مع إصرار مجلس الدولة على موقفه المعارض لتعيين الإناث قاضيات فى الوقت الحالى، وتمسك المجلس القومى للمرأة بالمطالبة بتعيينهن، ثار فى الأروقة القضائية جدلا حول تفسير نص المادة 11 من الدستور المعدل، التى تنص فى فقرتها الثانية على أن «تكفل الدولة للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها». وترى التلاوى أن هذا النص ملزم للهيئات القضائية بقبول تعيين الخريجات الإناث مثل الذكور، بينما يرى معظم قضاة مجلس الدولة بحسب مصادر قضائية أن هذا النص غير ملزم بذاته لمجلس الدولة، لأنه يخاطب الدولة بكافة أجهزتها، وعلى رأسها السلطة التشريعية لضمان ذلك بنصوص قانونية. وأضافت المصادر أن المشرع الدستورى فى المادة 180 نصا صراحة على نسب محددة لتمثيل للشباب والمرأة والعمال والفلاحين فى المجالس المحلية، لذلك فهى مادة ملزمة بذاتها، أما مادة حق المرأة فى التعيين بالجهات القضائية فتحتاج تفعيلا تشريعيا، لا سيما وأن القوانين القائمة تنص على أن الجمعية العمومية لمستشارى المجلس والمجلس الخاص هما الجهتان المختصتان بتعيينات قضاة المجلس. وأكدت المصادر أن قرار الجمعية العمومية ليس مجرد توصيات استشارية يمكن غض الطرف عنها، بل هى قاعدة تنظيمية تشريعية باعتبار الجمعية العمومية هى الجهة المختصة بإصدار اللائحة الداخلية للمجلس، وقواعد التعيين جزءا لا يتجزأ منها. وأوضحت المصادر أنه سبق وتشكلت لجنة قضائية لدراسة هذه المسألة عام 2010 برئاسة المستشار عادل فرغلى وعضوية المستشارين محمد عطية وكمال اللمعى، وانتهت إلى أن «التجربة السابقة لتعيين المرأة فى القضاء العادى غير مرضية بناء على أقوال قاضية قررت أن (التجربة فاشلة ولا يمكن تعيين المرأة إلاّ فى النيابة الإدارية)، ويكفى أن 4 قاضيات قد فشلن فى حياتهن الزوجية وانفصلن عن أزواجهن». وانتهت اللجنة أيضا إلى صعوبة سفر القاضيات للأقاليم شأنهن شأن القضاة بعد ترقيتهم لدرجة مستشار مساعد، وصعوبة توليهن مهام مفوضى الدولة بالأقاليم، فى ظل سوء حالة استراحات المجلس ببعض المحافظات وعدم توافرها فى البعض الآخر، وعدم إمكانية مكوث قاضيات بها لفترات طويلة بمفردهن أو بصحبة أطفالهن، وأوصت قبل اتخاذ قرار بتعيين القاضيات بتوفير استراحات آمنة وفاخرة مخصصة للقاضيات منفصلة عن استراحات القضاة، ومزودة بسبل الراحة والحراسة الضرورية وحضانات للأطفال. كما أوصت هذه اللجنة بمراعاة اختلاف حجم إنجاز العمل القضائى بين الرجال والنساء عند الترقى للدرجات الأعلى، حيث لوحظ أن القضاة الرجال يخشون مساواتهم بالنساء فى الترقيات وتولى رئاسة المحاكم، دون مراعاة لحجم الإنجاز وتمتع المرأة بمزايا وظيفية أخرى مثل إمكانية حصولها على فترات إجازة طويلة ومتتالية لرعاية أسرتها. وشددت المصادر على أن اللائحة الداخلية للمجلس لم تميز بين المرأة والرجل فى الحقوق والواجبات، ولم تمنع على وجه الإطلاق تعيين قاضيات، لكن يجب على مجلس الدولة توفير البنية التحتية الأساسية لاستقبال المرأة كقاضية قبل اتخاذ قرار نهائى بتعيينها. ومن جهته أيد المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، وجهة نظر قضاة المجلس بأن هذا النص ليس نافذا بذاته، موضحا أن المادة الدستورية الجديدة «ليست لها قوة إلزام مباشرة، ويجب وضع قانون مكمل للدستور يوضح إمكانية تعيين الإناث ومدى قدرتهن على مباشرة العمل القضائى، وفى أى مواقع أو درجات أو جهات قضائية». واستنكر الجمل ما وصفه ب«انتقاد مجلس المرأة لمجلس الدولة فقط، وغض البصر عن عدم تعيين المرأة فى النيابة العامة أو فى المحاكم العادية». وعلى النقيض قال د.صلاح الدين فوزى، أستاذ القانون الدستورى بجامعة المنصورة وعضو لجنة الخبراء العشرة التى شاركت فى تعديل الدستور، إن «نص المادة 11 نافذ بذاته، ولا يجوز لمجلس الدولة أو هيئة قضائية أخرى رفض تعيين الخريجات الإناث، وتلقى أوراق تقدمهم للاختبارات أسوة بالخريجين الذكور، وإلاّ فستكون مخالفة دستورية صريحة». وأضاف فوزى أنه «لا يجوز تبرير التأخر فى تنفيذ نص الدستور بقرارات جمعيات عمومية سابقة أو حالية، لأن هذه القرارات لا ترقى لمرتبة القانون ولا النص الدستوري».