كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    قرارات صارمة من وزارة التربية والتعليم استعدادًا للعام الدراسي الجديد 20262025 (تعرف عليها)    سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري الإثنين 18-8-2025 بعد الهبوط العالمي الجديد    «زي النهارده».. وفاة كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة 18 أغسطس 1997    ترامب يستبعد استرجاع أوكرانيا ل القرم.. ماذا قال عن إنهاء الحرب مع روسيا؟    تل أبيب تشتعل وأهداف نتنياهو بشأن احتلال غزة فى تغطية خاصة لليوم السابع (فيديو)    اليوم الإثنين.. رئيس الوزراء الفلسطيني يزور معبر رفح البري    هل تعود الموجة الحارة في أغسطس؟.. بيان مهم بشأن حالة الطقس الأيام المقبلة    مصرع سيدة في حادث سير ب شمال سيناء    مراد مكرم عن رحيل تيمور تيمور: «مات بطل وهو بينقذ ابنه»    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    مئات الآلاف يواصلون تظاهراتهم في إسرائيل للمطالبة بوقف العدوان على غزة    النيابة تستعجل تحريات مقتل سيدة على يد زوجها أمام طفليها التوأم في الإسكندرية    الأغذية العالمي: نصف مليون فلسطيني في غزة على شفا المجاعة    عون: السعودية ساهمت في إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 18-8-2025 مع بداية التعاملات    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    "أي حكم يغلط يتحاسب".. خبير تحكيمي يعلق على طرد محمد هاني بمباراة الأهلي وفاركو    «زمانك دلوقتي».. شذى تطرح أولى أغاني ألبومها الجديد    ياسين التهامي يوجه الدعوة لتأمل معاني الحب الإلهي في مهرجان القلعة    تامر عبدالمنعم: «سينما الشعب» تتيح الفن للجميع وتدعم مواجهة التطرف    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 18 أغسطس    وصفة مغذية وسهلة التحضير، طريقة عمل كبد الفراخ    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    أتلتيكو مدريد يسقط أمام إسبانيول بثنائية في الدوري الإسباني    أحمد شوبير يكشف موعد عودة إمام عاشور للمشاركة في المباريات مع الأهلي    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    وزارة التربية والتعليم تصدر 24 توجيهًا قبل بدء العام الدراسي الجديد.. تشديدات بشأن الحضور والضرب في المدراس    مصرع طفل أسفل عجلات القطار في أسيوط    موعد فتح باب التقديم لوظائف وزارة الإسكان 2025    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    بحضور وزير قطاع الأعمال.. تخرج دفعة جديدة ب «الدراسات العليا في الإدارة»    البنك المصري الخليجي يتصدر المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة بداية الأسبوع    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة (تفاصيل)    الأونروا: ما يحدث في قطاع غزة أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    انطلاق المؤتمر الدولي السادس ل«تكنولوجيا الأغشية وتطبيقاتها» بالغردقة    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    متحدث الصحة يكشف حقيقة الادعاءات بخطف الأطفال لسرقة أعضائهم    طارق مجدي حكما للإسماعيلي والاتحاد وبسيوني للمصري وبيراميدز    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير الفرانس برس يطلق رصاصة الرحمة علي أفكار الليبرالية الديمقراطية
نشر في القاهرة يوم 23 - 02 - 2010

يصدر هذا التقرير في الوقت الملائم في نظري لينهي الجدل والبطر اللفظي حول إشكالية «الليبرالية الديمقراطية» من جهتين: أولا: كممارسة وآلية للحكم لم تنجح مطلقا في العالم العربي، وثانيا - وهذا الأخطر - ك «فكرة» و«إيديولوجية» جذابة يتشدق بها بعض المثقفين والمفكرين العرب المتمردين علي تركيبة وطبيعة مجتمعاتهم المعقدة والتي لا تلائمها بالضرورة الآلية «الليبرالية الديمقراطية» الممارسة في الغرب حيث نشأت في ظروف وبيئة مختلفة. وهذا التقرير في رأيي يطلق رصاصة الرحمة علي الفكرة الليبرالية التي اجتاحت العباد والبلاد خاصة ذات المجتمعات التي تتميز بالمحافظة الدينية والتركيبة القبلية. ونشر هذا التقرير المهم في مجلة «إيكونوميست» البريطانية العريقة في العدد الصادر بتاريخ 9-15 يناير 2010 ولم يذكر اسم كاتب التقرير ولكن المجلة نسبته بالكامل ل «وكالة فرانس برس»AFP للأنباء الشهيرة التي تعتبر أقدم مؤسسة للأخبار في العالم حيث تأسست عام 1835 وتتمتع بمصداقية هائلة نعجز عن وصفها. وعناوين الفقرات من اختيار المترجم وكذلك الكلمات التي بين (قوسين) . ونلفت انتباه القراء لأهمية آخر فقرة في التقرير التي تتحدث عن العامل الأفغاني الأمي الجاهل «جامشيد» وفلسفته البسيطة التي تعبر عن رأي شعوب العالم الثالث في «الليبرالية الديمقراطية»التي هزمت بسهولة واختزال مدهشين - بحسب التقرير- «نظرية فوكوياما».
نص التقرير
أكثر من أي وقت مضي منذ نهاية الحرب الباردة، أصبحت «الديمقراطية الليبرالية» تحتاج بقوة إلي من يدافع عنها....
هذا التحذير صدر مؤخرا من قبل المستر آرك بادينغتون، وهو مناضل امريكي مخضرم للحقوق المدنية والسياسية في جميع أنحاء العالم والذي يشغل منصب مدير البحوث في منظمة فريدوم هاوس وهي منظمة عالمية غير حكومية وغير ربحية أسسها ناشطون في مجال حقوق الإنسان عام 1941 وترصد وتراقب التحولات الديمقراطية والحرية في العالم ويقع مركزها الرئيسي في واشنطن دي سي.
أصبحت أسباب قلق المستر بادينغتون هذا الأسبوع أكثر وضوحا بعدما وجدت منظمة «فريدوم هاوس» في آخر تقييم سنوي لها أن الحرية وحقوق الإنسان قد تراجعت عالميا للسنة الرابعة علي التوالي. وقالت «فريدوم هاوس» في أحدث تقرير لها عن العام 2009: إن هذا الوقت (أي 4 سنوات) يمثل أطول فترة تراجعت فيها الحرية منذ بدأت منظمة فريدوم هاوس إصدار تقاريرها قبل حوالي 40 عاما.
الأنظمة الاستبدادية أكثر ثقة وتأثيرا
منظمة فريدوم هاوس تصنف البلدان بأنها «حرة»، «حرة جزئيا» أو «غير حرة» بواسطة مجموعة من المؤشرات التي تعبر عن إيمانها بأن الحرية السياسية وحقوق الإنسان مرتبطتان. البلدان يتم تقييمها من حيث وجود آليات ديمقراطية مهمة مثل «نزاهة القضاة» و«استقلال النقابات العمالية»، فضلا عن «استقامة النظم الانتخابية». ومن بين أهم النتائج الأخيرة، أن الأنظمة الاستبدادية ليست مجرد أكثر عددا بل أكثر ثقة وتأثيرا.
في تقريرها بعنوان «الحرية في العالم عام 2010: تآكل عالمي للحرية»، وجدت «فريدوم هاوس» أن الانخفاضات في الحرية سجلت العام الماضي في 40 بلدا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط والاتحاد السوفيتي السابق. في حين سجلت الحرية مكاسب في 16 بلدا فقط. انخفض عدد الديمقراطيات الانتخابية ثلاث دول إلي 116 دولة بعد خروج هندوراس ومدغشقر وموزامبيق والنيجر من القائمة في حين عادت جزر المالديف إلي القائمة مجددا. وهذا يجعل عدد الدول الديمقراطية عند أدني مستوياته منذ عام 1995، رغم أنه لا يزال تماما وبسهولة مريحة فوق مستوي القمة لعام 1990 وهو 69 دولة.
عندما تؤخذ النتائج ككل، فإنها تشير إلي تحول كبير نحو الأسوأ منذ بلوغ القمة قبل أكثر من 20 عاما أي تحديدا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الشيوعي، بالاضافة الي سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مما أدي لإقناع الناس بأن الديمقراطية الليبرالية ستسود العالم من أجل الخير. وبالنسبة لمفكرين مثل الأمريكي فرانسيس فوكوياما، كان ذلك هو الوقت الذي أصبح واضحا أن الحرية السياسية مدعوما بالحرية الاقتصادية يمثل المرحلة النهائية في تنمية المجتمع البشري: أي «نهاية التاريخ»، علي الأقل من الناحية الأخلاقية.
في الأيام الأولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، غرقت روسيا وبعض جيرانها بالمستشارين الغربيين الذين لا ينشرون فقط أساسيات اقتصاد السوق ولكن أيضا آليات الديمقراطية متعددة الأحزاب. ولفترة قصيرة، وجد هؤلاء الخبراء مستمعين كثيرين مستعدين للإصغاء.
ولكن اليوم، أصبحت فكرة أن يأخذ المسئولون السياسيون في البلدان الشيوعية سابقا، دروسا متواضعة في التعددية والديمقراطية من نظرائهم الغربيين تبدو مثيرة للضحك. بل هناك أدلة واضحة أن الديكتاتوريين أصبحوا يتبادلون النصائح والخبرات بينهم بكثرة وجدية. في أكتوبر الماضي علي سبيل المثال، عقد «حزب روسيا المتحدة» الموالي للكرملين آخر اجتماع مغلق مع «الحزب الشيوعي الصيني» الحاكم. وعلي الرغم من التباين الكبير بين البلدين، لا يعتقد معظم الناس في روسيا أن هناك نموذجا صينيا ناجحا يمكن بسهولة تطبيقه وتقليده، بل يهتم «حزب روسيا المتحدة» فقط بالخبرة الصينية الناجحة حتي الآن في «بناء نظام سياسي يهيمن عليه حزب سياسي واحد»، وفقا لتصريح خاص بنا من أحد من حضروا ذلك الاجتماع المهم والمغلق.
سلبيات الديمقراطية
بالنسبة للناشطين الحقوقيين والمراقبين في الغرب، الشيء المقلق في الأمر هو أن قضية الديمقراطية الليبرالية ليست مجرد معاناتها من تراجعات سياسية، بل هو أيضا في تراجعها «الفكري» وهذا أخطر بكثير من التراجع التطبيقي. البلدان «شبه الحرة» بعد أن أصبحت غير متيقنة من الاتجاه الذي يجب السير فيه، تبدو أقل قناعة بأن المسار «الليبرالي الديمقراطي» هو طريق مستقبل. وفي الغرب صار صانعو الرأي العام أسرع للاعتراف بما صار يسمي «سلبيات الديمقراطية»، والحقيقة الواضحة أن الانتخابات «المتنازع عليها» بسب اتهامات بالتزوير وخلافها من مزاعم تسبب ضررا أكثر من نفعها المتوقع عندما تغيب الشروط اللازمة الأخري لضمان حسن سير النظام. وإنها لعلامة من علامات العصر أن الصحافي البريطاني المرموق، همفري هاوكسلي، كان قد ألف كتابا مهما يتساءل فيه بجرأة عن جدوي «الليبرالية الديمقراطية» بعنوان مثير: «الديمقراطية تقتل: ما الجيد في نظام الاقتراع؟».
وهناك حجة أكثر دقة ضد الترويج لديمقراطية انتخابية علي حساب أهداف أخري حيث يؤكد البروفسور بول كوليير من جامعة أكسفورد، أن الديمقراطية في غياب مستحقات أخري مثل «سيادة القانون» يمكن أن تعرقل تقدم البلاد!! مارك مالوك براون، وهو رئيس سابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لا يزال مؤمنا في الديمقراطية باعتبارها دافعا لتحقيق التقدم الاقتصادي، لكنه يعتقد بصدق أنه في بلدان مثل أفغانستان، فإن الغرب ركز كثيرا علي إجراءات مثل «انتخابات متعددة الأحزاب» ولم يكن منفتحا بما يكفي لفكرة أن أنواعا أخري من «توافق الآراء» قد تكون موجودة بالفعل من قبل وتعمل بصورة أفضل من «الليبرالية الديمقراطية» بالنسبة لبلد بمثل طبيعة وتركيبة وخلفية أفغانستان. في جامعة كاليفورنيا، راندال بيرينبوم يدافع عن «نموذج شرق آسيا»، التي يعتمد علي فكرة أن تحقيق التنمية الاقتصادية يسبق طبيعيا وبالضرورة السعي نحو الليبرالية الديمقراطية.
تأثير غزو العراق
مهما قد يقول المثقفون، هناك بعض الأسباب الواضحة تجعل حماس بعض الحكومات الغربية من أجل تعزيز الديمقراطية، واستعداد دول أخري للاستماع لمروجيها ينحسر. في كثير من الأوساط بما في ذلك الدول الغربية نفسها، كان الاعتداء علي عراق صدام حسين، ونتائجه الدموية، وكأنه تأكيد شكوك الشعوب في أن تعزيز الديمقراطية كهدف للخارجية الأمريكية، كان غير مدروس أو مجرد نكتة ساخرة وسخيفة.
في أفغانستان وهي البلد الآخر التي شن تحالفاً تقوده أمريكا باسم الديمقراطية، سببت انتخابات العام الماضي إحراجا كبيرا لهذا الفريق نظرا لما تضمنته من عيوب، وفساد، ومخادعة من النخب السياسية المحلية.
وفي الشرق الأوسط، خفت حماس أمريكا لتعزيز الديمقراطية بعد الانتخابات الفلسطينية لعام 2006، والتي جلبت «حركة حماس» إلي السلطة. كما تضاءلت «القوة الناعمة» أي القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي علي حافته الشرقية بسبب الإجهاد الناتج عن التوسع بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
نموذج الصين الاستبدادي
ولكن ربما كان أكبر سبب لتضاؤل جاذبية الفكرة الديمقراطية الليبرالية كان صعود الصين الاقتصادي والابتكاري بنجاح مذهل رغم كونها ذات نظام شمولي، واعتقاد مقلديها أنه يمكنهم خلق ديناميكية اقتصادية دون تخفيف قبضتهم علي السلطة السياسية. وفي الخطاب السياسي لكثير من الحكومات الاستبدادية، بدا الافتتان بتقليد نموذج «خدعة الصين» واضحا بطريقة لا يمكن التغاضي عنها ولا التساهل بها.
فعلي سبيل المثال، هناك حديث سوريا البعثية عن «اقتصاد السوق الاشتراكي» الذي من شأنه تحفيز النمو مع الحفاظ علي الاستقرار. وهناك فيتنام الشيوعية التي احتذت بالإصلاح الاقتصادي في الصين في الاصلاحات، لكنها كانت واحدة من الدول التي وبختها «فريدوم هاوس» بسبب تراجع الحريات. كما أن ايران استدعت خبراء قانونيين واقتصاديين صينيين. ولكن رغم هذا التعاون، هناك بالفعل حدود لما يمكن لجمهورية الاسلامية ودولة شيوعية أن يتشاركا فيه، ولكن يبدو أنهم يتفقون تماما وبوضوح علي ما يجب تفاديه: «الحرية علي النمط الغربي».
وحتي كوبا التي بينما تتشبث بالماركسية حتي الآن، بدأت تهتم بإصلاحات الصين الاقتصادية. ومن وجهة نظر العديد من البلدان الفقيرة، ولا سيما الإفريقية فإن التعاون مع الصين - اقتصاديا وسياسيا - له العديد من المزايا ليس أقلها: أن الصين لا تصدع رؤوسهم بإلقاء المحاضرات الوعظية عليها عن «الحرية السياسية» و«حقوق الإنسان»!!
ثبات الصين في الأزمات الاقتصادية
التباطؤ والكساد الاقتصادي العالمي، وقدرة النظام الصيني الفذة علي النجاة من الكوارث الاقتصادية العالمية، من الواضح أنه أضاف جاذبية كبيرة لتجربة الصين الشمولية. قوة الصين المتزايدة، وبالتالي عدم اهتمامها بحقوق الإنسان مطلقا، أصبح واضحا في آسيا الوسطي. ولكن كما يلاحظ المنشقون فكريا من مروجي الديمقراطية الليبرالية في المنطقة: الأمر ليس مجرد قوة النفوذ الصيني الذي يجعل الحياة صعبة بالنسبة لهم، بل هو أيضا تردد وضعف الحكومات الغربية التي غالبا ما تخفف اهتماماتها الاخلاقية خوفا من ضياع المصالح التجارية.
الجدل والنقاش
ونظرا لكون «الديمقراطية الليبرالية» ليس مرجحا أن تتقدم في هذه الأيام حتي عن طريق التفوق العسكري أو الاقتصادي للغرب، فإن أملها الوحيد يكمن في التفوق في مناقشة مفتوحة بصورة حقيقية. وبعبارة أخري، يجب أن تقتنع البلدان والمجتمعات المتشككة في جدوي الحرية، وبأن الحرية السياسية تعمل وتنتج بالفعل علي نحو أفضل.
لذلك فالسؤال المهم الآن: كيف يمكن لقضية الدفاع عن جدوي الديمقراطية الصمود في هذه الأيام؟ وكما لاحظ الكثير من الفلاسفة: أقوي نقاط الدفاع عن المنافسة السياسية الحرة هي في الغالب «سلبية». الديمقراطية قد لا تنتج سياسات مثالية، لكنها أفضل حماية ضد كل أنواع الشرور، من «الاستبداد الصريح» إلي «السرقة» علي حساب الشعب.
منظمة «الشفافية الدولية» وهي هيئة رقابية عالمية عن الفساد تقول إن جميع الدول باستثناء اثنتين من 30 بلدا هي الأقل فسادا في العالم هي ديمقراطيات. والاستثناءان المقصودان هما سنغافورة وهونغ كونغ، وهما تعتبران دولين «شبه ديمقراطية». الأنظمة الأوتوقراطية (الدكتاتورية) تميل إلي شغل مركز أعلي بكثير علي مقياس الفساد (الصين في مكان ما في الوسط). ومن السهل أن نعرف لماذا. النخب السياسية الراسخة في هذه الأنظمة الأوتوقراطية والذين لا تزعجهم انتخابات حرة ونزيهة، يمكنها أن تفلت بسهولة أكبر من المحاسبة عندما يحشون جيوبهم بالمال. والأقوياء في كثير من الأحيان يحاولون الحفاظ علي سيطرتهم علي السلطة عن طريق الاعتماد علي الأموال العامة لمكافأة مؤيديهم ولشراء أعدائهم، مما يؤدي إلي سوء توزيع للموارد بصورة فجة.
ومع ذلك، فمن السهل العثور علي ديمقراطيات ليبرالية فاسدة. في الواقع، في مكان متداع وممزق مثل أفغانستان تبدو الانتخابات أحيانا أنها تجعل الامور اكثر سوءا. أو لنأخذ أكبر دولة من الجمهوريات السوفيتية السابقة: «روسيا» دولة استبدادية وتعاني من فساد كبير. «أوكرانيا» الأكثر ديمقراطية من روسيا ستكون الانتخابات المقبلة فيها منافسة حقيقية علي السلطة ولا يمكن التنبؤ بنتائجها ولكنها أيضا تعاني من مشكلة فساد كبيرة. «أوكرانيا» لا يوجد لديها «كرملين»، شاهرا سلطته علي جميع القادمين، ولكن ذلك لا يجعلها نظيفة أو محكومة بطريقة جيدة.
الديكتاتورية
ماذا عن الحجة القائلة بأن «التنمية الاقتصادية، علي الأقل في مراحلها المبكرة، من الأفضل أن تتم عن طريق نظام ديكتاتوري»؟ يؤكد «لي كوان يو»، وهو رئيس سابق للوزراء في سنغافورة أن الديمقراطية تؤدي إلي «سلوك غير منضبط»، يعطل التقدم الاقتصادي المادي. ولكن لا يوجد دليل دامغ بأن الأنظمة الاستبدادية تنمو اقتصاديا، في المتوسط، بمعدل أسرع من الديمقراطيات. وفي مقابل كل نظام استبدادي شرق آسيوي (سابق) ناجح اقتصاديا مثل تايوان أو كوريا الجنوبية، هناك أيضا دول مثل الكاميرون و(...) التي تجمع ميزتي «القسوة» و«البلادة» (أو حقا وفعلا هناك حتي كوريا الشمالية أو ميانمار).
من الصعب جدا تحديد العلاقة والرابط بين نوع النظم السياسية والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، هناك بعض الأدلة علي أنه، في المتوسط، الديمقراطيات الليبرالية تعمل وتنتج بصورة أفضل. وأظهرت نتائج «دراسة» (سنعود لهذه الدراسة لاحقا) أجراها ثلاثة علماء هم «مورتون هالبرين» و«جوزيف سيغل» و«مايكل واينشتاين» لمجلس العلاقات الخارجية (وهو أهم مركز بحثي وخزان تفكير أمريكي للشئون السياسية العالمية تأسس في 1921 ومن أهم مطبوعاته مجلة «فورين أفيرز» الشهيرة)، وذلك باستخدام بيانات البنك الدولي بين عامي 1960 و2001، أن متوسط معدل النمو الاقتصادي السنوي كان 2.3% للنظم الديمقراطية، و 1.6% للنظم الاستبدادية. وهناك دراسات أخري ولكنها أقل وضوحا.
المؤمنون بالديمقراطية بوصفها محركا للتقدم المحرز في كثير من الأحيان يركزون علي نقطة مفادها أن مناخ الحرية يعتبر ضرورة قصوي في «الاقتصاد القائم علي المعرفة» knowledge-based economy ، حيث يعتبر التفكير المستقل والإبداع حيويين. ومن المؤكد أنه ليس من قبيل الصدفة أن كل اقتصاد في أعلي 25 دولة علي مؤشر الابتكار العالمي هي نظم ديمقراطية، وباستثناء سنغافورة وهونج كونج (وهما تعتبران دولاً «شبه ديمقراطية» كما أسلفنا).
استثنائية الصين
الصين التي تأتي في المرتبة رقم 27 في مؤشر الابتكار العالمي غالبا ما يشار اليه باعتبارها «استثناء» لهذه القاعدة. القدرات العقلية الصينية خطت خطوات كبيرة في مجالات عديدة مثل الحوسبة والتكنولوجيا الخضراء، والتحليق في الفضاء. عزم السلطات الصينية مؤخرا علي فرض شروطها علي ثورة المعلومات تحقق هذا الاسبوع عندما أعلن محرك البحث «جوجل» أنه قد ينسحب من الصين بعد هجوم إنترنتي غامض استهدف مواقع نشطاء حقوق الانسان الصينيين علي الإنترنت.
جوجل ترضخ
ومنذ دخولها السوق الصينية في عام 2006، وافقت ورضخت «جوجل» علي فرض «رقابة» علي بعض نتائج البحوث التي يحققها محرك البحث «جوجل» علي الإنترنت تحت ضغط وإصرار السلطات الصينية.
المعجبون بنموذج الصين الديكتاتوري قد يستنتجون أن الصين تستطيع حقا التقدم والنمو في السوق المحلية بدون رضا محرك البحث «جوجل» الذي يبدو أنه هزم محليا تقريبا من منافسه الصيني محرك البحث «بايدو»Baidu ولكن في المدي المتوسط، فإن «العقلية» القيادية التي تصر علي فرض رقابة علي مجرد محرك بحث عبر النت سوف - بكل تأكيد - تسبب كبحا وترديا معرفيا عندما تحاول التقدم في سلم الإبداع. ولا يجوز لأي بلد أن يتخيل بأنه عندما يصبح مستبدا مثل الصين، فإنه سيصبح أوتوماتيكيا وتلقائيا بمثل ديناميكية الصين لأن لها خصوصيات واستثناءات يصعب بل يستحيل تحقيقها من الغير.
درجة من «الاستقرار»
ماذا عن مقولة إن الاستبداد يخلق درجة من «الاستقرار» يصبح النمو بدونها مستحيلا؟ في الحقيقة والواقع، فإنه ليس من الواضح أن الدول الاستبدادية هي أكثر استقرارا من الديمقراطيات. بل علي العكس تماما. علي الرغم من قضاء الساسة الديمقراطيين الليبراليين معظم الوقت في المشاحنة والتذبذب ورفع الصوت والمعارضة والشتائم، وهذا يمكن أن يعزز الاستقرار في المدي المتوسط لأنه يسمح بتقدير وتقييم مصالح الغير وبسماع وجهات نظر أكبر عدد من الناس رأيه قبل اتخاذ القرارات الحاسمة. وعلي مؤشر «هشاشة الدول» الذي تدرسه وتنتجه سنويا جامعة جورج ماسون وهي دراسات تقيم متغيرات متعددة مهمة مثل «الفعالية السياسية»، والأمن، فإن «الديمقراطيات الليبرالية» تميل إلي الإنتاج والقيام بعمل أفضل بكثير من الأنظمة الاستبدادية. «يوغوسلافيا تيتو» كانت مستقرة مثل «عراق صدام حسين»، ولكن بمجرد زوال القيود الصارمة التي أمسكت نظمها، كانت النتيجة خروج ضغط مكبوت هائل، ومعه فرصة ذهبية للديماغوجيين العازمين علي نشر الفوضي.
الاستبداد يضعف الاقتصاد
ولكن السؤال الجوهري: «هل تستحق «الديمقراطية الليبرالية» حقا القتال من أجلها؟» يمكن للحكومات «الديمقراطية الليبرالية» أن ترتكب كل أنواع الاخطاء، لكنهم أقل عرضة لارتكاب جرائم قتل جماعية. الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد (الهندي) أمارتيا سين اشتهر بالقول: «لم تواجه أي دولة ذات صحافة حرة وانتخابات نزيهة في أي وقت مضي مطلقا مجاعات كبيرة». كما وجد البحث السالف لأولئك العلماء الثلاثة من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي «معدل احتمال إصابة الدول ذات الأنظمة الاستبدادية بالكوارث الاقتصادية يبلغ ضعف معدل قرينتها من الأنظمة الديمقراطية» وتعريف الكارثة الاقتصادية هنا يعني تراجع يعادل 10% أو أكثر في الناتج المحلي الإجمالي في السنة. بدون برلمانات صاخبة أو محاكم قوية تعطل الأمور، قد تكون الأنظمة الاستبدادية بالفعل أسرع نموا وأكثر جرأة. ولكنها بالتأكيد أكثر عرضة للكوارث الاقتصادية.
طغيان الأغلبية
ولكن إذا كان هناك ثمة شيء يمكن تعلمه من النقد الحديث للحماس (الهوسي) للديمقراطية الليبرالية، فهو أن صناديق الاقتراع وحدها ليست كافية. ما لم يكن هناك قوانين صلبة وراسخة لحماية حقوق الأفراد والأقليات، وتحديد سلطة الحكومة بوسائل واضحة مثل المحاكم النزيهة، والمنافسة الانتخابية العادلة، فإن الديمقراطية يمكن ببساطة أن تؤدي إلي ما سماه الفيلسوف الفرنسي ألكسيس دو توكفيل بدقة «طغيان الأغلبية» خاصة في الدول المتخلفة. هذه الفكرة لها جاذبية خاصة في البلدان التي يكون فيها بعض أنواع من «الإسلام السياسي» من المرجح أن تسود في أي منافسة انتخابية مفتوحة. في مثل هذه الأماكن تفضل الأقليات غالبا، (وتشمل غالبا المسلمين المنشقين عن التيار السائد) أن تبقي في إطار الأمان النسبي الذي يوفره النظام المستبد.
تحذير آخر هو أن الديمقراطية الليبرالية لم تعان صعوبات مطلقا في البلدان التي تعتمد في الأساس علي اقتصاديات غير اقتصاد السوق. وجود آلة استبداد في الدولة التي تتدخل في كل شيء يمكن أن يغري القادة لاستخدامه ضد خصومهم السياسيين. السيطرة الكلية علي الاقتصاد أيضا تشفط الهواء تماما خارج ما سماه استفان بيبو، (هو مفكر سياسي مجري): «دوائر صغيرة من الحرية» تتمثل في الجمعيات الحرة ومراكز القوة المستقلة التي يسمح بها الاقتصاد الحر (أي مؤسسات المجتمع المدني الحرة). اقتصاديات السوق الحر تساعد في خلق طبقة متوسطة تكون أقل تأثرا بضغط الدولة وبالمحسوبية السياسية.
قبول الحلول الوسطي
وربما الأكثر أهمية، الديمقراطية بحاجة الي قادة لديهم الميل والقدرة علي المساومة والوصول إلي حل وسط: أي ما دعاه والتر باجيت (1826-1877)، رئيس تحرير الايكونومست (في القرن التاسع عشرعندما كانت صحيفة وقبل تحولها إلي مجلة كما نشاهد حاليا)، «الإدارة بأسلوب يميل للتخلي عن هدف محدد مطلوب بدل القبول ببديل أقل قيمة» (أي التصلب والعناد وعدم قبول المساومة والحل الوسط). بدون الميل والمزاج لتحمل «إدارة الاختلافات»، يمكن بسهولة للجماعات المنافسة إضعاف وتحويل الممارسة الديمقراطية إلي مجرد صراع متوحش علي السلطة يؤدي في نهاية المطاف إلي تآكل المؤسسات الليبرالية.
وهذا يوحي بأن الديمقراطية الليبرالية من المرجح أن تنجح في البلدان التي لديها شعور عام بالانتماء المشترك بدون تصدعات عرقية أو ثقافية قوية يمكنها أن تحول بسهولة الصراع السياسي من تنافس شريف إلي نزاع مسلح دموي. الدول التي في وضع أفضل لتحقيق هذا هي التي يوجد بها «أناس متفقون علي خلفية مشتركة بشكل أساسي تمكنهم من تحمل التشاحن والشجار بأمان» كما قال اللورد بلفور، وهو سياسي بريطاني شهير من القرن التاسع عشر. ولكن لم يكن هذا هو الحال في يوغوسلافيا في التسعينات، أو في لبنان في السبعينات من القرن العشرين.
«جامشيد» يهزم «فوكوياما»
في كابول، يتحدث العامل اليدوي الأمي جامشيد (26 عاما) نيابة عن العديد من المواطنين عندما يسرد محاسن ومساوئ النظم الغربية الجديدة المفروضة بالقوة من قبل النظام الأفغاني الجديد الذي يدعمه الغرب. بالمقارنة مع الحياة في ظل حكم طالبان، جامشيد يقدر «الحرية للاستماع إلي الموسيقي، والخروج مع زوجتك بسهولة وبدون مراقبة لتفعل ما تريده»، لكنه لا يمكن أن ينسي مطلقا أنه «في ظل حكم طالبان المستبد، كان يمكنه ترك المحل مفتوحا والذهاب لأداء الصلاة في المسجد ولن يتجرأ أحد مطلقا علي سرقة أي شيء... ولكن الآن -يقول جامشيد-: الحكومة الديمقراطية الليبرالية نفسها «فاسدة»، وتسرق مال الناس بالباطل!!!»
بكل تأكيد جامشيد الأمي لم يقرأ مطلقا مؤلفات الفيلسوف البريطاني «جون ستيوارت ميل» مؤسس الفلسفة الليبرالية أو المفكرة السياسية الأمريكية «آين راند». ولكن سواء كان يحكمه رجال دين ثيوقراطيين أو حكومة جاءت بعد فوز بانتخابات مدعومة من الغرب، فإنه - بالتأكيد - يعلم جيدا «ما لا يعجبه»!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.