أصبح الآن الشغل الشاغل للمتخصصين فى علم الاجتماع والطب النفسى هو البحث عن سر التغيير فى الشخصية المصرية.. فبعد أن كان المصرى لا يتحمل أى محتل «يحك له مناخيره»، أصبح الآن حملاً وديعاً وفأراً مستأنساً.. وينبرى المحللون فى تفسير ذلك مرة بإلحاق السبب بثورة يوليو وانقلاب الموازين الاجتماعية الناتج عنها ومرة بالانفتاح الاقتصادى.. وممكن أيضا السفر للخليج والعولمة والإنترنت والفضائيات.. إلخ إلخ.. طب ما هى كل بلاد العالم حدث بها ثورات قلبت موازينها الاجتماعية.. وكل شعوب العالم منفتحة ومتعولمة ومتأنترنتة و«تسترزق» فى الخليج، فلماذا المصرى فقط هو الذى تخلف وخاب؟!!.. أعتقد، فيما أعتقد، أن هذه الخيبة موهبة ربانى.. فهناك مثلا أبو علم الاجتماع ابن خلدون، وصف أهل مصر بأنهم يميلون إلى الفرح والمرح والغفلة عن العواقب.. أما چوستاف لوبون فى كتابه «الحضارة المصرية القديمة» فربط بين الطبيعة فى مصر وامتداد النيل وعلى ضفتيه الخضرة فى سلاسة ويسر، ربط هذا بحب المصرى للبساطة والكسل والوداعة وابتعاده عما يثير غضبه.. أما جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر» فهو يستنتج أن «الأمة المصرية أمة متعددة الجوانب، متعددة الأبعاد والآفاق، مما يثرى الشخصية الإقليمية والتاريخية.. فلها بعد آسيوى وبعد أفريقى وبعد نيلى وبعد متوسطى، وكل بعد من هذه الأبعاد يترك بصمته على الشخصية المصرية بشكل أو بآخر».. أما أنا، فحين فكرت أن أتفزلك وأحاول أن أحلل الشخصية المصرية بناء على كل هذا، وجدت أن المصرى أصبح عنده هس هس.. أو بمعنى أدق المصرى أصبح شخصية زئبقية.. من الصعب أن تضعه فى إطار وصفى محدد.. وإن كان وصف جمال حمدان بأن الشخصية المصرية شخصية متناقضة يعد هو الأقرب للحقيقة.. يعنى عندك مثلا المواطن السعيد وهو يعبر الشارع أمامك وأنت تقود سيارتك تجده إذ فجأة أدار وجهه فى الاتجاه الآخر ثم يمشى أمام سيارتك وهو «يتمخطر» ولا ينظر إليك وكأنه يقول لك إنه هيعدى غصب عنك وهذه مشكلتك أنت وليست مشكلته!.. وبدون أى تقدير منه لاحتمال أن تكون فرامل سيارتك ضعيفة مثلا!.. وذات نفس هذا المواطن السعيد بعد أن ينتهى من عبور الشارع أمامك ويتسبب فى انفجار مرارتك ومصرانك الغليظ تجده يركب سيارته ثم ينهال بالسباب على السيدة التى تعبر الشارع أمام سيارته وهى «تتمخطر» مثلما كان يفعل هو!.. منتهى التناقض والهس هس.. أما عن السؤال الخالد: لماذا يصمت المصرى على فساد الحال ولا يثور؟!! فأنا أعتقد أن من ساعة ما بلدنا قعدت ع الترعة تسرح شعرها والمصرى أيضا قعد بجوارها وريح ونام.. وبالتالى فهو لن يعترض بشكل إيجابى على أى شىء.. لأن الاعتراض أو الثورة يعنيان حركة ومجهوداً.. والمصرى لا يحب أن يبذل أى مجهود.. وأصبح يستعيض عن المجهود بالفهلوة.. ويكفى أن المثل الشهير «اللى يلاقى دلع ولا يتدلعش» ليس له أى مقابل فى الثقافات الأخرى.. لكن لو هناك ثورة تعتمد على الفهلوة يبقى خير وبركة.. ولو فيه ثورة عن طريق الموبايل أو 0900 ويكون فيها جوائز يبقى أحسن وأحسن.. ثم هو هيثور ليه أصلا؟.. لقد وجد عبر التاريخ أنه كلما تخلص من مستعمر يأتى إليه التانى، دواليك دواليك على ودنه.. اللى فرنسى واللى إنجليزى واللى تركى واللى مصرى.. مافرقتش بقه!.. وإن كنت أعتقد أن صبره الحالى على الفساد المتفشى، ممكن يكون تسليما منه بالقسمة والنصيب لأنه فى النهاية شعب قدرى، وعملا منه بالمثل القائل: «خليك مع مجنونك لا يجيلك اللى أجن منه»!.