اتهمت روسيا كييف باللجوء إلى أساليب "توتاليتارية" بتبنيها قوانين تتعلق بالعهد السوفياتي، وتنص خصوصًا على حظر رموزه ومنع إنكار طابعه "الإجرامي" علنًا، لمصلحة أيديولوجيا قومية ستدفع البلاد إلى "الهاوية"، على حد قول موسكو. أقر النواب الأوكرانيون، الخميس، عدة قوانين تعتبر النظامين السوفياتي والنازي متساويين، وتحظر أي إنكار علني "لطابعهما الإجرامي". كما تمنع هذه القوانين إنتاج أو استخدام رموزهما علنًا. وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إن "كييف استخدمت فعلاً أساليب توتاليتارية عبر شن هجوم على حرية التعبير والرأي والضمير". وأضاف البيان، أن "السلطات الأوكرانية تحاول.. بمساواتها بين المعتدين الفاشيين والجنود الذين قاتلوا الفاشية.. محو الذاكرة الجماعية لملايين الأوكرانيين". وقالت موسكو، إن كييف تنتهك بذلك حتى واجباتها الدولية عبر "تمجيدها" مقاتلي "جيش العصيان الأوكراني" المثير للجدل، وذلك باعتبار أفراده "مقاتلين من أجل استقلال أوكرانيا". وكان "جيش العصيان الأوكراني" قاتل الجيش السوفياتي، لكنه تعاون مع النازيين قبل الانقلاب عليهم. وتاريخه يثير استياء في شرق أوكرانيا القريب من روسيا وفي روسيا نفسها. ونصت القوانين التي أقرت، الخميس، في أوكرانيا على تفكيك كل النصب التي أقيمت تكريمًا للمسؤولين السوفيات، وتغيير أسماء بلدات أو شوارع أو مؤسسات تشير بشكل ما إلى الشيوعية. وفي حال انتهاكها هذا القانون الذي يفترض أن يوقعه الرئيس بترو بوروشنكو، ستحظر المنظمات والأحزاب المعنية مما يعرض وجود الحزب الشيوعي الأوكراني للخطر. وينص القانون الجديد، على عقوبة السجن لمدة يمكن أن تصل إلى عشر سنوات للذين يدانون بإنتاج أو نشر رموز سوفياتية أو نازية، وخصوصًا عزف النشيد الوطني السوفياتي. ولقيت القوانين ترحيبًا كبيرًا في كييف؛ حيث يعتبر كثيرون أن هذه الخطوة كان يجب أن تتخذ في 1991 كما حدث في دول البلطيق، التي كانت جمهوريات سوفياتية أيضًا، وبولندا التي كانت في الكتلة الشيوعية وأقرت تشريعات مماثلة. وقام مجهولون بإسقاط تماثيل ثلاثة قادة شيوعيين، ليل الجمعة السبت، في خاركيف المدينة الصناعية الكبيرة الناطقة بالروسية في شرق أوكرانيا. وظهر في تسجيل فيديو تم بثه على قناة لناشطين موالين لأوكرانيا على موقع يوتيوب، تفكيك تماثيل ثلاثة من القادة البلاشفة. وفي كل مرة تسلق شبان ملثمون التمثال وثبتوا كابلاً مربوطًا بشاحنة في رأسه. بعدها قامت الشاحنة بسحبه حتى إسقاطه. وتابعت الشرطة الشبان وهم يسقطون التماثيل بدون أن تتدخل في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 1,4 مليون نسمة، وتعد كبرى مدن المنطقة الحدودية للقطاعات الانفصالية الموالية لروسيا في لوغانسك ودونيتسك. وعند انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، تم تحطيم وإزالة نصب سوفياتية عديدة مثل تمثال فيليكس دجيرزينسكي مؤسس الاستخبارات السابقة "تشيكا" التي كان وريثها جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي). وكان هذا التمثال يقع في ساحة لوبيانكا في موسكو مقابل مقر الاستخبارات الروسية الحالية. لكن في روسيا لم تتخذ أي قرارات حول الإرث السوفياتي. حتى إن الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، الذي كان يعمل في الاستخبارات السوفياتية أعاد منذ وصوله إلى السلطة في العام 2000 النشيد الوطني السوفياتي - الذي بات محظورًا في أوكرانيا - بعد تعديل كلماته. ولم تكف روسيا عبر قناتها التلفزيونية العامة عن تأكيد أن القيادة الجديدة الموالية للغرب في أوكرانيا والتي حملتها إلى السلطة حركة شعبية طردت قبل عام الرئيس الموالي لموسكو فكتور بانوكوفيتش، تتألف بمعظمها من الفاشيين. وقال فاديم كاراسيوف مدير معهد الاستراتيجيات الشاملة في كييف، إن هذه القوانين أقرت "ردًا على حملة الدعاية" التي يقوم بها الكرملين. لكن محللين آخرين في أوكرانيا يحذرون من نتائج قراءة سياسية للتاريخ والهوية المعقدة للبلاد، بينما تشهد منذ عام حربًا أسفرت عن سقوط ستة آلاف قتيل في مناطق الشرق الموالي لروسيا؛ حيث ما زال جزء كبير من السكان متمسكين بالإرث السوفياتي. وقال المحلل السياسي المستقل فولوديمير فيسينكو، إن "هذا القانون متطرف جدًا" ويمكن أن يؤجج "التوتر خصوصًا في الشرق والجنوب"؛ حيث يغلب الحنين إلى الاتحاد السوفياتي. من جهته، قال ديفيد ماربلز الذي يدير برنامج دراسات عن أوكرانيا في جامعة ألبرتا الكندية، في مدونة أنه "خطأ فادح وأقرب إلى حكم بالإعدام (لكييف) حيال" شرق البلاد حيث "تغلب رواية مختلفة تمامًا عن القرن العشرين". بدوره، عبر الحزب الشيوعي الفرنسي، السبت، في بيان عن غضبه من عملية التصويت التي أجراها البرلمان الأوكراني الذي يضع "الأيديولوجية الشيوعية والبربرية النازية في الخانة نفسها". واعتبر الحزب أنه "مع هذا القرار الجائر، سيتم في المقام الأول حظر الحزب الشيوعي في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه هناك مسؤولون من المعارضة الديمقراطية المنتخبة مهددون أيضًا". وكان الزعيم الانفصالي في شرق أوكرانيا ألكسندر زاخارتشنكو، قال لإحدى وسائل الإعلام المحلية مؤخرًا، إن "السلطات الأوكرانية بدأت عملية لا يمكن عكس مسارها ستؤدي إلى تفكك كامل للبلاد".