فى لقاء سابق مع الدكتور محمد غنيم مؤسس مركز الكلى بالمنصورة، أعلن عدم رضاه عن أن تكون البدائل المتاحة أمام المصريين هى الاختيار ما بين الحزب الوطنى والإخوان المسلمين كنتيجة للانتخابات البرلمانية فى عام 2005، لكنه كان متحمسا لأن يفعل شيئا لطرح بديل ثالث. لم يدخر غنيم وقتها جهدا فى طرح رؤيته لهذا البديل والمشاركة فى العمل السياسى المباشر فسارع بالانضمام لحزب الجبهة الديمقراطية. لكن يبدو أن حماس غنيم تحول إلى نوع من الفتور والإحباط بسبب تجاهل ما طرحه من أفكار، وقال فى حواره مع «الشروق»:آرائى التى أعلنتها سواء من خلال كتاباتى الصحفية أو حواراتى التليفزيونية لم تناقش سلبا أو إيجابا، ولا يوجد لدى إضافات جديدة لما قلت». ورغم هذا الشعور بأن مهمة الإصلاح كبيرة والسن تقدم به فإنه ما زال متمسكا ببعض خيوط الأمل كتلك التى يلتمسها أثناء إجرائه لعملية جراحية ميئوس منها. وإلى نص الحوار: ما تقييمك للأوضاع العامة منذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2005؟ هناك برنامج الرئيس المعلن، ولكن لا أستطيع الحكم على ما تحقق منه، لأن قدر البيانات المتاحة إما محدود أو غير دقيق، الرئيس أعلن عن أنه سيوفر 4 ملايين وظيفة، هل تم ذلك فعلا؟ لا أعرف! وقد وعد بالتوسع الزراعى الأفقى، أين هو؟ هناك توسع زراعى محدود، لكن على الجانب الآخر هناك تبوير مماثل أو يزيد عما تم الإعلان عنه. السبب الرئيسى للمشكلات التى نعانى منها هى ما يعرف بالرأسمالية الطليقة التى نتج عنها استقطاب فى الثروة أدى إلى استقطاب مجتمعى أدى بدوره إلى استقطاب فى التعليم والصحة وإلى الاحتكار والإغراق. وثبت أن الرأسمالية الطليقة يمكن أن يكون لها أخطاء جسيمة ونحن نرى ذلك فى الاقتصاد العالمى. الرأسمالية واقتصاد السوق يجب أن تحكمه قواعد وقوانين منظمة للبنوك ولسوق المال وحركة رأس المال والضرائب، وكنتيجة لهذه الرأسمالية الطليقة يقوم أحد كبار الرأسماليين فى مصر بإنشاء منتجع سياحى ضخم فى جبال الألب بسويسرا، هذا نوع من الجنوح، هذه النقود التى ستستثمر فى إنشاء هذا المنتجع بها هى أموال كسبها من مصر، كان من الأولى أن يقوم بعمل مشروعات فى الداخل لتوفير الوظائف ولتخفيف المعاناة، وهذه هى الرأسمالية الطليقة التى يجب أن نجد لها حلا. وما أعرفه جيدا هو ما حدث فى قضية التعليم والبحث العلمى خلال الخمس سنوات الماضية. كلنا نعرف ما يحدث بالتعليم ما قبل الجامعى. لا نتحدث عن رفاهية السبورة الضوئية والتعليم الإلكترونى، المدارس فى بعض الأحيان تفتقر إلى وجود الكهرباء. ينتج عن هذا أن يتخرج التلاميذ من المدرسة دون تعليم حقيقى، ويعالج الأمر بالسياسة الاسترضائية، فى امتحانات لا تقيس قدرات التلاميذ ويظهر الأمر فى نتيجة الثانوية العامة المبالغ فيها والأرقام غير الطبيعية التى يحصل عليها الطلاب. وينتج عن منظومة التعليم الضعيفة التى تقدمها الحكومة فى التعليم ما قبل الجامعى نمو مضطرد فى الدروس الخصوصية والتعليم الخاص، وكلا الظاهرتين فى تزايد. الحكومة رصدت مبلغا كبيرا جدا لزيادة رواتب المدرسين، فيما يعرف بكادر المعلمين لكن نصيب كل مدرس من الزيادة ما زال ضئيلا، وبالتالى لم تؤد الزيادة إلى تحسين أوضاع المدرس بحيث إنك تستطيع أن تجرم الدروس الخصوصية، وفى نفس الوقت صرفت مبلغا كبيرا من المال دون عائد حقيقى، وها هو التعليم الأزهرى والإداريين يطالبون بنفس الزيادة. الحكومة فتحت على نفسها فتحة غير مؤثرة وفى نفس الوقت تستنفذ المال. ماذا كان يمكن أن تفعل الحكومة إذن؟ هناك حوالى 15 مليون طالب فى التعليم ما قبل الجامعى. تصرف الحكومة على التعليم حوالى 30 مليار جنيه بما يعنى 3% من الناتج القومى الإجمالى، فى حين تصرف الأردن 8.5% من الناتج القومى على التعليم، وفى إسرائيل يصرف على الطالب 1500 دولار. التعليم يجب أن يكون له الأولوية فى أى مشروع تنموى، ولكى نصل به إلى الحد الأدنى، بمعنى ألا تزيد كثافة الفصل على 30 تلميذا وأن يكون الكتاب المدرسى حديثا ومحببا لدى الطالب، وتزيد كفاءة المدرس، وتقدم تعليما إجباريا ومجانيا مدته 12 عاما للتعليم ما قبل الجامعى، ويوما دراسيا كاملا وأن تمتد فترة الدراسة 40 أسبوعا فى العام، هذا يكلف ما بين 50: 60 مليار جنيه وتوفير هذا المبلغ ليس صعبا ويمكن توفيره بطرق عديدة. الكارثة الأخرى هى الثانوية العامة ففى إطار ما يسمى بالسياسة الاسترضائية يتم قبول جميع الطلبة فى الكليات والمعاهد وهو ما ينتهى بخريج لا يصلح للعمل بالداخل أو الخارج. ظاهرة أخرى جديدة وهى التعليم الجامعى الخاص وهو شىء مدمر، وهو نتيجة للاستقطاب فى الثروة نتج عنه استقطاب فى التعليم. هذه الجامعات تعمل فى تخصصات قليلة عائدها كبير لأنها تفكر بعقلية المستثمر الذى يريد المكسب. ويعتمدون على أعضاء هيئة تدريس منتدبين أو معارين من الجامعات الحكومية أى إنهم يستنزفون الجامعات الحكومية دون أن يقدموا شيئا، ولم نسمع أنهم قاموا بعمل أبحاث علمية وهى وظيفة مهمة فى الجامعات. لم نسمع أن دولة عقلانية بها تعليم خاص. أمريكا وهى أعتى الدول الرأسمالية لا يوجد بها تعليم خاص، الربح الذى تحققه الجامعات الخاصة فى أمريكا يعاد ضخه مرة أخرى فى منظومة التعليم. الجامعة الفرنسية افتتحها الرئيس الفرنسى شيراك والجامعة الانجليزية افتتحها الأمير تشارلز والجامعة والألمانية افتتحها المستشار شرودر، وأنا أريد أن أسال شيراك أو تشارلز أو شرودر.. هل تستطيع أو يسمح لك بافتتاح جامعة خاصة فى بلدك؟! من غير المقبول فى هذه الدول الرأسمالية إقامة جامعات الخاصة. إلى أى حد يمكن أن تستمر هذه الأوضاع؟ أنا لا أستطيع التنبؤ، ولكنى أتمنى أن يحدث تعديل دستورى شامل فى عدة نقاط مهمة منها تحديد مدة الرئاسة، إطلاق حرية الترشيح للرئاسة، إلغاء النص على نسبة للعمال والفلاحين وتخصيص مقاعد للمرأة، والتى أعتقد أنها لخلق كتلة برلمانية ضخمة لتمرير أى شىء. هناك أمران مهمان: انتخابات مجلس الشعب 2010 وانتخابات الرئاسة 2011، أولا: انتخابات مجلس الشعب أتمنى أن يكون فيها شفافية وأن يكون هناك رقابة شعبية ورقابة دولية وهذا ليس عيبا، لإفراز مجلس شعب يقوم بدوره التشريعى والرقابى. ولكن 2010 لم يتبق عليها سوى عام واحد! المشكلة أن التدخل فى الانتخابات أصبح ثقافة يقوم بها الجهاز التنفيذى ابتداء من العمدة حتى وزير الداخلية، ولكى يكون لدينا انتخابات حقيقية يجب التخلص من هذه الثقافة. أتصور أن هناك تياران داخل دوائر الحكم، الأول كان يريد حل مجلس الشعب مبكرا ويأتى بمجلس جديد فيه كتلة برلمانية كبيرة وراسخة توطئة لمشروع التوريث. التيار الثانى رفض هذه الفكرة ورأى استمرار المجلس الحالى، وأتصور أن هذا يمهد لإعادة ترشيح الرئيس مبارك. ما رأيك فى إعادة ترشيح الرئيس مبارك؟ الدستور لا يضع سقفا لعدد مرات الترشيح، ولكن أنا أرى أن تداول السلطة يتيح التجدد والرقابة وإصلاح الأخطاء، كما يحدث فى الدول الديمقراطية. من المسئول عن الفساد الذى حدث فى مصر؟ أوجاع الوطن أعتقد أن مصر أصابها المرض والتراجع والترهل نتيجة الحركة الانقلابية عام 1952، كانوا شبابا مخلصا ووطنيا، لكنهم لم يكونوا مؤهلين للحكم، منذ عام 52 ولدينا مشكلة. صحيح كانت هناك مشكلات قبل عام 52 لكن كانت هناك بذور نهضة أيضا. كان هناك فساد، وإقطاع لكن لا مجال للمقارنة بين أحمد عز وأحمد عبود أو طلعت حرب، من الأفضل؟! لم نسمع قبل حركة 52 الانقلابية عن رجل أعمال نهب أموال البنوك وهرب خارج البلاد، كان هناك فساد لكن كان هناك برلمان يستجوب الملك ويقول له لا يحق لك تجديد يخت المحروسة على حساب الشعب. كانت جامعة فؤاد آنذاك هى الجامعة الأولى فى الشرق من الناحية العلمية، الآن لا يوجد جامعة مصرية مدرجة ضمن أفضل 500 جامعة فى العالم. هناك انحسار، مصر آن لها أن تراجع كل هذا وأن تتدارك ما حدث لها. كيف يكون التغيير، هل بشكل ثورى؟ وما آليات التغيير؟ لست مع فكرة الثورة ولكن مع أن يحدث تغيير فى الدستور بأن تشكل لجنة تأسيسية تقوم بصياغة دستور جديد، ويتم استفتاء على هذا المشروع ثم تجرى انتخابات. المطلوب خلال هذه المرحلة هو العمل على 6 محاور: تغيير الدستور، إعلاء دولة القانون فوق الجميع، البدء فى إنشاء دولة اجتماعية بعدما حدث استقطاب شديد فى الثروة، تغيير الخطاب السياسى والدينى (الخطاب السياسى الاسترضائى والخطاب الدينى المنغلق)، الاهتمام بالتعليم والبحث العلمى كأولوية فى أى مشروع تنموى لمصر. وأخيرا توجد مشكلتان مرتبطتان وهما التوسع الزراعى الأفقى ومشكلة المياه ولابد من النظر إليهما بشكل جاد. من يقوم بهذا العمل؟ نحن مهمتنا وضع أفكار، المشكلة فى مصر أنه تم اختزال السياسة بين ما يعرف بالحزب الوطنى وبين الإخوان المسلمين، وكأنه لا يوجد بدائل أخرى. البديل الثالث موجود. هناك انفصال بين النخبة والشعب هذه هى المشكلة، من هم النخبة؟ فى رأى أغلبهم ينسحب عليهم صفة «ثوريو الصالونات» وكثير منهم أصابهم مرض التوريث. التوريث أصبح سمة ثقافية وليس فقط توريث الحكم، فى كليات الطب، الطبيب يريد أن يصبح ابنه طبيبا، وفى كليات الحقوق المستشار يريد أن يصبح ابنه مستشارا، وضابط الشرطة هكذا.. أصبحت سمة ولا مانع أن تجد أحدهم يهاجم التوريث السياسى وفى نفس الوقت يمارسه على المستوى الشخصى فى نطاق أسرته. النخبة يجب أن تتجرد من أى مصالح شخصية وطبقية وتخاطب الناس بواسطة تنظيم سياسى غير سرى يقود التغيير. الشعب صامت ومستسلم ولا يوجد تحرك ناحية التغيير. إذا أخذت التفسير الماركسى اللينينى الذى يقول التغيير النوعى يسبقه تراكم كيفى، بمعنى أنه إذا قمت بتسخين مياه تظل مياها إلى أن تتحول إلى بخار. هل نحن فى هذه المرحلة، أرجو ألا يكون هناك بخار. ما زال هناك احتمال أن يكون هناك تحول آنى دون انفجار، لأنه حين نصل إلى مرحلة الصدام المكشوف العنيف لا أعتقد أن مصر ستستفيد. تحدثت عن مرض التوريث، وعلى نفس المنوال هناك الكثير من الأمور الثقافية التى تصطدم بالديمقراطية، هل الثقافة السائدة فى مصر ثقافة ديمقراطية؟ وكيف تطلب من الناس شيئا لا يمارسونه فى الواقع؟! قبل 52 كانت لدينا ممارسات شبه ديمقراطية، أعتقد لو كان الأمر استمر ولم يحدث انقطاع لكانت هذه الممارسة أفرزت شيئا جيدا. أخطاء الديمقراطية تعالج بمزيد من الديمقراطية، ولنا فى الهند أسوة. الهند بلد فقير به ديانات كثيرة وثقافات متعددة وكثافة سكانية هائلة. اختاروا طريق الديمقراطية، وأعتقد أنهم بالتدريج يجنون ثمار هذا. الدكتور جابر عصفور، أرجع فشل مشروع الحداثة المصرى لعاملين، الاستبداد السياسى والأصولية الدينية. العامل الأول أدى إلى الثانى. عندما أجريت انتخابات سليمة فى مصر فى عهد حكومة حسين سرى عام 49 وفاز بها حزب الوفد، كان الإخوان منظمة معترف بها على السطح وكان لهم فروع فى كل قرية ونجع، لكن وجود تيارات سياسية مدنية فى ذلك الوقت جعل الجماعة محدودة التأثير على المسرح السياسى. هذا التيار الدينى المنغلق سببه الاستبداد السياسى، والسبب الثانى اقتصادى يتمثل فى خروج الملايين إلى دول الخليج والعودة بثقافات مختلفة. ما سبب اختيارك حزب الجبهة للانضمام إليه؟ أعجبنى برنامج الحزب وكان هناك استبشار بالعناصر التى انضمت إليه. بعد ذلك حدثت خلافات على مستوى القيادة قبل أن نعمل وننزل إلى الشارع. بدأ خلاف بين الرئيس ونائب الرئيس، وهذا أدى إلى تقليص نشاط الحزب. لم أستقيل ولكنى ابتعدت. هل ستكمل فى الحزب وما نشاطكم الآن؟ حينما يكون لدى موقف أقوله شفاهة أو كتابة، آرائى أعلنتها سواء ما نشر فى جريدة «البديل» أو مع السيدة منى الشاذلى فى برنامج «العاشرة مساء». تحدثت فى التعليم والبحث العلمى وفى السياسات العامة لا يوجد لدى إضافات جديدة. يبدو من حديثكم نبرة الإحباط؟ نعم. ما السبب؟ المنحى السياسى لا يسير فى الاتجاه الصحيح. كما أنه لم تحدث ردود أفعال حينما طرحت أفكارى للتغيير. لم تناقش بالسلب أو الإيجاب. هل وجودك فى حزب الجبهة يؤهلك للترشيح فى انتخابات الرئاسة المقبلة؟ لا يؤهلنى الترشيح لأنه يجب أن يكون قد مضى على تأسيس الحزب خمس سنوات متصلة، الأمر الأهم أن شعرى اشتعل شيبا ووهن العظم منى، هل رأيت أوباما وهو يصعد السلم، هذا بخلاف أن من يرشح نفسه لهذا المنصب يجب أن يكون ذا خلفية قوية جدا فى الاقتصاد والاقتصاد السياسى وأنا لا أملك هذه الخلفية. كل ما أقدر أن أفعله أن أكتب رأيى فيما أعلمه. أيدت ترشيح الدكتور محمد البرادعى لرئاسة الجمهورية؟ كفكرة حينما سئلت عن الشخصيات التى يمكن أن تصلح لهذا المنصب، بعدما تحدث الدكتور البرادعى مع منى الشاذلى فى برنامج العاشرة مساء وقدم رؤية للتغيير، وهو وجه عالمى له مصداقية وله مواقف فى إطار وظيفته فيها من العقلانية والعدالة، خاصة فى موضوع العراق وإيران. هل تحدثت معه؟ لم أتحدث معه ولا أعرفه شخصيا. لو حدث وترشح هل ستعمل معه؟ هناك سيناريوهان لو أعاد الرئيس حسنى مبارك ترشيح نفسه، فلا داعى للمجهود والمحاولة لأنها لن تكون ذات جدوى. إذا لم يرشح الرئيس مبارك نفسه، ففى هذه الحالة يمكن الدخول بمرشح بثقل ومصداقية البرادعى وتصبح هناك معركة انتخابية حقيقية. هل معنى ذلك أنك ستؤيد مقاطعة الانتخابات فى هذه الحالة؟ هناك حل آخر، وهو أن نذهب لإعطاء الرئيس صوتنا ونقول له الشعب يطلب منك أن تقوم بكذا وكذا. وفى حالة عدم ترشيح الرئيس مبارك؟ أتصور أنه سيكون هناك مجال للمحاولة.