ربما ليست الديمقراطية بحاجة الي يوم للاحتفال بها بل أن تصبح كل أيام العام هي يوما للديمقراطية خاصة ان العالم شهد نهضة خلال العقود القليلة الماضية في مجال التحول نحو المشاركة والديمقراطية في اعداد كبيرة من دول اوروبا الشرقية وامريكا اللاتينية وآسيا. تأتي الذكري الثالثة لليوم الدولي للديمقراطية وذلك منذ ان اتفق قادة العالم في8 سبتمبر2007 وأثناء انعقاد الجمعية العامة بأن يصبح الخامس عشر من سبتمبر هو اليوم الدولي للديمقراطية, حيث دعت الجمعية العامة كل هيئات ومنظمات الأممالمتحدة وجميع المنظمات الاقليمية والهيئات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني للاحتفال بهذا اليوم من كل عام ولجعله فرصة لاستعراض حالة الديمقراطية في بلد ما, او في مختلف بقاع العالم, وقد جاء تخصيص هذا اليوم بعد سلسلة من النقاشات والقرارات علي مختلف المستويات والتي بدأت قبل سنوات عدة, فمنذ عام1988 تقوم الجمعية العامة باتخاذ قرار واحد علي الأقل كل سنة يتناول جانبا من جوانب الديمقراطية لكونها الاساس لبناء تنمية شاملة ومتكاملة ومستدامة في أي بلد كان. وقد توجت هذه النشاطات المكثفة والاهتمام المستمر بالديمقراطية كحجر الاساس للبناء والتنمية في مؤتمر القمة العالمي الذي انعقد في العام2000 حول الاهداف الانمائية للالفية والذي يتناول الديمقراطية كأساس لتحقيق الاهداف الثمانية للالفية وذلك في الديمقراطية تشكل قيمة عالمية تستند الي ارادة الشعوب المعرب عنها بحرية فيما يتصل بالبث في نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, فضلا عن مشاركتها الكاملة في كل جوانب حياتها وقد شددت الوثيقة النهائية لتلك القمة العالمية علي أن الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية هي قواعد متينة ومترابطة فلا تنمية دون ديمقراطية. كما انها اشارت الي أن الديمقراطيات تتقاسم ملامح مشتركة إلا أنه لا يوجد نمط أو نموذج واحد للديمقراطية. ويأتي اليوم العالمي للديمقراطية هذا العام قبل خمسة ايام فقط علي عقد مؤتمر الاممالمتحدة علي مستوي الرؤساء والزعماء, والمختص بمراجعة الاهداف الانمائية وتذكير زعماء العالم بتعهداتهم قبل عشر سنوات, وذلك قبل انتهاء المدة المقررة اي في عام2015 للوفاء بوعودهم نحو تخفيض الفقر المدقع الي النصف, والبطالة وتعزيز التعليم وفرصه, والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة, والقضاء علي الامراض المنتشرة وحماية البيئة وعقد تحالفات عالمية تلتزم فيها الدول الصناعية بتوفير الدعم المادي اللازم للقيام بتنمية حقيقية وتحقق هذه الاهداف في الدول النامية. وعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة لتؤكد في28 فبراير2001 ذلك عبر قرار خاص بالحكم الصالح والديمقراطية علي الطبيعة الغنية والمتنوعة التي تتسم بها ديمقراطية العالم التي تنشأ من جميع المعتقدات والتقاليد الاجتماعية والثقافية والدينية.. وألا وجود لنموذج عالمي واحد للديمقراطية, وإن كانت جميع الديمقراطيات تتقاسم خاصيات مشتركة. كما أن الديمقراطية تعد من مهمات الاممالمتحدة الاساس والاهم, وذلك تنفيذا للمباديء الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وغيره من الاتفاقيات الدولية المختلفة. تلك الاتفاقيات والمعاهدات التي أكدت الحق في حرية الرأي, والمعتقد الديني, وحرية التعبير والنشر والحريات السياسية, والحق بالعدالة والأمن والكرامة والتملك والعيش الكريم, والحماية من البطالة والمشاركة في الحياة الاجتماعية وحق الثورة علي الاستبداد. ورغم أنه قد مضت سنين طويلة علي ذلك الاعلان وتلك الاتفاقيات, الا ان التغيير الحقيقي في عدد كبير من دول العالم نحو الديمقراطية قد ازداد حدة وعددا وكثافة منذ بداية التسعينات ورغم كل هذه المؤشرات المهمة نحو التحول الي مشاركة أوسع الا انه من الاهمية التأكيد أن الديمقراطية لا يمكن ان تتحقق بشكلها الواسع والحقيقي عبر التشريعات والقرارات فقط, بل هناك حاجة ملحة ودائمة لإيجاد وعي وثقافة, وتري الاممالمتحدة ان التشريعات والقوانين الداعية الي الديمقراطية او حتي تلك الضامنة لنزاهة المسيرة والممارسة الديمقراطية, قد تبقي مجرد نصوص شكلية إذا لم تتلازم مع نشر الوعي والثقافة التي تسهم في ايجاد فكر جديد بعيد عن الصور النمطية للحكم وتلك الانماط القديمة من الاستبداد والتخلف والايمان بالغيبيات. إلا ان الديمقراطية تعتمد علي أكثر من دعامة لبنائها اذا ما توافرت, ففيها الضمان الحقيقي لها, ومن هذه الدعائم: تعزيز حكم القانون( أي دولة القانون والمؤسسات واحترام حقوق الانسان), فتح المجال لمناقشة سياسة حرة ونزيهة.