الغرب الذى يطالب فيه البعض بالتخلى عن التراث الإسلامى لم يتخل عن تراثه اليونانى أو المسيحى قال مستشار مفتى الجمهورية، إبراهيم نجم، إن الغرب الذى يطالب بعض المسلمين بالتخلى عن تراثهم الدينى، لم يتخل عن تراثه اليونانى أو المسيحى، بل إنه يرجع أصل كل علم أو فلسفة إلى أصول يونانية. وأضاف نجم فى حوار ل«الشروق» «مازال للتوراة والإنجيل أثر فى الحياة الثقافية والاجتماعية على اختلاف فى مستوى هذا الأثر فى البلدان الغربية». وطالب نجم بإنشاء مرصد لمواجهة «الإسلاموفوبيا» لمواجهة أصوات التيارات والجماعات المعارضة للوجود الإسلامى بالغرب، مشيرا إلى ضرورة إعادة نظر فكثير من المناهج التى يتم تدريسها فى المدارس والجامعات الغربية لا تتفق مع صحيح الإسلام ونصوصه، وانتهى قائلا: «الإعلام الغربى يشوه الإسلام والمسلمين فى الخارج». وإلى نص الحوار: حول تجديد الخطاب الدينى وإشكالياته فى الغرب والمطالبة بالتخلى عن التراث الإسلامى. • كيف ترى دعوات الغرب للتخلى عن التراث الإسلامى؟ أولا: قلما نجد لهذه الدعوة سابقة تاريخية، بمعنى أنه لم تُطَالب مجموعة دينية أو ثقافية أو إثنية بالتخلى عن تراثها، بل على العكس، يجرى الاحتفال والاحتفاء بمجموعات عديدة، قل أو كثر عدد المنتسبين إليها، فى أماكن كثيرة من العالم، بل وداخل الغرب ذاته تحت عنوان التعدد والتنوع، ويصل الأمر إلى اعتبار أن الحفاظ على تراث هذه المجموعات ونشره ودعمه حق من حقوق الإنسان الثقافية. والغرب ذاته الذى يطالب فيه بعض المسلمين بالتخلى عن تراثهم الدينى، أو على الأقل التعامل معه بطريقة نقدية جذرية، لم يتخل عن تراثه اليونانى أو المسيحى، بل إنه يرجع أصل كل علم أو فلسفة إلى أصول يونانية، ومازال للتوراة والإنجيل أثر فى الحياة الثقافية والاجتماعية فى البلدان الغربية، كما أن التعامل النقدى الجذرى الذى قام به البعض فى الغرب لم يؤثر على مكانة هذه النصوص المقدسة وعلى بعض القراءات القديمة كقراءة القديس أوجستين للتوراة والإنجيل. ومطالبة المسلمين بالتخلى عن القرآن والسنة، دعوة تتناقض مع أصولهم العقائدية، وتمثل سلاحا فى أيدى المتطرفين منهم، وهذه المطالبة لم تحدث إزاء تراث ثقافى أو دينى آخر، والغرب ذاته يحافظ على تراثه الفلسفى والدينى. • ما هى الآليات والخطوات التى من شأنها معالجة الإشكاليات المتعلقة بالخطاب الدينى فى الخارج؟ يجب التواصل مع القيادات الدينية فى الخارج والتنسيق معهم، والتعرف على أهم الإشكاليات والمشكلات التى تواجه المسلمين، فكرا وممارسة، والتعاون معهم وإمدادهم بكافة الأدوات والوسائل التى تعينهم على أداء دورهم، ليكون الخطاب الدينى خطابا مؤسسيا ومعبرا عن تنوعات المسلمين وروافدهم. ويجب تدريب الأئمة والدعاة لنشر الإسلام وتصحيح المفاهيم فى الخارج، وتأصيل الرباط بين الأئمة والدعاة وبين العلماء الثقات والمؤسسات الإسلامية المرجعية فى العالم الإسلامى. وأطالب بإنشاء مركز عالمى لدراسة فتاوى الجاليات المسلمة، لأنهم فى حاجة ملحة وضرورية لدراسة وتأصيل فتاوى دينية تتعلق بقضاياهم، وتهتم بمستجدات الأحداث والقضايا التى تطرأ على المسلمين فى الخارج، والتى تحتاج إلى اجتهاد خاص ومتنوع لسياقات المسلمين وتنوعاتهم فى الخارج. • وكيف نواجه ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التى تعتبر العائق الأول نحو تصحيح صورة الإسلام؟ وجهة نظرى فى هذه النقطة، هى ضرورة إنشاء مرصد لمواجهة «الإسلاموفوبيا» لمواجهة أصوات التيارات والجماعات المعارضة للوجود الإسلامى بالغرب، والمحذرة من تنامى وتزايد أعداد المسلمين فى الخارج. ولابد من التنبه له وإنشاء المؤسسات والمراكز المعنية بدراسته وتحليل وتقديم المعالجات العلمية والدقيقة لتلك المشكلة، التى تواجه المسلمين هناك، وفى هذا السياق تبرز أهمية إنشاء مرصد إسلامى معنى بظاهرة «الإسلاموفوبيا» فى الخارج، يقدم اجتهادات ومعالجات حديثة وملائمة للتحديات التى تواجه المسلمين هناك. وفى هذه النقطة أيضا، يجب على المؤسسات الدينية الكبرى والمرجعيات الإسلامية المعترف بها إيجاد صيغة وآلية لاعتماد العلماء الثقات للتحدث والحوار باسم الإسلام والمسلمين، والتعبير عن قضايا ومشكلات المسلمين حول العالم، فمن المشكلات الكبرى التى تواجه تجديد الخطاب الدينى، تصدر غير المتخصصين وغير المؤهلين للتحدث باسم الإسلام والمسلمين، فأصبحنا نواجه خطرين محدقين بالخطاب الدينى، خطر يتعلق بالتفريط فى ثوابت الأمة وتراثها، ويدفع نحو إهمال وترك التراث كلية، وخطر يشوه الدين ويلوى عنق النصوص ليبرر جرائم العنف والقتل والذبح التى يرتكبها بعض الغلاة والمتطرفين. • هناك مطالبة بتطوير المناهج الدراسية الإسلامية فى مصر، ماذا عن المناهج الإسلامية فى الغرب؟ بالفعل تحتاج أيضا إلى إعادة نظر، فكثير من المناهج التى يتم تدريسها فى المدارس والجامعات الغربية لا تتفق مع صحيح الإسلام ونصوصه، وهو أمر يسهم بشكل كبير فى ترسيخ الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام والمسلمين فى الخارج، لذا علينا جميعا أن نسعى للتواصل والتعاون مع الجامعات والمدارس التى تعنى بالدين الإسلامى فى الخارج، والتى تقوم بتدريس بعض المقررات الخاصة بالإسلام والمسلمين، وتوضيح صحيح الدين ووسطيته، والمؤلفات الصحيحة المعبرة عن مبادئ الإسلام السمحة وقيمه العليا، بعيدا عن التشوية والابتذال الذى تعرض له الإسلام فى مناهج تدرس على أيدى غير المتخصصين فى الخارج. يضاف إلى ذلك التعاون، إرسال العلماء المؤهلين لتدريس العلوم الشرعية والرد على الشبهات التى تثار حول الإسلام هناك، وتنظيم تبادلات علمية بين المؤسسة الدينية الإسلامية الوسطية وخاصة الأزهر، وبين تلك الجامعات والمدارس الغربية. • ما دور الإفتاء فى هذا الصدد؟ فى الفترة الأخيرة، قام فضيلة المفتى الدكتور شوقى علام بجولة أوروبية، ليلتقى بالسياسيين والعلماء من أجل التواصل ومد يد العون للعلماء المسلمين ودعمهم من أجل تصحيح صورة الإسلام ومحاربة ظاهرة الإسلاموفبيا، والتى فى رأى يلعب الإعلام الغربى الدور الأبرز، حيث يعمل على تشويه صورة الإسلام والمسلمين فى الخارج، ويميل إلى تصدير صورة الإسلام البدائى المعادى لكل القيم الغربية، والمتبنى لكل أساليب العنف والقتل والذبح، وهى صورة ذهنية ترسخت لدى كثير من أبناء الحضارة الغربية، وربما المثال الأوضح فى ذلك هو قضية حظر المآذن فى سويسرا والدور الإعلامى الكبير فى حشد المواطنين للتصويت بنعم على استفتاء حظر المآذن هناك، وفى هذه النقطة الهامة يقوم فضيلة المفتى بالتواصل بشكل مباشر مع كبرى وسائل الإعلام العالمية الغربية وكتابة مقال له ليوضح الشبهات والرد عليها، كما أقوم بزيارة سنوية للولايات المتحدة فى شهر رمضان لإحياء ليالى رمضان مع الجاليات المسلمة والتواصل معهم، وإلقاء الخطب والدروس والمشاركة فى الندوات من أجل تصحيح صورة الإسلام والرد على المفاهيم الخاطئة.