لن أتراجع عن موقفي المؤيد لتعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة.. بهذه العبارة الحاسمة استهل المستشار محمد الحسيني رئيس مجلس الدولة إجابته عن أسئلة روزاليوسف الخاصة، التي وجهتها له علي هامش المؤتمر الصحفي الذي أعلن خلاله قراره حول أحقية المرأة في دخول المجلس.. وقال الحسيني الذي يواجه حالياً - هجوماً عنيفاً من قبل بعض مستشاري المجلس منذ الاثنين الفائت، أنه مصدوم إلي أقصي درجة من ردود الفعل التي تسخر من قدرات المرأة، فضلاً عن تراجع الجمعية العمومية في المجلس. ورغم أن الحسيني كتب في صدر قراره الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا الموقف، إلا أن هذا الأمر لم يرحمه من الهجوم الشرس الذي يتعرض له في الوقت الحالي، سواء من قبل أعضاء المجلس الخاص، أو من أعضاء مجلس إدارة نادي مستشاري المجلس الذين أرادوا مقاضاته! سألناه: لكن لماذا أثار هذا القرار بشكل أسرع من المعتاد حالة صاخبة من الجدل فور إعلانه؟!.. فقال لنا: الحوار الدائر في المجتمع بشكل عام ومجلس الدولة بشكل خاص، لم يحدث في تاريخ المجلس منذ إنشائه وحتي الآن! وللأسف الشديد.. فإن السبب في ذلك موضوع هو في الأساس موضوع حضاري.. فلم يقل أحد في يوم من الأيام أن المرأة غير صالحة للتعيين في القضاء. لكن البعض قالها مؤخراً؟ - المرأة شريكة الرجل في هذه الحياة.. وتولت العديد من المناصب الراقية وذات الشأن.. وجميعنا يسلم نفسه لها حينما تكون طبيبة مثلاً.. تجري العديد من الفحوصات الطبية والعمليات الجراحية.. والآن أصبحت المرأة سفيرة ووزيرة ومهندسة.. وتعمل بكفاءة تامة. البعض يتحدث إلي جانب نظرة المجتمع عن قدراتها في التحمل؟! - كلنا يعلم أن ثلاثة أرباع الطبقة الفقيرة في مصر تعولها النساء دون الرجال.. ومن لايريد أن يعترف بهذه الحقيقة بمثابة من يضع غمامة علي عينيه.. فالمرأة كما هي صالحة لتشريح الجثث وبناء العمارات، صالحة أيضا للقضاء. وقرار المجلس الأعلي للهيئات القضائية الصادر منذ سنوات يقضي بتعيين المرأة في القضاء وفي جميع الهيئات القضائية. ما الذي يحدث بالضبط داخل مجلس الدولة؟! - منذ أن توليت رئاسة المجلس عرض علي أعضاء المجلس باعتباره السلطة المختصة بالتعيين موضوع دخول المرأة قاضية بالمجلس.. وتمت الموافقة بالإجماع علي التعيين والإعلان عن ذلك بشغل وظائف مندوب مساعد بالمجلس للذكور والإناث.. وهنا أصبحنا نخاطب آخرين وليس أعضاء المجلس أو مستشاريه فقط. وجاءت الخريجات والخريجون واشتروا مظاريف الأوراق وتقدموا للوظيفة واستكملوا الإجراءات الخاصة دون معارضة من المجلس الخاص ولو كانت هناك معارضة داخل المجلس الخاص لعرض الأمر علي الجمعية العمومية. وبعد التقدم أجريت مقابلات لاختبار المتقدمين للوظيفة من الذكور والإناث علي مدار أقل من شهر ووافق المجلس الخاص بالإجماع ووقعوا علي كشوف المقابلات التي تضم صلاحية بعض الخريجين والخريجات للتعيين في الوظيفة القضائية، بعد ذلك تقدم أكثر من 86 من مستشاري الجمعية العمومية بطلب عقد جمعية عمومية - غير عادية - لمناقشة تعيين المرأة واجتمعت الجمعية العمومية يوم الاثنين قبل الماضي 15/2/2010 وانتهت برأي الأغلبية بوقف تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة وعدم الاعتداد بما تم من إجراءات سابقة.. وكان السؤال الموجه لأعضاء الجمعية العمومية في الاستفتاء الذي عرض عليهم: هل توافق علي تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة وبما تم من إجراءات في هذا؟ 1 - أوافق علي التعيين وما تم من إجراءات بهذا الشأن. 2 - أرفض التعيين مع عدم الاعتداد بما تم من إجراءات في هذا الشأن. هل الأمر بهذه الصورة، أمر طبيعي؟ - هذا التصويت وبهذا الشكل كان صدمة كبيرة لي بصفتي رئيس مجلس الدولة لأنني كنت أعتقد ومازلت بأن مناقشة أي أمر في الجمعية العمومية يقوم علي ثقافة الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر بحيث يطرح الموضوع للمناقشة ويمكن تشكيل لجنة من كبار الزملاء المستشارين في الجمعية العمومية لكي تقدم أبحاثا مستفيضة في هذا الأمر ويتم تناولها علي أن يوضع في الحسبان أن يكون للقادم من الأيام. بمعني أن هناك حقوقا مكتسبة للإعلان الذي تم.. والزميلات خريجات كليات الحقوق اللاتي تم اختبارهن وتقررت صلاحيتهن لهن حقوق قانونية لا يجوز لأحد أن يقترب منها كما أن الاستفتاء علي تعيين المرأة داخل المجلس غير جائز دستورياً لأن تعيين المرأة حق دستوري لا يجوز أن يطرح في استفتاء. هل تري أن طرح السؤال بهذا الشكل كان متعمداً؟ - كان يمكن طرح السؤال علي الجمعية العمومية بصيغة أخري هي: هل الوقت ملائم لتعيين المرأة قاضية حاليا بمجلس الدولة أم لا.. أو هل المجتمع يقبل حاليا تعيين المرأة في قضاء مجلس الدولة أم لا يقبل. هذا أمر جائز المناقشة والمداولة في أي صورة من الصور أما الحرمان من حق دستوري للمرأة للتعيين في أي وظيفة، فهذا أمر أرفضه. ما مدي حجية هذا القرار؟ - صدور قرار من الجمعية العمومية لمستشاري المجلس كما حدث يوم الاثنين قبل الماضي يبطل قرارات المجلس الخاص الصادرة بالموافقة علي تعيين المرأة منذ ستة أشهر وما اتخذ من قرارات تالية لهذا القرار من الإعلان والمقابلات والاختبارات للخريجات، وهذا يتنافي مع كل ما جري عليه في مجلس الدولة من عدم مرجعية القرارات الإدارية. وفي إطار الحقوق المكتسبة لدفعتي 2008 /2009 والموافقة بالإجماع من المجلس الخاص في أغسطس الماضي ورغم تأييد المجلس الخاص يوم الاثنين الماضي لقرارات الجمعية العمومية يوم الاثنين قبل الماضي برفض تعيين المرأة رغم موافقة المجلس الخاص المسبقة أصدرت القرار 92 لسنة 2010 لاستكمال الذكور والإناث من الدفعتين أوراق تعيينهم. لأنه لا يصح لأي جهة في الدولة مهما كانت هذه الجهة أن تتعامل مع المواطن، هكذا.. تعلن عن قبول الخريجات ثم تتراجع.. وأشك بالتأكيد أن هناك أيدي خفية وراء ما يحدث في مجلس الدولة كما يحدث من الجهات والهيئات الأخري. وماذا عن المجلس الخاص؟ - ما حدث من مناقشات داخل المجلس الخاص الاثنين الماضي كان في قمة الديمقراطية وانتهت المناقشات إلي رفض أربعة مستشارين تعيين المرأة قاضية وثلاثة وافقوا. ولكن هناك استقراراً قانونياً لمن تقدمن بأوراقهن وأنا كرئيس مجلس الدولة مسئوليتي الدستورية والقانونية أن أحافظ علي مجلس الدولة وسمعة مصر في الخارج. وكان عندي قرارات بالإجماع تم اتخاذها سواء بالإعلان أو المقابلات أو النجاح والموافقة علي كشوف المقابلات من جميع أعضاء المجلس الخاص وعندي قرارات أخري للمجلس الخاص بالأغلبية سواء انتهت إلي تأييد تعيين أو رفض تعيين المرأة. مما حدث يبدو أن هناك توجهات متزايدة ترفض دخول المرأة للمجلس؟! - ومن واقع مسئوليتي أرجعت حجية القرارات الجماعية علي القرارات الصادرة بالأغلبية فأصدرت هذا القرار لاستكمال الخريجات والخريجين أوراق تعيينهم ثم يعرض الأمر مرة أخري في النهاية علي المجلس. ماذا لو تم الكشف الطبي علي الخريجات وعرضت جميع الإجراءات في النهاية علي المجلس الخاص لأخذ الرأي النهائي ورفض ماذا يحدث؟ - سيتم رفض تعيين الإناث في مجلس الدولة وعلي العموم لا يجب أن نسبق الأحداث، قد يغير أحد أعضاء المجلس الخاص الرافضين موقفه. لماذا لايتم الاقتداء بما حدث داخل هيئات قضائية أخري؟! - أنا مع تعيينها بالمجلس، ولكن هناك رأي حق يراد به باطل يقول إن كل هيئة قضائية مستقلة لا علاقة لها بالهيئات القضائية الأخري، وهناك من يقول نحن نشفق علي المرأة بالعمل في القضاء حتي لا تتشتت مسئوليتها بين الأسرة والعمل القضائي الشاق.. فلماذا لم نشفق عليها عندما تركب طائرة والهدف من هذا عدم تعيينها. ثم من قال إن العمل القضائي يتعارض مع طبيعة المرأة، فالمرأة تأتي محامية وتقف وتترافع أمامنا.. وقد تهزم مرافعتها بعض مرافعات الرجال. ولكي تنجح المرأة قاضية يجب أن يتم تعيينها بالتوازي في جميع الهيئات القضائية من بداية درجات التعيين حتي لا تزدحم هيئة قضائية بالقاضيات دون أخري وحتي تكون هناك مكاسب حقيقية لتعيين المرأة قاضية.