محافظ كفر الشيخ يفتتح أول مشتل نخيل مجتمعى بقرية أبو شعلان.. صور    وزير البترول: نستهدف التعاون مع توتال إنرجيز لتطوير منظومة النقل الآمن للمنتجات البترولية    الاتحاد الأوروبي: دخول القوات الإسرائيلية إلى مدينة غزة سيفاقم الوضع الإنساني    استشهاد وإصابة 37 فلسطينيا فى مجزرة جديدة للاحتلال الإسرائيلى بمدينة غزة    جريزمان يقود هجوم أتلتيكو مدريد أمام ليفربول بدوري الأبطال    إطلاق دوري المدارس بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم وشركة استادات برعاية الشباب والرياضة    أول صورة من واقعة التنقيب عن الآثار داخل مكتب صحة دشنا في قنا    بدء المؤتمر الصحفي لمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بالمجلس الأعلى للثقافة    وزير مالية الاحتلال: غزة "كنز عقاري" ونناقش مع واشنطن تقاسم السيطرة على الأرض    فليك: لن نضع ضغوطًا على يامال.. وراشفورد لديه الكثير ليقدمه    لوكاس بيرجفال يشيد بالصلابة الدفاعية لتوتنهام منذ بداية الموسم    بوتين يبحث هاتفيًا مع رئيس وزراء الهند الأزمة الأوكرانية وتطورات العلاقات الثنائية    محافظ الإسكندرية يشهد حفل استقبال المعلمين الجدد    المستشرقون ليسوا دائمًا مغرضين.. اللا زمن فى القرآن الكريم.. أنموذجًا!    الصحة: انتهاء أعمال إحلال وتجديد وحدة جراحات الرمد والعيون بمستشفي الشيخ زايد التخصصي    "الأرصاد": أمطار غزيرة على منطقة نجران    مصرع شخص والبحث عن آخرين في ترعة بسوهاج    عاجل.. استمرار تدفق المساعدات عبر معبر رفح وسط تصعيد عسكري غير مسبوق في غزة    "بسبب إسرائيل".. إسبانيا تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026    بالذكاء الاصطناعي.. رضوى الشربيني تستعيد ذكريات والدها الراحل    موعد عرض الحلقة الأولى من مسلسل المؤسس عثمان 7 على قناة الفجر الجزائرية وترددها    9 فرص عمل جديدة في الأردن (التخصصات ورابط التقديم)    احتجاجات واسعة في لندن ضد زيارة ترامب لبريطانيا    مدارس «القليوبية» تستعد لاستقبال مليون و373 ألف طالب    إصابة شاب بإصابات خطيرة بعد أن صدمه قطار في أسوان    وزيرة التنمية المحلية تتابع جاهزية المحافظات لموسم الأمطار والسيول    أيمن عبدالعزيز يعلن تمسكه بعدم العمل في الأهلي.. وسيد عبدالحفيظ يرد    كيليان مبابي يعلن غيابه عن حفل الكرة الذهبية 2025    محافظ بورسعيد يفتتح حضانة ومسجد ويتفقد مركز شباب مدينة سلام مصر    حقيقة اختفاء 5 قطع أثرية من المتحف اليوناني في الإسكندرية    تعيين نائب أكاديمي من جامعة كامبريدج بالجامعة البريطانية في مصر    فوائد السمسم، ملعقة واحدة لأبنائك صباحا تضمن لهم صحة جيدة    إحالة شكاوى مرضى في وحدة طب الأسرة بأسوان للتحقيق    بعد نشر صورة مع جدها الفنان محمد رشدي.. من هي البلوجر فرح رشدي؟    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    حكم ما يسمى بزواج النفحة وهل يصح بشروطه المحددة؟.. الإفتاء توضح    80%ملكية أمريكية.. ملامح الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة والصين بشأن "تيك توك"    قناة السويس تشهد عبور السفينة السياحية العملاقة AROYA وعلى متنها 2300 سائح    أول يومَين بالمدارس أنشطة فقط.. خطاب رسمي ل"التعليم" لاستقبال الأطفال    البنك المركزي: القطاع الخاص يستحوذ على 43.3% من قروض البنوك بنهاية النصف الأول من 2025    عاجل- رئيس الوزراء: مصر ثابتة على مواقفها السياسية والإصلاح الاقتصادي مستمر رغم التحديات الإقليمية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    تحديث بيانات المستفيدين من منظومة دعم التموين.. التفاصيل    مفتى الجمهورية: ما يجرى فى غزة جريمة حرب ووصمة عار على جبين العالم    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    وزارة الصحة تطلق أول مسار تدريبى لمكافحة ناقلات الأمراض    وزير الري: الاعتماد على نهر النيل لتوفير الاحتياجات المائية بنسبة 98%    وزير التعليم يبحث مع وفد الشيوخ الفرنسي تعزيز التعاون المشترك    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    بايرن ميونخ يتأهب للحفاظ على رقم مميز ضد تشيلسي في دوري أبطال أوروبا    اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    رانيا فريد شوقي تستعيد ذكريات طفولتها مع فؤاد المهندس: «كان أيقونة البهجة وتوأم الروح»    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الأوراق المطلوبة والفئات المستحقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمام مصر والسودان ثلاثة تحديات قادمة: انفصال الجنوب.. مستقبل دارفور.. وملف مياه النيل
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 06 - 2010

لابد أن نعترف أن هناك أخطاء جسيمة شهدتها العلاقات التاريخية بين مصر والسودان.. بعض هذه الأخطاء كان نتيجة طبيعية لاختلال أولويات أجندة السياسة الخارجية المصرية.. فى أحيان كثيرة كانت العلاقات مع السودان فى آخر قائمة هذه الأولويات حيث سبقتها علاقات أخرى كثيرة لا يمكن أن تدخل مع السودان من حيث الأهمية والقيمة فى سياق واحد.. كما أنها كانت عبئا على القرار المصرى.. والأخطر من ذلك أن العلاقات المصرية السودانية شهدت مراحل فتور طالت كثيرا فى بعض الأحيان.. حدث ذلك حين تدخلت مصر عسكريا فى جزيرة آبا لتواجه انقلابا عسكريا فاشلا ضد الرئيس نميرى.. ورغم عودة نميرى للحكم إلا أن الشعب السودانى لم ينس أن الطيران المصرى فى لحظة مجنونة قصف الأرض السودانية.. حدث ذلك أيضا عندما اتضح أن المحاولة الفاشلة للاعتداء على حياة الرئيس حسنى مبارك فى أديس أبابا شاركت فيها عناصر سودانية.. وحدث ذلك أيضا عندما شجعت حكومة السودان هروب العناصر الإرهابية إلى أراضيها ابتداء بزعيم القاعدة بن لادن وانتهاء ببعض رموز الحركات الجهادية الدينية فى مصر فى الثمانينيات والتسعينيات..
يضاف لذلك كله أن هناك لوبيا شهيرا فى دائرة القرار المصرى والسودانى معا لا يرتاح كثيرا لوجود علاقات قوية بين القاهرة والخرطوم.. وبقدر اقتراب هذا اللوبى من دائرة القرار كانت العلاقات بين مصر والسودان تشهد فترات تراجع واضح بسبب نجاح هذا اللوبى فى إفساد العلاقات التاريخية بين البلدين..
وإذا كان هناك من يقف أمام تطور العلاقات المصرية السودانية فإن هناك بيوتا تاريخية كانت مهمتها دائما تأكيد هذه العلاقات والدفاع عنها.. إن كثيرا من رموز هذه البيوت دفعوا الثمن أمام حماقات كثيرة ارتكبتها الحكومات فى البلدين أمام شعور خاطئ بعدم المسئولية.. فى مصر كثيرون لا يحبون التقارب مع السودان.. وفى السودان أيضا من يسعى إلى إشعال الفتنة دائما بين الشعبين مستغلا فى ذلك أخطاء صغيرة هنا أو هناك..
من أسوأ الأخطاء أيضا التى أساءت للعلاقات السودانية المصرية أنها قامت فى أحيان كثيرة على أسباب وعوامل شخصية وعلاقات فرديلابد أن نعترف أن هناك أخطاء جسيمة شهدتها العلاقات التاريخية بين مصر والسودان.. بعض هذه الأخطاء كان نتيجة طبيعية لاختلال أولويات أجندة السياسة الخارجية المصرية.. فى أحيان كثيرة كانت العلاقات مع السودان فى آخر قائمة هذه الأولويات حيث سبقتها علاقات أخرى كثيرة لا يمكن أن تدخل مع السودان من حيث الأهمية والقيمة فى سياق واحد.. كما أنها كانت عبئا على القرار المصرى.. والأخطر من ذلك أن العلاقات المصرية السودانية شهدت مراحل فتور طالت كثيرا فى بعض الأحيان.. حدث ذلك حين تدخلت مصر عسكريا فى جزيرة آبا لتواجه انقلابا عسكريا فاشلا ضد الرئيس نميرى.. ورغم عودة نميرى للحكم إلا أن الشعب السودانى لم ينس أن الطيران المصرى فى لحظة مجنونة قصف الأرض السودانية.. حدث ذلك أيضا عندما اتضح أن المحاولة الفاشلة للاعتداء على حياة الرئيس حسنى مبارك فى أديس أبابا شاركت فيها عناصر سودانية.. وحدث ذلك أيضا عندما شجعت حكومة السودان هروب العناصر الإرهابية إلى أراضيها ابتداء بزعيم القاعدة بن لادن وانتهاء ببعض رموز الحركات الجهادية الدينية فى مصر فى الثمانينيات والتسعينيات..
لوبيات الإفساد
يضاف لذلك كله أن هناك لوبيا شهيرا فى دائرة القرار المصرى والسودانى معا لا يرتاح كثيرا لوجود علاقات قوية بين القاهرة والخرطوم.. وبقدر اقتراب هذا اللوبى من دائرة القرار كانت العلاقات بين مصر والسودان تشهد فترات تراجع واضح بسبب نجاح هذا اللوبى فى إفساد العلاقات التاريخية بين البلدين..
وإذا كان هناك من يقف أمام تطور العلاقات المصرية السودانية فإن هناك بيوتا تاريخية كانت مهمتها دائما تأكيد هذه العلاقات والدفاع عنها.. إن كثيرا من رموز هذه البيوت دفعوا الثمن أمام حماقات كثيرة ارتكبتها الحكومات فى البلدين أمام شعور خاطئ بعدم المسئولية.. فى مصر كثيرون لا يحبون التقارب مع السودان.. وفى السودان أيضا من يسعى إلى إشعال الفتنة دائما بين الشعبين مستغلا فى ذلك أخطاء صغيرة هنا أو هناك..
شخصنة العلاقات
من أسوأ الأخطاء أيضا التى أساءت للعلاقات السودانية المصرية أنها قامت فى أحيان كثيرة على أسباب وعوامل شخصية وعلاقات فردية بين أصحاب القرار.. وعلى سبيل المثال فقد شهدت هذه العلاقات تحسنا كبيرا فى فترة حكم الرئيس نميرى وكان السبب فى ذلك أن الرئيس نميرى كان محبا لمصر وشعبها وكان يرى أن وحدة البلدين تمثل المستقبل والمصير.. ربما جاء بعد ذلك من عمل على إفساد هذه العلاقات والآن لا ينبغى أن نبكى على ما فات خاصة أننا أمام واقع سياسى واقتصادى بل وجغرافى جديد ينبغى أن نقيم عليه حسابات جديدة..
قد يكون من الضرورى الاستفادة من دروس الماضى وهى كثيرة وإدراك الإخفاقات الكثيرة التى وقعت فيها العلاقات بين البلدين.. إلا أن المستقبل والحاضر أيضا يفرضان صيغة جديدة لا يمكن تجاهلها لأنها بالفعل تفرض على مصر والسودان واقعا جديدا..
انفصال الجنوب امر واقع
أول مظاهر هذا الواقع الجديد أن السودان أصبح أمام تقسيم جغرافى وسكانى واقتصادى لا مفر منه.. أن انتخابات الجنوب اقتربت وأصبحت على الأبواب وكل المؤشرات تقول إن الجنوب سوف يصبح دولة مستقلة وأن أهل الجنوب لم يعد فى حساباتهم بقاء السودان الموحد.. لن نناقش الآن أسباب ما حدث وكيف وصلت الأمور إلى نقطة الفراق ولكن لابد من دراسة هذا الواقع الجديد لأن انفصال الجنوب خسارة كبيرة للدولة السودانية الموحدة أنه يمثل خسارة اقتصادية فى الدرجة الأولى لأن موارد الجنوب خاصة فى البترول تمثل جانبا مهما من جوانب القضية.. وإذا أضفنا لذلك موارد أخرى فى الزراعة والمياه والأسماك والمعادن والثروة الحيوانية لأدركنا حجم الخسائر السودانية.. وإذا كان الانفصال ضرورة فإن على مصر أن تواجه هذا التحدى وتقف بكل قواها بجانب السودان.. أن أخطر ما فى قضية الجنوب أن فيها أطرافا دولية كثيرة وهى دول كبرى لها مطامع وحسابات ابتداء بأمريكا وإسرائيل وانتهاء بدول أوروبا وشرق آسيا والصين.. يحدث هذا فى ظل غياب عربى كامل عن جنوب السودان يؤكده غياب مصر عن قضايا الجنوب..
فى الرحلة الأخيرة التى قام بها السيد عمرو موسى أمين الجامعة العربية على رأس وفد من رجال الأعمال العرب تحققت نتائج ملموسة فقد كانت هذه الزيارة أول فرصة يلتقى فيها أهل الجنوب مع الاستثمارات العربية الوافدة.. شرح وزراء الجنوب للوفد العربى مجالات الاستثمار وضماناته ومستقبل العلاقات بين رجال الأعمال العرب والتنمية فى جنوب السودان.. هناك مشروعات عربية قليلة ولكنها ناجحة وهذا يتطلب المزيد حتى لا نترك الجنوب وليمة سائغة للدول الأجنبية التى تتصارع عليه الآن..
مبارك في الجنوب
منذ شهور قليلة زار الرئيس مبارك الجنوب وأجرى مباحثات مع المسئولين فيه وكانت أول زيارة يقوم بها رئيس مصرى للجنوب منذ استقلال السودان.. والآن مطلوب من حكومة مصر أن تدعم هذا الوجود المصرى العربى فى الجنوب قبل أن يعلن استقلاله.. أن الوقوف بجانب السودان يتطلب أن يكون لمصر دور واضح فى تنمية الجنوب فليس معنى استقلاله أن تتقطع جسور العودة والتواصل بين شماله وجنوبه.. أن الجنوب سيبقى العمق الإستراتيجى للسودان فى الزراعة والأمن والمياه والعلاقات الأخوية بين أبناء الشعب الواحد حتى ولو كان الانفصال قدرا مكتوبا.. فى شمال السودان ملايين من أبناء الجنوب وهؤلاء لن يتركوا أرضهم وبيوتهم وفى الجنوب ملايين من أبناء الشمال وهؤلاء أيضا لن يتركوا بيوتهم وأرضهم.. ومن هنا فإن موقف مصر بجانب السودان فى كل هذه التحديات سوف يجعل السودان فى الوضع الأقوى أمام تحديات خارجية كثيرة.
هناك مصالح كثيرة متضاربة ومتصارعة فى الجنوب.. أن أمريكا تضع عينها على البترول والصين لن تتركها وحدها وإسرائيل تلعب فى الخفاء ودول الجوار لها مصالح فى الزراعة والمياه والأراضى وقطعان الماشية التى لا تعرف الحدود ومن هنا يجب أن يكون لنا دور بجانب السودان حتى يخرج من هذه المعركة بأقل الخسائر..
معضلة دارفور
الأزمة الثانية التى ينبغى أن تتوحد فيها مواقف مصر والسودان هى قضية دارفور.. ورغم توقيع اتفاقية السلام ووقف المعارك بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة فى الدوحة برعاية تشادية قطرية إلا أن مستقبل دارفور لم يتحدد بعد فمازالت هناك مواجهات عسكرية تطل من وقت لآخر بين الجيش السودانى وفصائل أخرى من المتمردين .. كانت أزمة دارفور من أخطر الأزمات التى شدت اهتمام الإعلام العالمى وبسببها صدر حكم المحكمة الدولية بإدانة الرئيس البشير.. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ من الآن بالمستقبل الذى ينتظر دارفور وهل ستصبح دولة مستقلة أم ستظل فى إطار السودان الموحد.. لا أحد يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال.. وسواء بقى السودان موحدا وبقيت دارفور جزءا منه أو أصبحت دولة مستقلة فإن تنمية دارفور تحتاج إلى جهد دولى وإنسانى كبير تستطيع مصر أن تشارك فيه خاصة أنها غابت كثيرا عن هذه القضية.. أن دارفور مجتمع إسلامى فقير.. يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة منهم مليونان من الهاربين والمهاجرين والمطرودين فى الدول المجاورة.. وحتى يعود هؤلاء إلى بلادهم فلابد من توفير أساليب الحياة الضرورية فى الطعام والماء والدواء.. لا أقول التنمية البشرية بمفهومها الواسع تعليما وتطورا وتحديثا ولكننا الآن أمام مجتمع لا يجد طعامه ويعيش فى الملاجئ والخيام.. تستطيع مصر أن تقوم بدور كبير فى دعم السودان على أكثر من مستوى.. أن الدول العربية تستطيع أن تقدم الدعم الاقتصادى لسكان دارفور من خلال جامعة الدول العربية والمؤسسات الاستثمارية العربية.. وفى نفس الوقت تستطيع أن تؤدى دورا أكبر من خلال رجال الأعمال المصريين والحكومة المصرية.. على جانب آخر فإن الدعم الدولى لدارفور يتطلب دبلوماسية عربية ومصرية نشيطة لوضع خطة لإعادة بناء دارفور تسهم فيها المؤسسات المالية العالمية والأوروبية.. قد يكون الموقف فى دارفور أخطر بكثير من الموقف فى الجنوب.. لقد انتهت المواجهة العسكرية فى الجنوب من سنوات بينما بقيت مشتعلة فى دارفور حتى الآن.. أن حجم الدمار والتهجير والكوارث التى لحقت بسكان دارفور كان أكبر كثيرا مما حدث فى الجنوب.. أن الأزمة الحقيقية فى دارفور أن هناك روابط وثيقة تجمع بين أهل الشمال وسكان دارفور فى الأصول العربية والعقيدة الإسلامية ومصالح كثيرة جمعت بين أبناء الشعب الواحد..
وعلى ضوء ما سيحدث فى دارفور سوف يتشكل مستقبل السودان فى السنوات القادمة ولاشك أن أمن السودان واستقراره جزء من أمن مصر واستقرارها..
أن الحروب التى أجهدت الدولة السودانية طوال ربع قرن من الزمان فى دارفور والجنوب معا والانقلابات العسكرية الداخلية والقصور السياسى وإهمال التنمية جعل السودان يواجه ظروفا تاريخية وإنسانية صعبة.. والآن يدفع السودان ثمن كل هذه الأخطاء سواء فى مخطط التقسيم أو التنمية أو سقوط الوضع الداخلى فى صراعات حزيبة وقبلية تهدد استقرار هذا البلد الشقيق..
وحدة وادي النيل
القضية الثالثة التى تمثل تهديدا مباشرا لمصالح مصر والسودان معا هى ما يحدث فى دول حوض النيل.. كلنا يعلم أن مصر والسودان هما دولتا المصب أى إن مصالحهما واحدة وأن هناك اتفاقيات دولية قديمة تحدد حصة مصر والسودان فى مياه النيل..
منذ سنوات وهناك نغمة جديدة ترتفع فى دول المنبع تدعى أن مصر والسودان تحصلان على الجزء الأكبر من مياه النيل فى ظل اتفاقية استعمارية تم توقيعها منذ أكثر من خمسين عاما وتمنح مصر والسودان ضمانات دولية فى مياه النيل.. منذ سنوات ودول المنبع وهى أثيوبيا ورواندا وبروندى وأوغندا وتنزانيا وكينيا والكونغو يتحدثون عن ضرورة وضع اتفاقية جديدة لتوزيع مياه النيل.. أن اتفاقية مياه النيل التى وقعت فى 1929 تعطى مصر الحق فى تعطيل أى مشروعات فى حوض النيل تؤثر على حصتها السنوية من المياه وفى عام 1969 وقعت مصر والسودان اتفاقية تحصل القاهرة بموجبها على 55 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويا.. أن هناك أزمة تزداد حدتها كل يوم بين مصر والسودان من جانب ودول حوض النيل من جانب آخر.. أن القاهرة والخرطوم تتمسكان بنصوص اتفاقيات توزيع المياه التى تم توقيعها من سنوات بعيده.. بل إن هذه الاتفاقيات تنص على ضمان وصول المياه لدول المصب ومع زيادة السكان فى مصر والسودان وارتفاع نسبة الحاجة إلى مزيد من المياه فإن الأزمة تتعقد كل يوم.. هناك انفصال وتعارض واضح فى المصالح بين دول المنبع ودول المصب وهما مصر والسودان ولاشك أن هذا يتطلب.. موقفا مصريا سودانيا واضحا أمام دول المنبع.. أن مصر حتى الآن تعارض أى اتفاقيات لا تضمن النص على عدم تغيير حصتها فى مياه النيل وهى 55 مليار متر مكعب.. بل إن احتياجات مصر من المياه سوف تصل فى عام 2017 إلى 86 مليار متر مكعب وهى لا تملك من مصادر المياه غير 71 مليار متر مكعب فقط.. هناك خلاف آخر واضح وصريح وهو موقف مصر والسودان من مشروعات المياه من السدود والقناطر على مجرى النهر ومصادر المياه فى دول المنبع.. هذه القضية تتطلب تنسيقا مصريا سودانيا على أعلى المستويات خاصة أن هناك ما يشبه التحدى بين دول المصب ودول المنبع.. فى مناسبات كثيرة كان هناك من يطالب بوزارة مستقلة تتولى ملف مياه النيل بين مصر والسودان لتوحيد المواقف والدفاع عن المصالح المشتركة بين البلدين.. أن أزمة المياه قادمة ولا شك فى ذلك وهناك من يرى أنها قد تفتح أبوابا للحروب فى العالم وإذا أضفنا لذلك أطرافا دولية كثيرة تعبث فى منابع النيل ومعها أمريكا وإسرائيل.. لقد سافر رئيس الوزراء د.أحمد نظيف إلى أثيوبيا وأجرى هناك مباحثات ناجحة ووقع اتفاقيات لدعم التعاون مع أهم مصادر مياه النيل وهى أثيوبيا ولكن الموقف يتطلب دعما أكبر وتنسيقا كاملا بين مصر والسودان فى المرحلة القادمة وأمام تقسيم السودان إلى دولتين وربما ثلاثة دول سنجد أنفسنا أمام واقع جغرافى وسياسى جديد قد يرتب أوضاعا جديدة فى توزيع موارد مياه النيل وقد يؤدى إلى تغيير المواقف والحسابات ليس بين دول المنبع والمصب بل بين مصر والسودان أيضا وهذا ما نخشاه فى المرحلة القادمة..
أن قضية مياه النيل هى أخطر قضايا مصر والسودان مع دول حوض النيل وهى قضية لا تحتمل التأجيل أو الإهمال بل إنها تحتاج إلى متابعة دائمة بين القاهرة والخرطوم حتى لا نجد أنفسنا أمام كوارث تتجاوز حدود كل الأزمات..
علاقة فاترة بين شقيقين
بعد هذه الثلاثية التى ينبغى أن تكون لها أولوية خاصة فى أجندة العلاقات المصرية السودانية نأتى إلى نقطة أخيرة وهى العلاقات الثنائية بين البلدين وهنا يجب أن نتساءل أين صادرات مصر للسودان وأين واردات مصر من السودان وأين المشروعات المشتركة وأين مجالات الإنتاج الزراعى المشترك.. أليس من العار أن تحظى اتفاقيات الكويز مع إسرائيل والشراكة مع أوروبا على اهتمام يفوق كل شىء فى علاقات مصر والسودان؟.. أليس من العار أن تخلو أسواق السودان من كل إنتاج مصرى؟.. لماذا نوقع عشرات الاتفاقيات مع دول أوروبا ونقبل شروطا لا يقبلها أحد بينما نهمل السودان وهو الأولى والأهم؟.. كيف نفكر فى زراعة القمح فى الأرجنتين وبيننا وبين مشروع الجزيرة فى شمال السودان خطوات قليلة.. كيف نفكر فى زراعة القمح فى أوغندا أو تنزانيا بينما توجد مساحات شاسعة من الأراضى فى شمال السودان وأين القطاع الخاص المصرى ودوره فى التنمية فى السودان؟.. أين الشعبان الشقيقان والعلاقات الأزلية؟..
أين المثقفون والمبدعون وأصحاب الرأى مما وصلت إليه العلاقات المصرية السودانية من التراجع والإهمال؟
أعرف أن هناك مجموعة كبيرة من الاتفاقيات فى التعاون الزراعى والإنتاج الحيوانى وقعتها د.فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى وهى تبذل جهدا كبيرا لإعادة روابط كثيرة غابت فى العلاقات بين البلدين ولكن مجالات التعاون بين مصر والسودان يجب أن تسبق كل الأولويات وهنا يظهر دور القطاع الخاص فى البلدين.. أن مستقبل السودان فى ظل التقسيم يتطلب مساندة مصر عن أى وقت مضى ومصر قد جربت أن تمد أيديها شمالا وشرقا وغربا وفى كل اتجاه ولن يكون لها مستقبل إلا فى السودان..
بعيدا عن الشعارات والأغانى ينبغى أن ندرك أن مصير مصر والسودان مصير واحد ويكفى الذى ضاع..
ة بين أصحاب القرار.. وعلى سبيل المثال فقد شهدت هذه العلاقات تحسنا كبيرا فى فترة حكم الرئيس نميرى وكان السبب فى ذلك أن الرئيس نميرى كان محبا لمصر وشعبها وكان يرى أن وحدة البلدين تمثل المستقبل والمصير.. ربما جاء بعد ذلك من عمل على إفساد هذه العلاقات والآن لا ينبغى أن نبكى على ما فات خاصة أننا أمام واقع سياسى واقتصادى بل وجغرافى جديد ينبغى أن نقيم عليه حسابات جديدة..
قد يكون من الضرورى الاستفادة من دروس الماضى وهى كثيرة وإدراك الإخفاقات الكثيرة التى وقعت فيها العلاقات بين البلدين.. إلا أن المستقبل والحاضر أيضا يفرضان صيغة جديدة لا يمكن تجاهلها لأنها بالفعل تفرض على مصر والسودان واقعا جديدا..
أول مظاهر هذا الواقع الجديد أن السودان أصبح أمام تقسيم جغرافى وسكانى واقتصادى لا مفر منه.. أن انتخابات الجنوب اقتربت وأصبحت على الأبواب وكل المؤشرات تقول إن الجنوب سوف يصبح دولة مستقلة وأن أهل الجنوب لم يعد فى حساباتهم بقاء السودان الموحد.. لن نناقش الآن أسباب ما حدث وكيف وصلت الأمور إلى نقطة الفراق ولكن لابد من دراسة هذا الواقع الجديد لأن انفصال الجنوب خسارة كبيرة للدولة السودانية الموحدة أنه يمثل خسارة اقتصادية فى الدرجة الأولى لأن موارد الجنوب خاصة فى البترول تمثل جانبا مهما من جوانب القضية.. وإذا أضفنا لذلك موارد أخرى فى الزراعة والمياه والأسماك والمعادن والثروة الحيوانية لأدركنا حجم الخسائر السودانية.. وإذا كان الانفصال ضرورة فإن على مصر أن تواجه هذا التحدى وتقف بكل قواها بجانب السودان.. أن أخطر ما فى قضية الجنوب أن فيها أطرافا دولية كثيرة وهى دول كبرى لها مطامع وحسابات ابتداء بأمريكا وإسرائيل وانتهاء بدول أوروبا وشرق آسيا والصين.. يحدث هذا فى ظل غياب عربى كامل عن جنوب السودان يؤكده غياب مصر عن قضايا الجنوب..
فى الرحلة الأخيرة التى قام بها السيد عمرو موسى أمين الجامعة العربية على رأس وفد من رجال الأعمال العرب تحققت نتائج ملموسة فقد كانت هذه الزيارة أول فرصة يلتقى فيها أهل الجنوب مع الاستثمارات العربية الوافدة.. شرح وزراء الجنوب للوفد العربى مجالات الاستثمار وضماناته ومستقبل العلاقات بين رجال الأعمال العرب والتنمية فى جنوب السودان.. هناك مشروعات عربية قليلة ولكنها ناجحة وهذا يتطلب المزيد حتى لا نترك الجنوب وليمة سائغة للدول الأجنبية التى تتصارع عليه الآن..
منذ شهور قليلة زار الرئيس مبارك الجنوب وأجرى مباحثات مع المسئولين فيه وكانت أول زيارة يقوم بها رئيس مصرى للجنوب منذ استقلال السودان.. والآن مطلوب من حكومة مصر أن تدعم هذا الوجود المصرى العربى فى الجنوب قبل أن يعلن استقلاله.. أن الوقوف بجانب السودان يتطلب أن يكون لمصر دور واضح فى تنمية الجنوب فليس معنى استقلاله أن تتقطع جسور العودة والتواصل بين شماله وجنوبه.. أن الجنوب سيبقى العمق الإستراتيجى للسودان فى الزراعة والأمن والمياه والعلاقات الأخوية بين أبناء الشعب الواحد حتى ولو كان الانفصال قدرا مكتوبا.. فى شمال السودان ملايين من أبناء الجنوب وهؤلاء لن يتركوا أرضهم وبيوتهم وفى الجنوب ملايين من أبناء الشمال وهؤلاء أيضا لن يتركوا بيوتهم وأرضهم.. ومن هنا فإن موقف مصر بجانب السودان فى كل هذه التحديات سوف يجعل السودان فى الوضع الأقوى أمام تحديات خارجية كثيرة.
هناك مصالح كثيرة متضاربة ومتصارعة فى الجنوب.. أن أمريكا تضع عينها على البترول والصين لن تتركها وحدها وإسرائيل تلعب فى الخفاء ودول الجوار لها مصالح فى الزراعة والمياه والأراضى وقطعان الماشية التى لا تعرف الحدود ومن هنا يجب أن يكون لنا دور بجانب السودان حتى يخرج من هذه المعركة بأقل الخسائر..
الأزمة الثانية التى ينبغى أن تتوحد فيها مواقف مصر والسودان هى قضية دارفور.. ورغم توقيع اتفاقية السلام ووقف المعارك بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة فى الدوحة برعاية تشادية قطرية إلا أن مستقبل دارفور لم يتحدد بعد فمازالت هناك مواجهات عسكرية تطل من وقت لآخر بين الجيش السودانى وفصائل أخرى من المتمردين .. كانت أزمة دارفور من أخطر الأزمات التى شدت اهتمام الإعلام العالمى وبسببها صدر حكم المحكمة الدولية بإدانة الرئيس البشير.. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ من الآن بالمستقبل الذى ينتظر دارفور وهل ستصبح دولة مستقلة أم ستظل فى إطار السودان الموحد.. لا أحد يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال.. وسواء بقى السودان موحدا وبقيت دارفور جزءا منه أو أصبحت دولة مستقلة فإن تنمية دارفور تحتاج إلى جهد دولى وإنسانى كبير تستطيع مصر أن تشارك فيه خاصة أنها غابت كثيرا عن هذه القضية.. أن دارفور مجتمع إسلامى فقير.. يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة منهم مليونان من الهاربين والمهاجرين والمطرودين فى الدول المجاورة.. وحتى يعود هؤلاء إلى بلادهم فلابد من توفير أساليب الحياة الضرورية فى الطعام والماء والدواء.. لا أقول التنمية البشرية بمفهومها الواسع تعليما وتطورا وتحديثا ولكننا الآن أمام مجتمع لا يجد طعامه ويعيش فى الملاجئ والخيام.. تستطيع مصر أن تقوم بدور كبير فى دعم السودان على أكثر من مستوى.. أن الدول العربية تستطيع أن تقدم الدعم الاقتصادى لسكان دارفور من خلال جامعة الدول العربية والمؤسسات الاستثمارية العربية.. وفى نفس الوقت تستطيع أن تؤدى دورا أكبر من خلال رجال الأعمال المصريين والحكومة المصرية.. على جانب آخر فإن الدعم الدولى لدارفور يتطلب دبلوماسية عربية ومصرية نشيطة لوضع خطة لإعادة بناء دارفور تسهم فيها المؤسسات المالية العالمية والأوروبية.. قد يكون الموقف فى دارفور أخطر بكثير من الموقف فى الجنوب.. لقد انتهت المواجهة العسكرية فى الجنوب من سنوات بينما بقيت مشتعلة فى دارفور حتى الآن.. أن حجم الدمار والتهجير والكوارث التى لحقت بسكان دارفور كان أكبر كثيرا مما حدث فى الجنوب.. أن الأزمة الحقيقية فى دارفور أن هناك روابط وثيقة تجمع بين أهل الشمال وسكان دارفور فى الأصول العربية والعقيدة الإسلامية ومصالح كثيرة جمعت بين أبناء الشعب الواحد..
وعلى ضوء ما سيحدث فى دارفور سوف يتشكل مستقبل السودان فى السنوات القادمة ولاشك أن أمن السودان واستقراره جزء من أمن مصر واستقرارها..
أن الحروب التى أجهدت الدولة السودانية طوال ربع قرن من الزمان فى دارفور والجنوب معا والانقلابات العسكرية الداخلية والقصور السياسى وإهمال التنمية جعل السودان يواجه ظروفا تاريخية وإنسانية صعبة.. والآن يدفع السودان ثمن كل هذه الأخطاء سواء فى مخطط التقسيم أو التنمية أو سقوط الوضع الداخلى فى صراعات حزيبة وقبلية تهدد استقرار هذا البلد الشقيق..
القضية الثالثة التى تمثل تهديدا مباشرا لمصالح مصر والسودان معا هى ما يحدث فى دول حوض النيل.. كلنا يعلم أن مصر والسودان هما دولتا المصب أى إن مصالحهما واحدة وأن هناك اتفاقيات دولية قديمة تحدد حصة مصر والسودان فى مياه النيل..
منذ سنوات وهناك نغمة جديدة ترتفع فى دول المنبع تدعى أن مصر والسودان تحصلان على الجزء الأكبر من مياه النيل فى ظل اتفاقية استعمارية تم توقيعها منذ أكثر من خمسين عاما وتمنح مصر والسودان ضمانات دولية فى مياه النيل.. منذ سنوات ودول المنبع وهى أثيوبيا ورواندا وبروندى وأوغندا وتنزانيا وكينيا والكونغو يتحدثون عن ضرورة وضع اتفاقية جديدة لتوزيع مياه النيل.. أن اتفاقية مياه النيل التى وقعت فى 1929 تعطى مصر الحق فى تعطيل أى مشروعات فى حوض النيل تؤثر على حصتها السنوية من المياه وفى عام 1969 وقعت مصر والسودان اتفاقية تحصل القاهرة بموجبها على 55 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويا.. أن هناك أزمة تزداد حدتها كل يوم بين مصر والسودان من جانب ودول حوض النيل من جانب آخر.. أن القاهرة والخرطوم تتمسكان بنصوص اتفاقيات توزيع المياه التى تم توقيعها من سنوات بعيده.. بل إن هذه الاتفاقيات تنص على ضمان وصول المياه لدول المصب ومع زيادة السكان فى مصر والسودان وارتفاع نسبة الحاجة إلى مزيد من المياه فإن الأزمة تتعقد كل يوم.. هناك انفصال وتعارض واضح فى المصالح بين دول المنبع ودول المصب وهما مصر والسودان ولاشك أن هذا يتطلب.. موقفا مصريا سودانيا واضحا أمام دول المنبع.. أن مصر حتى الآن تعارض أى اتفاقيات لا تضمن النص على عدم تغيير حصتها فى مياه النيل وهى 55 مليار متر مكعب.. بل إن احتياجات مصر من المياه سوف تصل فى عام 2017 إلى 86 مليار متر مكعب وهى لا تملك من مصادر المياه غير 71 مليار متر مكعب فقط.. هناك خلاف آخر واضح وصريح وهو موقف مصر والسودان من مشروعات المياه من السدود والقناطر على مجرى النهر ومصادر المياه فى دول المنبع.. هذه القضية تتطلب تنسيقا مصريا سودانيا على أعلى المستويات خاصة أن هناك ما يشبه التحدى بين دول المصب ودول المنبع.. فى مناسبات كثيرة كان هناك من يطالب بوزارة مستقلة تتولى ملف مياه النيل بين مصر والسودان لتوحيد المواقف والدفاع عن المصالح المشتركة بين البلدين.. أن أزمة المياه قادمة ولا شك فى ذلك وهناك من يرى أنها قد تفتح أبوابا للحروب فى العالم وإذا أضفنا لذلك أطرافا دولية كثيرة تعبث فى منابع النيل ومعها أمريكا وإسرائيل.. لقد سافر رئيس الوزراء د.أحمد نظيف إلى أثيوبيا وأجرى هناك مباحثات ناجحة ووقع اتفاقيات لدعم التعاون مع أهم مصادر مياه النيل وهى أثيوبيا ولكن الموقف يتطلب دعما أكبر وتنسيقا كاملا بين مصر والسودان فى المرحلة القادمة وأمام تقسيم السودان إلى دولتين وربما ثلاثة دول سنجد أنفسنا أمام واقع جغرافى وسياسى جديد قد يرتب أوضاعا جديدة فى توزيع موارد مياه النيل وقد يؤدى إلى تغيير المواقف والحسابات ليس بين دول المنبع والمصب بل بين مصر والسودان أيضا وهذا ما نخشاه فى المرحلة القادمة..
أن قضية مياه النيل هى أخطر قضايا مصر والسودان مع دول حوض النيل وهى قضية لا تحتمل التأجيل أو الإهمال بل إنها تحتاج إلى متابعة دائمة بين القاهرة والخرطوم حتى لا نجد أنفسنا أمام كوارث تتجاوز حدود كل الأزمات..
بعد هذه الثلاثية التى ينبغى أن تكون لها أولوية خاصة فى أجندة العلاقات المصرية السودانية نأتى إلى نقطة أخيرة وهى العلاقات الثنائية بين البلدين وهنا يجب أن نتساءل أين صادرات مصر للسودان وأين واردات مصر من السودان وأين المشروعات المشتركة وأين مجالات الإنتاج الزراعى المشترك.. أليس من العار أن تحظى اتفاقيات الكويز مع إسرائيل والشراكة مع أوروبا على اهتمام يفوق كل شىء فى علاقات مصر والسودان؟.. أليس من العار أن تخلو أسواق السودان من كل إنتاج مصرى؟.. لماذا نوقع عشرات الاتفاقيات مع دول أوروبا ونقبل شروطا لا يقبلها أحد بينما نهمل السودان وهو الأولى والأهم؟.. كيف نفكر فى زراعة القمح فى الأرجنتين وبيننا وبين مشروع الجزيرة فى شمال السودان خطوات قليلة.. كيف نفكر فى زراعة القمح فى أوغندا أو تنزانيا بينما توجد مساحات شاسعة من الأراضى فى شمال السودان وأين القطاع الخاص المصرى ودوره فى التنمية فى السودان؟.. أين الشعبان الشقيقان والعلاقات الأزلية؟..
أين المثقفون والمبدعون وأصحاب الرأى مما وصلت إليه العلاقات المصرية السودانية من التراجع والإهمال؟
أعرف أن هناك مجموعة كبيرة من الاتفاقيات فى التعاون الزراعى والإنتاج الحيوانى وقعتها د.فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى وهى تبذل جهدا كبيرا لإعادة روابط كثيرة غابت فى العلاقات بين البلدين ولكن مجالات التعاون بين مصر والسودان يجب أن تسبق كل الأولويات وهنا يظهر دور القطاع الخاص فى البلدين.. أن مستقبل السودان فى ظل التقسيم يتطلب مساندة مصر عن أى وقت مضى ومصر قد جربت أن تمد أيديها شمالا وشرقا وغربا وفى كل اتجاه ولن يكون لها مستقبل إلا فى السودان..
بعيدا عن الشعارات والأغانى ينبغى أن ندرك أن مصير مصر والسودان مصير واحد ويكفى الذى ضاع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.