شهدت ليبيا عشية جولة جديدة من الحوار الهادف إلى إنهاء النزاع فيها، معارك في شرقها وغربها قتل فيها عشرة جنود، رغم تحذيرات الأممالمتحدة من مغبة استمرار التصعيد العسكري في بيئة تشهد "درجة عالية من التوتر". وتعيش ليبيا منذ إسقاط النظام السابق عام 2011 صراعًا على السلطة تسبب بنزاع مسلح في الصيف الماضي وبانقسام البلاد بين حكومتين، حكومة يعترف بها المجتمع الدولي في الشرق، وحكومة مناوئة لها تدير العاصمة منذ أغسطس بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى "فجر ليبيا". وتخوض القوات الموالية للحكومة المعترف بها منذ أكتوبر الماضي معارك يومية مع قوات "فجر ليبيا" في عدة مناطق، خصوصًا في المناطق الغربية الخاضعة بمعظمها لسيطرة قوات "فجر ليبيا". وشهدت منطقة العزيزية التي تبعد نحو 35 كلم فقط عن طرابلس جنوبًا، السبت والجمعة، معارك جديدة بين القوات الموالية للحكومتين، في إطار محاولة قوات الحكومة المعترف بها التقدم نحو العاصمة ضمن عملية عسكرية واسعة انطلقت في مارس الماضي. وقال مسؤول ميداني في قوات "فجر ليبيا" في المنطقة، لوكالة فرانس برس، "تخوض قواتنا معارك مع جيش القبائل"، وهي مجموعة مسلحة موالية للحكومة المعترف بها، مضيفًا "نحن نمنع تقدمهم". وذكر مسؤول آخر، أن العزيزية "أصبحت منطقة اشتباكات بين الطرفين". وأدانت بعثة الأممالمتحدة في ليبيا، في بيان اليوم، "التصعيد الخطير في الأعمال العدائية في غرب ليبيا خلال الأيام الأخيرة الماضية، وعلى وجه الخصوص في منطقة العزيزية". وأعربت البعثة عن "قلقها البالغ تجاه معاناة" سكان هذه المنطقة، ودعت "إلى وقف فوري للأعمال العدائية.. والاتفاق على ترتيبات تسمح بفض الاشتباك بين القوات في المنطقة كخطوة أولى نحو تحقيق ترتيبات أمنية مناسبة لتمكين السكان من استئناف حياتهم الطبيعية". وفي بنغازي، على بعد نحو ألف كلم شرق طرابلس، قتل عشرة جنود على الأقل وأصيب أكثر من أربعين بجروح في معارك خاضتها القوات الموالية للحكومة المعترف بها عند الأطراف الجنوبية للمدينة، بعدما شنت الجمعة هجومًا على مواقع لجماعات مسلحة مناهضة لها. وتخوض القوات الموالية للحكومة المعترف بها مواجهات يومية مع مجموعات مسلحة؛ بينها جماعات متشددة بهدف السيطرة الكاملة على بنغازي بعدما سقطت الأجزاء الأكبر من المدينة في أيدي هذه الجماعات في يوليو 2014. وقال مسؤول في مركز بنغازي الطبي، لفرانس برس، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "المشرحة في المركز تلقت الجمعة عشر جثث لجنود من الجيش، إضافة إلى أن أقسام المركز الأخرى استقبلت نحو 44 جريحًا في حالات متفاوتة الخطورة". وأكد هذه الحصيلة مسؤول عسكري في الكتيبة 204 دبابات، إحدى أبرز الأذرع العسكرية للقيادة العامة للجيش الليبي التي يقودها الفريق أول خليفة بلقاسم حفتر. وأوضح المسؤول العسكري، أن هؤلاء الجنود قتلوا وأصيبوا إثر قيام وحدات من كتيبته "بمساندة الكتيبة 21 قوات خاصة وعدد من المتطوعين لقتال المجموعات الإرهابية"، بشن هجوم على مواقع في منطقة الهواري جنوبي بنغازي. وأضاف أن قواته "أحرزت تقدمًا في المحور". ويقع محور الهواري في الأطراف الجنوبية لمدينة بنغازي، وتسيطر على معظمه قوات "مجلس شورى ثوار بنغازي"، وهو تحالف من الثوار السابقين ذوي التوجهات الإسلامية المعتدلة والمتشددة، وبينهم عناصر من جماعة أنصار الشريعة المعروفة بقربها من تنظيم القاعدة والمصنفة على أنها جماعة إرهابية. وكانت علاقة "مجلس شورى ثوار بنغازي" مع قوات "فجر ليبيا" التي تضم مجموعات إسلامية، غير واضحة. لكن حكومة طرابلس أعلنت في بيان، الجمعة، تأييدها للمجلس، وتعهدت "ببذل قصارى جهدها لتوفير الدعم الكامل واللامحدود بشتى صنوفه لقوات مجلس شورى ثوار بنغازي في معركة تحرير مدينتهم والقضاء على غزاتها المجرمين". ويأتي هذا التصعيد العسكري الجديد في غرب ليبيا وشرقها قبيل جلسة جديدة في الجزائر، الاثنين، للحوار الذي ترعاه الأممالمتحدة بين الأطراف الليبية، والهادف إلى إدخال العملية السياسية في مرحلة انتقالية تبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية وتنتهي انتخابات جديدة. وحذرت بعثة الأممالمتحدة، في بيانها اليوم، مجددًا من أن الأعمال العسكرية تهدد هذا الحوار. وقالت: "في الوقت الذي تم فيه إحراز تقدم ملحوظ في عملية الحوار السياسي الليبي.. بهدف التوصل إلى حل شامل للأزمة السياسية والنزاع العسكري في ليبيا، تكرر البعثة مناشدتها لجميع الأطراف في ليبيا بالتوقف عن القيام بأي أعمال عسكرية أو اتخاذ أي قرارات يمكن أن تشكل استفزازًا في البيئة الحالية المشحونة بدرجة عالية من التوتر". ويرى محللون، أن الحوار بين الأطراف الليبية يواجه صعوبات في ظل عدم ارتباط القوى المتحاورة بالضرورة بالجماعات المسلحة، ما ينذر بإطالة امد النزاع الذي بات يتحول، بحسب هؤلاء المحللين، إلى حرب أهلية تغذيها تدخلات خارجية. وكان الاتحاد الأوروبي تبنى الجمعة نصًا يتيح تكوين لائحة سوداء للمتهمين بعرقلة العملية السلمية ويسمح بتجميد أموالهم في أوروبا.