وسط حالة الشد والجذب التي تشهدها حاليا أروقة مجلس الدولة حول أحقية تعيين المرأة قاضية بالمجلس، كانت هناك أكثر من علامة استفهام تطرح نفسها بقوة أمامنا.. ففي الوقت الذي أوضحت فيه بعض الآراء القانونية أن قرار المستشار محمد الحسيني رئيس المجلس لا يعارض من قريب أو بعيد قرار المجلس الخاص، لأنه تعلق فقط باستكمال إجراءات التعيين، والرأي النهائي سوف يكون للمجلس، كان السؤال الملح هو لماذا لجأ بعضهم - إذن- إلي إثارة ضجة إعلامية حول الأمر، وروج البعض لفكرة مقاضاة المستشار الحسيني نفسه؟!. ثم .. لماذا لجأ العديد من قضاة المجلس إلي التأكيد علي عدم صلاحية المرأة لهذا الموقع، وفقا لمفاهيم الرجل الشرقي متجاهلين حقوقها الدستورية والقانونية التي يجب أن يكونوا هم أول من يؤكد عليها؟! البعض وصف الأمر بأنه ردة غير حضارية.. والبعض الآخر قال إنه سباق داخل حلقة مفرغة إذ إنه في الوقت الذي أبدت فيه العديد من جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني ترحيبها بقرار المستشار الحسيني باستكمال إجراءات تعيين من تقررت صلاحيتهم من بين المتقدمين لشغل وظيفة مندوب مساعد من خريجي وخريجات الحقوق من دفعتي 2008 و2009 أعلن نادي مستشاري مجلس الدولة معارضته لقرار رئيس المجلس وأصدر النادي بيانا يوم الثلاثاء الماضي أكد فيه دعمه الكامل والمطلق للأغلبية داخل المجلس الخاص حفاظا علي مجلس الدولة واحتراما لرأي الأغلبية وما يقره القانون بهذا الشأن، وتبني الدعوة لعقد جمعية عمومية لمستشاري مجلس الدولة لمناقشة هذه المستجدات في ضوء قرارها السابق برفض تعيين الإناث فضلا عن إقامة دعوي قضائية للطعن علي قرار رئيس المجلس رقم 92 لسنة 2010 الخاص بسير إجراءات تعيين الإناث داخل المجلس. وأصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع بالمجلس الأربعاء الماضي بيانا أكدت فيه أنها ترصد بمزيد من الاهتمام الحراك الذي يشهده مجلس الدولة حول إدارة شأن من شئونه الداخلية وتؤكد أهمية أن يترك لمجلس الدولة بهيئاته مكتملة مناقشة هذا الأمر بهدوء دون مصادرة رأي أو انفراد باتخاذ قرار لخلق أمر واقع علي خلاف إرادة الأغلبية لما في ذلك من مخالفات للتقاليد القضائية ومجافاة لمبادئ الإدارة الرشيدة. أضاف البيان أن الأمر لايتعلق بالتحيز ضد المرأة التي يكن لها قضاة مجلس الدولة كل تقدير واحترام، وإنما يتعلق بكيفية اتخاذ القرارات المتعلقة بالشئون العامة لمجلس الدولة. إلا أنه من الملاحظ وقبل إصدار القرار أو البيانات كان أن عقد المستشار عادل فرغلي رئيس محاكم القضاء الإداري وعضو المجلس الخاص لقاء بوسائل الإعلام أكد فيه أن المجلس الخاص ملتزم برأي الجمعية العمومية لمستشاري المجلس بعدم تعيين المرأة قاضية وإرجاء قرار التعيين للدراسة.. وبالتالي فان خريجات دفعتي 2008 و2009 اللائي تقدمن واجتزن الاختبارات في مجلس الدولة لايحق لهن التعيين بعدما انتهي إليه اجتماع المجلس الخاص الأخير بإرجاء التعيين بموافقة أربعة من أعضاء المجلس في مقابل ثلاثة وافقوا علي الاستمرار في إرجاء التعيين، وأن إرجاء التعيين لا يعد مخالفة قانونية أو تراجعا في قرار لأن ما تم من إعلان واختبارات مجرد إجراءات تحضيرية لا يكتسبن منها حقوقا قانونية لعدم صدور قرار بتعيينهن. وقال المستشار عادل فرغلي: أنا لا أستطيع أن أقول أن القضاء العادي أخطأ عندما قام بتعيين القاضيات عام 2007،ولكن أتكلم عن دخول المرأة قاضية بمجلس الدولة وأنا من المسئولين بالمجلس، وأعرف أدق ما فيه منذ خمسين عاما.. وبالتأكيد عندما تدخل المرأة المجلس سيتم إرضاؤها علي حساب الرجل. فمستشار مجلس الدولة لايجوز له أن يجلس في محافظة واحدة فترة طويلة، ...إذ قد يكون بالإسكندرية ويتم نقله إلي أسيوط.. وقتها ستقول المرأة لا أستطيع الذهاب لأسيوط، وفي هذه الحالة لن نرغمها، ولكن في نفس الوقت لا أستطيع أن أدعها تعمل في نفس محافظتها خوفا من أن تجامل أقاربها ومعارفها في الأحكام. كما أنه في كثير من الأوقات، خاصة أيام الانتخابات التشريعية والمحلية لابد أن تعمل للساعة الثانية بعد منتصف الليل لإصدار الأحكام، وقتها ستقول لا أستطيع أن أترك منزلي وأولادي في هذا الوقت، ولن أستطيع أن أتكلم، ثم : أي رجل في مصر يقبل أن تجلس زوجته خارج المنزل لهذا الوقت المتأخر من الليل؟! وهنا قد تضطر القاضية إلي عدم النزول من منزلها.. وقد يحدث تلاعب في محاضر الجلسات وسينهار القضاء، ولهذا أعتقد أن قرار المجلس الخاص والجمعية العمومية بإرجاء تعيين المرأة جاء لصالح المجتمع والمرأة معا.. ثم ننتظر حتي تتغير النظرة المجتمعية للمرأة وتكون مثل المرأة في أمريكا وأوروبا تستطيع أن تتحرك في عملها بكامل حريتها، وقتها نقول تدخل القضاء. انتصار السيد - مدير مركز القاهرة للتنمية إحدي اللاتي شاركن في الوقفة الاحتجاجية أمام مجلس الدولة قالت لنا: أري أن قرار الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة غير ملزم ، فالدستور نص علي تكافؤ الفرص وأن جميع المواطنين سواء، وكان من المفروض أن يتم استطلاع رأي الجمعية العمومية لمستشاري المجلس. وتؤكد انتصار أن قرار رئيس المجلس باستكمال إجراءات تعيين الإناث بالمجلس قرار سليم وصحيح وتم اتخاذه لتصحيح قرار صدر غير دستوري كان قد صدر عن الجمعية العمومية. وعن الدعوي التي نادي مستشارو مجلس الدولة بإقامتها ضد رئيس المجلس لإلغاء قراره تقول انتصار: أعتقد أن هذه الدعوي سيتم رفضها لأن القرار قانوني، وتضيف: ما يحدث في مجلس الدولة ردة حضارية فنحن في القرن ال 21 وما زلنا نناقش صلاحية المرأة للعمل كقاضية، رغم أن عندنا المستشار تهاني الجبالي بالمحكمة الدستورية العليا وثلاثين قاضية في محاكم القضاء العادي. مع إصدار قرار رئيس المجلس ومعارضة عدد من أعضاء المجلس الخاص ونادي قضاة مجلس الدولة أثير العديد من الأسئلة يحاول الإجابة عنها مستشارو مجلس الدولة وقضاة القضاء العادي وشيوخ القضاء في مصر طوال الأسبوع الماضي وإلي الآن مثل: هل يجوز لرئيس مجلس الدولة إصدار قرار بإرادته المنفردة بتعيين قاضيات بالمجلس رغم عدم موافقة الجمعية العمومية لمستشاري المجلس والمجلس الخاص؟ وهل يجوز لنادي قضاة مجلس الدولة أن يقاضي رئيس المجلس وأن يسقط عضويته وعضوية مستشارين آخرين لموقفهم المؤيد لتعيين المرأة قاضية؟ المستشار فتحي رجب وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشوري قال لنا: إن المجلس الخاص بمجلس الدولة هو صاحب الاختصاص الوحيد في التعيين بالمجلس، وبالتالي لا يجوز لرئيس مجلس الدولة أن يأخذ قرار التعيين بمفرده. أما المستشار محمود أبوالليل وزير العدل السابق فقال: قرار رئيس مجلس الدولة لا يعني أنه أصدر قرارا بالتعيين، وإنما أصدر قرارا باستكمال الإجراءات الخاصة بالتعيين، وبعد الاستكمال يعرض الأمر مرة أخري علي المجلس الخاص وإذا رفض المجلس التعيين لن يرسل نتائج اختبارات الخريجات لرئيس الجمهورية لإصدار قرار بتعيينهن قاضيات لأنه في النهاية لابد من موافقة المجلس الخاص. ويضيف وزير العدل السابق: ما يحدث الآن في مجلس الدولة يعني أن هناك حلقة مفرغة يدور فيها المجلس والمفروض أن تعين المرأة في جميع الجهات القضائية وإن كانت لم تدخل النيابة العامة لأنها تحتاج إلي التنقل بين البلاد ومتابعة الحوادث والجنايات وهي أمور صعبة جدا، ومع ذلك أنا أتصور أن تدخل جميع الجهات القضائية لأن هذا هو التطور. وعن أحقية نادي قضاة مجلس الدولة في مقاضاة رئيس المجلس قال المستشار أبوالليل: يجوز لأي شخص أو جهة أن تقيم أي قضية ضد من تشاء، ولكن جري العرف القضائي أن يحدث هذا لأنهم في جهة قضائية واحدة تحت مظلة مجلس الدولة، وإذا كان هناك من يرفض دخول المرأة القضاء وبالتأكيد مع تغير الثقافة ومع الوقت سيوافقون، خاصة أن المرأة دخلت القضاء في المحكمة الدستورية والقضاء العادي ونجحت. ويقول المستشار محمد الدكروري إن قرار رئيس مجلس الدولة 92 لسنة 2010 لم يخالف رأي المجلس الخاص يوم الاثنين الماضي الخاص بإرجاء تعيين المرأة قاضية بالمجلس، فالقرار نص علي استكمال إجراءات تعيين الإناث لأن الرأي في النهاية للمجلس الخاص للمجلس. وإذا كانت قرارات المجلس الخاص جاءت يوم الاثنين الماضي بمعارضة أربعة مستشارين دخول المرأة قاضية بالمجلس مقابل ثلاثة موافقين، فإنه لا أحد يعرف ماذا يحدث بعد إجراء استكمال أوراق التعيينات وعرض الأمر مرة أخري علي المجلس الخاص، وقد يوافق مستشار أو اثنان من معارضي دخول المرأة علي دخولها قاضية بالمجلس.. فيجب أن ننتظر. ويضيف المستشار الدكروري: أنا لا أحب التعليق علي مدي أحقية نادي قضاة مجلس الدولة إقامة دعوي قضائية ضد رئيس المجلس، وشخصيا أؤيد تعيين المرأة قاضية ليس لاعتبارات شخصية، وإنما لاعتبارات قانونية ودستورية تساوي بين المواطنين جميعا دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين. كما أن مجلس الدولة منذ أكثر من أربعين عاما قال في حكم له خاص برفض تعيين الدكتورة عائشة راتب قاضية بالمجلس: إنه لا يوجد مانع قانوني ولا دستوري ولا شرعي من تعيينها، ولكن الظروف والثقافة الاجتماعية لا تسمح الآن. وأعتقد أنه مع تغير الظروف والمجتمع تستطيع أن تعمل المرأة في القضاء خاصة أنها ناجحة في كل المجالات وتنتقل كثيرا بين الدول والمحافظات، والدليل علي ذلك أنها تعمل سفيرة وتسافر إلي جميع الدول.