وعلى حفافى شارع محمد على مكان سوق الخضار اليوم: مقاه ركبت من الخشب يسمر فيها السوقة مدخنو الحشيش ومحبو النوادر والقفش البلدى (أصحاب القافية). فى القرن التاسع عشر كان فى شبرا مقهى معروف اسمه: قهوة سى خليل. يجلس فيه أصحاب الكيوف. وإذا دفلت إلى يسارك واتجهت إلى يمينك فى شارع محمد على ألفيت مقهى مضى عليه أكثر من مائة عام واسمه القهوة التجارية. ولا يزال قائما إلى اليوم فى أول هذا الشارع وصاحبه الآن الحاج على. وكان منتدى للفنانين ومحلّ اجتماعهم. وكان لهم بمنزلة دار النقابة. ولا يزال يجتمع به إلى اليوم فلول من فقراء الموسيقيين من اتباع حسب الله. ذلك الموسيقى الأول. الذى كان يعمل فى فرقة موسيقى الحرس الخديو. حتى إذا خرج منها ألف أول جوقة للموسيقى فى القاهرة. تسير فى مواكب الأعراس. ونعوش الجنائز. وكانت القاهرة قبل حسب الله لا تعرف هذا الضرب من الموسيقى الموفى على الزوال اليوم. ولا تعرفه إلا فى المواكب الرسمية التى تحتفل بالخديو. وإذا أمنعت الخطو فى هذا الشارع. وجدت مقهى الكتبخانة أمام دار الكتب المصرية. حيث كان يجلس حافظ إبراهيم الشاعر فى أوقات عمله الرسمى يدخن النرجيلة. ويسمر مع موظفى الدار وغيرهم من زوّاره أمثال الشيخ علام سلامة والشاعر عبدالمطلب. والشاعر حسن القاياتى. وصديقه الظريف محمد البابلى والشيخ عبدالعزيز البشرى. وأحمد جاد نديمه وسميره. وربما طرقه للأنس به المرحوم الوجيه على راتب. وعلى كثب من هذا المقهى: كان هناك محل للشراب الحلال يسقى منقوع الشعير والزبيب والخروب والسوّبيا. وكان صاحب هذا المحل واسمه صالح الشربتلى معروف من أهل القاهرة كلها. يقصده أولاد البلد على حُمرهم الحصاوى الملجمة بلجم علائقها من الفضة التى تتذبذب على آنافها ما بين جزّار وبنَّاء ونسّاج. وكان غيرهم من أوساط الناس من الموظفين وغيرهم من الشعب يجلسون على المقاعد فى عصارى الصيف يشربون الشراب ليتبردوا أمام دكان محمد صالح الشربتلى هذا. وإذا أردنا أن نلم بظرفاء شارع خيرت ونجلس إليهم ونعابثهم، ذهبنا إلى وزارة المالية، وجعلناها على يميننا، فنلمح مقهى موشيدى حيث كان يقضى إمام العبد بعض أوقاته يشرب الزبيب فى صحبة خليل نظير الزجال وسليمان جبريل العاطل وسليمان طبيخة السكير وحسين الترزى، وهم يتنادرون ويتضاحكون بعضهم على بعض. ولو شئنا أن نلم بالأرستقراطية فى تظاهرها ونفاقها، قصدنا شارع المناخ (شارع عدلى) حيث يجلس التظاهر فى أثوابه الأنيقة وشعوره المصفوفة وبسماته المغتصبة.. يتحدث فى السباق والنساء واحتقار الشعب فى مقهى جروبى. الذى كان يمتلئ بالجمال الأجنبى من نساء ممشوقات حسان. ولم تلبث أن دهمت ثورة 1919 هذا المكان بحماسها. فكان الطلبة يجتمعون فيه ويخطبون ويوزعون منشوراتهم الملتهبة. فلم يلبث زواره من الأرستقراطيين أن انسلوا من أبراجهم الذهبية واندسوا فى غمار الشعب يهتفون لهؤلاء الشباب من الزبائن الجدد لهذا المكان الرفيع وأصبح الجميع سواء فى كره الإنجليز والتطلع إلى الاستقلال. وفى الحق أن محل جروبى هذا: كان أول داعية إلى الديمقراطية فى مصر فقد جمع الجميع على حبها والتضحية لها؛ وجلس فيه الأرستقراطى الشركسى النشأة مع ابن الفلاح الفقير، يتحاوران ويتآمران ويتحمسان لمصر، وطالما عرف الإنجليز خطر هذا المكان عليهم، فكانوا كثيرا ما يدهمونه بجنودهم وأسلحتهم للتخويف والاعتقال والقتل فى بعض الأحيان وفى مقهى (1) الشيشة فى شارع الجمهورية (شارع إبراهيم) أمام حديقة الأزبكية كان يجتمع شمّامو الكوكايين وهواة المصارعة بالكلاب: أمثال أمين الدرى وفيتاسيون. ومعهم كلابهم الضخمة المعكومة خشية العض والنهش. ومعهم محبو تدخين النرجيلة المعممة بأوراق التمباك. يضحك ماؤها فى أوانيه الزجاجية وتنطلق من أفواه ماضيها سحب من الدخان الأزرق وكان من أشهرهم: جلال الدرمالى فاتن النساء بوقامه الفارع ووسامته وحديثه وتجاربه ومعرفته بأخلاقهن.