الخبراء: نشر تفاصيل المشاكل الزوجية يزيد من تعقيدها الحياة الشخصية لكثير من الأشخاص أشبه بكتاب مفتوح، حيث يتسابق الأغلبية فى نشر تفاصيل حياتهم اليومية على منصات التواصل الاجتماعى، سواء كانت لحظات سعيدة أو محنة عابرة. ومع هذا الانفتاح غير المسبوق، البيوت لم تعد أسراراً، وخرجت تفاصيلها من بين جدران البيت لساحة السوشيال ميديا العامة وأصبحت العلاقات الأسرية والتجارب الخاصة عرضة للنقاش العام والتقييم من قبل الآخرين. هذه الظاهرة تثير تساؤلاتٍ حول حدود الخصوصية وتأثيرها على الروابط الأسرية. «البيوت مش أسرار» هو عنوان يستدعى التفكير فى تداعيات هذا الانفتاح وما يمكن أن يترتب عليه من تحدياتٍ اجتماعية ونفسية، وهذا ما نتناوله فى السطور القادمة : توضح الدكتورة هبة على محمد، استشارى الصحة النفسية، أن الأسباب وراء مشاركة الأسر المصرية تفاصيل حياتها اليومية بشكل مفرط على وسائل التواصل الاجتماعى تنقسم بين رغبتهم فى الكسب المالى والشهرة، أو سعياً للحصول على إعجاب واهتمام الآخرين من خلال اللايكات والتفاعلات. وتصف هذه الظاهرة بأنها «ناقوس خطير» على الأسر المصرية، حيث أصبحت البيوت مكشوفة دون الحفاظ على الخصوصية، مما يؤدى إلى انتهاك حياة الناس بشكل كبير دون مراعاة لمشاعرهم وخصوصياتهم. الحياة المثالية وتضيف: أن رؤية حياة الآخرين المثالية على وسائل التواصل الاجتماعى تؤثر سلبًا على الرضا عن الحياة الشخصية، حيث يسعى البعض لإظهار حياتهم بأبهى صورة مما يؤدى إلى التوتر والضغوط النفسية، وتضيف: نلاحظ أن العديد من الأسر أصبحت ناقمة على حياتها وتتمنى حياة المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن بعض الأسر تلجأ إلى نشر أخبار كاذبة أو فبركة مواقف لجذب الانتباه والحصول على أكبر عددٍ من اللايكات والتفاعلات، مما يؤدى إلى استباحة حياتهم وعرض تفاصيلها الشخصية بشكل علني، وتؤكد أن هذا السلوك يؤثر سلباً على النمو النفسى للأطفال، حيث يُستغلون لجذب المشاهدات، وبعض الأطفال يُجبرون على الكذب أمام الجمهور. الخلافات الزوجية وتشير استشارى الصحة النفسية إلى أن نشر تفاصيل الخلافات الزوجية على وسائل التواصل الاجتماعى يزيد من تعقيد الأمور ويؤدى إلى تدهور العلاقات، حيث يعرضُ كل شخص مشاكله دون اعتبار لخصوصية الحياة الزوجية، وتؤكد على أهمية حل المشكلات الزوجية بشكل مباشر بين الزوجين أو بمساعدة مختص علمى بدلاً من عرضها على وسائل التواصل الاجتماعى. من الواقع وتسرد د. هبة قصة حقيقية من واقع العيادات لزوج يبلغ من العمر 37 عامًا، ولديه ولدان، وزوجته تبلغ من العمر 33 عامًا، كانت حياتهما تبدو سعيدة ومستقرة، وكان بينهما قصة حب كبيرة.. ومع ذلك بدأت الزوجة تشك فى سلوك زوجها عندما لاحظت أنه يمسك بهاتفه لفتراتٍ طويلة على غير عادته، وكل التطبيقات عليه محمية بكلمات مرور. واكتشفت الزوجة أن زوجها كان يلعب لعبة «بابجى» وتعرف على امرأة من ألمانيا تكبره ب 8 أعوام، وتطورت العلاقة بينهما لدرجة أنه كان يتواصل معها باستمرار، واتفقا على الزواج مقابل أن تفتح له مشروعًا. الأكثر صدمة للزوجة كان اكتشافها أن هذه المرأة كانت ترسل له أموالًا شهريًا.. أصبحت الزوجة تشعر بالخوف من مواجهة زوجها بسبب خوفها من الانفصال والطلاق، وحين سألتها د. هبة إذا كانت هذه هى المرة الأولى التى يقوم فيها زوجها بمثل هذا الفعل، كانت الإجابة بالنفي، وأوضحت الزوجة أن زوجها كان له العديد من العلاقات السابقة، وعندما كانت تطلب الانفصال، كان يحلف لها أنه لن يكرر هذا السلوك، ولكنها تستمر فى التساؤل ماذا يجب أن تفعل، خاصة وأن الهاتف أصبح الجزء الأكبر فى تدمير بيتها. وتضيف د. هبة: أن هناك أيضاً تطبيقات للتعارف والتى أصبحت كارثة بحد ذاتها، حيث يدخل الرجال والنساء إلى هذه التطبيقات تحت أسماء وصور وهمية بحجة الفضفضة والحصول على الاهتمام والكلمات الجميلة التى يفتقدونها فى حياتهم الزوجية. وأكدت أن هذا كله نتيجة لقلة الوازع الديني، حيث تتحكم فى الناس الشهوات والرغبات، كما أن استغلال الوقت الفارغ بشكل سيئ يساهم فى تفاقم هذه المشكلة. واختتمت حديثها بالتأكيد على أهمية توعية الأسر بالأخطار المُحتملة لنشر تفاصيل حياتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقترح طرقاً للحفاظ على خصوصية الحياة الأسرية مع الاستفادة بشكل إيجابى من هذه المنصات، وتدعو إلى تعزيز التواصل الحقيقى داخل الأسرة بدلاً من مشاركة كل شيء على الإنترنت، مشددة على أن الخصوصية هى أحد أهم أركان العلاقة الزوجية.. وأن الحوار والتفاهم بين الزوجين هو المفتاح لحل المشكلات الزوجية، وتحذر من أن وسائل التواصل الاجتماعى أصبحت سببًا رئيسيًا فى انفصال الأزواج وزيادة حالات الطلاق، كما أنها سهلت الخيانة والمشاهدة غير الأخلاقية، مما يؤدى إلى تدهور العلاقة بين الزوجين وخلق فجوة نفسية وعاطفية بينهما. الفضفضة ومن جانبه، يقول د. وليد هندى، استشارى الصحة النفسية : إن «الفضفضة» بصورة إيجابية تُعد من أهم وسائل العلاج النفسى، فهى نوع من التنفيس الانفعالى عن مشاعر الغضب، وإذا لم يلجأ الشخص لهذه الإزاحة النفسية، فقد يُصاب بالاكتئاب أو القلق أو ما يُعرف ب «Psychosomatic disorder»، وهى أمراض نفسية تظهر فى صورة أعراض عضوية مثل: الصداع واضطرابات النوم، والفضفضة تساعد الشخص على التحرر من المشاعر السلبية التى قد تعيق أداء دوره الاجتماعى. لكن مع ظهور السوشيال ميديا، تغيرت أشكال الفضفضة ففى الماضى، كانت الفتاة تتحدث مع نفسها، تستمع إلى الموسيقى، أو تشارك مشاكلها مع والدتها أو صديقتها وجهاً لوجه لكن الآن، مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى مثل: «فيسبوك» و«إنستجرام»، أصبحت الفضفضة تأخذ أشكالًا جديدة كالجروبات النسائية التى تجمع السيدات لتبادل الأحاديث. ولكن، هذه الجروبات قد تكون انتهاكًا للخصوصية، حيث يخترق بعض الرجال هذه الجروبات بأسماء سيدات وهمية، مما يؤدى إلى مشاكل عديدة. ويضيف د. وليد: أن من عيوب الفضفضة الافتراضية النفوس غير السوية، حيث قد تستعرض الفتيات مظاهر حياتهن ببراءة، ولكن يتعرضن للنقد والانتقادات من أشخاص غير أسوياء.. وقد يتعرضن أيضًا للاحتيال والابتزاز نتيجة عدم الوعى فى مشاركة أسرارهن، فخروج أسرار البيوت يُعتبر كشفًا للعورات وتدنيسًا للحرمات، مما يمنح الأشخاص السيكوباتيين فرصة لاستغلال المشكلة وتحقيق منفعة شخصية على حساب الضحية. ثمار الشهرة ومن جهته، يوضح د. زياد عصام، الإخصائى النفسى: أن الأزمة الاقتصادية الحالية التى يعانى منها العالم ونحن أيضاً لها دور كبير فى خروج أسرار البيوت على مواقع التواصل الاجتماعى، فحب الظهور والسعى وراء المشاهدات والإعجابات خلق صراعًا بين الناس، حيث أصبح البعض يظن أن النجاح يُقاس بعدد المتابعين، متناسين الأخلاق والسمعة الاجتماعية. وتُختتم محطة التحقيق الأخيرة مع قصة حقيقية عاشتها فتاة تدعى جميلة إحدى المتضررات من تلك الظاهرة والتى تحكى قائلة: «كنت مخطوبة لأكثر من 8 أشهر، ولم تكن هناك مشاكل حتى بدأنا فى فترة تجهيزات الزواج، وتدخلت والدته فى كافة التفاصيل، لم أكن أعرف كيف أخبره بطريقة لائقة، فقررت عرض مشكلتى على إحدى الجروبات النسائية دون كشف هويتى».. تلقيت أكثر من 50 تعليقًا، لكن انتهت المشكلة بالانفصال بعد أن أخذت الأمور منعطفًا آخر. لاحقًا، لجأت إلى إخصائى نفسى الذى أكد لى أننى أعانى من التردد بسبب الحماية الزائدة من والدى منذ الصغر، ونصحنى باتخاذ قراراتى بنفسى دون مساعدة من أحد. «السوشيال ميديا دعاية شخصية» قالت السيدة «نادية حسين»: إن السوشيال ميديا منذ عشرات السنوات لم تكن لها أى أهمية فى حياتنا، على عكس اليوم فهى اقتحمت يومنا بكل تفاصيله بقوة كبيرة وفرضت نفسها على كل شخص.. ومع سرعة الروتين اليومى وزيادة ضغوط الحياة اليومية لم يعد لدينا الوقت للتواصل على أرض الواقع، حيث إن التحضير لأى تجمع عائلى يأخذ وقتاً كبيراً لكى يتفق كل شخص مع الآخر على نفس الموعد لهذا أصبحت السوشيال ميديا هى الوسيلة الوحيدة لمعرفة آخر أخبار البعض لعدم توافر الروابط التى كانت موجودة من قبل فى العائلات، فقد اندثرت مع ازدحام الحياة والضغوط المادية والاقتصادية وضغط الوقت والمسئوليات فكل هذا جعل وسيلة أخرى لكى يعرف الناس من خلالها أخبار بعضهم مثل: حالات الوفاة والمرض والمشاكل لكى يتسارعوا فى المساعدة والحل ، أنا من رأيى أنها إيجابية فى المساعدات وليست فقط مجرد اقتحام للحياة الشخصية. وأضافت: هناك جانباً نفسياً فى كتابة المنشورات على منصات التواصل الاجتماعى فهناك بعض الأشخاص تحب التحدث عن نفسها وتحب «الفضفضة» وتجد من يتفاعل معها والتعبير عن رأيها فى قضية محددة، فهذا لم يكن موجوداً من قبل سنوات السوشيال ميديا فكانت الناس قديماً معتمدة على «قعدة الصحاب» فى التحدث والتفريغ لشحنة المشاكل النفسية لديها، والجزء الآخر وهو الحكم على الأشخاص من خلال السوشيال ميديا فهناك أشخاص يقومون برسم صورتهم أمام المجتمع من خلال السوشيال ميديا لأنه قليلاً ما يقابلهم فى الحقيقة فهنا تأتى طريقة تعبيره عن نفسه على السوشيال ميديا من منشوراته أو آرائه هى من تجعل متابعيه يتعرفون عليه وتكوين فكرتهم الشخصية عنه فهو يعتبر نوعاً من أنواع «الدعاية الشخصية على السوشيال ميديا».