جون سوليفان لم تحقق الجهود الرامية إلي التحول الديمقراطي علي المستوي العالمي خلال العقود القليلة الماضية النتائج التي كانت مرجوة منها، وعلي الرغم من وجود نحو 140 دولة في الوقت الحالي يمكن اعتبارها ديمقراطيات انتخابية ذات تعددية حزبية، يوصم أكثر من نصف عدد هذه الدول بعدم احترام حقوق الانسان وحق التعبير عن الرأي وانصراف المواطنين عن المشاركة في عملية صنع القرار واهمال حماية حقوق الملكية الفكرية وعدم تطبيق مبادئ مساءلة الحكومة وتظل هذه الديمقراطيات الناشئة ضعيفة وغير متحررة، كما تستمر في المعاناة من انخفاض معدلات النمو وانتشار الفساد وزيادة الاستياء بين المواطنين ونتيجة لذلك يعارض الكثير من مواطني تلك الديمقراطيات الناشئة الاصلاحات الديمقراطية القائمة علي أساس اقتصاد السوق الحر ويعتنقون مبادئ شيوع الملكية والاشتراكية والارهاب، ولذلك فإن كشف جذور هذا الأداء السيئ يعتبر مسألة حيوية بالنسبة لمستقبل الانظمة الديمقراطية القائمة علي السوق في العالم كله. وعلي مدي العقود القليلة الماضية ساد الاعتقاد ان مصائب الدول النامية ترجع إلي قلة الموارد والتكنولوجيا والتعليم وسوء البنية الأساسية وبالتالي ركزت الجهات المانحة جهودها علي تقديم وتحسين هذه الجوانب علي أمل مساندة الديمقراطية، وانفقت في سبيل ذلك مبالغ كبيرة ساعدت في تحقيق هذا الهدف إلي حد ما، ولكن النتيجة النهائية وهي تعميق جذور الديمقراطية لا تزال ضعيفة حتي الآن، والحقيقة ان نحو 50 دولة عانت من انخفاض نصيب الفرد في اجمالي الناتج المحلي خلال عقد التسعينيات بل ان بعض الدول اصبحت افقر مما كانت عليه قبل ثلاثين سنة مضت. ولا يرجع السبب في نقص الديمقراطية وسوء الادارة في كثير من الدول وعدم رضاء المواطنين عن اصلاحات السوق إلي التوصية باتباع سياسات السوق الحر بل يرجع إلي الفشل في تنفيذ تلك السياسات، إذ بينما تتعجل كثير من الحكومات والخبراء الدوليون في اقتراح الاصلاحات، يخفقون عادة أن يأخذوا في الاعتبار المشاكل المؤسسية التي تعوق تنفيذ الاصلاحات بصفة يومية، وكثيرا ما تفشل الدول لأن تنفيذ السياسات يخضع لسيطرة الفساد والآليات المؤسسية السيئة والأنظمة القانونية المبهمة وآليات تنفيذ القوانين الضعيفة ونقص الشفافية في الادار والعجز عن تقديم الخدمات العامة إدارة فعالة. وتدل الازمات المالية الحديثة في آسيا وروسيا وتركيا وأمريكا اللاتينية ان الفشل في دمج الحكم الديمقراطي الصالح كجزء لا يتجزأ من الاصلاحات الاقتصادية يعرض برنامج الاصلاح كله للخطر، هذه الأزمات والسخط المتزايد من الديمقراطية والأداء الاقتصادي الضعيف في الديمقراطيات الناشئة أو الصاعدة تساعد علي تركيز المزيد من الاهتمام علي أهمية الحكم الديمقرطي الصالح في جميع أنحاء الأرض، وقد أكدت منظمات المجتمع المدني المختلفة وممثلو القطاعين العام والخاص في الديمقراطيات الناشئة مدي أهمية الحكم الصالح في الكثير من الوثائق الملزمة مثل اعلان صنعاء واجماع الرزي في مونتيري والشراكة الاقتصادية الجديدة لتنمية افريقيا وغيرها، كما اصبح الحكم الصالح شرطا من الشروط التي تطالب الجهات المانحة والولايات المتحدةالامريكية بتطبيقها. ومن أسباب استمرار الاستياء من بناء الديمقراطية في العالم النامي ان المواطنين، في الكثير من الديمقراطيات الناشئة او تلك التي في مرحلة التحول أو غيرها، يظلون بمنأي عن صنع القرار ويجبرون عن الالتزام بالقوانين واللوائح التي تم صدورها بأسلوب لا يتسم بالشفافية والتي تفتقر إلي طريقة تعالج المظالم ولا تضمن للمواطنين حقوقهم أو تضمن تحسين الانظمة القائمة، ويبين "مسح الحكم الديمقراطي والديمقراطية" الذي أجرته شركة جالوب الدولية سنة 1999 أن أكثر من 60% من سكان العالم لا يحكمون بإرادة الشعب حتي ولو زعم أغلبهم ان الانتخابات التي تجري في بلادهم حرة ونزيهة، وهكذا فإن مجرد اجراء انتخابات ديمقراطية لا يكفي، لأن الحكومات في الكثير من الدول لا تقبل المساءلة فضلا عن أن أساليبها في ممارسة السلطة تعوق جهود التنمية. وهكذا فإن مفتاح الانتقال الناجح المستديم إلي الديمقراطية والنظام القائم علي أساس السوق هو الحكم الديمقراطي الصالح، أي المؤسسات الرئيسية القابلة للمحاسبة والمساءلة، وعند الاعتماد علي هذه المؤسسات تصبح الحكومة وموظفو الحكومة، بقوة الحكم الديمقراطي الصالح، عرضة للمحاسبة والمساءلة بصفة يومية لان هذه الموسسات تلزم القادة باستشارة المواطنين وأخذ مصلحتهم في الاعتبار بحيث يتم استخدام الموارد العامة للتمسك بالحريات السياسية والمدنية الاقتصادية الأساسية وتوفير السلع العامة الضرورية للنمو بدلا من استعمالها لزيادة ثروات الحكام والنخبة المقربة منهم. ورغم الاهتمام المتزايد بفوائد الديمقراطية والشفافية والمحاسبية وآليات السوق فإن وضع السياسات واللوائح الواضحة التي تتمسك به