التمرد وشل الاقتصاد والنمو. ولا يمكن التغلب على تهديد المخدرات إلا بتطوير الزراعة الأفغانية. وسوف يتحول الفلاحون بالريف عن الأفيون فقط إذا زاد دخلهم من المحاصيل الأخرى (والذى يتراوح بين دولار أمريكى واحد إلى 4 دولارات يوميا). يعد هذا هدفا يمكن تحقيقه فى المستقبل، من خلال الاستثمار فى الزراعة والتكنولوجيا والتعليم. أما على المدى القصير. تمثل قوى الناتو مشتريا محتملا، وهناك أيضا فرصة لتحول الناتو إلى معين للفلاح الأفغانى. كما يمكن أن يؤدى توجيه تفضيلات الاتحاد الأوروبى التجارية نحو الزراعة الأفغانية إلى دفعة هائلة لفلاحينا. بالإضافة إلى ذلك فأفغانستان غنية بالموارد المعدنية أيضا. إذ أكد تقرير المسح الجغرافى الأمريكى وجود طبقات ممتدة من النحاس والذهب والغاز والحديد والباريوم، والأحجار الكريمة أيضا مثل الياقوت والزمرد واللازورد. من ثم، يعتبر الاقتصاد القائم على تعدد الموارد بديلا حقيقيا فى المدى المتوسط للاقتصاد الحالى القائم على المخدرات. وسوف يعتمد كلا القطاعين (الزراعة والتعدين) على شبكة مواصلات يمكن الاعتماد عليها فى تأمين تسليم البضائع فى أمان وفى الوقت المناسب، ويعمل الاستثمار فى الطرق والسكك الحديدية على ربط المناجم الكبرى فى المناطق الجنوبية والوسطى من البلاد بالأسواق المحتملة فى الإقليم، وفى الصين بشكل أساسى. أيضا يتمثل وضع شرط مسبق للاستغلال الفعال للموارد المحلية، فى خلق صناعة بناء على المستوى الوطنى تكون قادرة على المنافسة. ولحسن الحظ، هذا القطاع قادر على خلق عدد أكبر من الوظائف فورا. الأكثر أهمية من ذلك، إنه سوف يجعل المعونات الأجنبية أكثر فاعلية من أربعة إلى عشرة أضعاف. ومن خلال خطة تنمية متماسكة للبنية التحتية، تتضمن تحقيق هدف إنشاء مليون منزل جديد، يمكن لصناعة البناء الأفغانية أن تصير مصدرا هائلا لخلق فرص العمل والثروة. ويمكن الإشارة إلى أن أصحاب المشروعات الأفغان لا يعوزهم المال، ولكن الحالة الأمنية المتدهورة والفساد المتنامى تجعلهم يفرون برأسمالهم إلى الخارج. ففى الخليج فقط يوجد ما قدره 16 مليار دولار من الأموال الأفغانية فى انتظار إيجاد منفذ لها. وقدرت وزارة المالية فى مارس الماضى أن 70 % من الإيرادات المحلية المحتملة تضيع بسبب الفساد وسوء الإدارة. وقد بنيت وجهة نظرى هذه حول أفغانستان المستقرة المزدهرة التى تضم الجميع، بناء على خبرتى كوزير للمالية من 2002 إلى 2004، حيث عملت على تحقيق إصلاحات مستقرة. على سبيل المثال، قمنا بتحديث شبكة الاتصالات فى أفغانستان خلال عامين فقط. وبالاتفاق مع وزير الاتصالات، رفضنا تقديم معاملة متميزة إلى شركات القطاع الخاص أو الأجنبية فيما يتعلق بالتراخيص. وعوضا عن ذلك، ثبتنا على موقفنا بأن يحصلوا على فرص النفاذ إلى السوق الأفغانية عبر إجراء عطاءات شفافة. وقفز عدد التليفونات المحمولة فى البلاد من 100 فى يوليو 2002 إلى أكثر من مليون فى نهاية 2005، وارتفع استثمار القطاع الخاص فى التليفونات المحمولة بما يعادل 200 مليون دولار (141 مليون يورو، و121 جنيه استرلينى). إن التزام الحكومة بالشفافية والمساءلة وسيادة القانون من شأنه أن يخلق بيئة مستقرة ملائمة للأعمال التجارية فى أفغانستان. وبالتأكيد سيساعد اختيار الحكومة الصحيحة أفغانستان على استخدام إمكاناتها. فالشعب الأفغانى مستعد للتعلم والعمل والمتاجرة مع العالم. The Financial Times Limited 2009