الرئيس السيسي و«بوتين» يشهدان تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة غداً    الرئيس السيسي ونظيره الروسي يوقعان غدًا أمر شراء الوقود النووي لمحطة الضبعة    طالبة من ذوي الهمم تجري حواراً مع رئيس جامعة سوهاج    رئيس التنظيم والإدارة يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تعزيز التعاون    محافظة الجيزة تطلق قوافل بيطرية مجانية لرعاية الخيول والجمال بالمنطقة الأثرية بالأهرامات    بروتوكول تعاون بين تعليم سوهاج وشركة المياه لترشيد الاستهلاك    «مصر للطيران» توقع اتفاقية بيع وإعادة استئجار لطائرتين «أيرباص»    الوزير: "طريق مصر - تشاد" محور إستراتيجي لتعزيز التواصل بين شمال ووسط إفريقيا    وزير التموين يشارك بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر «بيروت وان»    الرئيس اللبناني: الجناح العسكري لحزب الله انتهى    محامي الشيخ عكرمة صبري: التهم الموجهة له مفبركة وجزء من ملاحقته سياسيا    الأردن يعلق على تحريض بن غفير على اعتقال أبو مازن واغتيال مسئولين فلسطينيين    "القاهرة الإخبارية": غارات إسرائيلية على المناطق الشرقية من غزة شمالي القطاع    تقارير إسبانية: هالاند أصبح هدفا رئيسيا لعملاق فرنسا    عقب تصريحات حسام حسن.. أبوريدة يوجه رسالة شديدة اللهجة    بديل صلاح.. ليفربول يبحث التعاقد مع نجم بورنموث    ضبط 87 ألف عبوة سجائر مهربة ومجهولة المصدر بمطروح    الحكم بالسجن 10 سنوات على المتهم في قضية الطفل ياسين    لا إصابات في الأعضاء.. ننشر التقرير الطبي ل«طالبة الزحليقة»    اليوم.. «ترميم» في عرضه الأول بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي    أشرف زكي يوضح موقفه من «مشاهير تيك توك» ويشيد بموهبة كزبرة    نائب وزير الصحة تستعرض إنجازات الخطة العاجلة للسكان أمام المجلس العربي للسكان والتنمية    COP30: بابا الفاتيكان يحث الدول على اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تغير المناخ    البنك الأهلي و"مصر الخير" يفتتحان مدرسة أولاد مازن للتعليم الأساسي بمطروح    الأرصاد: ارتفاع درجات الحرارة بدءا من اليوم.. والذروة يوما الجمعة والسبت    ضوابط الورقة الامتحانية بمادة اللغة الإنجليزية للشهادة الإعدادية 2026    باستثمارات مليار جنيه.. وزير الصناعة يفتتح 5 خطوط إنتاج جديدة ويتفقد 4 مصانع    لماذا تخشى إسرائيل من بيع مقاتلات F-35 للسعودية؟    السيسي يوجه بمتابعة الحالة الصحية ل عمر خيرت وتقديم كل أشكال الدعم الطبي اللازم له    قبل عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي.. محمد العدل يشكر فريق عمل فيلم بنات الباشا    إقبال كبير على معرض "رمسيس وذهب الفراعنة" باليابان.. وشاحنات دعائية تجوب طوكيو    قطر تؤكد أهمية إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط    عاجل- السيسى يوجّه بمتابعة الحالة الصحية للموسيقار عمر خيرت وتوفير كافة أوجه الرعاية الطبية    20 نوفمبر.. محاكمة عاطلين في الاتجار بالمواد المخدرة بروض الفرج    تنافس 40 مرشحاً على 4 مقاعد في انتخابات مجلس النواب بدمياط    فنزويلا تتهم أمريكا بتبرير حربها المحتملة بأكاذيب غزو العراق 2003    فريق من النيابة يعاين موقع حريق أكشاك بجوار نقابة المحامين بالإسكندرية.. صور    إصابة 2 فى حادث تصادم بين توك توك وسيارة بكفر الشيخ    وفاة الفنان السوري عدنان جارو وتشييع الجنازة وإقامة العزاء اليوم    تفاصيل تعاون محمد قماح والهولندية لاروسي فى أغنية انبساط    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 18-11-2025 في محافظة قنا    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    اعتماد تعديل تخطيط وتقسيم 5 قطع أرضي بالحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر    براتب 9000 جنيه.. «العمل» تعلن عن 105 وظائف جديدة    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    محافظ أسيوط: إطلاق مسابقة لمحات من الهند بمشاركة 1300 طالب وطالبة    وزير الصحة: دفع 39 مليون أفريقى نحو الفقر بسبب الزيادة الكارثية فى إنفاق الجيب    دراسة جديدة: جين واحد مسؤول عن بعض الأمراض النفسية    عندما يتحدث في أمر الأمة من لم يجفّ الحليب عن شفتيه ..بقلم/ حمزة الشوابكة    رئيس منطقة بني سويف عن أزمة ناشئي بيراميدز: قيد اللاعبين مسؤولية الأندية وليس لي علاقة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : استقيموا يرحمكم الله !?    الدكتورة رانيا المشاط: الذكاء الاصطناعي سيساهم في خلق وظائف جديدة    فاروق جعفر: أتمنى أن يستعين حلمي طولان باللاعبين صغار السن في كأس العرب    مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العرب 2025 والقنوات الناقلة    التوقع خلال ساعات، الترجي التونسي ينهي اتفاقه لضم يوسف المساكني (فيديو)    اتجاه لإعادة مسرحية الانتخابات لمضاعفة الغلة .. السيسي يُكذّب الداخلية ويؤكد على التزوير والرشاوى ؟!    التأهل والثأر.. ألمانيا إلى كأس العالم بسداسية في مرمى سلوفاكيا    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبل أن يسقط المغرب من الذاكرة المشرقية
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 12 - 2010

كون مشاكلنا فى المشرق أكثر من الهم على القلب، لا يغفر لنا أن نسقط المغرب من حسابنا، ونتركه نهبا للطامعين والكائدين والمتفرنسين.
(1)
أتحدث عن دول المغرب، وليس المملكة المغربية وحدها التى أمضيت فيها أياما خلال الأسبوع الماضى كانت مليئة بالحوار والدهشة، مما أقنعنى بأن المغرب يزداد بعدا وعزلة عن المشرق، وأن ذلك حين يتم تحت أعيننا وبرضا أو عدم اكتراث من جانبنا، فإننا نصبح بغير حاجة إلى أعداء يتآمرون لإحداثه.
فتحت جريدة الصباح فوقعت عيناى على العنوان التالى: المغرب والجزائر من يقرع طبول الحرب؟ فتحت صحيفة أخرى فصادفت حوارا لأحد قادة الحزب الاشتراكى الموحد تحدثت عناوينه عن أن الجزائر لن تعرف الاستقرار فى حالة الحرب على المغرب، وفى صحيفة ثالثة قرأت بيانا لحزب الحركة الشعبية دعا إلى «استبدال خيار السلم والمهادنة والدبلوماسية مع الجزائر بخيار التصدى، وحتى المواجهة العسكرية إذا لزم الأمر».
إلى جانب هذه العناوين وجدت فى الصحف المغربية أخبارا أخرى عن صفقات سلاح بقيمة تجاوزت المليارى دولار عقدتها الجزائر مع روسيا، وعن صراع فى الجزائر بين معسكرين، أحدها يحبذ شراء السلاح الروسى، والثانى منحاز أكثر إلى شركات السلاح الفرنسى.
وكان واضحا من الإشارات أن ذلك السلاح يدخل ضمن الاستعدادات للمواجهة العسكرية، التى تتحدث عنها الصحف. بل قرأت أيضا أن شحنات من ذلك السلاح أرسلت عبر الحدود إلى جبهة البوليساريو، التى تساندها الجزائر وتدعمها.
كان ذلك السيل من الأخبار مفاجئا لى مرتين، مرة لأنه حاصل وواصل إلى تلك الدرجة المفجعة من الاحتشاد والتأهب.
ومرة ثانية لأننا لا نجد له صدى فى المشرق، لا فى وسائل إعلامنا ولا فى دوائر «القمة»، ولا حتى فى إطار جامعة الدول العربية التى يفترض أن يسارع أمينها العام إلى زيارة البلدين، لإطفاء مقدمات الحريق قبل أن يتفاقم.
وجدت أن مظاهر البؤس السياسى واحدة فى المشرق والمغرب. فعندنا تحاصر مصر غزة وتخاصم دمشق، فى حين تظل أبواب القاهرة مفتوحة أمام الإسرائيليين.
وعندهم تمتد الجسور بين الرباط وتل أبيب ويتدفق السياح الإسرائيليون على المغرب، فى حين تغلق الحدود على الجزائر منذ نحو عشر سنوات، ولا يستطيع الشقيق أن يعبر خط الحدود فى أى من البلدين ليلتقى شقيقه فى البلد الآخر.
سألت، فانتقد الجميع موقف الجزائر من دعم جبهة البوليساريو الداعية إلى الانفصال عن التراب المغربى، لكن الآراء اختلفت فى تشخيص الأسباب وراء ذلك، فمن قائل إن هناك تطلعات إلى ثروات منطقة الصحراء.
وقائل إن الجزائر التى تطل على البحر الأبيض تريد منفذا لها إلى المحيط الأطلسى، ولا سبيل إلى ذلك إلا باختراق منطقة الصحراء، وقائل إن التنازع بين البلدين ليس حول الصحراء فحسب، ولكنه أيضا حول زعامة منطقة المغرب العربى، كما أن الفرنسيين والأمريكيين ليسوا بعيدين عنه.
(2)
فى حين كانت الصحف تتحدث عن الأزمة مع الجزائر، وجدت البرلمان المغربى هائجا على إسبانيا ومتهما وسائل إعلامها بالتزوير والتدليس، بل وارتفعت فيه أصوات داعية إلى قطع العلاقات مع مدريد.
كنت أعرف أن هناك مشكلة معلقة بين البلدين لم تجد حلا منذ أكثر من خمسة قرون، أعنى بذلك مشكلة سبتة ومليلية اللتين احتلتهما إسبانيا وضمتهما إلى ترابها، ولا تزال ترفض الجلاء عنهما رغم تعلق أهلهما المغاربة بوطنهم الأم. وهى مشكلة تكاد تماثل قضية الجزر الثلاث، التى تسيطر عليها إيران.
والفرق أن المشرق بحكوماته ومؤسساته مشغول بالجزر الثلاث طوال الوقت، ولم يأت على ذكر سبتة ومليلية فى أى وقت، حتى أصبح المغرب يقف وحيدا أمام إسبانيا، ولم يستطع أن يتوصل إلى حل للإشكال حتى الآن.
لم تكن مشكلة البلدتين هى موضوع الأزمة، وإنما كانتا فى خلفيتها ممثلة فى حالة التوتر والمرارة وسوء الظن. وفهمت أن الأمر متعلق بموضوع الصحراء، ذلك أن هجوما من بعض الصحراويين الغاضبين وقع على بعض رجال الشرطة المغاربة فى منطقة «العيون» أسفر عن مقتل 11 شخصا من عناصر الشرطة.
ولكن بعض الصحف الإسبانية قلبت الآية، ونشرت قصة مفبركة عن قمع الشرطة المغربية للصحراويين، واستشهدت فى ذلك بصورتين تبرزان قسوة وبشاعة القمع الذى مارسته الشرطة. وأحدثت التقارير التى نشرت بهذا الخصوص أثرها السريع فى أوساط الإعلام الإسبانى وفى موقف البرلمان الأوروبى، حيث اتجه الرأى الساند إلى إدانة المغرب والتنديد بسلوكه «الوحشى» واضطهاده للصحراويين.
وتبين فيما بعد أن الصور مزورة، وأن واحدة منها كانت لجريمة قتل وقعت فى الدار البيضاء، والثانية كانت لأطفال من ضحايا الهجوم الإسرائيلى على غزة. ولم يكن لأى منهما صلة بأحداث الصحراء أو ما جرى فى العيون.
وحين انفضح الأمر على ذلك النحو ثارت ثائرة المغاربة ونواب البرلمان، واحتجت الحكومة، لأنهم اعتبروا اختيار تلك الصور والتنديد بالمغرب بناء عليها تعبيرا عن سوء النية وتعمد الإساءة والتشهير.
بعد يوم من وصولى إلى فاس تابعت على شاشة التليفريون مظاهرة هائلة خرجت إلى شوارع الدار البيضاء، قيل إنها ضمت ثلاثة ملايين شخص، وشاركت فيها كل القوى السياسية، وقد رفعت شعارات الاحتجاج والإدانة «ضد تعنت الحزب الشعبى الإسبانى اليمينى، الذى تعمد أسلوب التلفيق والتزوير والكذب ضد أهم القضايا الوطنية فى الساحة المغربية»، كما ذكرت صحيفة الشروق المغربية فى إشارتها إلى قضية الصحراء.
كانت المظاهرة حاشدة حقا، وان لم أجد لها ذكرا فى الصحف المصرية، لكن نجاحها لم يشف غليل بعض المثقفين، فتعددت كتاباتهم مثيرة أسئلة من قبيل: ماذا بعدها؟ وهل يكفى الغضب لحل مشكلة الصحراء؟ وهل يتطلب الأمر مقاربة من نوع آخر تحل الإشكال مع المغرب والجزائر؟ وحدهم كانوا يتساءلون، ووحدهم كانوا يجيبون. لكن حواراتهم ظلت محكومة بحدود المغرب ولم يكن لها صدى يذكر فى فضاء المشرق.
(3)
فى كل مكان ذهبت إليه كنت أرجو ممن التقيهم أن يحدثونى باللغة العربية.
حدث ذلك فى الفندق والمطعم والسوق والتاكسى وصولا إلى شرطة المرور والحمالين، الذين يتزاحمون فى المطار. ولم يكن ذلك جديدا علىّ لأن فرسنة اللسان المغاربى كانت أهم إنجاز حققه الاحتلال، الذى سحب عساكره وترك لغته لكى تبقى على الاحتلال وتكرسه.
وكانت المفارقة أن اللغة الفرنسية منيت بهزيمة نسبية،، وصارت تتراجع فى مواطنها «كما تحدثت لوموند دبلوماتيك فى عددها الصادر فى أول ديسمبر الحالى» إلا أنها ما زالت ثابتة القدم ومهيمنة فى المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا على الأقل، المتغير الذى لاحظته هذه المرة فى المغرب تمثل فى أمرين، الأول أن الحديث بالفرنسية صار وباء ولم يعد مجرد مرض عارض، والثانى أن الثقافة الأمازيغية أصبحت تحتل موقعا متقدما فى لغة الخطاب العام. والأمازيغية لهجة البربر التى كانت فى الأصل منطوقة ثم تحولت إلى مكتوبة، وأصبحت هناك قناة تليفزيونية ونشرات إخبارية ناطقة بها، وتولى رعاية هذا المد المعهد الملكى للثقافة الأمازيغية. وهو أمر لا غضاضة فيه طالما أن 30٪ من ذوى الأصول البربرية فى الجمهور المغربى لا يتكلمون العربية.
إلا أن المشكلة أنه فى حين تتقدم الفرنسية والأمازيغية فإن التراجع مستمر فى حظوظ اللغة العربية حتى ظهرت جماعات دعت إلى اعتماد الدارجة المغربية محل العربية الفصحى، واعتبارها لغة وطنية بدلا من الفصحى.
المدافعون عن العربية الفصحى يقاومون ما يسمونه «تسونامى» الفرنسية. وقد نددوا بوزير التعليم حين تحدث فى مؤتمر صحفى باللغة الفرنسية.
وأثاروا ضجة فى وسائل الإعلام حين وجدوا أن الكلمات والخطب، التى ألقيت فى عيد الاستقلال كانت كلها بالفرنسية، واعتبروا أن تلك المفارقة دليل على أن استقلال المغرب لا يزال منقوصا.
وسمعت من بعضهم أن الدوائر الرسمية لا تزال منحازة إلى الفرنسية فى مكاتباتها، حتى إن نشرات الأخبار والبرامج الحية تقدم باللغة الفرنسية فى أوقات الذروة. أما النشرات والبرامج العربية فيتم بثها فى الأوقات، التى يضعف الإقبال فيها على المشاهدة.
حين ناقشت الأمر مع من أعرف من المثقفين المغاربة أرتأى أكثرهم أن المغرب العربى كله يواجه أزمة هوية، وأن رياح التغريب والتفتيت تعصف به بقوة. وقالوا إن انصراف المشرق واستغراقه فى همومه ومشاكله ترك المجال واسعا لانطلاق كل من يريد أن يعبث بمقدرات المغرب وهويته.
سألت عن المقصود بهولاء، فقال أكثر من واحد إن أهم اللاعبين فى المغرب العربى الآن هم الأمريكيون والفرنسيون والإسرائيليون، والعرب يأتون كأفراد سائحين للصيد أو المتعة أو الالتقاء بالسحرة وقراء الكف والمشعوذين.
وانتقد بعضهم موقف الإعلام العربى، قائلين إن: الإعلاميين يفضلون الذهاب إلى دول الخليج والنفط ولا يجدون فى دول المغرب ما يجذبهم أو يغريهم.
وبسبب هذا الغياب فإن منطقة المغرب أصبحت فى إدراك المشارقة مهرجانات فنية وغنائية وفرقا لكرة القدم، ومشاحنات ومكايدات بين المشجعين لهؤلاء وهؤلاء، أما المجتمعات بتحدياتها ومشاكلها وحراكها. فهى بعيدة عن إدراك المشارقة.
قلت إن تراخى المشارقة فى متابعة ما يجرى فى المغرب قصور لا مفر من الاعتراف به، لكننا يجب أن نقر أيضا بأن ثمة ضيقا فى دول المغرب بحرية الإعلام. وهو ما تمثل فى إغلاق مكاتب قناة الجزيرة فى تونس والمغرب والجزائر.
رد واحد قائلا إن منظمات المجتمع المدنى احتجت وعارضت إغلاق مكاتب الجزيرة. وهو ما لا ندافع بدورنا عنه. وما دمت قد ذكرت الجزيرة فقد لاحظنا أن الحوار الأخير، الذى أجرته القناة مع الأستاذ محمد حسنين هيكل حين تطرق إلى أوضاع العالم العربى، فإنه لم يشر بكلمة إلى بلاد المغرب، حتى المذيع محمد كريشان، وهو تونسى، فاته أن يسأله عنها، الأمر الذى جاء شاهدا على أن المغرب لم يعد حاضرا حتى فى بال كبار المثقفين المشارقة.
(4)
بقيت عندى كلمتان. الأولى أن للصورة فى المغرب وجها آخر لا ينبغى تجاهله. ذلك أن التحديات التى أشرت إليها إذا كان قد استسلم لها البعض، خصوصا فيما تعلق بالتغريب والتطبيع ، إلا أن هناك أيضا من تصدى بشجاعة ونبل مشهودين.
ذلك أن المغرب فئات ومنظمات ما زالت قابضة على الجمر، ومستبسلة فى الدفاع عن هوية المغرب ورافضة التغريب والتطبيع. لكن تلك الفئات التى لا تملك إلا رفع الصوت والإعراب عن الغضب، تحتاج إلى دعم ومساندة نظرائها فى المشرق، خصوصا المثقفين المهجوسين بهموم الأمة والحادبين على مصيرها.
الكلمة الثانية تتعلق بالمناسبة التى أتاحت لى هذه الإطلالة على المشهد المغربى. ذلك أننى ذهبت مدعوا إلى المؤتمر السنوى لمنتدى فاس حول حوار الحضارات والتنوع الثقافى، الذى شارك فيه مثقفون وخبراء من العالم العربى وأوروبا وآسيا والولايات المتحدة.
ومما قلته فى المناقشات إن ثمة عملا يجب أن ننجزه قبل أن ننخرط فى الحوار مع الحضارات الأخرى. يتعلق بحوارنا الداخلى فى الساحتين الوطنية والعربية.
وضربت مثلا بالقطيعة بين المغرب والجزائر. التى لا نستطيع ولا ينبغى أن نتجاهلها وننشغل بالحضارات الأخرى. قلت أيضا إن مشكلة التنوع الثقافى أصبحت مثارة فى بعض الدول الأوروبية بأكثر منها عندنا.
ونموذج فرنسا وألمانيا وسويسرا وهولندا دال على ضيق الصدر بالآخر تتسع دوائره فى الأوساط الأوروبية، التى دأبت دولها على أن تلقننا دروسا فى أهمية القبول بالآخر.
لم يكن ذلك أهم ما قيل فى المنتدى بطبيعة الحال، لأنه تطرق إلى أمور كثيرة أرجو أن يتاح لى أن أتطرق إليها فى مرة لاحقة بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.