أمس كان عيد السيدة العذراء مريم.. كل عام أنتم بخير. صيام العدرا هو أقصر صيام، مدته أسبوعان فقط، يبدأ فى اليوم السابع من أغسطس وينتهى فى الحادى والعشرين ويحتفل المصريون بعيد العدرا أو مولد العدرا. أقول «المصريون» وأقصد المعنى. فالسيدة العذراء ظلت هى الرمز الصامد أمام كل التغيرات الثقافية التى حدثت فى سنوات النفط. تناقصت -بالطبع- أعداد المسلمات اللاتى يشاركن فى احتفال العدرا، لأن أجيالا جديدة كاملة كبرت وتشكل وعيها واكتملت ثقافتها دون أن تدخل كنيسة، وتوقد شمعة، دون حتى أن ترى جمال أم النور ورقتها. ودون أن تتأمل تاج الشوك على رأس المسيح عيسى ابن مريم. بل لم تسمع أغنية عبد الحليم ولا فيروز. أحمد الله أننى من جيل عرف جمال الصلاة فى مساجد أولياء الله الصالحين، وتأثر لمشهد فتاة تبكى أمام ضريح السيدة نفيسة، وأحب خطابات البسطاء للإمام الشافعى. وأدخل كنائس الطوائف المختلفة وأوقد شمعا للعذراء ولسانت تريزا ولمار جرجس. هذا جمال روحانى، من يرفضه يحرم نفسه من النور ولا يؤثر إطلاقا فى النور نفسه. ذهبت أمس -كما هى عادتى كل عام- لأقرأ الفاتحة لسيدة نساء العالمين العذراء أم النور وأوقد شمعة. منذ أربعة وعشرين عاما عاهدتها أن أبحث عنها كل عام فى نفس التاريخ فى عيد العذراء وأقرأ الفاتحة و(أسلم ع العدرا). كانت المرة الأولى فى درنكة فى دير السيدة العذراء داخل الجبل قابلت نورها وملأنى. ولسنوات عديدة كنت أحرص على الذهاب إلى أسيوط فى نفس الموعد، ألتقى أهل مصر البسطاء القادمين من القرى والنجوع البعيدة ليحصلوا على البركة من العدرا، أتعرف إليهم وأكتب عنهم و(أسلم عليها). عندما لا أجد الوقت الكافى والظروف المناسبة للسفر إلى أسيوط أكتفى بزيارة كنيسة السيدة العذراء بالزيتون. وفى هذه الحالة كنت أصطحب معى والدة صديقتى المقربة، هى مسيحية تزوجت مسلما منذ ستين سنة واحتفظت بديانتها وبعائلتها المسيحية وبأسرتها المسلمة المتدينة. اسمها «تانت ليلى» أناديها «لولا» لأنها صاحبتى. لولا فى الرعاية المركزة الآن، كنت أقف بجوار سريرها أمس، أراقب الطبيب يضع لها نوعا من المخدر الخفيف فى المحلول الداخل على الشريان الرئيسى فى رقبتها، استعدادا لأن يعالج تسارع ضربات القلب بصدمة كهربائية. قال لها الطبيب (اقرئى الفاتحة) قلت له (لولا مسيحية) نظرت إلىّ وابتسمت وسألتنى (هتروحى تسلمى) قلت لها (أيوه بكرة العيد.. إنتى فاكرة؟) قالت (أيوه.. سلمى لى وادعى لى) قلت للطبيب (إنت عارف إن كلنا صايمين الأيام دى مع بعض بس خلاص هما هيفطروا ويعيّدوا). ضحك الطبيب وقال لها (شفتى بقى يبقى أنا ما غلطتش). كان مفعول المخدر بدأ يعمل وكانت ما زالت تبتسم. عندما ذهبت إلى كنيسة العذراء بالزيتون أمس كان إيقاد الشموع ممنوعا لدواعى الأمان فكان الزوار يلقون بشمعهم أمام العذراء دون أن يوقدوه واكتفيت أنا بأن كلمت العدرا عن ليلى، وطلبت منها أن تدعو لها بالشفاء (وسلمت). فى أثناء دخولى من بابى الكنيستين الصغيرة والكبيرة كان الشباب الخدام يطلبون من الزوار أن يبرزوا بطاقتهم أو صلبانهم (لم يكن يحدث هذا من قبل) فكان الطابور يمر أمامهم وهم يكررون (صليبك صليبك) فيرفع الزوار أيديهم ليرى الواقف على الباب الصليب المرسوم على المعصم من الداخل. ورغم أن أحدا لم يوقفنى على البابين فإننى انزعجت بشدة عندما اصطدمت بفكرة التمييز والعزل والانعزال وجها لوجه.