لا أظن أن هناك صحيفة مصرية أو عربية واحدة استطاعت أن تتجاهل خلال السنوات الأخيرة طرح موضوع «تفوق الدراما السورية علي الدراما المصرية فهو موضوع رمضاني بامتياز بعد أن أصبحت الفضائيات والمسلسلات تشغل حيزا مهما من اهتمامات الإنسان العربي خلال شهر رمضان، وكأنها «الياميش» العصري الذي يستهوي عين وعقل المتفرج وسر جاذبية الموضوع أنه أقرب للمفارقة فالدراما عرفها العرب كصناعة مصرية تحمل كسلعة اسماء النجوم المصريين كماركة مسجلة ولكن جرت في البحر مياه كثيرة جعلت الصناعة السورية الوليدة تصبح أكثر جذبا للعين العربية!. وبعد مكابرة مصرية رافضة للاعتراف بأن ما يقدم من دراما أصبح مستهلكا ومكررا وفي حاجة إلي تجديد وتطوير تحت شعارات الريادة والأمومة وأن «الشوام» لم يعدوا مستهلكين ومسوقين للصناعة والسلعة الدرامية المصرية فقط، بل منتجين لها بدأ اذكياء الصناعة من المصريين بالاستعانة بالدماء الجديدة الموجودة في الشام فاستدعوا أولا أحد مخرجيها: حاتم علي في«مسلسل الملك فاروق» ثم احد نجومها: جمال سليمان «مسلسل حدائق الشيطان» وبمرور الوقت دخل نجوم ومخرجن سوريون ومن جنسيات عربية أخري لينضموا إلي حلبة الدراما المصرية لأنها الاقوي والارسخ في استخدام ادوات الصناعة ومفاهيم الانتاج الفني ولأنها- أي الدراما المصرية- ظلت الاقوي ثقافيا علي مستوي العالم العربي رغم كل ما اصابها من وهن. وأخيرا جدا، وفي هذا العام بالتحديد عادت نفس الصحف المصرية والعربية تطرح الموضوع بمنطق عودة التفوق المصري.. فما الذي حدث بالضبط؟! كان التفوق السوري يعتمد في الاساس علي جماليات الصورة وجدية المعالجة بما يوحي للمتفرج بالصدق الفني بينما بقيت الحرفة مع الاستسهال هي اساس الدراما المصرية وذلك بمنطق أن السلعة مطلوبة ومضمونة الربح ولكن حدث تطور خطير في العام الماضي بسبب ما عرف بالأزمة الاقتصادية العالمية، واصاب السوريين كما اصاب المصريين حيث بدأت الفضائيات العربية تنتقي من بين الأعمال الكثيرة المطروحة، وتأخذ أقل عدد ممكن منها، ولعلنا نذكر أن «الدولة» في كل من مصر وسوريا تدخلت بسرعة وحسم لإنقاذ صناعة الدراما، فتم اقامة قناة للدراما خصيصا في كل من الدولتين، وهو تدخل له تفسيره السياسي والاقتصادي والثقافي ولكننا لسنا بصدد رصد هذا الأمر الآن.. المهم أن صناع الدراما في مصر انتبهوا إلي ضرورة التحرك بشكل ايجابي لانقاذ ما يمكن انقاذه، وكان التحرك في اتجاه ثلاثة محاور.. الأول إعادة جماليات الصورة المفقودة، ومن حسن الحظ والطالع أن في مصر بدأت حركة منذ خمس سنوات تقريبا علي يد مجموعة من المبدعين الهواة تتابع وتعمل وتجرب احدث كاميرات الديجيتال سواء لتقديم أفلام قصيرة أو أفلام طويلة يتم تحويلها بعد ذلك إلي 35 مللي للعرض السينمائي، وقد حقق المخرجون الشباب الذين ينتسبون للسينما ومن خريجي معهد السينما تفوقا واضحا ومجتهدا للغاية في تقديم أجواء فنية تقترب كثيرا من التصوير السينمائي بكاميرات الديجتال الجديدة red أو hd ومع وجود هذه الكاميرات والاستخدام الفني والجمالي للإضاءة عادت للصورة جمالياتها وهذا نلحظه بوضوح في مسلسلات مثل «الجماعة» و«أهل كايرو» و«الحارة» ومخرجو الأعمال الثلاثة من السينمائيين والمهمومين بإيجاد وسيلة لتقديم ابداعهم بعيدا عن الخضوع للسوق التجاري السينمائي وهناك اعمال أخري مثل «حكايات بنعيشها» لسميح النقاش وهالة خليل وهذا التطور انتقل إلي التصوير بالكاميرات التليفزيونية التقليدية فوجدنا مسلسل مثل «شيخ العرب همام» حسني صالح يستخدم ببراعة جماليات الضوء رغم التصوير بكاميرتين.. وما دمنا نتحدث عن الكاميرا والإضاءة نشير إلي أن مسلسل «الحارة» جاء مختلفا في شكل الصورة عن الجماعة مثلا لأن الحارة اعتمد في كثير من مشاهده علي الكاميرا المحمولة من أجل اضافة الحيوية علي الحركة في الحارة الشعبية، إذن فإن الدراما المصرية- هذا العام- قطعت شوطا مهما وجيدا في تحقيق جماليات الصورة بتوظيف جميل للضوء والديكور وادوات الدراما الأخري وعلي رأسها اداء الممثل نفسه. المحور الثاني وهو المحرك المهم لتطوير الصورة واعني المعالجات والاحداث التي تطرح من خلال قضايا مهمة فلا توجد جماليات وصدق فني في موضوعات تافهة، وهنا يحضرني مثالان واضحان الاول في مسلسل «الجماعة» حيث إن مؤلف العمل هو السينمائي الكبير وحيد حامد الذي اعتاد- وهذا ما يحدث سينمائيا في الاعمال المهمة ترك مساحات لحركة ورؤية المخرج لتصوير الاحداث مما جعل محمد ياسين يقدم رؤية اضافية تكسب العمل عمقا ومتعة خاصة.. والمثل الاخر لعملين بكاميرات التليفزيون التقليدية فنجد قوة سيناريو «شيخ العرب همام» تكسب العمل جماليات في الصورة والايقاع واداء الممثل وتصاعد الاحداث فاذا انتقلنا إلي مسلسلات مثل «زهرة وازواجها الخمسة» أو «العار» وكلاهما من مسلسلات الحكي الشعبية لوجدنا فروقا هائلة في جمال الصورة وقوة الايقاع واداء الممثلين وكل شئ. ثالث المحاور يتعلق باقتصاديات الصناعة ويظهر في وجود جهتين أو ثلاث مشاركة في الانتاج لضمان التسويق والعرض مثل التعاون بين التليفزيون المصري وفضائية عربية ومنتج خاص.. وعموما هذة المحاور مازالت في حاجة إلي تقنين واظن ان هذا سوف يحدث سريعا بعد أن اتيحت عشرات المسلسلات التي لم تجد من يشاهدها، وهذا الامر ايضا مازال من اللاعبين الرئيسيين فيه «النجوم» الذين يستطيعون أن يجدوا أماكن عرض متعددة لرغبة المشاهدين في تواجدهم معه. لقد استردت الدراما المصرية عافيتها بعد أن انتبهت لما يحدث حولها وعاد لها التفوق بمجرد أن استوعبت ضرورة ضخ دماء جيدة من الموهوبين في عالم الاخراج ومن الجنسيات العربية ايضا وانتبهت إلي أن الموضوعات الاستهلاكية لم تعد تستهوي العدد الأكبر من المشاهدين العرب.