احتلت سلطة الإعلان فى الأعوام العشرة الأخيرة، مكانة رفيعة فى وسائل الإعلام، وتوغلت فى العمل الإعلامى بما أتاح لها قوة كبيرة وسطوة لا حد لها، مما أهلها لأن تصبح شريكا أساسيا فى كل ما يعرض على شاشة التليفزيون أو يذاع على أثير الإذاعة، وأصبحت قضية «سطوة الإعلان على الإعلام» هى الشغل الشاغل لكل المهتمين بالعمل الإعلامى والإبداعى، خاصة أن الفرق بين الإعلام والإعلان تعدى كونه حرفا واحدا كما يقول الإعلامى السعودى ياسر الغسلان أحد المهتمين بهذه القضية والذى يؤكد أنه «أصبحت هناك مسافات ومسافات من التأثير، ففى ثنايا مخرجات الإعلانات يقبع مثلث برمودا الذى سيأخذ بعقول العرب لمكان مجهول لا نعرف ملامحه ولم نع بعد خطورته الحقيقية». وبداية توغل الإعلان على حساب وسائل الإعلام كما جاء على لسان عبدالحميد الزيداى رئيس منتدى الإعلام العربى تزامن مع انتشار القنوات الفضائية الخاصة فى السنوات العشر الأخيرة وهو ما ترتب عليه وجود شركات خاصة تعمل فى مجال بيزنس الإعلانات الذى أصبح سوقا كبيرة ومصدر جذب لكثير من رجال الأعمال، وعليه بدأ الإعلان يخطو خطوات ثابتة للانتشار والنشاط، وكانت الإعلانات فى بداية الأمر تذاع قبل وأثناء المحتوى البرامجى سواء كان برنامجا أو مسلسلا أو فيلما أو غيرها، ثم اخترق الإعلان هذا المحتوى، وأصبحنا نشاهد فواصل إعلانية كل بضع دقائق من المحتوى الإعلامى، وزادت هيمنة الإعلان وأصبحنا نجد أن البرنامج إذا لم يكن له راع ومستند على وكالة إعلانية قادرة على تسويقه وترويجه لا يخرج للنور وبدأت وسائل الإعلام فى استمالة الوكالات الإعلانية والاستجابة لشروطها لضمان تمويلها بالإعلانات وتعدى الأمر أكثر من هذا، حيث شاهدنا هذا العام قناة «القاهرة والناس» التى أطلقها الخبير الإعلانى طارق نور فى شهر رمضان فقط ليفوز بالنسبة الأكبر من إعلانات هذا الشهر الذى يحظى بأعلى نسبة مشاهدة مقارنة بباقى شهور العام، ووضع فيها الخلطة السحرية لجذب المشاهد من برامج جريئة وساخنة وحشد فيها مسلسلات النجوم. ولم تقتصر هيمنة الإعلانات على القنوات الخاصة بل طال الأمر الإعلام الحكومى، حيث دخل اتحاد الإذاعة والتليفزيون اللعبة بعد أن تحدى كل القنوات الخاصة ورفع شعار «مفيش حاجة حصرى كله على التليفزيون المصرى» وهو الشعار الذى قوبل بهجوم ضار بعد أن رفض أوساط المثقفين أن ينجرف إعلام الدولة وراء السعى وراء الإعلان، وأعربوا عن قلقهم من تداعياته، وعلق عليه الكاتب أسامة أنور عكاشة بقوله: «فوجئنا بوزير الإعلام ينجرف وراء هذا التيار وهو أمر مرفوض، خاصة أن إعلام الدولة له قواعد وضوابط وأهداف مختلفة تماما عن الإعلام الخاص الذى أصبح الهدف التجارى بالنسبة لها هو الأول والأخير، وساهم هذا الأمر فى تحويل الدراما إلى سلعة يحكمها سياسة العرض والطلب التى تفرضه الإعلانات بعد أن خرجت المسألة من نطاق خدمة فنية يقدمها التليفزيون للمواطنين لدعم وتثقيف المواطن. وأضاف: «هناك متغير ربط الدراما بالإعلان فأصبحت الدراما تنتج لصالح الإعلان الذى بات يتبع الدراما أينما كانت، فاختفت مسألة: كيف تنتج مسلسلا يؤثر فى المجتمع، ووصلنا إلى احتمالين، الاحتمال الأول أن يكون المواطن العربى لديه بلاهة وتشتت، والثانى هو انهيار الدراما العربية، لأن إنتاج عمل جيد هو مكلف، وتسويق العمل صعب، وبالتالى الاعتماد يكون على الإعلانات حتى نتمكن من تغطية التكلفة». على الناحية الأخرى، تمسك الدكتور سامى عبدالعزيز أستاذ إعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة بوجهة نظره المؤيدة للإعلانات وهو يؤكد أنه ما بين الإعلام والإعلان قضايا بعضها يمكن أن تسمى قضايا مزمنة «chronic» يعنى كلاسيكية وقديمة الأزل وبعضها قضايا متغيرة فى ضوء المتغيرات وهو أمر من وجهة نظره طبيعى ومنطقى، لكنه فى سياق حديثه أكد أنه يختلف مع من يدعى بوجود ما يسمى بسطوة الإعلانات والسيطرة على توجهات الوسيلة الإعلامية، وعلى محتواها، فهو يرى أن قوة المنتج الإعلامى هو الذى يدفع المنتج الإعلانى للتقدم نحوه والعكس صحيح، أى إذا كان المحتوى الإعلامى تافها وغير مجد فلن يقبل عليه المنتج الإعلانى الذى يسعى للوجود فى عمل يحظى بنسبة مشاهدة عالية.