مع بداية غروب الشمس وانخفاض درجات الحرارة بدأت الجموع الصعود إلى السلم الحجرى العتيق المتآكل، فى اتجاه قمة جبل الطير، القرية التى تقع على بعد 12 كيلو مترا شمال المنيا. مولد السيدة العذراء الذى انتهى مساء الخميس، هو احتفال بمرور العائلة المقدسة قبل ألفى عام على الجبل، المعروف أيضا باسم جبل الكف، نسبا إلى الرواية القبطية، وقت مرور العائلة المقدسة كادت صخرة ان تقع فمنعها الطفل يسوع بيده. ويعود بناء الكنيسة المحفورة فى الجبل إلى القرن الرابع الميلادى، على يد الملكة هيلانة والدة قسطنطين الأول. للوصول للكنيسة يصعد الزائرون ما يقرب من 127 سلمة، ورغم وجود طريق للسيارات، الا ان الكثير يفضلون الصعود على السلم للوصول للكنيسة. سكان القرية يقتربون من عشرين ألف نسمة، وهم ينتظرون مولد السيدة العذراء ليحصلوا على البركة، ويشهدوا منافع لهم. يحتفظ عبدالله عبدالمسيح فى منزله بإحدى وعشرين غرفة للإيجار. «فيه ناس بتحجز عندى من شم النسيم، وناس من غير حجز معروف إن ليهم أوضة عندى بحكم العادة. الناس كلها جاية المولد هنا نظام فسحة». عبدالله الذى يضع قواعد لاختيار ضيوفه، «يعنى ما يكونش الساكن بتاع مشاكل، ولازم يكونوا عيلة، ما بأجرش لشباب». طول أيام المولد كان الضيوف ينتظرون حتى ينكسر الحر ويقترب المساء، فيخرجوا للفسحة والسلام على الأصدقاء، ويذهب البعض لتقديم الذبائح والنذور، فى الدير التاريخى بالقرية. «المولد دا مصيف الغلابة. صحيح ما فيش غير المراجيح، طبعا الناس بتدور تتفسح لما تبقى معرفة اصحابها بيتقابلوا من السنة للسنة، بيتفسحوا فى المولد ويروحوا المراجيح، فيه ناس بتروح الكنيسة وتحضر القداس، أسبوع المولد بيبقى القداس كل يوم، وفيه زيارة للكنيسة عامة يوميا، صبح وليل الكنيسة 24 ساعة مفتوحة، وهنا بدل الكنيسة 4 كنايس شغالين»، كما يقول. معظم الضيوف فى بيت عبدالله من محافظات الصعيد المجاورة. مريم غالى جاءت مع العائلة من أبوقرقاص «حصلت عندنا ظروف، خالى توفى هنا فى بحر العدرا، وآدى لنا 12 سنة ما بنجيش». بحر العدرا، هو الاسم القبطى لنهر النيل فى هذه المنطقة، ومريم سعيدة بالعودة، رغم شكواها من الشباب. «ما عجبنيش قلة الأدب بتاعة الشباب، المعاكسات، دى أكتر حاجة ما عجبتنيش، واللى عجبنى إن فيه أمن وفيه اهتمام». قدر مسئولو المحافظة الزوار بأكثر من مليون شخص، وفى شوارع الجبل الترابية الضيقة تكدس الباعة فى كل شبر من الشوارع المزدحمة، يبيعون الملابس والعرائس وأدوات الزينة الرخيصة، معظمها من صناعة الصين. وتباع أيضا الأيقونات وصور السيدة العذراء، والسيد المسيح، وسط صخب مكبرات الصوت، وهدير مولدات الكهرباء، مع الانقطاع المتكرر للتيار. المولد يعنى زيارة الدير والكنيسة الأثرية والمكتبة، وجبل الكف والفرن، والماجور أيضا. إنها المغارة المقدسة التى اختبأت بها العائلة المقدسة، وموضع الحصول على المياه المرفوعة من النهر القريب. «دى عيون الميه، ودا الماجور اللى كان الآباء الرهبان اللى فى القرن ال12 الميلادى، بيحطوا فيه حاجاتهم»، كما يشرح يونان المرشد الذى يتلقى التبرعات بالماجور. ويحرص الزوار على وضع النذور داخل الماجور أملا فى الحصول على البركة والشفاء من الأمراض وزيادة الرزق