هذا العام رفع نجوم الدراما شعارا شعبيا وهو «ضبط الشغل اهم من الشغل» والحقيقة ان هذا الشعار اصبح شعار المرحلة فى كل المجالات فالاهتمام الوحيد الآن هو بضبط الشغل وشكله أما محتواه وجودته فهى اشياء «إن تبد لكم تسؤكم» وعلى مدار عشرة ايام تابعت عددا من المسلسلات لكبار النجوم أولها حكايات شيخ العرب همام التى يقدمها ممثلى المفضل دراميا الفنان الكبير يحيى الفخرانى والتى استلهم كاتبها المؤلف عبدالرحيم كمال واحدة من الحكايات المتداولة فى صعيد مصر عن الشيخ همام بن يوسف والتى يقصها اهل الجنوب المصرى عن اخر ملوكهم وهى حكايات فى كثير منها ما يشبه الاساطير وكنت اظن ان المسلسل الذى اثار جدلا سوف يقدم ما تيسر له من هذه الأساطير أو الحقائق. واعتقد ان الفخرانى نفسه عندما عرضت عليه فكرة المسلسل ابتهج بتقديم شخصية همام لكن مع بداية الحلقات اتضح أن «الفورم وحده لا يكفى» وان ما يقدم من دراما وإن كان ليس سيئا فى اطار الدراما الاجتماعية المعتادة لم يرق الى طموحات عشاق الفخرانى . الذين انتظروا ترحاله الى فرشوط متحملا مشقة الملابس الكثيرة والثقيلة التى كانت تعيق الحركة وأرادوا رؤية هذه التجربة الجديدة لكن بعد عشر حلقات كاملة من المسلسل اتضح للعيان بالفعل ان المؤلف قد استلهم فقط عددا من حكايات الصعيد ونسج حولها خيوطا درامية متشابكة مع واقعنا فلم نعد نعرف لماذا عاد الفخرانى الى التاريخ اذا كان المسلسل الذى يقدمه تمحور فى علاقة بينه وبين زوجتين ادت ادوارهما صابرين بمسحة كوميدية لا نعرف مصدرها التاريخى وريهام عبدالغفور بتوتر وقلق معروف اسبابهما الفنية فقد سبق وأن عاشت شهورا طويلة وسنوات وهى تؤدى دور ابنة الفخرانى على المسرح ويبدو أنها لم تستطع الخروج من هذا الشعور حتى بصهد الجنوب صحيح أن سلاح الأداء العالى الذى يشهره دائما الفخرانى كان موجودا كالعادة وتأثيره امتد كالعادة أيضا الى كثير من نجوم المسلسل، إلا أن هذا السلاح وحده لا يكفى أيضا والبناء الكبير لابد وأن يستقيم أساسه، هذا الأساس ينظر له الصعايدة من منظور الواقع ويقيسون عليه مع كل مشهد وكل حركة وكل لفظ ما يحدث فى واقعهم وينتظره أهل وأحفاد شيخ العرب همام ليروا إذا كان ملائما لسيرة الجد أم يشوه منها وهى الاشكالية الدائمة التى تواجه كل مبدع ينخر فى سيرة حياة أحد الراحلين ، لكن بعيدا عن هذه النقطة التى سوف تواجه عددا من الأعمال الدرامية مثل الجماعة وشيخ العرب وملكة فى المنفى وكليوباترا هذا العام. ويبقى أن ننخر نحن فى البناء الدرامى لهذه الأعمال أو نبحث فى اساساتها وفى مسلسل شيخ العرب همام استسلم مؤلف العمل للظاهر من الأمر . واكتفى بتقديم عالم ربما يكون جديدا على المشاهدين لكنه لم يقدم ما يدعم هذا العالم فرأينا مشاهد مبتورة لصالح الشكل وأحداثا عادية يمكن ان نراها فى عالم الحارة الشعبية فى هذه الأيام فى دراما اجتماعية عادية، حتى المشاهد التى قدمها المؤلف والمخرج لإظهار البعد التاريخى للشيخ مثل جلساته التى يحكم فيها بين اهالى الصعيد شاهدناها فى عدد من الأعمال التى يهيمن عليها القبلية سواء فى الصعيد أو فى مجتمع ما مثل مجتمع اللصوص الذين رأيناه فى فيلم آخر الرجال المحترمين مثلا، وهى مشاهد كررها المؤلف ليظهر لنا حكمة الشيخ هذه الحكمة التى يخلعها مع ملابسه الثقيلة عندما يدخل بيته ويرتدى ثوب «زوج الاثنين» الذى يبدو مراهقا فى بعض المشاهد وضالا فى مشاهد أخرى وهى صفات شاهدناها من خلال عالم آخر مكرر بصورة عكسية فى ثلاثية نجيب محفوظ، كما أن شخصية قاطع الطريق العاشق سبق ورأيناها فى مسلسل صعيدى آخر هو ذئاب الجبل وقدمها بمعلمة أحمد ماهر دون أن يخلع من وقار الصعيدى مثلما حدث مع شخصية جابر الذى اجتهد فيها فى حدود قماشة الدور محمود عبدالمغنى، هذا الاجتهاد أفرز لنا ممثلا شابا موهوبا هو مدحت تيخة فى دور الشيخ سلام وأعاد اكتشاف ممثل قدير هو عمر الحريرى فى دور الأب وهو شىء يحسب لمؤلف العمل ومخرجه لكن هل تستمر الحلقات الجديدة من المسلسل فى الاعتماد على أسلحة الآداء والفورم أم انها سوف تعيد تقديم دراما باساسات سليمة وعفية.