كشف تسريب وثائق المخابرات المركزية الأمريكية وكذلك وزارة الدفاع، وأخيرا وزارة الخارجية الأمريكية، الكثيرَ من التساؤلات والمخاوف من تفشي أسرار هذه التعاملات لأنها ببساطة تحوي أسرارا أمريكية وأسرار العديد من الدول الأخرى حول العالم، والتي لا يجب أن يطلع عليها العامة لأنها تؤثر في سياسات حكومات ودول. وانطلقت التخمينات في العالم حول هذا العملاق الجديد الذي لا يزال إلى اليوم يطلب تبرعات من العديد من الأشخاص لكي يستمر في مسيرته الكبيرة التي جعلت منه في أيام معدودة، أشهر مرجع في العالم لأنه ببساطة شديدة كشف ما لم يستطع أكبر جهاز مخابرات في العالم أن يكشفه من معلومات. ويعتبر موقع ويكيليكس -كما يقول القائمون عليه- موقعا للخدمة العامة مخصصا لحماية الأشخاص الذين يكشفون الفضائح والأسرار التي تنال من المؤسسات أو الحكومات الفاسدة، وتكشف كل الانتهاكات التي تمس حقوق الإنسان أينما وكيفما كانت. الاسم جاء من دمج كلمة "ويكي" والتي تعني الباص المتنقل مثل المكوك من وإلى مكان معين، وكلمة "ليكس" وتعني بالإنجليزية "التسريبات". تم تأسيس الموقع في يوليو 2007 وبدأ منذ ذلك الحين بالعمل على نشر المعلومات، وخوض الصراعات والمعارك القضائية والسياسية من أجل حماية المبادئ التي قام عليها، وأولها "مصداقية وشفافية المعلومات والوثائق التاريخية وحق الناس في خلق تاريخ جديد". وانطلق الموقع بداية من خلال حوار بين مجموعة من الناشطين على الإنترنت من أنحاء متفرقة من العالم مدفوعين بحرصهم على احترام وحماية حقوق الإنسان ومعاناته، بدءا من قلة توفر الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والقضايا الأساسية الأخرى.. ومن هذا المنطلق رأى القائمون على الموقع أن أفضل طريقة لوقف هذه الانتهاكات هو كشفها وتسليط الضوء عليها. وتعود أهمية الموقع في كشف الأسرار بالعديد من القضايا ذات البعد الإنساني، منها على سبيل المثال -كما تقول الصفحة الرئيسية للموقع- الأعداد الحقيقية للمصابين بمرض الملاريا الذي يقتل في أفريقيا على سبيل المثال مائة شخص كل ساعة. وأكد"الأسترالي "جوليان أسانج"، أحد مؤسسي موقع ويكيليكس، أن الموقع في أغلبية مصادره يعتمد على أشخاص يوفرون له المعلومات اللازمة من خلال الوثائق التي يكشفونها، ومن أجل حماية مصادر المعلومات يتبع إجراءات معينة منها وسائل متطورة في التشفير تمنع أي طرف من الحصول على معلومات تكشف المصدر الذي وفر تلك التسريبات. ويتم تلقى المعلومات إما شخصيا أو عبر البريد كما يحظى ويكيليكس بشبكة من المحامين وناشطين آخرين للدفاع عن المواد المنشورة ومصادرها التي لا يمكن -متى نشرت على صفحة الموقع- مراقبتها أو منعها. وسبق ل"ويكيليكس" أن حصل على حكم قضائي من المحكمة العليا بالولايات المتحدة التي برأته من أي مخالفة، عندما نشر ما بات يعرف باسم أوراق البنتاجون التي كشفت العديد من الأسرار حول حرب فيتنام.. بيد أن الموقع وفي الوقت ذاته لا يطرح على قارئيه آمالا مبالغا فيها، إذ يعترف بأن ما يقوم من نشر لمعلومات هامة ودقيقة قد لا تؤدي في عدة مناسبات إلى تحويل المسؤولين إلى القضاء ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من أخطاء، فضلا عن أن تقدير ذلك يعود نهاية المطاف للقضاء وليس الإعلام.. لكن هذا لا يمنع -كما يقول القائمون على ويكيليكس- الصحفيين والناشطين والمعنيين من استخدام معلومات ينشرها الموقع للبحث والتقصي للوصول إلى حقيقة الأمر، وبالتالي يمكن لاحقا تحويل المسألة إلى قضية ينظر فيها القضاء. وقد خلق هذا الواقع إشكاليات كبيرة بالنسبة لويكيليكس لجهة حجبه بالعديد من الدول وعلى رأسها الصين، لكنه نجح في وضع عناوين بديلة يمكن من خلالها الوصول إلى صفحته وقراءة محتوياتها بفضل إمكانيات التشفير التي يوظفها خبراء لصالح منع حجب الموقع. ويتم التدقيق في الوثائق والمستندات باستخدام طرق علمية متطورة للتأكد من صحتها وعدم تزويرها، لكن القائمين على الموقع يقرون بأن هذا لا يعني أن التزوير قد لا يجد طريقه إلى بعض الوثائق. وانطلاقا من هذه المقولة، يرى أصحاب ويكيليكس أن أفضل طريقة للتمييز بين المزور والحقيقي لا يتمثل بالخبراء فقط بل بعرض المعلومات على الناس وتحديدا المعنيين مباشرة بالأمر. وتتم عملية النشر بطريقة بسيطة حيث لا يحتاج الشخص سوى تحميل الوثيقة التي يريد عرضها وتحديد اللغة والبلد ومنشأ الوثيقة قبل أن تذهب هذه المعلومات لتقويم من قبل خبراء متخصصين، وتتوفر فيها شروط النشر المطلوبة. وعند حصولها على الضوء الأخضر، يتم توزيع الوثيقة على مزودات خدمة احتياطية داعمة وكشفت مصادر من ويكليكس على الموقع أنهم لديهم العديد من المصادر العسكرية، وأنهم لا يكشفون عن اسم المصدر على الإطلاق، وقد حاول العديد من الصحفيين التحقق من اسم المصدر، ولكن ويكليكس لا يهتمون بذلك على الإطلاق، فقط يهتمون بالوثائق ويتحققون منها ولا يهتمون من أين جاءت، ولكن طبقا لما قالوه يمكنهم التخمين من أنها ربما جاءت من مكان ما في الجيش الأميركي أو الحكومة الأميركية، من شخص من الساخطين. وكانت الإدارة الأمريكية قد طلبت من المؤسسات الحكومية القيام بإجراء مراجعة فورية لتأمين معلوماتها السرية، وذلك في أعقاب قيام موقع "ويكيليكس" الإلكتروني بنشر معلومات سرية أمريكية. وقد أرسل مكتب الإدارة والميزانية مذكرة إلى الوكالات الحكومية طلب فيها تسجيل فرق لتقييم الوضع الأمني للتأكد من عدم إتاحة الفرصة لموظفين للاطلاع على معلومات سرية لا يحتاجون إليها لتأدية عملهم. وقال مدير المكتب جاكوب إن إخفاق الوكالات الحكومية في تأمين معلوماتها السرية أمر غير مقبول ولا يمكن السكوت عليه. وكان جوليان أسينج مؤسس موقع ويكيليكس على شبكة الإنترنت قد صرح بأنه قد يتقدم بطلب للحصول على اللجوء إلى سويسرا. وقال أسينج أنه يتعرض لضغوط متزايدة منذ كشف النقاب عن مئات من الوثائق العسكرية السرية الأمريكية وأنه يفكر جديا في طلب اللجوء إلى سويسرا طلبا للحماية بما أن لها تاريخا طويلا في مجال الاستقلالية. يذكر أن السويد قد رفضت في الشهر الماضي منح أسينج تصريحا بالإقامة على أراضيها أو الاستفادة من قوانين تلك الدولة التي تكفل الحماية لنشاط أقرانه.