البلشي: يوم تضامني مع صحفيي الوفد.. واجتماع مجلس النقابة داخل الجريدة الأحد    بوتين: روسيا لا تنوي شن حرب على أوروبا لكننا سنرد بشكل ساحق على أي تهديد لبلدنا    "الإغاثة الطبية في غزة": المستشفيات تنهار تحت القصف والاحتلال يحاصر الطواقم الطبية    ريال بيتيس يتغلب على لودوجوريتس بثنائية في الدوري الأوروبي    تأخير الساعة 60 دقيقة وبدء التوقيت الشتوى 2025 فى هذا الموعد    وضع حجر أساس مستشفى «الخليقة الجديدة» بأسيوط بيد البابا تواضروس    قائد عسكري إيراني: نحن أقوى هجوميًا الآن 12 مرة مُقارنة بحرب ال 12 يوما مع إسرائيل    إيلي بريمر: الإغلاق الحكومي الأمريكي يهدد بخفض الناتج المحلي    أليسون بيكر يغيب عن ليفربول 6 أسابيع للإصابة    المركزي: التوترات الجيوسياسية تسببت في التأثير على النمو والتضخم العالمي    كرة يد - منتخب مصر يصطدم بأصحاب الأرض في بطولة العالم للناشئين    عمرو زكي يرد على شائعات مرضه: أنا بخير وبصحة جيدة    القبض على شقيقين بتهمة الاعتداء على شخصين بالأسلحة البيضاء بدمياط    تحقيق عاجل بعد اتهام مدير مدرسة بالاعتداء على طالب في شبين القناطر    استغرق ترميمها 20 عاما، معلومات لا تعرفها عن مقبرة الملك أمنحتب الثالث قبل فتحها للزيارة    هيفاء وهبي تفاجئ محبيها بطرح 5 أغاني من ألبوم «ميجا هيفا»| شاهد    منال سلامة ورانيا فريد شوقي في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي    ماجد الكدواني يتصدر إيرادات السينما بفيلم «فيها إيه يعني» أول أيام عرضه    تكريم حنان سليمان في الدورة الثالثة لمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    استشاري مخ يكشف مدى خطورة إصابة الأطفال ب"متلازمة ريت"    هدف الشحات ينافس على الأفضل في الجولة التاسعة للدوري    أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية لمواجهة التنمر المدرسي    تعرف على نتائج الجولة السابعة من دورى المحترفين    قائمة ألمانيا لمواجهتي لوكسمبورج وأيرلندا الشمالية.. تواجد فيرتز وجنابري    الرسوم الجمركية الأمريكية تؤثر سلبًا على إنتاج الصلب الأوروبي (تفاصيل)    وزير المالية: قانون الحياد التنافسي ساعدنا في ترسيخ المنافسة وبناء "شراكة الثقة مع القطاع الخاص"    السكة الحديد: تعديل مواعيد بعض القطارات على بعض الخطوط بدءا من السبت    5 أفلام عربية تتألق في مهرجان ريو دي جانيرو السينمائي بالبرازيل    «ديستوبيا روبلوكس»| أطفالنا في خطر.. شهادات مرعبة من داخل الغرف المغلقة    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    رئيس لجنة تحكيم مسابقة بورسعيد: الدكتور عبد الكريم صالح شخصية العالم القرآنية في جائزة ليبيا الدولية    ما حكم التنمر بالآخرين؟ أمين الفتوى يجيب أحد ذوى الهمم    خبيرة: نجاح المالية في جذب اكتتابات تتجاوز 9 مليارات دولار دليل على تحسن رؤية المستثمرين للاقتصاد المصري    طريقة عمل كيكة الشوكولاتة، ألذ طعم وأسهل وصفة    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2أكتوبر 2025 في المنيا.... تعرف عليها    «النار دخلت في المنور».. كيف امتد حريق محل ملابس إلى عقار كامل في الهرم؟ (معايشة)    رئيس جامعة العريش يسلم شهادات انتهاء البرنامج التدريبي الخاص بتأهيل وتدريب المعيدين الجدد    وائل السرنجاوي يعلن قائمته لخوض انتخابات مجلس إدارة نادي الزهور    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    ما يعرفوش المستحيل.. 5 أبراج أكثر طموحًا من غيرهم    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    قطر تستنكر فشل مجلس الأمن فى اعتماد قرار بشأن المعاناة الإنسانية فى غزة    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    المصرف المتحد يشارك في مبادرة «كتابي هديتي»    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بي بي سي»: السيسي.. وجه جديد للحرس القديم في مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 03 - 2014

لم يكن المشير عبد الفتاح السيسي معروفا للشعب المصري قبل الثورات العربية عام 2011، ولكن يبدو أنه في طريقه لأن يصبح رئيس مصر القادم.
ويعكس هذا الصعود الملحوظ القوة الكبيرة للمؤسسة العسكرية وقدرة المشير على تسخير تلك القوة لمصلحته ولأغراض المؤسسة التي ينتمي إليها.
وكان العامل الرئيسي في حنكته السياسية هو حالة التكتم والسرية التي يحيط بها نفسه مقترنة بالقدرة على لعب الأدوار بشكل بارع مكنه من خداع خصومه بطريقة جعلتهم يعتقدون أنه مجرد ضابط في الجيش بدون طموح، في نفس الوقت الذي تمكن فيه من اجتذاب العامة باعتباره الرجل الذي سيقودهم للخروج من المستنقع السياسي في مرحلة ما بعد مبارك.
فمن هو هذا الضابط الغامض نوعا ما؟ وكيف سيحكم مصر وما هي أغراضه؟
حماية طنطاوي
أولا وقبل كل شيء، يجب التأكيد على أن المشير السيسي هو نتاج القيادة العسكرية العليا في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، كما هو واضح من سيرته الوظيفية وتحالفاته الشخصية.
يعد الجيش، وبداخله سلاح المشاة الذي خرج منه الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر وأنور السادات، هو المسار الرئيسي للسياسة في مصر.
واختار السادات مبارك نائبا له لأنه كان ضابطا بالقوات الجوية وبالتالي لن يستطيع ضمان ولاء قوات كافية للقيام بانقلاب عسكري.
وعقب تولي السلطة بعد اغتيال السادات عام 1981، استقر مبارك في نهاية المطاف على جنرال في سلاح المشاة ليس له حضور قوي وهو محمد حسين طنطاوي، لوزارة الدفاع – باعتباره رئيسا تنفيذيا لا أقل ولا أكثر – ومنح الموالين المكافأت والترقيات، وظهرت المحسوبية في الاقتصاد المترامي الأطراف للمؤسسة العسكرية.
السيسي كان أحد المفضلين لدى طنطاوي الذي كلفه يخصه بمهام متميزة في طريق صعوده كضابط في سلاح المشاة.
وحصل السيسي على التدريبات والاتصالات والخبرات اللازمة من خلال تكليفه بمهام في كلية القيادة والأركان المشتركة في بريطانيا، وكلية الحرب في الجيش الأمريكي، والملحق العسكري في الرياض.
المشير محمد حسين طنطاوي شغل منصب وزير الدفاع 17 عاما، قبل أن يخلفه السيسي
وزادت خبرات السيسي القيادية مع توليه مناصب عدة عسكرية بدأت بتعيينه قائدا لكتيبة ثم لواء وفرقة وقائد فرقة مشاة ميكانيكي ورئيس أركان المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية.
وبعد أن استقرت لدى السيسي أسس القيادة العسكرية إضافة إلى توثيق علاقاته مع الضباط، اتجه إلى منصب آخر أكثر حيوية وهو نائب رئيس الاستخبارات العسكرية، وهي الجهة المسؤولة بشكل أساسي عن مراقبة الضباط.
ومن خلال ذلك المنصب، عيّن المشير طنطاوي السيسي في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهي الجهة التي من خلاها حكم طنطاوي مصر بعد أن وافق على الإطاحة بمبارك عام 2011.
ولم يكن السيسي ضمن ال 20 ضابطا الأساسيين في المجلس العسكري وكان أصغر عضو بالمجلس، والواضح أن السيسي انضم للمجلس بسبب ولائه الشخصي لطنطاوي وبراعته السياسية.
وسرعان ما أصبح السيسي وجها رئيسيا في المجلس العسكري، بسبب تعامله مع قضايا مثيرة للجدل مثل "اختبارات كشف العذرية" من قبل الجيش بحق متظاهرات تم اعتقالهن.
بناء الثقة
وكان الشيء الأكثر أهمية هو الدور الذي قام به السيسي من وراء الكواليس كحلقة اتصال بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين، وكان ذلك أيضا بتكليف من المشير طنطاوي.
وعرف عن السيسي على نطاق واسع أنه رجل مسلم متدين بحكم حياته الأسرية المحافظة، وولعه باستخدام آيات قرآنية في خطاباته اليومية، ودفاعه عن الإسلام أمام الغرب. وأقنع السيسي أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بأنه يشاطرهم العديد من وجهات نظرهم وبأنه ضابط يمكنهم الوثوق به.
ونجح السيسي في ذلك بشكل كبير، واعتمد عليه الرئيس محمد مرسي في أغسطس / آب 2012 عندما كان يبحث عن ضابط ليحل محل المشير طنطاوي كقائد أعلى للقوات المسلحة ووزير للدفاع.
ووافق السيسي على تولي المنصب، شريطة ألا يلحق أي أذى بالمشير طنطاوي أو رئيس هيئة الأركان العامة سامي عنان، أو أي ضباط آخرين مقربين منهما.
وأحيل طنطاوي وعنان للتقاعد وتم تكريمهما وترقيتهما، كما أحيل 70 ضابطا أو نحو ذلك ممن هم أكبر سنا من اللواء السيسي في ذلك الوقت – وبالتالي أعلى رتبة منه – إلى التقاعد، وهو ما يعني سيطرة السيسي بشكل فعلي وشكلي على القوات المسلحة.
وبالتالي، صعد عبد الفتاح السيسي إلى الأعلى، لا عن طريق الإطاحة برؤسائه، وإنما من خلال رعايتهم.
ثقة في غير محلها
سمعة السيسي كمسلم ورع راقت للرئيس محمد مرسي
كان من الواضح أن الرئيس مرسي وزملاءه في جماعة الإخوان المسلمين اعتقدوا أن المشير السيسي كان رجلهم، بسبب الصورة التي رسخها لديهم، بينما كان يطمئن المؤسسة العسكرية في نفس الوقت بأنه يحمي مصالحها.
وكان السيسي يبدي احتراما كبيرا لمرسي في الأماكن العامة، وفي المناسبات التي كانت تتحدث فيها وسائل الإعلام عن وجود خلاف بين الرجلين، كان القائد العسكري يفضل الانسحاب.
وفيما يتعلق بالمصالح الأمنية الحيوية في سيناء وعلى طول قناة السويس، تخطى السيسي الرئيس بإصدار مرسوم عسكري، ليثبت لزملائه الضباط أنه لن يترك الدور الأمني الحيوي الذي يقوم به الجيش في يد جماعة الإخوان المسلمين.
وتم تعزيز هذا الانطباع بصورة أكبر في دستور 2012، الذي تم صياغته من قبل مجلس الشعب الذي كان يهيمن عليه الإسلاميون، حيث منح هذا الدستور مزايا للجيش أكبر من تلك التي كان يتمتع بها في أي دستور سابق منذ عام 1923.
وقبل شهر من "انقلاب" المشير السيسي على الرئيس مرسي في الثالث من يوليو / تموز 2013، تمادى المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في تصريحاته المعتادة بتمجيد الجيش وقيادته.
كان مرسي يعتقد أن المشير السيسي سيقف إلى جانبه حتى النهاية
وكان خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، واثقا بما فيه الكفاية للدرجة التي جعلته يتحدث بشكل عنيف وفظ مع المشير السيسي فيما يتعلق بمسؤولياته.
وكان من الواضح أن مرسي اعتقد حتى النهاية أن المشير سيقف إلى جانبه، واستبعد ما جاء في رسالة وزير الدفاع في الأول من يوليو / تموز بأنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب فسوف يكون لزاما على القوات المسلحة التدخل.
وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان وقيادتها خدعوا في ذلك، وفي نواح أخرى، إلا أن فشلهم في تقدير أهداف المشير السيسي تبرز قدرة السيسي على إخفاء أهدافه وخداع خصومه.
عودة المعلم
وإذا كان هناك أي شكوك حول استقلال المشير السيسي عن قاعدته الأصلية في القيادة العليا للجيش تحت إمرة طنطاوي، فإن التحركات الشخصية اللاحقة لإسقاط مرسي ينبغي أن تبدد تلك الشكوك.
أصبح السيسي بطلا في أعين البعض بعد إطاحته بمرسي من سدة الحكم
فقد كان أول حركة تعيينات يقوم به السيسي في اليوم الذي عزل فيه مرسي ووضعه قيد الاعتقال هو تعيين اللواء محمد فريد التهامي في منصب رئيس المخابرات العامة، وهو المنصب الهام الذي كان مرسي عين فيه أحد الموالين قبل بضعة أشهر.
وكان اللواء التهامى، الذي يكبر السيسي بثمان سنوات، بمثابة معلم السيسي في سلاح المشاة في البداية ثم في جهاز المخابرات.
وكان التهامي مواليا لمبارك وطنطاوي، وأحيل للتقاعد من الجيش لكي يشغل منصب مدير هيئة الرقابة الإدارية، وهي مؤسسة حكومية لمكافحة الفساد وتستخدم في المقام الأول للتغطية على آثام من هم في السلطة، بما في ذلك ضباط الجيش.
تم تصوير الحملة ضد جماعة الإخوان المسلمين على أنها حرب على الإرهاب
ويكره الإخوان المسلمون التهامي وشنوا حملة قوية ضده، ولاسيما وأنه هو الشخص الذي عهد إليه السيسي بتدبير حملة ضد الجماعة، أدت بعد نحو أسبوعين لمقتل نحو 1000 شخص في "مجزرة" فض المتظاهرين في رابعة العدوية والنهضة، ثم تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية.
وبنظرة للوراء ، سنجد أنه من العجيب أن الإخوان المسلمين وثقوا في المشير السيسي، المعروف أنه مدعوم من التهامي، حامي شبكات فساد مبارك وطنطاوي، والمدافع القوي من خلال منصبه في المخابرات عن اتباع سياسة متشددة ضد الاسلاميين.
آلة الدعاية
وتعكس الحملة الرئاسية الوليدة للسيسي كونه منتجا للجيش واستمراره في الاعتماد عليه.
يشاع أن اللواء سمير فرج يلعب دورا رئيسيا في الحملة الانتخابية للسيسي. واللواء فرج خدم في سلاح المشاة والاستخبارات، وعينه مبارك محافظا لمدينة الأقصر ورئيسا لدار الأوبرا المصرية، وسبق أن وجهت إليه تهما بالفساد على نطاق واسع في تلك المناصب.
وهناك أيضا مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية والإدارية اللواء محمود نصر –وهو الرجل الذي يعتقد أنه "مسؤول حسابات" شبكات المحسوبية الواسعة لمبارك وطنطاوي.
وحتى الآن، يتم إدارة الحملة من إدارة الشؤون المعنوية التابعة للجيش، والتي تعتمد على موارد الجيش التي لا تخضع لميزانية الدولة، لتمويل الأفلام، وملصقات الحملة الانتخابية، والتأجير المحتمل للحشود لتقديم دعم هائل للمشير.
ويعتقد أن محمد حسنين هيكل، الذي كان صديقا حميما لعبد الناصر والمدافع القوي عن إرثه المريب، أحد المستشارين الرئيسيين في حملة السيسي.
واستدعى السيسي عمرو موسى، وزير الخارجية السابق في عهد مبارك ورئيس جامعة الدول العربية السابق، للإشراف على صياغة الدستور المدعوم من الجيش، والذي تم إقراره في استفتاء يناير / كانون الثاني.
وأعرب موسى، الذي كان معروفا عنه علاقته القوية بالمجلس العسكري والذي كان يراه المجلس في وقت من الأوقات مرشحه المحتمل للرئاسة، عن دعمه لعزم السيسي الترشح للرئاسة.
تجنب اللوم
الموضوع الرئيسي للحملة الانتخابية حتى الآن هو مكافحة الإرهاب، في الوقت الذي تحمل فيه خطابات المشير السيسي العديد من الإشارات إلى الإسلام.
الجيش هو أقوى مؤسسة في مصر ويرى البعض أنه دولة داخل الدولة
وأعلن السيسي، على سبيل المثال، أنه يجب على المصريين أن "يثقوا في الله والجيش والشرطة للعبور بمصر إلى الحرية والاستقرار والتقدم".
ويحيط الغموض بسياسته الاقتصادية. وتم تعليق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، حيث ستكون الشروط التي سيفرضها الصندوق للحصول على قرض بمثابة انتحار سياسي لأي مرشح يلتزم بها.
ولكن المفاوضات مع الشخصيات الرأسمالية في الخارج استؤنفت، ربما لاستدراجهم هم وأموالهم للعودة لمصر مرة أخرى.
وأعلن عن الحد الأدنى للأجور لموظفي القطاع العام، كما أعلن عن حزمة للتحفيز بشكل عام.
وفي غضون ذلك، أصبحت الأزمة الاقتصادية أكثر حدة، كما يتضح من ارتفاع معدلات البطالة والفقر والتضخم والدين الحكومي وانقطاع الكهرباء وهروب رأس المال وغياب السياح.
ونتيجة لذلك، يتجنب المشير السيسي أي لوم مباشر، وكان يلقي بذلك بكل مهارة على رئيس الوزراء حازم الببلاوي وحكومته التعيسة التي استقالت في 24 فبراير / شباط.
وفي مقابلة في دولة الإمارات العربية المتحدة قبل الإعلان عن ترشحه، أعرب السيسي نفسه عن استيائه من أداء حكومة الببلاوي.
وأشار أحد استطلاعات الرأي إلى أن ثلثي المصريين راضون عن المشير السيسي وأدائه، في حين أظهر آخر أن خمس المصريين راضون عن الببلاوي وحكومته.
القيم التقليدية
يحظى السيسي بتأييد قوي في حي الجملية، الذي نشأ به
وتعود شعبية السيسي إلى المؤسسة العسكرية التي تعد الأكثر ثقة بين المصريين، حيث أعرب نحو 90 بالمئة من المصريين عن دعمهم للجيش؛ ولرسالته بأنه سيعيد الاستقرار للبلاد بفضل الحملة على الإسلاميين؛ وإسقاطاته الماهرة كضابط متفائل يرتدي قبعات أنيقة ومسلم ورع يحترم التقاليد بالنسبة للمرأة والمسيحيين، وتجنبه الحديث عن الموضوعات الجوهرية، ولاسيما الاقتصاد.
ويمكن أن تكون هذه الرسالة، التي تتجنب المسائل الحرجة حقا، مقبولة جدا بين الشعب، ويعود ذلك بصورة جزئية إلى مهارته في إيصال تلك الرسالة، التي تعتمد على كل خلفيته العسكرية وعلى نشأته التقليدية في حي الجمالية في قلب القاهرة التاريخية والإسلامية، التي دائما ما كان يشيد بها الروائي نجيب محفوظ، والخالدة في مخيلة معظم المصريين.
يعد السيسي مثالا حيا على ما يمكن أن تنتجه القيم والممارسات المصرية التقليدية.
وحتى لو رأى البعض في نهاية المطاف أنه "فهلوي"، أي الشخص الماهر الذي يضلل الآخرين، فيمكن تفسير ذلك أيضا بشكل إيجابي، كدليل على مصريته وملائمته لدور القيادة.
فخر قومي
فما فئة الرؤساء التي سينتمي إليها السيسي؟
ثمة عنصر آخر من عناصر النفاق في صورة المرشح الرئاسي المحتمل، وهي أنه يقدم نفسه على أنه ناصر جديد.
ولكن لا يمكنه أن يكون ناصر جديدا، على الرغم من جهوده في محاكاته وتأكيد ابنة عبد الناصر، هدى، بأنه سيكون ناصر الجديد – إلا فيما يتعلق بشئ واحد ألا وهو الاستبداد العسكري.
لا يمكن أن يكون السيسي ناصر الجديد بسبب التغيير العميق الذي طرأ على الأحداث الخارجية والداخلية، حيث انتهت الحرب الباردة، وتضاءل دور مصر الإقليمي بشكل كبير.
كثيرا ما تظهر صور السيسي إلى جانب صور الرئيسين الراحلين السادات وعبد الناصر
ولكن المشير السيسي يسعى لإحياء القومية المصرية، وربما يعود السبب في ذلك بصورة جزئية للهروب من المشاكل الداخلية التي لا مفر منها.
وكانت تعاملاته مع روسيا، بما في ذلك رحلته لموسكو والتي جاءت في توقيت جيد في منتصف فبراير / شباط لإتمام صفقة أسلحة، جزءً من حملته الرئاسية لاستحضار ذكريات رفض عبد الناصر للغرب المكروه إلى حد كبير لصالح السوفييت.
ولكن في الواقع فإن أي صفقة أسلحة مع موسكو ستكون بمثابة غطاء سياسي لاعتماد الجيش المصري المستمر على الولايات المتحدة أكثر من كونها تأكيدا على الاستقلال الحقيقي.
ويحول الاقتصاد المصري الضعيف دون استعراض القوى في المنطقة، التي تضم الآن دولا أصبحت أفضل حالا مما كانت عليه في عهد عبد الناصر.
المشروع الكبير
أما بالنسبة للاقتصاد المحلي، يلوح ظل عبد الناصر مرة أخرى فوق المشير السيسي، الذي وصف الحقبة الجديدة بالفعل بأنها ستشهد مشاريع كبرى، تماما كما فعل عبد الناصر مع سد أسوان ومختلف المشاريع الأخرى.
نحو 8 بالمئة من حجم التجارة البحرية العالمية تعبر من قناة السويس في مصر
وفي هذه الحالة فإن المشروع يتمثل في التطوير المقترح لمنطقة قناة السويس، والذي يتم تصويره على أنه القوة الدافعة لمستقبل مصر المشرق كدولة اقتصادية ناشئة.
وفي حين تبدو التنمية في هذه المنطقة منطقية من المنظور الاقتصادي والأمني، إلا أنها ستتعثر بسبب نفس المشاكل الإدارية التي عطلت التنمية الشاملة في مصر، على الرغم من احتمال اهتمام الصينيين والروس بالمشروع بسبب حسابات أمنية خاصة بهم.
وعلاوة على ذلك، يعود سبب اختيار مشروع القناة بصورة جزئية إلى أن تلك المنطقة تمثل مركز أو بؤرة نفوذ الجيش، كما أنها مملوكة بالفعل للمؤسسة العسكرية.
وهنا تكمن الفرصة، على الأقل من وجهة نظر المشير السيسي، بالنسبة للجيش لإظهار براعة إدارته، في نفس الوقت الذي يحصل فيه على مزيد من الإيرادات لصالحه، من خارج ميزانية الدولة.
ومنذ أن أصبح السيسي الحاكم الفعلي للبلاد، زادت وتيرة تعاقد الحكومة مع شركات يسيطر عليها الجيش بشكل ملحوظ، مما يشير إلى تحركاته لتعزيز سيطرته على الضباط، وكذلك خططه للدور الاقتصادي المستقبلي للجيش.
الدولة العميقة
باختصار، سيوسع الجيش تحت قيادة المشير السيسي نفوذه نحو مزيد من الاقتصاد والدولة الرسمية، أكثر أو أقل مما فعله عبد الناصر، ولديه كل فرص النجاح في ذلك.
المكونات المؤسسية الثلاث للدولة العميقة – الجيش وزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة – خاضعة بالفعل لسيطرته، وهو الشيء الذي لم يتمكن أي من أسلافه من السيطرة عليه بصورة كاملة.
كان يتعين على عبد الناصر والسادات ومبارك بناء أجهزة الأمن ووكالات الاستخبارات تحت إدارة وزارة الداخلية من أجل تحقيق نوع من التوازن مع المؤسسة العسكرية، بينما لا يحتاج السيسي لذلك.
يحظى السيسي بشعبية كبيرة، ولكن كثيرون يخشون من عودة الدولة القمعية
وتتم الحملة الحالية لمواجهة الجماعات المسلحة من قبل كل من قوات الجيش والأمن، وهو نهج جديد يعكس سيطرة المشير على كل منهما.
أما عن الحياة السياسة والبرلمان والأحزاب السياسية، لا يحتاج المشير السيسي، كما فعل عبد الناصر، لتكوين الحزب الواحد لمزاحمة المعارضة، بما في ذلك في الانتخابات البرلمانية، ولتلميع صورته.
ففي الوقت الحاضر، يعتمد السيسي على الجيش وعناصر أخرى من الدولة العميقة والتكنوقراط في عهد مبارك لإدارة حملته الانتخابية، مما يشير الى أنه يأمل أن يحكم في إطار نسخة جمهورية من حكم الملك عبد الله الثاني في الأردن أو الملك محمد السادس في المغرب، وأن يحقق التوازن بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية الخاضعة له مع الاعتماد على الدولة العميقة في جوهر حكمه.
وبهذه الطريقة، يمكنه استخدام القوى السياسية والجهات الفاعلة المستقلة لامتصاص الصدمات السياسية وتحميلها مسؤولية الإخفاق، والتعامل معها ببراعة في نفس الوقت حتى لا تتجمع في المعارضة ضده.
وفي الوقت الحاضر، يبدو أن العديد من هذه الجهات السياسية الفاعلة راضية بقبول هذا الدور.
ومتى تمردت هذه الجهات على هذا الدور، فسيكون السيسي لديه خيار حشد حزب سياسي تحت وصايته، على الرغم من أن هذه الخطوة ستعكس إما ضعفا أو طموحا جامحا من جانبه.
المشير السيسي هو ضابط موهوب ومراوغ بشكل كبير، نجح في إنقاذ الجيش والدولة العميقة بصورة عامة من الإنهيار المحتمل على أيدي الثوار أو جماعة الإخوان المسلمين.
وعهد إليه بهذا الدور من قبل القيادة العليا في عهد مبارك وطنطاوي، ونجح في تنفيذه، ويجني الآن ثمار أدائه الممتاز.
ويتمثل الخطر الآن في أن يقود طموح السيسي، جنبا إلى جنب مع المصالح المؤسسية والتدريب الكافي والجيش المتعجرف والفاسد، إلى تجاوز سياسي واقتصادي وفي السياسة الخارجية، كما حدث في عهد عبد الناصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.