قالت مجلة «إيكونومست» البريطانية، إنه عندما برز الربيع العربي في الشرق الأوسط منذ ثلاث سنوات، اتجهت أنظار الديمقراطيين المتفائلين الباحثين عن نموذج يقتدون به إلى «تركيا»، كدولة بدا أنها تجمع بين الإسلام المعتدل والرخاء والديمقراطية، لكن للأسف لم يتبع العرب المسار التركي، وبدلاً من ذلك اتجهت تركيا إلى الطريق العربي القديم الممتلئ ب«الفساد والاستبداد»، على حد قول المجلة وسلطت المجلة الضوء على الأزمة التي تواجه تركيا في الأيام الأخيرة؛ فخلال الأسبوعين الماضيين اعتقل مدعٍ عام تركي عشرات الأشخاص كجزء من تحقيقات بشأن عمليات نقل غير مشروعة للذهب، ورشاوي دُفعت من قبل صناعة البناء والتشييد. وشملت الاتهامات رجال أعمال على علاقة بحزب العدالة والتنمية الحاكم، بالإضافة إلى مسئولين وسياسيين وأبناء ثلاثة وزراء. رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تعامل مع الأمر بغضب، بسبب التقارير التي قالت إن أحد أبنائه سيأتي على القائمة قريبًا. ومن هنا تقول المجلة إن أردوغان أجرى تعديلات في الحكومة لتعيين الموالين له، سعيًا نحو السيطرة على تحقيقات الشرطة، وتم إبعاد المدعي العام عن قضية الفساد. برر وزراء أردوغان كل هذا بالحديث عن «انقلاب ناعم». تضيف المجلة أن هذه الأحداث محبطة لتركيا، وأن أردوغان الذي يتقلد منصبه منذ حوالي 11 سنة خلط بين مصيره ومصير البلاد، فأسلوب الذراع القوية الذي استخدمه للسيطرة على الشرطة والقضاء يضعف حكم القانون، كما أن رفضه للتسامح مع أي تدقيق في سلطته يخنق الديمقراطية. وأشارت المجلة إلى أن أردوغان محاط بالمشكلات، ومنها الاقتصاد الذي شهد سقوطًا بمقدار النصف بعد عام 2011، معتمدًا على تدفقات رأس المال الأجنبي. أما ثاني الصعوبات فهي تفكك الاتفاق الذي مكن أردوغان من مواجهة الجيش والانتصار، فأدانت المحاكم عدة مئات من الضباط ومؤيديهم من المدنيين، ويعود الفضل جزئيًا في ذلك لجماعة إسلامية يقودها «فتح الله كولن»، وهو رجل دين يعيش في ولاية بنسلفانيا. وقالت «إيكونومست» إن بعض الأدلة تم تلفيقها، ولكن وقع خلاف بين حزب العدالة والتنمية وحركة «كولن»؛ ربما بسبب عداء أردوغان لإسرائيل، أو لأن رئيس الوزراء غير مستعد لقبول أي منافسين، وبالرغم من إنكار كولن، إلا أن العديدين يشكون في أن تحقيقات الفساد بدأت بعد صدور أمر بمواجهة الحزب الحاكم وزعمائه. ولكن ذلك لا يبرئ أردوغان، وهذه مشكلته الثالثة، كما وصفت المجلة، فإذا كان حزبه فاسدًا، فهو لا يخرق القانون فقط، وإنما يخون أنصاره المتدينين، الذين يتوقعون أن يكون الحزب أفضل من الحكومات العلمانية التركية. وقالت المجلة إنه في كل مرة يحاول أردوغان تكميم أفواه منتقديه ومعارضيه، تزداد الانقسامات داخل تركيا عمقًا. تضيف المجلة أنه ينبغي على الشعب التركي أن يشعر بالاضطراب من أن الشرطة والمحاكم يمكن أن تنقلب ضد مجموعات بعينها عندما يناسب الأمر الجالسين على كرسي السلطة، مضيفة أن فكرة صمت أنصار كولن على قضايا فساد عندما كان الحزب الحاكم حليفًا لهم، ومهاجمة الحزب الآن، يزيد الشكوك حول أن ولاء بعض المسئولين ليس للدستور، وإنما لأمر آخر وهو الأرجح لجماعة كولن. تقول المجلة إن النظام القانوني هو المراقب الوحيد لسلطة أردوغان، والمعارضة التركية ضعيفة، ويتم اعتقال الصحفيين المعارضين، بينما يفرض غير المعارضين الرقابة على أنفسهم، ويهيمن أردوغان على حزبه. أما عن أنصار جولن، فإن تأثيرهم غير صحي، وتحتاج تركيا قانونها ونظامها لتكون دولة نزيهة، ولكن سيصبح الأمر أسوأ إذا كان بإمكان أردوغان الهيمنة على الشرطة والمحكمة كما يهيمن على كل شيء. وتختتم «إيكونومست» التقرير بقولها إن أردوغان يريد أن يكون رئيس تركيا في الانتخابات التي سيتم إجرائها في وقت لاحق من العام الحالي «ولكن إذا لم يتغير ستصبح تركيا أفضل إذا بدأت بداية جديدة».