شيخ الأزهر: ما يحدث في غزة جرائم وحشية لم نتخيل وقوعها حتى في القرون الوسطى    مدبولي: مراجعة صندوق النقد ستتم خلال أيام    باكستان تعطي الضوء الأخضر لجيشها للرد على الغارات الهندية    روسيا وأوكرانيا تتبادلان هجمات جوية على العاصمتين    ترامب يرفض خفض الرسوم الجمركية على الصين كوسيلة للضغط من أجل المفاوضات    انطلاق مباراة بي إس جي ضد أرسنال في دوري أبطال أوروبا    صاروخية رويز تمنح باريس هدف التقدم أمام آرسنال    السيطرة على حريق بمحل دواجن في مدينة بنها    بإطلالة طبيعية.. مي كساب تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها    غادة إبراهيم تشن هجومًا لاذعًا على بوسي شلبي بعد نفي ابنائه استمرار زواجه منها    تشغيل وحدة علاجية لخدمة مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا بمستشفى السنبلاوين العام بالدقهلية (صور)    بمشاركة حمدي فتحي.. الوكرة يسقط أمام أم صلال بكأس أمير قطر    غموض موقف مدافع مانشستر يونايتد من لقاء بلباو    مدير هيئة نظافة القاهرة: 20 ألف طن مخلفات تخرج من العاصمة يوميا    حريق هائل في كسارة بلاستيك بالغربية - صور    الآلاف يشيعون جثمان الطفل ضحية الطلق الناري من زملائه في كفر الشيخ    البغدادي تستعرض مع وفد جمهورية تشيلي استراتيجية تمكين المرأة    وزير الخارجية الألماني الجديد: على كل من في موسكو أن يعمل حسابا لنا    إيهاب فهمي: محمد سامي موهبة كبيرة.. ولا يعامل مي عمر معاملة خاصة    بطل قصة حياتي.. روجينا تتغزل في زوجها أشرف زكي بحفل زفاف رنا رئيس    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يسدل الستار عن دورته التاسعة بإعلان الجوائز    أمين الفتوى: مفهوم الحجاب يشمل الرجل وليس مقصورًا على المرأة فقط    محافظ المنيا يوجه بتسريع وتيرة العمل في ملف التصالح وتقنين أراضي الدولة    أفضل من القهوة والشاي- 4 مشروبات صباحية تنقص الوزن    رئيس جامعة مطروح يشيد بالمعرض التطبيقي لطالبات كلية التربية للطفولة المبكرة    البابا تواضروس: نحن مواطنون مصريون نعيش مع إخوتنا المسلمين فى وطن واحد    الآلاف يشيعون جثمان الطفل "أدهم" ضحية أصدقائه في كفر الشيخ - فيديو وصور    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    أوس أوس يطلب من جمهوره الدعاء لوالدته: «ادعوا لها تقوم بالسلامة»    «منهم الحمل والأسد».. 4 أبراج تتحدث قبل أن تفكر وتندم    وزير التموين يكشف تفاصيل عن تطبيق رادار الأسعار    أبطال «نجوم الساحل» يكشفون كواليس العمل مع منى الشاذلي..غدا    «الزيت يكفي 3.7 شهر».. وزير التموين: الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية آمن    مبيعات أجنبية تهبط بمؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم.. فما الأسباب؟    عمر طلعت مصطفى: ننسق مع وزارة الشباب والرياضة للاستفادة من الفعاليات الكبيرة للترويج لسياحة الجولف    جوندوجان يأمل في بداية مسيرته التدريبية كمساعد لجوارديولا    جامعة كفر الشيخ تشارك في منتدى «اسمع واتكلم» بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    محافظ قنا يشارك في احتفالية مستقبل وطن بعيد العمال ويشيد بدورهم في مسيرة التنمية    خلافات مالية تشعل مشاجرة بين مجموعة من الأشخاص بالوراق    رئيس "أزهرية الإسماعيلية" يشهد امتحانات النقل الإعدادى والابتدائى    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    هل يجوز أن أصلي الفريضة خلف شخص يصلي السنة؟.. المفتي السابق يوضح    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    حزنا على زواج عمتها.. طالبة تنهي حياتها شنقا في قنا    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    بدء اجتماع "محلية النواب" لمناقشة عدد من طلبات الإحاطة    «مستقبل التربية واعداد المعلم» في مؤتمر بجامعة جنوب الوادي    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    أحمد سليمان: ما حدث في أزمة القمة أساء لسمعة الكرة المصرية    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداعاً موقع ويكيليكس مرحباً عالم ويكيليكس

لا شيء أكثر إثارة في عقول الناس مثل سر ينكشف.. حتي الأديان في صورتها البدائية الأولي كانت محاولات اجتهادية لكشف الأسرار الكونية الغامضة.. لهذا كانت الضجة- التي أثارتها الوثائق السرية المسربة من موقع ويكيليكس هذا العام-كبيرة لدرجة اهتزت لها حكومات بعض الدول.. مؤخراً وبناء علي ضغوط الحكومة الأمريكية تم إغلاق الموقع الرئيسي WikiLeaks.org والذي ظل مددا للباحثين عن الأسرار لمدة أربع سنوات كاملة، لهذا فسندخل عام 2011 بدون موقع الويكيليكس الذي صممه «جوليان أسانج» بيده.. فهل تكون هذه نهاية معركة المعلومات ويخفت صوت التسريبات في العام الجديد، أم أن للهاكر السابق قولاً آخر ؟
- عالم لا يمكن وضعه في الأصفاد
في فبراير 1996 قام الناشط السياسي «جون بيري بارلو» بشيء لم يفهمه أغلب متابعي الإنترنت- وما أقلهم وقتها- بينما اعتبره الذين فهمه مفرطاً في الخيال الرومانسي.. جون بارلو تحدث من دافوس السويسرية وأعلن ما أسماه «إعلان استقلال فضاء الإنترنت الافتراضي»، وهو يبدأه بهذه الكلمات:
«يا حكومات العالم الصناعية، يا عمالقة اللحم والصلب.. أنا آت من الفضاء الافتراضي، الموطن الجديد للعقل.. وبالنيابة عن المستقبل أطلب منكم يا كيانات الماضي أن تتركونا وشأننا، فليس مرحباً بكم بيننا، وليس لديكم سيادة علي المكان الذي نجتمع فيه».
الإعلان يوضح مدي استحالة السيطرة علي فضاء الإنترنت التخيلي من قبل أي حكومة لأنها لم تحصل علي «موافقة المحكومين»- الشرط الذي تحتاجه الحكومة لتحصل علي شرعيتها - وبالتالي لا يحق لها إرساء أي قوانين.
خارج حدود أي دولة فمن حقها أن تطور العقد الاجتماعي الخاص بها والذي يمكن «أبناءها» من التعامل مع المشكلات التي تواجههم بناء علي قواعدهم هم .
ثم يختتم ب: «سننشئ حضارة للأفكار علي الإنترنت، لعلها تكون أكثر إنسانية وعدلاً من العالم الذي صنعته حكوماتكم».
في ذلك الوقت لم يفهم أحد عم يتحدث هذا الرجل الحالم بالضبط؟!.. ولم ينتبه الكثيرون إلي مغزي أن يخرج إعلان مثل هذا من مدينة دافوس السويسرية،لكن اليوم وضح للكل أن هذا الكلام الرومانسي القديم لم يكن سوي الأكمة، وأننا الآن بعد 15 عاماً بدأنا نواجه ما وراءها.
- «روبن هوود» تحت التمرين
في أكتوبر 2006 قام الأسترالي جوليان أسانج (صحفي ومبرمج كمبيوتر وناشط علي الإنترنت) بإنشاء موقع إلكتروني أسماه ويكيليكس (ترجمتها تسريبات الويكي، وسيتم توضيح المعني المقصود لاحقاً) وهدفه كان نشر وثائق أصلية مع التعهد بحماية الأشخاص الذين يكشفون الفضائح والأسرار التي تنال من المؤسسات أو الحكومات الفاسدة، وتكشف كل الانتهاكات التي تمس حقوق الإنسان أينما كان.. منذ ذلك الحين قام الموقع بالعمل علي نشر المعلومات، وخوض الصراعات والمعارك القضائية والسياسية من أجل صدق وشفافية المعلومات والوثائق التاريخية وحق الشعوب في كل مكان في الإطلاع عليها.
هكذا بدأ أسانج في 2006 كأحد أبطال رادبوري أو جوروج اورويل الذين يواجهون الطاغية الشمولي العالمي ذا القبضة المكارثية الحديدية، أو كروبن هوود رقمي يأخذ الخبر من مصادر مجهولة لدي الأغنياء ليمنحه إلي عقول الفقراء الجائعة للمعلومات، لهذا فهو يصف نفسه دائماً بأنه «صحفي» في المقام الأول، وإن كان يعتب علي الإعلام الحالي أنه لا يقوم بدوره كما يجب لكشف الحقائق للجماهير، ويري أنه من العار أن يستطيع فريق مكون من خمسة أشخاص «فريق العمل الأساسي للموقع، بالإضافة إلي 800 متطوع حول العالم» من أن يكشف للعالم كل تلك المعلومات التي عجزت الصحافة العالمية عن كشف ربعها علي مدار عشرات السنين.
منذ ذلك التاريخ حافظ الموقع علي توجهه الأساسي، وقام بنشر العديد والعديد من الوثائق السرية المتعلقة بالكثير من الفضائح الدولية واستطاع تغيير حكومات ثلاث دول (كينيا وتنزانيا والدنمارك).
- عاشور الإنترنت
ميزة «جوليان أسانج» ومصدر قوته الحقيقي هو أنه يطلب العون دائماً من أبناء عالمه ثنائي الشحنة.. فأي شخص عبر العالم يمتلك حاسباً خادماً (سيرفر) يستطيع مساعدته باستضافة نسخة من الموقع علي هذا السيرفر، وهو يسهل لك هذه الخدمة لأقصي درجة.. ولو ترغب في نشر نسخة من الوثائق المسربة علي مدونتك الشخصية ، أو تقوم بعمل Seeding لها علي قرصك الصلب (أي أن تخزن المعلومات علي جهازك لكل من يحتاجها حول العالم) فأسانج يرحب .. وإن كنت مراهقاً تريد التبرع بعشرين دولاراً من مصروفك الشخصي فالموقع يطلب منك ذلك بشكل مباشر.. مصدر قوة هذا الهاكر السابق هو أنه - علي طريقة عاشور الناجي- يحتمي في الحرافيش الذين خرج منهم.. ومن هنا جاء اختيار بادئه (ويكي) لاسم الموقع، لأن الويكي - لفظ من لغة هاواي تعني السريع - هي المواقع الإلكترونية التي تمنح الزائر حرية إضافة وتعديل محتواها بنفسه، أي أنها تجعل المتصفح يشعر بأنه في بيته وأن عليه جانباً من المسئولية.
لهذا جاء هجوم القراصنة علي مواقع فيزا وماستر كارد وباي بال «الذين امتنعوا عن توصيل التبرعات لموقع ويكيليكس بناء علي ضغوط أمريكية»، وبعض مواقع الحكومتين البريطانية والسويدية لتوضيح غضب هؤلاء الحرافيش علي الفتوات التقليديين، الذين يرغبون في حجب التوت عنهم .. خاصة أن الهجوم الأخير الذي تم علي موقع باي بال للدفع الإلكتروني شهد تغيرا نوعيا (ملفتا) هو أن الأغلب الأعم من الثلاثة آلاف مقتحم لم يكونوا هاكرز علي الإطلاق، بل مستخدمو كمبيوتر تقليديون متصلون ببرنامج خاص يضمن تزامن الهجمات وتنسيقها، هذا جعل الأمر أشبه بمظاهرة احتجاج عامة وليس حفنة من الهاكرز يمارسون فنهم السري.
لكن هذا لا يعني أنه يرفض مساعدة الأسماء الكبيرة، وآخرهم المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور (الحائز علي جائزة الأوسكار عن فيلم فهرنهايت 9/11) والذي تبرع بعشرين ألف دولار من ماله الخاص للمساهمة في دفع كفالة أسانج وهو يبرر ذلك بقوله : «لو كان موقع مثل ويكيليكس موجودا عام 2002 لما استطاعت الإدارة الأمريكية تأمين المعلومات المضللة التي روجوها للدخول إلي الحرب في العراق.
- استضافة آمنة
إذا كنت تملك أسراراً يرغب العالم كله في الحصول عليها، فأين تخفيها لتشعر بالأمان؟ بعض مقدمي خدمة الإنترنت يتفاخرون أمام عملائهم بأنهم يقدمون خدمة (ضد الرصاص).. لكن جوليان أسانج لم يرض لويكيليكس بمستوي أقل من (ضد القنابل الذرية)!! فبعد هجمات قرصنية كثيرة علي موقعه أغلبها كانت بتحفيز من الحكومة الصينية علي حد قوله، وبعد أن أجبرت الحكومة الأمريكية شركة أمازون الأمريكية للاستضافة علي قطع خدمة الإنترنت عن الموقع في الأول من ديسمبر لأنه يضر بالمصالح الأمريكية، قام أسانج بنقل أغلب سيرفرات ويكيليكس إلي شركة أخري هي بنهوف السويدية، والتي تمتلك أكثر مراكز المعلومات تأميناً في العالم.. المركز المعروف باسم بيونين يقع داخل تل صخري بالقرب من ستوكهولم وعلي عمق 30 متراً تحت سطح الأرض، وقد صمم في السبعينيات ليكون مخبأ يحمي من الهجمات النووية، وليس له إلا مدخل واحد تحميه أبواب معدنية محصنة سمكها نصف متر، ولا يعمل به سوي 15 فرداً فقط لزيادة احتياطات الأمن، ويقال إن مولدات الكهرياء الخاصة به تعود إلي غواصات ألمانية غارقة.
اختيار أسانج لشركة بنهوف لم يأت من فراغ، لأن سياسة الشركة أن تستضيف المواقع مهما كانت دون النظر لمحتواها، ولهذا فهي تستضيف أيضاً موقع piratebay المتخصص في التورنت (وهي عملية التنزيل غير القانونية للأفلام والأغاني بشكل مجاني) وتستضيف أيضاً موقع «مركز القوقاز» وهو أحد الأبواق الإعلامية للمقاومة الشيشانية المسلحة ضد روسيا.. كل هذه المواقع المثيرة للجدل تجد الملجأ الآمن لدي قوانين حماية الخصوصية السويدية تمنع أي سلطة تنفيذية في العالم من استجواب أي وسيلة إعلامية عن مصادرها مهما كان نوع الأخبار التي تنشرها .. وفي هذا الشأن يقول «جون كارلونج» أحد المسئولين التنفيذيين في الشركة: «نحن فخورون باستضافة هذه المواقع .. الإنترنت يجب أن تكون بيئة حرة تماما تمارس فيها حرية التعبير علي أقصي نطاق.. دور مقدم خدمة الإنترنت أن يكون أداة تقنية محايدة جدا، وليس أداة للحكم علي العملاء».
الولايات المتحدة عندما أغلقت الموقع في محاولة لمنع تأثير الويكيليكس كانت كمن يحاول إيقاف تسرب الماء من زجاجة مليئة بالثقوب عن طريق غلق فوهتها بإحكام!! والرجل كان كريما معهم ووضع قائمة واضحة بحوالي 1500 موقع توأم (Mirror ) لعل أصابع أمريكا المذعورة تستطيع الوصول لها لسد الثقوب في ثوب أسرارها الذي فضه أسانج.
- كابل جيت
في 28 نوفمبر 2010 بدأ الموقع في إطلاق أكبر تسريبات منذ إنشائه .. حيث حصل موقع ويكيليكس علي حوالي ربع مليون وثيقة تشمل برقيات ومذكرات دبلوماسية سرية تضم مراسلات بين السفارات الأمريكية حول العالم ووزارة الخارجية.
وهي القضية التي أصبح الكل يعرفها الآن وسببت حرجا شديدا للولايات المتحدة الأمريكية أمام حلفائها حول العالم.. المشتبه به الوحيد في عملية تسريب البرقيات الدبلوماسية الأمريكية هو جندي أمريكي في الثالثة والعشرين يدعي «برادلي ماننج» كان يعمل محللا للمعلومات وتابعاً للمخابرات المركزية لدي الفرقة العاشرة الجبلية في العراق، واستطاع بسبب طبيعة عمله الوصول إلي أكثر المعلومات الأمريكية حساسية.
الغريب أن أكبر تسريب معلوماتي في التاريخ تم بسهولة بالغة، لأن ماننج كان يدخل إلي القاعدة العسكرية ومعه أسطوانة قابله: للمحوCD-RW تحوي أغاني «ليدي جاجا».. وبعد أن يتصل بالكمبيوتر يقوم بمحو أغاني ملكة البوب الجديدة ويضع مكانها مئات الآلاف من وثائق وأسرار الخارجية الأمريكية ثم يغادر المكان بكل سهولة.
يقول ماننج في محادثة إنترنتية مع أحد أصدقائه: لم يشك أحد في شيء.. كنت أدندن موسيقي ليدي جاجا وأنا أنقل كل هذه الملفات علي الأسطوانة لذلك ظن الجميع أني أستمتع بالأغاني. واختتم محاورته بهذه الكلمات الدالة: المعلومات يجب أن تكون متاحة.. ليطلع عليها كل الناس.
الطريف أن صديقه هذا- ويدعي «أدريان لامو»- هو من أبلغ السلطات الأمريكية عنه لأن ضميره لم يحتمل الصمت، لكن هذا تم بعد فوات الأوان لأن كل الوثائق كانت قد أصبحت بحوزة الهاكر الألبينو الحويط.
لكن لعبة القط والفأر لا تسير أبداً في اتجاه واحد، وطالما بدأت بتحدي القوي الكبري فعليك بتحمل النتائج.
- مراكز القوي السويدية
«الجنس بشكل مفاجئ» أو sex by surprise .. هذه التسمية الغامضة التي حيرت القانونيين حول العالم في الأسبوعين الماضيين هي فحوي التهمة الموجهة: لأسانج أمام المحاكم السويدية ، فهو غير متهم بالاغتصاب التقليدي (إجبار امرأة علي ممارسة الجنس بغير رضاها)، بل بممارسة الجنس بشكل مزعج وغير مرض - تهمة تشبه أساليب التلفيق الخاصة بمراكز القوي في أفلام السبعينيات- لكنها مراكز قوي سويدية هذه المرة - لأن الفحل الأسترالي متهم بممارسة الجنس بدون واق ذكري رغما عن رغبة شريكته في الفراش، ليس مرة واحدة بل مرتين في يومين متتاليين مع امرأتين مختلفتين!
التهمة دقيقة جدا و(محنتفة) فهي أقل من الاغتصاب بل وأقل من التحرش.. إحدي الفتاتين قالت أنه بدأ في ممارسة الجنس معها وهي نائمة، وعندما استيقظت في وسط العملية لم تنتبه إلي إنه لا يرتدي عازلا طبيا إلا بعد أن انتهي اللقاء الحميم، بينما الأخري قالت إن الواقي انقطع أثناء العلاقة، وعندما طلبت من أسانج التوقف تجاهل طلبها.
هذه التهم خطيرة في السويد حيث الحركة النسوية قوية وتشارك في صياغة أغلب القوانين، لكن يبدو أن التعامل القضائي الصارم جداً مع أسانج الذي حدث مؤخراً سواء من الانتربول أو من المحاكم البريطانية لم يكن فقط لوجه الحق والعدل وحماية حقوق النساء. J'Accuse بهذا التعبير القوي الذي خلده الكاتب الفرنسي الكبير إميل زولا (إني اتهم) تبدأ «ناعومي وولف»- الناشطة الحقوقية وصاحبة كتاب «نهاية أمريكا» - مقالها عن التصرف غير التقليدي لجهات الأمن تجاه قضية أسانج وولف قالت إنها «تتهم» حكومات السويد وإنجلترا وجهاز الإنتربول بإهانة ضحايا الاغتصاب في كل مكان، بسبب تعاملهم الصارم والقاسي مع أسانج.. بعكس التعامل التقليدي مع قضايا مماثلة، لمجرد أن للمتهم خلفية سياسية ساخنة، ودوراً في إحراج حكومات كبري.. الناشطة الحقوقية قالت إنها قضت سنين طويلة تعمل مع ضحايا الجرائم الجنسية عبر العالم، لذلك فهي تعرف جيدا الإجراءات القانونية المتبعة في هذه الحالات.. وبالتالي فإن هذا الاهتمام الفائق بقضية أسانج وحجزه انفراديا لثمانية أيام بلا كفالة (خاصة مع تفاهة التهم وصعوبة إثباتها وتسليمه نفسه طواعية) لمجرد أنه الرجل المطلوب سياسيا يجعل الضحايا الذين تعرضوا لمواقف أبشع بكثير يشعرون بالإهمال وبعدم الحصول علي حقوقهم.
مباشرة بعد خروجه من الحبس بكفالة قال أسانج أن هذه التهم المزيفة لن تخرجه عن مسعاه ، وأن الموقع سيستمر في سياسته بنشر الوثائق السرية المسربة كلها (مانشر حتي الآن 2% فقط) رغم اسم صاحبه الذي تلطخ مؤقتاً، فهو قال في المؤتمر الصحفي الذي أعقب إطلاق سراحه: «هناك 5,4 مليون نتيجة للبحث عن اسمي علي شبكة الإنترنت، منهم الآن 3,3 مليون نتيجة تحوي كلمة اغتصاب حتي في تشبيهاته متشبعاً بعوالم الإنترنت!!
ختاماً: الافتراضي يهيمن علي الواقعي
منذ عام 1927 ومجلة «تايم» الأمريكية العريقة ملتزمة بتقليد سنوي ثابت هو منح لقب «شخصية العام» لأكثر من قاموا بالتأثير في الأحداث العالمية خلال السنة المنتهية.. وعادة ما يتنافس علي هذه الجائزة رؤساء الدول (في السنوات العشر الأخيرة فاز بها جورج بوش الابن وفلاديمير بوتين وباراك أوباما) والسياسيون الكبار والعلماء المشاهير (شخصية القرن كان إينشتاين).. هذا العام- 2010 - شهد تحولاً جذرياً، لأن فرسي الرهان في التنافس علي هذا اللقب المرموق جاءا من عالم افتراضي.. أكثر شخصيتين مؤثرتين في عالمنا اليوم لم يصنعا شيئاً مادياً بالمرة، وهما «مارك زوكيربيرج» مؤسس موقع فيس بوك (الذي فاز باللقب) ويليه مباشرة «جوليان أسانج» (الذي فاز بأعلي تصويت من الجمهور) مؤسس الويكيليكس.
محاولات السيطرة علي مجتمع الإنترنت التي تقوم بها بعض الدول هي كمحاولة السيطرة علي الماء في قبضة يدك.. هذا المجتمع صفة وجوده الرئيسية أنه غير قابل للسيطرة.. والإثبات الصارخ هي المحاولات البائسة منذ سنوات للحفاظ علي حقوق الملكية الفكرية التي تنتهك كل دقيقة عبر الإنترنت ومحاولة وقف سرقة الأفلام والأغاني والمسلسلات والكتب وتنزيلها مجاناً لكن بلا أمل طبعاً.. فماذا تفعل العصا المكهربة أمام جوجل؟.. وكيف يحاصر النطاق الأمني انتقال الإيميلات؟!.. ومن أذكي ياتري: جندي الإنتربول أم المايكروبروسيسور الإنتل؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.