مع الانتشار الكاسح لوسائل التواصل الاجتماعي، ظهر جيل جديد يُعرف ب"أطفال السوشيال ميديا"، وهم أطفال يحققون شهرة واسعة منذ سنواتهم الأولى، سواء من خلال محتوى ترفيهي، يوميات حياتية، مواهب فنية، أو أعمال خير، ورغم أن هذه الشهرة قد تبدو فرصة بالنسبة للبعض، إلا إنها تخفي وراءها تحديات نفسية واجتماعية معقدة قد تؤثر على شخصية الطفل وتشكيله النفسي. عن تأثير السوشيال ميديا على الأطفال، أوضحت الدكتورة هند فؤاد، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن الطفل الذي يدفع إلى الظهور المستمر أمام الجمهور يعيش تجارب تفوق عمره الحقيقي، فيتعامل مع الإعجاب المبالغ فيه أو النقد القاسي قبل أن يكتسب النضج الكافي للتعامل معهما، وهذا يجعله يتجاوز مرحلة الطفولة الطبيعية ويدخل في عالم مليء بالضغوط والتوقعات. وأضافت فؤاد أن انشغال الطفل بالتصوير وإنتاج المحتوى يجعله يبتعد تدريجيًا عن اللعب الحقيقي، وبناء العلاقات الواقعية مع أصدقائه، ما يؤثر على تفاعله الاجتماعي ويزيد من شعوره بالعزلة، كما أن اعتماده على المتابعين لتقييم ذاته يخلق لديه شعورا بعدم الثقة واستبدال التجارب الحياتية الطبيعية بردود أفعال الجمهور. وأشارت أستاذ علم الاجتماع إلى أن التعليقات السلبية والتنمر الإلكتروني من أكثر المؤثرات خطورة على الطفل، إذ تؤدي إلى اهتزاز ثقته بنفسه، بينما يدفعه السعي المستمر للحفاظ على الشهرة الرقمية إلى القلق والخوف الدائم من تراجع التفاعل. أبرز التأثيرات النفسية والسلوكية على الأطفال منها اضطراب مفهوم الذات، يرتبط تقديره لنفسه بعدد الإعجابات والمشاهدات، فيصبح هشًّا أمام أي انخفاض رقمي، فقدان العفوية والبراءة، كثرة التوجيه أمام الكاميرا تفقد الطفل تلقائيته وتشعره أنه يعيش لشخصيات مفروضة عليه. بالإضافة إلى الغرور والشعور بالتفوق، الاهتمام الزائد يولد غرورًا قد يؤثر على علاقاته مع أقرانه، الاكتئاب عند فقدان الشهرة، انخفاض الشهرة قد يسبب صدمة نفسية وفقدانًا للمعنى، ما يدفع الطفل للعزلة. نتائج طويلة المدى قد تظهر لاحقًا، وتكيف اجتماعي مشروط في صعوبة الاندماج في بيئات لا تراه كنجم، تحديد مساره مبكرا قد يوجه الطفل لمسار إعلامي أو فني دون معرفة ميوله الحقيقية، ومشكلات داخل الأسرة خصوصا إذا ارتبط الظهور بعائد مادي يغيّر طبيعة العلاقة بين الطفل ووالديه. طرق حماية طفلك من مخاطر السوشيال ميديا أولا دور الأسرة تكمن في تحديد أوقات وحدود للظهور، حيث لا يظهر الطفل إلا في حدود بسيطة، وبدون ضغط أو إجبار، منعه من متابعة التعليقات أو قراءة النقد. فصل العالم الرقمي عن حياته اليومية، وتشجيعه على اللعب، الهوايات، والأنشطة الاجتماعية بعيدًا عن الإنترنت. تنظيم وقت للشاشات يتناسب مع عمره، تدعيم ثقته بنفسه داخل الأسرة كما يجب أن يرى الطفل أن قيمته تأتي من شخصيته، لا من إعجاب الغرباء. ثانيًا الدعم النفسي في متابعة حالة الطفل مع مختص نفسي في حال ظهور علامات قلق، خوف، أو انسحاب اجتماعي. وتعليمه كيفية التعامل مع التنمر وعدم أخذ السوشيال ميديا كمصدر لتقدير الذات. ثالثًا التوعية المجتمعية في نشر الوعي بحقوق الطفل الرقمية ومنع استغلاله في المحتوى التجاري، وتقديم محتوى يحترم الطفل ولا يستخدمه كأداة لتحقيق الربح أو زيادة المتابعين. رابعًا تعزيز الهوية الذاتية مساعدة الطفل على اكتشاف مواهبه الحقيقية بعيدًا عن الكاميرا، بالإضافة إلى جعله يدرك أن قيمته في أخلاقه واجتهاده وعلمه لا في عدد المتابعين، وتشجيعه على عمل الخير بصمت للتقرب إلى الله، بعيدًا عن تصوير المحتوى لأجل التفاعل.