أضواء وزينة.. سرادقات ضخمة تجمع زوارا من مختلف قري مصر.. باعة جائلون بجميع فئاتهم.. بائعو حلوي ولعب أطفال وأطعمة مختلفة. في مشهد لا يختلف كثيرا عن مظاهر الاحتفال بموالد «آل البيت» بدأت كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد فعاليات الاحتفال بمولد «أم النور» بمذاق مختلف هذا العام بعد غياب عامين للاحتفال الذي تم إلغاؤه العام الماضي بسبب انتشار أنفلونزا الخنازير ويأتي هذه المرة متزامنا مع شهر رمضان المبارك، حيث احتشد الألوف من المسيحيين والمسلمين بالمنطقة المحيطة بالكنيسة والمسجد الكبير بمسطرد في مكان واحد يجمعهما يطل علي ترعة الإسماعيلية شرق القاهرة. احتفال سنوي يشهد ترويجا اقتصاديا وتوافر السلع بأسعار زهيدة عاكسا حالة من الهيام الشعبي لزوار «مريم العذراء» «أم النور» رمز الطهارة والنقاء وصاحبة المكانة العظيمة بداخل قلوب المسيحيين والمسلمين علي السواء. هكذا جاء مريدوها للاحتفال عابرين الممر الذي يعلو ترعة الإسماعيلية حيث نصبت الخيام تعلوها صور العذراء مع أجواء من الفرح وارتياح البسطاء الذين يجدون الملاذ بإقامة الطقوس وإحيائها كل عام كميراث قديم يضرب بجذوره في عمق التاريخ المصري. شوادر تعرض فيها ألوان عديدة من حلوي المولد وعلي رأسها السمسمية والحمصية والجوزية والبسيمة والفولية والملبن إلي جانب العرائس والمراجيح ونشان البمب وبائعي التسالي «اللب والحمص والفول السوداني» والكافيهات المنتشرة علي طول شاطئ «ترعة الإسماعيلية والتي تقدم جميع المشروبات». لايفرقها عن مولد السيدة زينب أو الحسين سوي دق الصلبان بين جنبات الخيمات وبيع الأيقونات المسيحية وصور العذراء والقديسين والتي تقبل علي شرائها الأسر والعائلات المسيحية. العادة في هذه الاحتفالية أن ينتظر البسطاء في مسطرد الاحتفال، حيث يستعدون لأيام المولد الخمسة عشر - قبل ذلك بعام باعتباره موسم رزق كبيرا - تتأهب الأسر ويسرع الباعة المتجولون والوافدون من المحافظات الأخري لافتراش الأرض والشاطئ الذي يتم تأجيره من الحي في المنطقة المحيطة بالكنيسة التي تحتفل سنويا بثلاث مناسبات خاصة علي رأسها يأتي هذا الاحتفال الذي يبدأ في اليوم السابع من أغسطس الجاري وينتهي في اليوم الواحد والعشرين من نفس الشهر كل عام، حيث تقام الاحتفالات بمناسبة صوم العذراء وعيد صعود جسدها في احتفال مهيب يحضره سنويا مئات الألوف من الزوار يشربون من ماء البئر المفترض أنه شربت منه العائلة المقدسة عند حلولها بأرض مصر واستخدمته في الغسيل والاستحمام فصار مقدسا من قبل الأهالي يقبع داخل الكنيسة التي تحتضن الاحتفالات بمولد أم النور، مزينة بالأنوار تضج بأصوات الأجراس والكورال والترانيم. وفي الوقت الذي كان فيه المسيحيون يصلون داخل مغارة الكنيسة ويشربون من ماء البئر المقدسة، ويتزاحمون للحصول علي زجاجات من هذه المياه كالمعتاد في كل احتفال، بحيث كانت المغارة والبئر أكثر الأماكن ازدحاما في هذا الاحتفال. شارك المسلمون خاصة من السيدات والفتيات بإيقاد الشموع والتبرعات. بعضهن جئن لنذر النذور لأم النور طلبا للشفاء من الأمراض أو لحل مشاكلهن الأسرية أو من أجل تسديد الديون أو لاستمرار أبنائهن في مسيرتهم الدراسية وأخريات حضرن للإيفاء بنذور عليهن أو للتبرع باللحوم أو الخراف الحية حتي تحل عليهن بركة العذراء ويفزن بالعريس. تقابلنا مع إيليا بونام مندوب تحصيل صندوق التبرعات - جامع تبرعات الاحتفال الذي يجلس خارج قاعة الصلاة يتلقي تبرعات الزوار الذين توافدوا علي القاعة لأداء الصلوات والحصول علي البركات بعد إيقاد الشموع ومناجاة العذراء - وقال لنا: إن عددا كبيرا من المسلمين يأتي للزيارة وإيداع تبرعات بمبالغ كبيرة وأحيانا تكون زيارة المسلمين أكثر من المسيحيين لإيفاء بنذور لأم النور. وعلي يسار الداخل إلي الكنيسة التقيت سميرة وشقيقها سمير بولس «من مدينة نصر» - مرشد سياحي - بداخل المغارة المفترض أنها المكان الذي استراحت فيها واحتمت بها العائلة المقدسة أثناء رحلتها إلي مصر ومرورها بمسطرد وتباركت بحلول الطفل الإلهي فيها. فتقول سميرة بولس إنها تأتي إلي هذا المكان الذي تعتبره حلما تنتظره كل عام لتوقد الشمع لأم النور وتمارس العبادات والطقوس وتستمتع بروحانيات المكان داخل المغارة المقدسة والتي احتمت بها العذراء وطفلها من درجة الحرارة المرتفعة أثناء رحلتها إلي مصر، مشيرة إلي أن البقاء فيها يشعرها بالطمأنينة حول البئر المقدسة ويعتقد بأن مياهها تشفي المرضي وتخلصهم من الأرواح الشريرة كما أكد لي سمير بولس بأنه يأتي كل عام أو عامين لزيارة المكان خاصة في المولد للحصول علي البركة من مياه البئر، فهو مثلا ليس من أهالي مسطرد ويأتي مثل الوافدين من خارجها للاحتفال للحصول علي زجاجات مياه من هذه البئر باعتبارها مياها مقدسة لا تنضب أبدا وتشفي الأمراض المستعصية خاصة إذا آمن المريض بأنها مياه مقدسة مباركة تساعده علي الشفاء. أما سعيد جرجس «45 عاما» فجاء من الصعيد ونزل إلي ساحة الاحتفال ليس فقط ليصلي ويأخذ البركات ولكن أيضا للاسترزاق بافتراش الأرض بلعب الأطفال فكما يقول: المولد موسم رزق كبير ينتظره البائع ويذهب إليه أينما وجد. وسط الزحام الشديد وتكدس الأهالي في الشوارع يباشر كل من الباعة المسلمين والمسيحيين أعمالهم التجارية بشكل يجعلك لن تستطيع أن تفرق بين بائع مسلم وآخر مسيحي، فكلاهما يبيع الأيقونات المسيحية وصور العذراء والقديسين، كما أنهما مشتركان في بيع حلوي المولد بأنواعها المختلفة لكن هذه المرة فأكياس الحلوي مطبوع عليها صورة «أم النور» التي تقام لها تلك الاحتفالات، ولذلك لن تتعجب إن علمت أن 85% علي الأقل ممن يحضرون مولد العذراء من المسلمين الذين يحبون العذراء ويرون في الاحتفال بمولدها جلب الرزق لهم ولأسرهم. فراشة «عربي عوارة» أشهر فراشة لبيع حلوي المولد. تحدث معنا محمد عباس نجل شقيق عربي عوارة والتي تصدرت فراشته الاحتفال قائلا: عمي صاحب الفراشة الحاج عربي عوارة من طنطا وكما نفترش الشوارع في طنطا احتفالا بمولد السيد البدوي نأتي كل عام إلي مسطرد لنحتفل بمولد السيدة العذراء والتي تقام لها الاحتفالات في ذات التوقيت في أكثر من مكان، فهناك مولد العذراء بحلمية الزيتون ومولد العذراء في دورنكة بالصعيد وهنا بمسطرد ونبدأ الاحتفال الرسمي في 10 من الشهر الجاري إلي اليوم ال21 من نفس الشهر كل عام حيث تتواجد مئات الألوف من البشر مسلمين ومسيحيين. أسامة شقوير «صاحب محل» - مسلم - كان له رأي آخر وافقته فيه أم جرجس «بائعة متجولة للعب الأطفال» بأن ظروف المولد فيما يتعلق بالبيع والشراء صعبة جدا، فليست هناك قوة شرائية، كما تقول أم جرجس - رغم أن المنتجات تباع بأرخص الأسعار إلا أن هذا الموسم شهد انخفاضا في حجم الشراء بسبب رمضان وخروج الأهالي من موسم الامتحانات فالأسر معذورة. شقوير «بائع مسلم» أكد لنا أن الحي يطارد البائعين ويفرض عليهم رسوما مرتفعة مما أصاب عددا منهم وأصحاب المحلات باليأس والإحباط خاصة وهم ينتظرون المولد بفارغ الصبر ليحل الكثير من أزماتهم المالية. في المقابل كان إسلام أحمد - «19 عاما» يقف علي بعد 40 مترا من الكنيسة ليبيع الأيقونات المسيحية والسلاسل التي تحمل صور السيدة العذراء جاء هو الآخر من طنطا ليحصل علي قوت يومه وفي نفس الوقت يشارك في الاحتفال بالمولد. أم شيماء جاءت وبصحبتها أم سيمون قالت: في المولد كلنا واحد.. مسلم ومسيحي في شهر كريم جئنا لنحتفل مع الإخوة المسيحيين بالسيدة العذراء التي نحبها وندخل الكنيسة لزيارة البئر التي مازالت يوجد بها ماء حتي الآن دون أن يجف. أم سيمون عبرت هي الأخري عن فرحتها معتبرة أن هذه الأيام بالنسبة للأهالي عيدا وتوفر لهم مصيفا علي شاطئ ترعة الإسماعيلية قالت: نوقد الشمع أمام العذراء نقول أي شيء ونطلب أي طلب أمام الأيقونة وربنا يتمجد. فيما أكدت صديقتها أم شيماء أن المولد فرصة للتسوق والتنزه في فصل الصيف بعد الإفطار. وتشهد الليلة الأخيرة ارتفاع أعداد الزوار بحيث لا تستطيع الكنيسة استيعاب أعداد الحضور أثناء الاحتفال في الوقت الذي تنحصر مهمة القائمين علي العمل بالكنيسة داخلها فقط ويخضع خارجها لسيطرة المحافظة ووزارة الداخلية حيث يشير القمص عبدالمسيح بسيط كاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد إلي أن عدد الزوار خلال ال 15 يوما من الاحتفال يتجاوز المليون زائر مسيحيا ومسلما وتزدحم الكنيسة بالمنطقة المحيطة بها خاصة في الليلة الأخيرة للاحتفال بعيد صعود جسد العذراء إحدي المناسبات التي تحتفل بها الكنيسة سنويا، ففي يوم 24 بشنس الموافق «1 يونيو» تحتفل بدخول العائلة المقدسة إلي أرض مصر والاستراحة في المغارة واستخدام العائلة المقدسة لماء البئر في الشرب والغسيل والاستحمام ومباركتهم للمكان ثم في يوم 8 بؤونة وهو الموافق 15 يونيو عيد تكريس الكنيسة أي تدشينها وصلاة البطريرك فيها بعد تجديدها. ويضيف: نحتفل هذه الأيام في الفترة من «7 إلي 21 أغسطس» بمناسبة صوم العذراء وعيد صعود جسدها. حيث يوجد داخل الكنيسة البئر التي شرب منها المسيح والعائلة المقدسة واستحم وغسلوا ملابسهم فيها عندما نزلوا إلي مصر ولذلك سميت الكنيسة والمكان ب «المحمة» لأن العذراء «حمت» الطفل الإلهي يسوع - الكلام علي لسان بسيط - وغسلت ملابسه في البئر المقدسة الموجود فيها ويأتي الناس إلي هنا سنويا ليشربوا من ماء البئر التي شربت منها العائلة المقدسة ويصلون في الكنيسة والمغارة التي اختبأت فيها العائلة المقدسة. مشيرا إلي أنه علي مدار أيام الاحتفال يشهد المكان زيارة عدد كبير من المسلمين الذين شاهدوا العذراء في منامهم وجاءوا لينذروا النذور..وتزامن احتفال المولد مع حلول شهر رمضان لم يؤثر علي عدد الزوار من المسلمين كما يؤكد بسيط ففترة المساء تشهد حضورا كبيرا من الأهالي من الجانبين، فالأمر له علاقة بالتكوين الاجتماعي والعادات والتقاليد المشتركة. ويؤكد بسيط: إن نسبة 90% من زوار المولد من المسلمين الذين يحبون «أم النور» فالاحتفالات بالمولد عادات وتقاليد موجودة منذ العصر الفاطمي وقد اختلطت الاحتفالات المسيحية بالإسلامية فنحتفل بمولد النبي والغيطاس وبالتالي تصبح المظاهر الخارجية للاحتفال واحدة لا يوجد فارق في الأطعمة والمشروبات ويختلف الأمر داخل المساجد، حيث توجد طقوس إسلامية خاصة بالعبادات وطقوس داخل الكنيسة مثل الصلاة والقداس والتسابيح والترانيم وصلاة عشية والعظات للشعب الكنسية. ويضيف: تتميز الكنيسة بالأجزاء الأثرية من الداخل مثل حامل الأيقونات والتي يرجع تاريخها لألف عام والمغارة الأثرية التي احتمت بها العائلة المقدسة والبئر. 95% من أصحاب السرادقات مسلمون - والكلام علي لسان بسيط - بينما يمثل الأقباط ما بين 2% إلي 5%. وعن تزامن صيام المسلمين شهر رمضان بصيام المسيحيين احتفالا بصعود جسد العذراء أكد بسيط أن الصيام المسيحي يكون بالانقطاع عن الطعام حتي الساعة الثانية عشرة.