لا يكتفى السوشيال ميديا بسرقة أوقاتنا، ولكنها أيضا أنتجت مجموعة من الفيروسات القادرة على إصابة كل من يستخدمها، وتكبيده خسائر وإصابات نفسية فادحة، وأضرار مادية لم يكن يتخيلها، فضلا عن أمراض اجتماعية من الصعب التداوى منها، ما يجعل المستخدم فى نهاية الأمر فى حاجة إلى إنقاذ عاجل، وعلاج فعال من تلك الفيروسات التى تدمر الأعصاب وتحرق الجيوب وتفكك العلاقات الاجتماعية. . «الأخبار» فى هذا التحقيق، تستعرض تأثير هذه الفيروسات على المجتمع، وتقدم لقاحات يمكنها التصدى لها، والدور الذى يمكن أن تلعبه الحكومات والمؤسسات فى حماية الأفراد من هذه التهديدات الرقمية، وخطورة هذه الظواهر وكيفية مواجهتها. حسب تقديرات مجلة فوربس العالمية، نحو 4.9 مليار شخص يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعى فى جميع أنحاء العالم عام 2023، وتُظهر الإحصائية المذهلة تأثير وسائل التواصل الاجتماعى على الحياة اليومية ومن المهم فهم نعمة ولعنة وسائل التواصل الاجتماعي. وأشارت دراسة جديدة إلى أن التوقف عن استخدام مواقع التواصل لمدة أسبوع واحد فقط يؤدى إلى تحسن كبير فى الصحة، وانحسار أمراض القلق والاكتئاب، هذا ما توصل إليه فريق من الباحثين فى جامعة باث فى المملكة المتحدة بدراسة آثار الصحة العقلية عند التوقف لمدة أسبوع عن استخدام وسائل التواصل. ووفر بعض المشاركين فى الدراسة ما يقارب 9 ساعات من أسبوعهم، كانوا يقضونها فى التصفح على منصات Instagram وFacebook وTwitter وTikTok، وأشارت النتائج إلى أن أسبوعًا واحدًا فقط بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعى أدى إلى تحسين مستوى رفاهية الأفراد بشكل عام، وتقليل أعراض ما أطلقوا عليه فيروسات الاكتئاب والقلق. خطورة السوشيال ميديا توضح د.دينا الجابرى أستاذ مساعد الطب النفسى بجامعة عين شمس خطورة إدمان السوشيال ميديا على الشباب والمراهقين والذى يؤدى إلى زيادة التعصب والانفعال والإصابة بأعراض شبيهة بالإدمان، إضافة إلى العزلة التى قد تصل إلى اكتئاب خاصة مع المراهقين، كما أن هناك أبحاث أثبتت أن إدمان السوشيال ميديا قد يسبب الانتحار فى حالات كثيرة. وتشير د.دينا الجابرى إلى أن إدمان السوشيال ميديا والانترنت يتسبب فى إيذاء الذات والاكتئاب والبحث عن منشورات تؤدى إلى الغضب والانفعال وبالتالى يدخل الشباب فى دائرة مفرغة تؤثر عليه بالسلب، موضحة أن هؤلاء الشباب يتعرضون للتنمر عبر الانترنت وهذا أثره أسوأ من أى تنمر آخر لأن المتنمر مجهول ويفعله أمام الكثير من الناس، إضافة إلى قوة «اللايكس» أى أن عدد اللايكات تؤثر نفسيًا واجتماعيًا وماديًا وطبيعيًا يكون هناك إحساس بعدم الرضا غير مبرر لأن الحياة المتواجدة على السوشيال ميديا حياة غير واقعية. وتضيف أستاذ الطب النفسى أن كل شخص أصبح له شخصية عبر الإنترنت مختلفة عن شخصيته فى الواقع، يصبح مجاملا زيادة عن اللزوم من أجل تجميع اللايكات وهذه صورة افتراضية ينتج عنها الشعور بعد الرضا والغيرة وأحاسيس بالاكتئاب والقلق موضحة أن مقاطعة السوشيال ميديا ليست الحل لأن السوشيال ميديا كما لها عيوب لها مميزات أيضا، يجب الاقتصار على متابعة الأخبار أو برامج الطبخ أو الموضة أو الرياضة، فالسوشيال أصبحت بديلة لبعض الكتب والجرائد. مراجع الطب من جانبه يقول د.إبراهيم مجدى استشارى الطب النفسى بجامعة عين شمس إنه فى ال15 عامًا الأخيرة ندرس تأثير السوشيال ميديا وهناك أمراض ستدرج فى مراجع الطب النفسى ومنظمة الصحة العالمية بسبب السوشيال ميديا. ويضيف د.إبراهيم مجدي: السوشيال ميديا تؤثر على حياتنا الاجتماعية وعلاقتنا بمن حولنا، حيث ارتفعت نسبة الطلاق والانفصال بين الأزواج بسبب السوشيال ميديا، كما أن هناك ابتزازا وانحلالا على المنصات وهذا يتضح فى الشخصيات المهووسة والهيستيرية، كما أن السوشيال ميديا استخدمت فى نشر الشائعات وإحداث الفتن والأكاذيب والفزاعات وإثارة الحروب النفسية والمعلومات الكاذبة وتسببت فى خلق أجيال مشوهة معتقدة أن الثراء الفاحش سيأتى من خلال السوشيال ميديا وتسببت فى نشر ثقافة الاستسهال ونشر العنف والجريمة وهذه من مساوئ السوشيال ميديا رغم إيجابياتها، موضحا أن العالم العربى يسىء استخدام السوشيال ميديا ولا يوجد سيطرة عليها بالشكل الكافى. ويقول المهندس أحمد طارق خبير تكنولوجى إن ما يشاهده متابعو السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعى لحياة بعض البلوجرز وأصحاب التريند غير حقيقى بنسبة 85% ،فما خلف شاشات الموبايل حياة مختلفة كل الأختلاف عما يراه المتابعون. ويضيف: حياة زائفة يسعون من ورائها فقط لجمع أكبر عدد من المتابعين والمشاهدات من أجل التربح، وعدد محدود للغاية الذى يكون له تأثير أو رسالة هادفة على السوشيال ميديا، فأغلب المنازل التى يستعرضها أصحاب الصفحات والتى يشاركون فيها المتابعين مرحلة مرحلة تكون فى حقيقيتها إيجار من أجل «الشو» فقط ونفس الحال ينطبق على السيارات وأحدث الموبايلات وغيرها من الأحداث التى يتم افتعالها فقط من أجل جمع أكبر عدد من المشاهدات وليصبح هو المتربح الوحيد الحقيقى معتمدا فى ذلك على حب استطلاع الناس والفضول الزائد لدى المتابعين. ويؤكد أن ما وراء الشاشات غير حقيقى ولابد من عدم إعطاء الثقة لشخص مجرد معرفتى به هو شاشة الموبايل لأن الانطباع هنا لا يكون حقيقيا، مشيرا إلى أنه فى الفترة الأخيرة وقعت بعض الحوادث التى تؤكد ذلك آخرها القضية الشهيرة «سفاح التجمع» التى كان يعتمد فيها على صفحته للإيقاع بضحاياه مستغلا شهرته الواسعة فى حين أنه على أرض الواقع شخص غير سوى نفسيا ويرتكب أبشع أنواع الجرائم. ويضيف: لابد أن نتحكم فى السوشيال ميديا بدلا من التحكم فينا والسيطرة على حياتنا بشكل سلبى على كل المستويات سواء الشخصية أو المهنية. ضحايا السوشيال وتقول د.إيمان عبد الله -أستاذ علم النفس- إن الأزمة ليست فى السوشيال ميديا كوسيلة تواصل ولكن الأزمة الحقيقية تكمن فى المحتوى الذى يتم تقديمه من خلالها الذى يعد أكثر من 70% منه «غيرلائق» سواء لفظيا أو سلوكيا أو اجتماعيا. وأضافت: البحث عن «التريند» هو الشغل الشاغل لأصحاب الصفحات، وللأسف مع انشغال الوالدين عن الطفل أو المراهق وعدم القيام بدورهم التربوى الصحيح يصبح الطفل والشاب أيضا فريسة لوسائل التواصل الاجتماعى لتؤثر فيه وفى تكوين شخصيته وهذا ما أصبحنا نراه بالفعل على أرض الواقع. أينما ذهبنا نجد الغالبية يمسكون بشاشات الموبايلات لتسجيل كل لحظة وبثها فى التو، لتختفى الخصوصية وتصبح الحياة الشخصية «على الهواء» على مدار اليوم، البعض يبحث من خلالها عن الشهرة والآخر يجرى خلف المال. وتابعت: أغلب عمليات الابتزاز كانت عن طريق بعض الألعاب التى أصبحت مشهورة الآن ليثق المراهق ثقة عمياء فى الأشخاص الذين يشاركونه اللعبة ويبدأون فى طلب تصوير إما نفسه أو أحد أفراد الأسرة كشرط من شروط اللعبة وعلى سبيل المزاح وتبدأ الكارثة ويتم بعدها ابتزاز الشخص ومقايضته فى بعض الأحيان.