لا شكّ أن ما شهده موقع المحطة النووية بالضبعة في 19 نوفمبر 2025 من تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى، بحضور فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبمشاركة فخامة الرئيس فلاديمير بوتين عبر تقنية الفيديو كونفرانس، وحضور دولة رئيس مجلس الوزراء وعدد كبير من السادة الوزراء وكبار رجال الدولة، يمثل علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث. هذا المشهد التاريخي لم يكن مجرد تركيب مُعدة نووية عملاقة، بل كان إعلانًا عمليًا عن وصول مصر إلى مرحلة جديدة من القدرة والجاهزية والتخطيط والتنفيذ، ورسالة واضحة بأن الدولة المصرية تمضي بثبات في مشروع قومي عملاق يحظى بأكبر قدر من الاهتمام والدعم السياسي والصناعي. وليس غريبًا أن تحتل الطاقة النووية هذه المكانة المتقدمة؛ فمصر كانت وما زالت من أوائل الدول التي أدركت دور التكنولوجيا النووية في تحقيق التنمية المستدامة، وهو ما انعكس على إطلاق "رؤية مصر 2030" في فبراير 2016 كخطة وطنية شاملة تستند إلى أفضل الممارسات والمعايير الدولية. إن هذه الرؤية هي أجندة وطنية تعكس الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة لتحقيق أهداف ومبادئ التنمية المستدامة في كل المجالات استناداً إلى أبعاد التنمية الثلاث (البعد الاقتصادي، البعد الاجتماعي، البعد البيئي). وتستند هذه الاستراتيجية بأبعادها الثلاث على مجموعة من المحاور العشرة التي تشمل: * البعد الاقتصادي: ويحتوي على أربعة محاور: التنمية الاقتصادية، الطاقة، المعرفة والابتكار والبحث العلمي، الشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية. * البعد الاجتماعي: ويشتمل على أربعة محاور: العدالة الاجتماعية، الصحة، التعليم والتدريب، الثقافة. * البعد البيئي: كما يشتمل على محورين: البيئة، التنمية العمرانية. وعندما ننظر إلى المشروع النووي وإنشاء المحطة النووية بالضبعة، فإننا نجد أن المشروع يقع في قلب كل هذه الأبعاد الثلاثة (البعد الاقتصادي – البعد الاجتماعي – البعد البيئي) وهذه المحاور العشرة وتلك الأهداف الثمانية بدءاً من جودة الحياة وانتهاءً بالمكانة الريادية للدولة المصرية. أولاً: محاور البعد الاقتصادي 1. محور التنمية الاقتصادية: يعزز إنشاء المشروع النووي عوامل الثقة والتنافسية في الاقتصاد المصري، فلا يمكن لدولة مهترئة اقتصادياً أو مهتزة سياسياً إنشاء مشروع نووي لمدة عشرة أعوام على الأقل، مما يزيد فرص الاستثمار ويدعم إنشاء اقتصاد فعال فضلاً على الجدوى الاقتصادية الهائلة للمشروع. ولا شك أن مشروع المحطة النووية يؤكد دور مصر كدولة رائدة، حيث أن التنفيذ الناجح لمشروعات محطات القوى النووية من شأنه أن يحسن المركز الائتماني للدولة. 2. محور الطاقة: لا شك أن إنشاء المشروع النووي وما يحققه من المساهمة في الخدمات الأساسية من تأمين مصادر الإمداد بالكهرباء من خلال تحقيق مزيج متوازن من هذه العناصر. كما أن قطاع الطاقة يعد القاطرة لقطاعات اقتصادية متعددة، والسعر التنافسي للكهرباء المنتجة من المحطات النووية سوف يعود بالنفع المباشر على المشاريع التجارية القائمة. 3. محور المعرفة والابتكار والبحث العلمي: لا يمكن النظر للمشروع النووي كمشروع لتوليد الكهرباء فقط ، حيث يدعم هذا المشروع المعرفة النووية والبحث العلمي ويعمل على زيادة وتيرة العمل في البحث العلمي من خلال الهيئات النووية البحثية كهيئة الطاقة الذرية وهيئة المواد النووية ، وكذا الجامعات المصرية ويزيد من فرص البحث والتطوير ويبني جيلًا جديدًا من العلماء والمهندسين المصريين وهو ما يرفع مكانة مصر العلمية ويخلق تراكمًا معرفيًا طويل الأمد. 4. محور الشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية: تساعد المشروعات النووية الدول على تحقيق مبادئ الحوكمة من خلال تحقيق الشفافية والإفصاح ، فدائماً ما تتسم البرامج النووية بالشفافية والنزاهة وتعزز سياسة الإفصاح والمساءلة وتحارب الفساد بكل أشكاله. ثانياً: محاور البعد الاجتماعي 5. محور العدالة الاجتماعية: هناك صلة حقيقية تربط بين البرامج النووية وتحقيق العدالة الاجتماعية والاندماج ، حيث تحرص المشروعات والبرامج النووية في كل دول العالم على تحقيق المساواة في الحقوق والفرص وتمكين المرأة والشباب للإلتحاق بالعمل بالمشروع دون تمييز لجنس أو لون ، حيث يتم الانتقاء من خلال ضوابط تعتمد على الجدارة والمهارات والإمكانيات، مما يساعد على تقرير مبادئ العدالة والمساواة. 6. محور الصحة: إن المشروع النووي يقع في قلب المحاور العشرة ومن بينها الصحة ، حيث يساهم في الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري ، وما يتبعه من تحسن في البنية التحتية والخدمات المحيطة به. كما أن الطاقة النووية طاقة نظيفة لا ينشأ عنها أي انبعاثات كربونية ، مما يساهم في تحقيق التوازن البيئي ، وهو ما ينعكس إيجابياً على الصحة العامة. 7. محور التعليم والتدريب: يدعم هذا المشروع المعرفة النووية ، ويعمل على دعم البحث العلمي في الجامعات في مجال التكنولوجيا النووية وزيادة فرص البحث والتطوير ، مما يساهم في إثراء الحياة الثقافية بإدخال الثقافة النووية كمكون جديد. كما كان لانشاء مدرسة التكنولوجيا التطبيقية للطاقة النووية في الضبعة - المدرسة الأولى والوحيدة من نوعها في افريقيا والعالم العربي دورا كبيرا في نشر التعليم النووي وادراك اهميته. 8. محور الثقافة: يساهم إنشاء المشروع النووي في إثراء للحياة الثقافية بإدخال الثقافة النووية كمكون جديد ، كما يضفي مظهراً حضارياً ، مما يعكس المكانة الريادية للدولة المصرية. ثالثاً: محاور البعد البيئي 9. محور البيئة: تعد الطاقة النووية إحدى الركائز الأساسية لتحقيق الاستدامة البيئية من خلال الاستخدام الرشيد للموارد من الوقود الأحفوري وما يتسبب فيه من انبعاثات كربونية. كما أنها طاقة نظيفة لا ينشأ عنها أي انبعاثات كربونية ، مما يساعد في علاج ظاهرة الاحتباس الحراري المشكلة التي تؤرق العالم كله حالياً. 10. محور التنمية العمرانية: يساهم إنشاء المشروع النووي وما يحققه من تحسن في البنية التحتية والخدمات المحيطة به وما يضفيه من مظهر حضاري ، كما أن المحطة تساهم بما تنتجه من كهرباء قد تستخدم في تحلية المياه ، وكل هذا من شأنه الإرتقاء بجودة حياة المواطن المصري وضبط النمو السكاني. لذا فمشروع المحطة النووية لا يمثل مجرد محطة لتوليد الكهرباء، بل هو مشروع تنموي شامل يولد المعرفة والعلم ويقع في قلب جميع محاور وأهداف وأبعاد رؤية مصر 2030، ويتوافق بالكامل مع أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة إنه مشروع يبني اقتصادًا أكثر قوة، ومجتمعًا أكثر عدالة، وبيئة أكثر استدامة، ويضع مصر في موقعها الطبيعي كدولة رائدة تمتلك الإرادة والعلم والقدرة على تنفيذ أكبر المشروعات في العالم.