تواترت في وسائل الإعلام المختلفة قصص ظهور السيدة العذراء مريم في بعض الكنائس في ذات الوقت الذي يحتفل فيه المواطنون المصريون الأقباط بشهر كيهك والذي يسميه البعض الشهر المريمي، وهو الذي يعد جزءاً من الصيام الذي يسبق عيد الميلاد المجيد. وكون العذراء تظهر أم لا فهذه ليست القضية.. فما بين المصريين وآل البيت في الإسلام والمسيحية ود موصول لا ينقطع. فالمصريون سنة اقحاح ولكنهم يتفوقون علي الشيعة في حب آل البيت ولا يكفون عن الدعاء والتبرك والنذور لسيدنا الحسين والسيدة زينب أم الغلابة والسيدة عائشة.. علي الجانب المسيحي يتبرك المسلمون والمسيحيون بالسيدة العذراء مريم.. والمسيحيون المصريون رغم أن أغلبيتهم من الأقباط الارثوذكس إلا أنهم يتفوقون في تقديس العذراء علي المذاهب الأخري رغم الخلاف بين الأرثوذكس والكاثوليك علي عقيدة العذراء "حبل بلا دنس" حيث للكنيسة الكاثوليكية عقيدة بأن السيدة العذراء قد ولدت بلا دنس أيضاًَ. ولكن الارثوذكس في المنافسة حول تكريم العذراء يبدأون قانون الإيمان الارثوذكسي نعظمك يا أم النور القديسة مريم.." وعلي الجانب الآخر تعد سورة مريم في القرآن الكريم تقديساً إسلامياً للسيدة العذراء رغم الخلاف حول بعض العقائد الخاصة بالمسيح بين المسلمين والمسيحيين. هكذا الأمر في اليهودية حيث كثيراً ما وردت في نبوءات أنبياء العهد القديم (التوراة) نبوءات كثيرة عن العذراء التي تلد ومن ثم تعد السيدة العذراء لدي المواطنين المصريين مسلمين وأقباطاً استثناء وخارج الخلافات الدينية أو العقائد أو اللاهوتية أو الفقهية بين الإسلام والمسيحية حيث يؤمن بها الجميع ولا يختلف عليها أحد. لذلك فكون السيدة العذراء ظهرت أم لا.. فتلك ليست القضية، لأن السيدة العذراء بذاتها وولدها عيسي المسيح وخطيبها يوسف النجار قد لاذوا بمصر التي احتضنتهم سنوات وطافوا بها حتي عمق الصعيد بالمنيا والقوصية.. ورغم أن الحكم سواء في فلسطين أو مصر كان للاحتلال الروماني إلا أن الله أوعز للعائلة المقدسة باللجوء لمصر حيث وجدوا الأمان وحسن الضيافة ولازالت اثار أقدامهم المباركة توجد سواء عند شجرة مريم في المطرية أو في سمالوط بالمنيا أو بالقوصية بأسيوط أو في أماكن أخري كحقيقة تاريخية.. وهكذا فحبل الود موصول بين العائلة المقدسة والمصريين جميعاً هؤلاء الذين يحتفلون بموالد السيدة العذراء ويكرسون لها صياماً مستقلاً ثلاثة أسابيع كحد أقصي وأسبوعين كحد أدني.. ومن فرط إيمان المصريين بأن العذراء تحمل الجنسية المصرية إضافة للفلسطينية فإن أيقونة العذراء القبطية تختلف تماماً عن أيقوناتها الغربية فصورة جواز سفرها لقلوب المصريين نجدها مجرد بنت بسيطة تلبس طرحة مثل أهل ريف مصر وتحتضن وليدها في حب علي عكس ايقوناتها في الغرب التي تصورها ملكة متوجة.. كذلك فإن المصريين يعشقون موالدها وقال لي أحد الأصدقاء إننا لم نسمع عن إصابة أي شخص بانفلونزا الخنازير في موالد السيدة العذراء أو آل البيت في الإسلام. هكذا يحمل العقل الجمعي للمصريين إيماناً بشفاعة السيدة العذراء، ولكن تري من السبب وراء تواتر ظهور السيدة العذراء الآن؟ هل لكون الأقباط يحتفلون بالشهر المريمي؟ من الممكن ولكن كل عام يمر علينا الشهر المريمي بدون ذلك. أم أن العقل الجمعي لمريدي القديسة قد اثقل هذا العام بالشعور بالخوف من وباء انفلونزا H1N1 والحديث الذي تكرر في وسائل الإعلام حول إهانة بعض الأشقاء لمصر أو الخوف والقلق علي مستقبل مصر المحروسة في ظل ما يحدث في العالم من صراعات وتوترات.. أو.. أو.. ربما. حينما كنت أعد كتابي "الأقباط بين الحرمان الوطني والكنسي"! تقابلت مع الراحل الكريم شعراوي جمعة بصفته كان وزيراً للداخلية ابان ظهور العذراء في كنيستها بالزيتون. وسألته حول الأمر فقال: "كانت مصر مكلومة بعد هزيمة يونيو والشعوب حينما تشعر بالخوف تلجأ إلي الله وتستدعي الظواهر الدينية".. رحم الله شعراوي جمعة وبركات أم النور تنير طريق مصر.. والله المستعان.