مندوب الصومال بمجلس الأمن: نرفض رفضا قاطعا أية محاولات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين ل«صوماليلاند»    ترامب يُحذِّر إيران من إعادة بناء برنامجها النووي بينما يجري محادثات مع نتنياهو    الجيش الأمريكي يستهدف سفينة تقل مهربين للمخدرات في المحيط الهادئ (فيديو)    انهيار كامل خلال أيام، بيان كارثي من جون إدوارد يصدم جمهور الزمالك    القبض على مدير مبيعات أطلق النار احتفالًا بفوز مرشح في الانتخابات    "فوربس" تعلن انضمام المغنية الأمريكية بيونسيه إلى نادي المليارديرات    بوينج توقع عقدًا بقيمة 8.5 مليار دولار لتسليم طائرات إف-15 إلى إسرائيل    حسين المناوي: «الفرص فين؟» تستشرف التغيرات المتوقعة على سوق ريادة الأعمال    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    الإمارات تدين بشدة محاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي    النيابة تأمر بنقل جثة مالك مقهى عين شمس للمشرحة لإعداد تقرير الصفة التشريحية    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    بعد نصف قرن من استخدامه اكتشفوا كارثة، أدلة علمية تكشف خطورة مسكن شائع للألم    أستاذ أمراض صدرية: استخدام «حقنة البرد» يعتبر جريمة طبية    نيس يهدد عبدالمنعم بقائد ريال مدريد السابق    القباني: دعم حسام حسن لتجربة البدلاء خطوة صحيحة ومنحتهم الثقة    حوافز وشراكات وكيانات جديدة | انطلاقة السيارات    ترامب ل نتنياهو: سنكون دائما معك وسنقف إلى جانبك    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    انهيار منزل من طابقين بالمنيا    فرح كروان مشاكل على حفيدة شعبولا يتحول إلى تحرش وإغماء وعويل والأمن يتدخل (فيديو وصور)    حسام حسن يمنح لاعبى المنتخب راحة من التدريبات اليوم    ناقدة فنية تشيد بأداء محمود حميدة في «الملحد»: من أجمل أدواره    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    أزمة القيد تفتح باب عودة حسام أشرف للزمالك فى يناير    تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا    مجلس الوزراء: نراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية كجزء من الإصلاح الشامل    الزراعة: نطرح العديد من السلع لتوفير المنتجات وإحداث توازن في السوق    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    الكنيست الإسرائيلي يصادق نهائيًا على قانون قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب «الأونروا»    أحمد موسى: 2026 سنة المواطن.. ونصف ديون مصر الخارجية مش على الحكومة علشان محدش يضحك عليك    هيفاء وهبي تطرح أغنيتها الجديدة 'أزمة نفسية'    سقوط موظف عرض سلاحا ناريا عبر فيسبوك بأبو النمرس    التعاون الدولي: انعقاد 5 لجان مشتركة بين مصر و5 دول عربية خلال 2025    وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    الصحة: ارتفاع الإصابات بالفيروسات التنفسية متوقع.. وشدة الأعراض تعود لأسباب بشرية    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    اسعار الخضروات اليوم الإثنين 29ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة يكتب: زلزال مياه النيل .. أزمة عابرة أم مستقبل مخيف؟
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 05 - 2010

أفاق المصريون فجأة على زلزلزال عنيف يسمى زلزال مياه النيل فقد اكتشفوا فجأة وهم فى حالة نوم عميق حكومة وشعبا أن الأرض تتحرك من تحت أقدامهم وأن ما كان من الثوابت أصبح فى مهب الريح وأن التاريخ القديم الذى قامت عليه حضارة وادى النيل أصبح ذكريات قديمة لدى أصحابها..
أفاقت حكومة مصر وهى نائمة فى العسل على اتفاقيات وتوقيعات وانقسامات غيرت معالم كل شىء.. لقد أطاح هذا الزلزال المخيف بتاريخ طويل من الثوابت القانونية والأعراف والعلاقات الإنسانية والتاريخ الحافل بين دول المنبع ودول المصب.. فجأة اكتشفت مصر أن أهم الأشياء فى حياة المصريين يتعرض لأخطار رهيبة.. إنه ماء النيل الذى عاشت عليه مصر آلاف السنين سلاما وأمنا وحروبا وهزائم وانتصارات.. تستطيع أن تختصر عمر الحضارة الإنسانية فى أقدم عصورها على ضفاف هذا النهر الأشهر والأكبر والأهم فى تاريخ الأنهار فى العالم..
يرون أن مصر أضعف من اتخاذ قرار
لا أريد أن أتحدث عن جذور القضية فقد كانت طوال الأسابيع الأخيرة حديث مصر كلها.. ولن أتحدث عن أخطاء ارتكبناها وكانت سببا فيما نواجه الآن من محن وأزمات.. ولن أتحدث عن جوانب الفشل فى هذه المعركة فقد كانت الأسباب واضحة وصريحة وكانت النتائج فوق ما تصورت عقولنا.. ولكن المهم الآن أن نقف مع أنفسنا ونسأل ماذا نفعل الآن وما هى الأوراق التى يمكن أن نلعب بها فى هذه المباراة الخطيرة فى حياة المصريين.. أننا هنا لسنا فى مباراة فى بطولة أفريقيا التى كسبناها ثلاث مرات متتالية ويبدو أننا كسبنا فى اللعب وخسرنا فى معركة الحياة..
نحن الآن أمام قوة إقليمية قررت أن تغير قواعد اللعبة ولا شك أنها تستغل ظرفا تاريخيا صعبا وكما قالت إحدى الصحف الكينية إن مصر لا تستطيع أن تفعل الآن شيئا لأنها أضعف من أن تتخذ قرارا.. أنها أى مصر على أبواب انتخابات تشريعية مهمة.. وسوف تشهد فى العام القادم انتخابات رئاسية.. وأن دول المنبع كان عليها أن تستغل هذه اللحظة التاريخية التى تعيشها مصر حتى تنفذ ما تريد..
على جانب آخر فإن السودان يعيش أسوأ حالاته.. انفصال فى الجنوب سوف يصبح واقعا دوليا وجغرافيا وتاريخيا بعد بضعة شهور.. ومعارك تجرى فى إقليم دارفور الذى أصبح الآن مأساة دولية ومن المرجح أن ينفصل عن السودان.. كما أن المعارضة السودانية تمضى فى طريق ونظام الحكم يمضى فى طريق آخر ولا أمل فى لقاء يجمع بينهما.. أن ذلك يعنى أن مصر تمر بمرحلة مخاض صعبة وأن السودان يواجه مشكلات التقسيم وهذا يعنى أن دول المنبع فى موقف أفضل..لا شك أن هذه القراءة أغرت دول المنبع بقيادة إثيوبيا وبدعم أمريكى قديم وتآمر صهيونى واضح أن تكون إثيوبيا هى رأس الحربة فى قيادة هذا التجمع الإقليمى الذى يحاول أن يفرض واقعا جديدا..
أوراق اللعب ليست في أيدينا
هناك أوراق كثيرة فى يد دول المنبع لابد أن نعترف بها..أول هذه الأوراق وأهمها أن المياه تأتى من بلادهم بمعنى أن الأمطار تسقط فى هذه البلاد.. ولا تستطيع إطلاقا أن نتجاهل هذه الحقيقة أن منابع النيل الذى نعيش عليه ليست بين أيدينا نحن ولكنها فى يد الآخرين..
لا شك أن هناك عمليات شحن تاريخية ضد مصر والسودان لم تكن على مستوى الحكومات فقط ولكنها أخذت مساحات واسعة فى الشارع.. لا نستطيع أن ننكر أن شعوب هذه الدول تطالب بسيطرة كاملة على موارد المياه.. من الخطأ أن نتصور أن العالم كل العالم سيكون معنا فى هذه المعركة.. أن الدول الغربية ترى أن تنمية دول شرق أفريقيا ترتبط فى الأساس بالتنمية الزراعية والحيوانية وقد تتعاطف هذه الدول مع مصر إعلاميا إلا أنها فى الحقيقة تبحث عن مصالحها ومشروعاتها فى هذه الدول..
إن أفريقيا الآن هى المستقبل الذى تتجه إليه كل الأنظار أنها الأرض البكر التى تطوف حولها الشركات العالمية والمؤسسات المالية الدولية حيث إمكانيات الإنتاج الزراعى الوفير خاصة مع اتجاه دول العالم إلى إنتاج طاقة نظيفة من الحاصلات الزراعية وهذا يعنى أن الهدف هدف مشترك بين إنتاج الغذاء وإنتاج الطاقة..ولا يستطيع أحد أن ينكر أن هذه الدول عانت ظروفا اقتصادية وإنسانية صعبة أمام حروب قصيرة أو طويلة وانقلابات عسكرية ومعدلات للفقر تجاوزت كل الحدود حيث شهدت مجاعات كثيرة وصراعات بين مؤسسات الحكم وتقلبات سياسية حادة وعنيفة..
أزمة النيل بدأت بانفصال جنوب السودان
لابد أن نعترف أن هناك مقدمات سبقت ما يحدث الآن وأن الذى نراه فى دول حوض النيل سبقته مؤشرات كثيرة..كان انفصال جنوب السودان أول هذه المؤشرات التى لم يقرأها أحد فى الوقت المناسب.. بعد عشرين عاما من الحرب الأهلية أوشك الجنوب أن ينشطر عن الشمال ويصبح شرخا أبديا بين دول المنبع ودول المصب.. لقد أصبح انفصال جنوب السودان حقيقة واقعة الآن وسوف يكون ذلك أسوأ واقع يواجه مصر والسودان معا.. أن قيام دولة مستقلة فى جنوب السودان ستكون هى الأغنى من حيث الموارد.. والأقرب إلى العمق الأفريقى من حيث الأصول والأهداف والدوافع..
وهى الجانب الذى سيعطى قضية الانقسام التاريخى بين دول المصب ودول المنبع صورة أكثر وضوحا وتأكيدا.. وقبل هذا نحن أمام انقسام عرقى ودينى وجغرافى خطير سيكون سببا فى حالة انفصال وربما حالة قطيعة..
لقد كانت المعارضة السودانية على حق حينما أدانت انفصال الجنوب مهما كانت الأسباب لأن القضية أكبر من انقسام شعبين.. ورغم كل ما يقال عن الروابط بين الشعبين فى الشمال والجنوب فى السودان إلا أن الأقرب بحكم الواقع والتكوين أن دولة الجنوب سوف تتجه جنوبا على الأرجح وليس شمالا..
غياب مصري عن القرن الأفريقي لصالح إسرائيل
فى هذا السياق، لا نستطيع أن ننكر خطورة ما حدث فى الصومال.. لقد تعاملت مصر والسودان مع قضية الصومال وكأنها شىء لا يعنى أحدا رغم أن الصومال الموقع والدور والشعب كان صاحب تأثير رهيب فى توازنات هذه المنطقة لقد كبر دور أثيوبيا على حساب الصومال وإريتريا وجيبوتى وهذه الدول الثلاث كانت تمثل أوراقا مهمة فى لعبة التوازنات الإقليمية فى هذه المنطقة.. لقد لعبت أمريكا دورا خطيرا وساعدت إسرائيل على نجاح اختراقها لدول شرق أفريقيا فى السنوات الماضية وأمام غياب كامل لمصر..
وأمام ظروف صعبة يعيشها السودان وأمام دعم عسكرى واضح لإثيوبيا من أمريكا وإسرائيل نجحت فكرة حصار مصر والسودان وكانت مياه النيل أولى ثمار هذا الحصار لا يمكن لنا أن نتجاهل أن قيام إثيوبيا بدور الزعامة لدول المنبع كان نتيجة متوقعة لتراجع أدوار الكتلة العربية فى هذه المنطقة وقد بدأت بالسودان والصومال واريتريا وجيبوتى وعلى الجانب الآخر كانت اليمن وحروبها الاهلية التى سحبت الكثير من الرصيد العربى فى القرن الأفريقى..
نحن الآن أمام مؤامرة دولية لحصار مصر والسودان رغم كل ما يبدو لنا من مظاهر الصداقة والتعاون.. لقد خلعت أمريكا وإسرائيل السودان من الجنوب.. وخلعت مصر تماما من القرن الافريقى.. وتركت اليمن يعيش محنة الحرب الأهلية ولم يبق غير تدويل مياه القرن الافريقى على حدود الصومال التى تمتد على شواطئ المحيط على مساحة 2800 كيلو متر.. فى ظل غياب مصر والسودان عن القرن الافريقى كان من السهل الانفراد بالصومال وجيبوتى والسيطرة على هذا الجزء الاستراتيجى فى مدخل البحر الأحمر والممرات الدولية للبترول وهذه أكبر ضمانات حماية إسرائيل..
استعادة أوراق اللعب ضرورية
فى ظل هذا الواقع المتردى جاءت أزمة مياه النيل فى ظل ظرف تاريخى وسياسى وعسكرى مناسب.. لو كان السودان موحدا.. ولو كان الصومال فى حالة استقرار.. ولو كانت جيبوتى وارتيريا والوجود العربى فى هذه المنطقة فى أحسن حالاته ولو كانت مصر فى قيادتها وتأثيرها العربى ما اتخذت دول المنبع هذا الموقف المتشدد مع مصر والسودان فى هذه القضية الخطيرة..
إن البعض يطالب الآن بمد جسور التعاون والتفاهم مع دول المنبع ولكن المطلوب أيضا هو إعادة العلاقات القديمة بين مصر والسودان من جانب والصومال وإريتريا وجيبوتى من جانب آخر.. أن إثيويبا ستكون رأس الحربة الذى تقفز به إسرائيل إلى هذه الدول الصغيرة وهى تعيش أسوأ حالاتها.. لن يبقى السودان كبيرا بعد انفصال الجنوب.. ولن تبقى مصر قادرة على حماية السودان المنقسم المتشرذم بين تكتلات جديدة تدعمها أمريكا وتغزوها إسرائيل.. لقد انتهى العصر الذى كانت مصرفية قادرة على أن تفرض شروطها على الجميع.. ولم يعد بين زعماء دول المنبع هيلا سلاسى بعلاقاته القديمة مع مصر، نحن الآن أمام واقع جديد ينبغى أن نستخدم فيه كل أوراقنا ولا شك أنه بقى لدينا الكثير..
وزارة مستقلة لإدارة شئون أفريقيا
على المستوى الداخلى مطلوب وزارة مستقلة للشئون الأفريقية لأن ما تعرضت له مصر من خسائر فى السنوات الماضية كان نتيجة إهمال شديد للعلاقات السياسية بيننا وبين هذه الدول كما كان الإهمال الأكبر لملف مياه النيل الذى انتقل بين أكثر من جهة وظل حائرا بين الخارجية والرى.. إن إنشاء وزارة للشئون الأفريقية يمكن أن يضم عدة ملفات من أهمها ملف مياه النيل والعلاقات مع السودان والمخاطر التى سيواجهها فى ظل التقسيم وانفصال الجنوب وربما انفصال أجزاء أخرى.. هذه الوزارة ستضع تصورا كاملا عن العلاقات بين مصر وأفريقيا فى ظل حسابات جديدة أكثر واقعية..
من الخطأ أن ننظر إلى ما حدث مع دول المنبع كقضية مستقلة عن قضايا أخرى تخص هذه المنطقة.. من أولويات ذلك استقرار الصومال.. وإعادته إلى الصف العربى مرة أخرى مع وضع أولويات للتنمية فى جيبوتى وإريتريا لإعادة التوازن فى مواقع هذه الدول وتنسيق أدوارها..
إعادة الدور العربي للقارة السمراء
لابد من التنسيق بين مصر والسودان من جانب والدول العربية الشقيقة من جانب آخر لأن استثمارات دول الخليج خاصة السعودية وقطر والإمارات العربية تتجه الآن إلى دول شرق أفريقيا خاصة إثيوبيا ولا شك أن هذه الدول تستطيع أن تكون صاحبة دور مؤثر فى مستقبل هذه المنطقة.. لا يعقل مثلا أن تقوم دول عربية شقيقة بتمويل مشروعات زراعية على مياه النيل فى إثيوبيا فى الوقت الذى تتعرض فيه مصر لمخاطر كبيرة بسبب ذلك.. هناك مؤتمرات ولقاءات واتفاقات بين إثيوبيا والسعودية ومعظمها يتجه إلى الإنتاج الزراعى والحيوانى وهذا كله سيقوم على مياه النيل وهو تهديد واضح لمصالح مصر والسودان..
لقد التقى أخيرا الرئيس مبارك مع السيد عمرو موسى أمين الجامعة العربية وأعلن موسى أن الجامعة العربية تستطيع أن تقوم بدور فى قضية مياه النيل مع دول المنبع.. والمطلوب أن تكمل الجامعة هذا الدور مع الدول العربية التى تتجه أموالها للزراعة فى أثيوبيا وأوغنده وتنزانيا وان تدرس الجامعة العربية هذه الاستثمارات وتحدد مدى خطورتها على مستقبل المياه فى مصر والسودان..
حصار أمريكي لمصر في البحر الأحمر
إن إهمال الوجود المصرى فى البحر الأحمر قضية خطيرة على كل المستويات فى هذا البحر توجد قناة السويس وهى تمثل ركنا مهما وخطيرا من أركان موارد الدولة المصرية.. وعلى البحر الأحمر توجد أكثر من دولة عربية فهو بحر عربى بكل المقاييس ومن الخطأ الجسيم أن نترك إسرائيل وأمريكا ودول أخرى تعبث فى هذا المكان.. إن بقاء اليمن قويا موحدا.. وإنقاذ الصومال من الحروب الأهلية.. ووقف نزيف الانقسامات فى السودان.. ودعم جيبوتى وتأكيد الوجود العسكرى العربى فى البحر الأحمر قضية لها علاقة مباشرة بمياه النيل.. أن مصر القوية بالدعم العربى يمكن أن تحبط مؤامرات كثيرة ولابد أن نعيد استخدام أوراقنا الإقليمية التى كانت بين أيدينا وفرطنا فيها لمصلحة أطراف أخرى تحت دعاوى التعاون والصداقة..
لابد أن نكون على وعى بما يدور خلف الكواليس من دول تدعى صداقتنا أن أمريكا لا تريد وجودا مصريا على الإطلاق فى أى دولة عربية.. ومنذ وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وهناك عملية حصار وتقليص دائم للدور المصرى.. أن كل ما يساعد على هذا الحصار يجد استجابة وتأييدا من أمريكا وإسرائيل.. أن أمريكا تريد مصر فى حدودها فقط لا تريد لها امتدادا فى الجنوب ولا دورا فى الخليج العربى ولا مكانا فى البحر الأحمر ومن هنا كان اللعب بأوراق مثل مياه النيل واستقلال جنوب السودان.. والحرب الأهلية فى دارفور بل إن أمريكا تشعل من وقت لآخر الفتن الداخلية بين المصريين المسلمين والأقباط.. هذا الحصار هو الذى أعطى لدول المنبع فرصا تاريخية لتغيير خريطة أفريقيا وإبعاد مصر والسودان وحصارهما بعيدا عن كل هذه الأوراق..
عودة رموز الدبلوماسية لدول أفريقيا
لابد أن تعود مواكب الدبلوماسية المصرية برموزها التاريخية إلى دول أفريقيا ولدينا الكثير من هذه الرموز التى مازالت تتمتع برصيد تاريخى طويل.. يستطيع د.بطرس غالى بكل ثقله السياسى وتجربته الثرية أن يعيد الكثير من الجسور التى تقطعت مع دول أفريقيا.. لقد نسى البعض أن د.بطرس غالى نجح فى انتخابات الأمم المتحدة بدعم أفريقى كامل وهو قادر على ان يعيد لمصر الكثير مما ضاع منها فى هذه القارة.. لدينا أيضا واحد من الشخصيات التى وهبت حياتها لقضايا أفريقيا وهو السيد محمد فائق وزير الإعلام الأسبق وواحد من أهم الشخصيات التى ارتبطت بتاريخ أفريقيا فى مراحل نضالها واستقلالها..
ولدينا أيضا الدكتورة فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى ولها رصيد كبير من العلاقات فى دول أفريقيا ولن ننسى السيد محمد غانم رئيس شركة النصر للتصدير والاستيراد وكان له دور تاريخى فى العلاقات بين مصر وأفريقيا.. ولابد أن نستغل البعد الدينى للكنسية المصرية وقداسة البابا شنودة والعلاقات التاريخية مع دول أفريقيا.. كما أن للأزهر الشريف بعلمائه ومشايخه دورا كبيرا فى دول شرق أفريقيا.. أن المثل القديم يقول ما حك جلدك مثل ظفرك والمطلوب أن نتحرك نحن تجاه أفريقيا ولسنا فى حاجة إلى دعم أمريكى أو إيطالى أو إسرائيلى لأن هذه الدول تبحث عن مصالحها ولها حسابات تتعارض تماما مع مصالحنا كان من الخطأ الجسيم أن نتجه إلى الكويز والكتلة المتوسطية ونترك منابع النيل وقد حان الوقت لنعيد التوازن إلى علاقاتنا بدول العالم كانت لدينا مؤسسات وشركات لعبت دورا خطيرا فى سنوات ازدهار العلاقات المصرية الأفريقية ومنها شركة النصر للتصدير والاستيراد ولا أدرى كيف يمكن إعادة هذا الدور مرة أخرى..
الورقة الأهم: الاستثمارات عربية والسيادة مصرية
ولا ينبغى أن نتجاهل العمق العربى فى هذه المواجهة وأن الاستثمارات العربية تستطيع أن تقوم بدور كبير.. وهناك دول عربية يمكن أن تكون صاحبة دور إذا وجدت منا الدعم المناسب وفى مقدمتها الصومال وجيبوتى واريتريا وجنوب السودان..
وقبل هذا كله ان مصر القوية القادرة على حماية مصالحها وتأكيد سيادتها هى أول وآخر الأوراق، وأن أخطر ما فى زلزال مياه النيل هو صورة التحدى السافر الذى بدت عليه مواقف وقرارات دول المنبع تجاه مصر والسودان وعدم اعترافها باتفاقيات دولية يجب احترامها: أن ما حدث ليس فقط تهديدا لحقوق مصر والسودان فى مياه النيل ولكنه تهديد لسيادة هذه الدول وحياة شعوبها وهذا أخطر ما فى القضية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.