الدكتور محمد بشاري أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي الأوروبي ورئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا ورئيس معهد ابن سينا للعلوم الإنسانية بمدينة ليل الفرنسية له باع طويل في الدفاع عن حقوق الأقليات المسلمة في أوروبا .. ناقشنا معه العديد من القضايا علي هامش مؤتمر المجلس الأعلي للشئون الإسلامية الذي عقد بالقاهرة مؤخرا وفي مقدمتها أحوال المسلمين في فرنسا بعد الهجمات الأخيرة علي مجلة شارلي إبدو ورأيه في الخطاب الديني الحالي وحوار الأديان وغيرها من القضايا في هذا الحوار : * بصفتك الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الأوروبي .. ما دور المنظمة في مساعدة المسلمين بالخارج ؟پ ** منظمة المؤتمر الإسلامي الأوروبي أخذت علي عاتقها لم شمل المسلمين في أوروبا وأن تكون ممثلا لهم فيما يتعلق بالوجود الإسلامي في الاتحاد والبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية وغيرها وأشغل منصب الأمين العام لأنني رئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا حيث إن اللوائح تنص علي ذلك .. ولقد عملنا طوال الفترة الماضية ومنذ تأسيس المنظمة علي التنسيق بين المؤسسات الإسلامية في أوروبا والحفاظ علي الوجود الإسلامي وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين .. كما نحاول بقدر الإمكان الاستفادة من العقول المهاجرة في الغرب ومن الفعاليات التي ينظمها المسلمون والتي تساهم في نهضة المجتمع الذي يعيشون فيه وتوظيفها لتحسين صورة المسلمين وغير ذلك مما يؤدي إلي حسن الاندماج والتعايش بين المسلمين ومجتمعاتهم. * وماذا عن الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا وهل هناك تضارب بين عملها والمجلس الإسلامي الأوروبي ؟. ** الفيدرالية تضم أكثر من 200 مسجد ومركز إسلامي وهي منظمة ليس لها أي توجه سياسي بل هدفها رعاية شئون المسلمين في فرنسا حيث يوجد حوالي ثمانية ملايين مسلم بينما من يحمل الجنسية ما يقارب الثلاثة ملايين لذلك يعتبر الإسلام الديانة الثانية في فرنسا .. أما بالنسبة لعملهما مع بعض فلا تضارب بينهما ونحاول أن يكون هناك تكامل لتحسين أحوال الأقليات المسلمة. * كيف تقوم المنظمة بالرد علي حملات التشويه الإعلامي بحق الإسلام والمسلمين ؟. ** الحملات الإعلامية المسيئة لثقافات الأديان تحتاج إلي خطط وبرامج مناسبة لمواجهتها ولعل ما سيساعدنا علي ذلك الصحوة التي تعيشها المجتمعات الغربية وتخلصها من وهم الإسلاموفوبيا ورغبة الغالبية العظمي منها للتعرف علي الإسلام ومحاولة فهمه خاصة بعد انتشار الكثير من الدراسات العلمية التي أكدت علي سماحة الإسلام وسمو مبادئه وصححت الكثير من المفاهيم الخاصة بالإسلام ورموزه وبالتالي تحولت إلي خط دفاع عن المسلمين تساندهم في الحصول علي حقوقهم والحفاظ علي خصوصياتهم الثقافية والدينية. * وما الخطط والبرامج المناسبة لمواجهة الحملات الإعلامية المسيئة ؟. ** مثل إنشاء شبكات للتواصل بين الإعلاميين في الإيسيسكو وغيرهم في أوروبا وتأسيس منتديات تقلل من تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وتنظيم رحلات سياحية ودورات تدريبية لتقريب وجهات النظر بين الإعلاميين وبما يعزز من احترام التنوع الثقافي والمعتقدات الدينية للشعوب. * وما رأيك فيما تقوم به بعض التنظيمات الإرهابية من أفعال إرهابية ووحشية ؟. ** هذه تعتبر ردة علي قيم المجتمع وتقضي علي أمنه وعقوبتها في الإسلام القتل فلا يجوز رفع السلاح في وجه النظام والتسبب في حدوث اضطرابات تهدد سلامة المواطنين واستقرار المجتمع. * كيف استقبلتم أحداث جريدة "تشارلي إبدو" خاصة أن أعداء الدين استغلوا هذا الحادث لإلصاق الإرهاب بالإسلام ؟. ** عزز الحادث الإرهابي من فكرة إلصاق الإرهاب بالدين الإسلامي فالإنسان الغربي يريد من أصحاب الديانات الأخري ألا يمسوا هويتهم وحرياتهم وعندما قام الإرهابيون بهذا الحادث تحت مزاعم الدفاع عن النبي صلي الله عليه وسلم اعتبره الغربيون تعديا علي حريتهم في التعبير وهو ما أبعدهم كثيرا عن المفاهيم الصحيحة للإسلام .. مع أن ما يحدث من أعمال عنف لا تمت للدين الإسلامي بصلة فهذا الدين الحنيف مختطف من قبل الجماعات المتطرفة التي تعيث في البلاد الإسلامية فسادا وعلي رأسها داعش فالخطاب المتطرف الإسلامي فشل في ترسيخ العنف في أوروبا لذلك اتجه إلي العالم الإسلامي من هنا يجب أن تتكاتف الدول العربية والإسلامية وتعمل علي تحرير الدين من مختطفيه. * من وجهة نظرك كيف يمكن ذلك ؟ ** عن طريق الخطاب الديني المعتدل الوسطي والذي يجب أن تتبناه مصر متمثلة بالأزهر الشريف فنحن أحوج ما نكون لخطاب إيجابي يتفاعل مع الآخر ويفهمه ويبتعد عن التطرف ويحترم التنوع الثقافي للشعوب ومناهضة الخطاب الذي يؤصل للكراهية فمنذ أن تنامت ظاهرة الإسلاموفوبيا اختفت الوحدة المجتمعية وقلت المشاريع الاقتصادية. تطوير الخطاب الديني * ولكن هناك محاولات لتطوير الخطاب الديني في الوقت الراهن ؟. ** جميعها خطاب صالونات خاصة ما يخرج من المؤسسات الرسمية لكن الواقع صعب ومر وصورة داعش والفكر المتطرف المنبثق من رواسب العوامل التاريخية رسخت لصورة مغلوطة عن الإسلام .. وهنا أقول إن الإرهاب أصبح يهدد الكل ولقد انتفض الشعب الفرنسي بعد حادث شارلي إبدو ضد الإرهاب وأعلن الحرب عليه لكن في نفس الوقت هناك صورة مشوهة للإسلام في المناهج الأوروبية لذلك يجب معالجة هذه المناهج وتصحيحها بالتوازي مع تجديد الخطاب الديني وإعادة رسم منطلقاته علي أساس الوسطية والاعتدال. * هناك من يتهم فقه الأقليات بأنه يتساهل في كسر القواعد الشرعية الثابتة..فما ردك ؟ ** المسلمون في الغرب لهم ظروف خاصة تختلف عن أحوالهم في الدول الإسلامية حيث يتعرضون للتضييق عليهم في ممارسة شعائرهم وعباداتهم وهناك قاعدة شرعية تقول "إن المشقة تجلب التيسير" تطبيقا لقوله تعالي "وما جعل عليكم في الدين من حرج" لذلك لابد من إنشاء مجمع فقهي معني بشئون الأقليات وبعيد عن الانتماءات القطرية يتبعه كل المسلمين الذين يعانون في بلدانهم غير الإسلامية. * البعض يدعي أن الدولة الإسلامية لا تؤمن بالتعددية أو التعايش فكيف نرد عليهم ؟ ** هذا ادعاء باطل فالدولة الإسلامية مدنية دستورية ديمقراطية دولة شوري انتخابية وعندما أنشأ رسول الله صلي الله عليه وسلم أول دولة إسلامية في المدينةالمنورة كان يضم دستورها التعددية العرقية والقبلية والدينية فشكل المهاجرون والأنصار أحزابا بالمعني العصري وتم انتخاب أبي بكر خليفة لرسول الله كحاكم للدولة الجديدة ومعاونيه أو وزرائه بتوافق هذه الأحزاب .. كما أن هذه الدولة الوليدة رغم أنها ذات أغلبية مسلمة إلا أنها كانت تكفل لغير المسلمين حقوقهم كاملة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية بغض النظر عن الخصوصية العرقية أو الدينية فيما عدا منصب الولاية أو المناصب الدينية .. ويكفي أن الإسلام أسماهم أهل الذمة وتعني العهد أي الأمان ورغم أن لهم ما للمسلمين من حقوق إلا أن الإسلام لم يجبرهم علي مشاركتهم في الحروب دفاعا عنه وإذا اشترك أحد الذميين فيها كانت تسقط عنه الجزية .. كما أنهم كانت لا تفرض عليهم الزكاة رغم استفادتهم من بيت المال العام وغير ذلك مما يثبت نظام التعددية الدينية أو المواطنة. حوار الأديان * هل توافق علي ما يسمي بحوار الأديان وهل يؤتي هذا الحوار ثماره المرجوة ؟. ** هناك من يقول إن الحوار بين الأديان لا جدوي منه وأنه مضيعة للوقت والمال والجهد خاصة أن معظم الحروب التي قامت في المنطقة العربية أخذت شكل الدينية الصليبية وانقسمت الدول لمحوري خير وشر وغير ذلك مما يؤصل للعنصرية ويباعد المسافات بين أتباع الديانات المختلفة لذلك لابد من تمكين الوحدة الإسلامية والتركيز أكثر علي التقريب بين المذاهب .. بينما يري البعض الآخر أنه لابد من البحث عن المشترك مع الآخر ولا يجب أن يتم إيقاف الحوار من الجانب الإسلامي بل يجب ابتكار آليات جديدة في الحوار والتوجه نحو الديانات الأخري كالبوذية والهندوسية ولا نقتصر علي الغرب فقط وفتح المجالات أمامهم للبحث عن المشترك بيننا خاصة فيما يصب في خانة تنمية البلاد الإسلامية فهذا سيردع الغطرسة الغربية بعد أن تشعر أن ثمة ما يهدد مصالحها في الشرق الأوسط .. وأنا أميل للرأي الثاني حيث إن لي تجارب عديدة في هذا المجال حيث شاركت في مجموعات ولجان للحوار الإسلامي الميسحي سواء في الفاتيكان أو مع الكنائس العربية أو البريطانية أو الأمريكية مع مؤسسات رسمية وغير رسمية بل مع أتباع الديانة اليهودية أيضا وحاولنا أن نصل إلي القواسم المشتركة بين الأديان لتحقيق العدالة الاجتماعية وحصول الإنسان أيا كانت ديانته علي حقوقه كاملة وحققنا بعض النتائج الإيجابية في بعض البلدان خاصة العربية ونجحنا فيما فشل فيه السياسيون وأسسنا لمشاريع مشتركة بينهم. * ولكن لماذا لا تشعر الشعوب بثمار هذه الحوارات ؟. ** لأن معظمها حوارات صالونية نخبوية بعيدة عن الجماهير لا يتم تحويلها لمشاريع حياتية بل معظمها خطب نظرية تنطلق من أساس ديني وفلسفي والجماهير بعيدة عن البعد الثقافي والفكري لهذه الخطب .. كما أن معظم توصيات هذه اللقاءات تتصادم مع سياسة الدول فمثلا أثناء الحوار مع اليهود يتم الاتفاق علي الكثير من المبادئ المشتركة ولكن في المقابل تجد أن دولة إسرائيل تضرب بكل القيم النبيلة وبحقوق الإنسان عرض الحائط ولا تطبق أيا من المبادئ التي تم الاتفاق عليها أثناء الحوار فتقتل وتشرد وتظلم وتتبع سياسة العنصرية البعيدة عن المبادئ المشتركة التي تم الاتفاق عليها من أجل الاستيلاء علي المزيد من الأراضي والممتلكات الفلسطينية فهي سياسة استعمارية بعيدة عن الدين.