آثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن أزمة سد النهضة ردود أفعال متباينة بين الخبراء معتبرين أن هذه التصريحات تكشف أن ترامب يحاول تحقيق انجاز على أرض الواقع بعد فشله فى أنهاء حرب الإبادة التى يشنها الكيان الصهيونى على قطاع غزة واخفاقه فى وقف الحرب الروسية الأوكرانية . واستبعد الخبراء أن يستطيع ترامب حل أزمة سد النهضة مشيرين إلى فشله فى اقناع الطرف الاثيوبى بالتوقيع على اتفاق لإدارة السد وتشغيله مع دولتى المصب مصر والسودان خلال المفاوضات التى جرت أثناء فترة رئاسته الأولى فى عام 2020 . وحذروا من أن يكون طرح ترامب لحل أزمة سد النهضة مقابل ابتزاز مصر والسودان واجبارهما على القبول بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لصالح الكيان الصهيونى المحتل .
كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد قال خلال لقائه مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، إن الولاياتالمتحدة تعمل على حل أزمة سد النهضة، وأضاف : لقد بنوا واحدًا من أكبر السدود في العالم على بُعد بسيط من مصر، وتبين أنها مشكلة كبيرة.. لا أعلم، أعتقد أن الولاياتالمتحدة مولت السد، لا أعرف لماذا لم يحلوا المشكلة قبل بنائه.
صانع معجزات
فى هذا السياق اعتبر المفكر السياسي الدكتور مصطفى الفقي، أن التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن أزمة سد النهضة تأتي في إطار سعيه المتواصل لتحقيق إنجاز دبلوماسي يعوض إخفاقاته في ملفات دولية معقدة. وقال الفقي فى تصريحات صحفية إن ترامب يحاول تقديم نفسه كصانع معجزات في السياسة الدولية، بعد فشل مبادراته السابقة في الأزمة الروسية الأوكرانية وقضايا الشرق الأوسط، حيث لم يتمكن من إحداث اختراقات تُذكر رغم تحركاته الكبيرة إعلاميًا. وأكد أن تصريحات ترامب الإيجابية تجاه مصر والسودان في ملف السد تحمل وجهين؛ الأول هو مغازلة الرأي العام المصري والسوداني، والثاني : محاولة ابتزاز غير مباشر عبر تمرير بعض الطلبات الأمريكية-الصهيونية، مثل معسكرات التهجير التي يسعى إليها نتنياهو، وتصورات شاذة تتعلق بإمكانية توطين الفلسطينيين في دول عربية. وتوقع الفقي إن تكون هذه الطروحات التي يرفضها المصريون بشكل قاطع، قد تكون من بين دوافع ترامب في استرضاء السيسي لغرض تمريرها لاحقًا، رغم أن تلك المقترحات تعتبر "خطًا أحمر" لا يمكن القبول به.
وساطة أمريكية
ولفت إلى أن تصريحات ترامب الحالية تحمل أيضًا بُعدًا تذكيريًا بدور إدارته السابقة، حين كانت واشنطن على وشك التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن السد في فبراير 2020، قبل أن ينسحب الوفد الإثيوبي في اللحظة الأخيرة. وأضاف الفقي أن ذلك التراجع الإثيوبي جرى بتحريض من أطراف إقليمية، عملت على إجهاض المسار الأمريكي في حينه مستيعدا أن يكون بيان السيسي الذي رحّب بتصريحات ترامب معناه القبول بعودة فعلية إلى وساطة أمريكية مباشرة لحل أزمة سد النهضة . وفيما يتعلق بالتحركات المستقبلية، شدد على أهمية البناء على ما تم التوصل إليه سابقًا، مشيرًا إلى أن أي اتفاقيات لم تُعتمد أو تُوقع بشكل رسمي يجب ألا تلتزم مصر بها وقال الفقى : ما لم يُوقّع لا يُعتدّ به.. أما ما تم التوافق عليه، فهو الأساس المنطقي لاستئناف المفاوضات .
تشغيل دون اتفاق
وقال أستاذ تخطيط وإدارة الموارد المائية الدكتور علاء عبدالله الصادق،إن التخوفات لا تزال قائمة، حيث قد تفقد الرقعة الزراعية فى مصر نحو مليوني فدان، إلى جانب انخفاض منسوب المياه الجوفية، وارتفاع ملوحة التربة، وتداخل مياه البحر في دلتا النيل، ما يهدد أرزاق الفلاحين ويدفع بعضهم إلى الهجرة غير الشرعية. وأوضح الصادق فى تصريحات صحفية أن أزمة سد النهضة لا تزال موضوعًا معقدًا وشائكًا رغم تصريحات ترامب التى تشير إلى أنه سوف ينهى الأزمة مشيرًا إلى أن إثيوبيا أتمت عملية الملء الجزئي أو الكلي، ما أثار قلقًا في مصر والسودان من تأثير ذلك على تدفق مياه نهر النيل، المصدر الرئيسي للمياه في البلدين. وأشار إلى أنه تم ملء سد النهضة خلال السنوات الماضية، لكن سياسة وزارة الموارد المائية والري بحكومة الانقلاب ارتكزت على إدارة مرنة، رغم غياب الشفافية الإثيوبية بشأن البيانات، ما حدّ من التأثير السلبي على الميزانية المائية المصرية، بفضل عدة عوامل، أبرزها: زيادة إيراد حوض النيل الأزرق، وإعادة استخدام نحو 16 مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعي، وإنشاء محطات المعالجة الثلاثية، والأمطار الغزيرة في العامين الأخيرين. وأكد الصادق أن الأزمة الحقيقية الآن تكمن في تشغيل السد وليس في عدد سنوات الملء، مطالبًا بمشاركة حكومة الانقلاب في إدارة وتشغيل السد.
أجندات خارجية
وقال الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري الأسبق، إن اكتمال بناء السد كما تزعم إثيوبيا لم يؤدِّ إلى تحقيق الهدف المعلن، وهو توليد الكهرباء، مشيرًا إلى أن التوربينات لم تُركب بالكامل حتى الآن. وأضاف علام فى تصريحات صحفية أن هدف السد ليس الكهرباء كما يُروَّج، بل هو محاولة لتنفيذ أجندات خارجية تهدف إلى التحكم في مياه مصر والسودان، مؤكدًا أن ما يهم مصر هو المياه المحتجزة أمام السد، لا ما يُقال عن التنمية. وحول التأثيرات المحتملة، أوضح أن السنوات الماضية كانت فيضاناتها فوق المتوسط، وهو ما قلل من تداعيات الملء، خاصة مع سياسات حكومة الانقلاب الرامية إلى توفير المياه وتقليل الفاقد عبر معالجة الصرف وتبطين الترع، بتكلفة تجاوزت عشرات المليارات من الجنيهات. وأشار علام إلى أن فواقد سد النهضة نتيجة البخر والرشح قد تتجاوز 5 مليارات متر مكعب سنويًا، وهي تُخصم فعليًا من حصص مصر والسودان.