حسب الله: تحفظ الرئيس على نصوص قانون الإجراءات الجنائية دليل على تفعيل الصلاحيات الدستورية وتعاون السلطات    وزير الاتصالات: استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى منظومة الصحة التى تعد من أهم المنظومات التى تسعى الدولة إلى تنميتها    النقد الدولي: زيارة بعثة الصندوق لمصر لإجراء المراجعتين الخامسة والسادسة أول ديسمبر    الاتحاد من أجل المتوسط وميديك يدعوان إلى إجراءات فورية بشأن المناخ والبيئة    وزير الخارجية السوري: زيارة الشرع لواشنطن محاولة لإعادة العلاقات مع العالم    «فاو»: 87% من الأراضي الزراعية في غزة تضررت بالكامل بسبب الحرب    «حققت مليارات الدولارات».. وول ستريت جورنال: حرب غزة صفقة ضخمة للشركات الأمريكية    سفير المغرب بالقاهرة يكشف آخر الاستعدادات لاستضافة بطولة كأس أمم إفريقيا    موجة خريفية غير مستقرة تضرب مصر.. تعرف على المحافظات الأكثر تأثرًا بالطقس السيئ    بلاغ جديد ضد مدرسة شهيرة بالتجمع الخامس باحتجاز وحبس أطفال    ترتيبات انطلاق مهرجان الفسطاط الشتوي 2025    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    خالد الجندي: العلاقة في الإسلام تنافسية لا تفضيلية ولا إيثار في العبادات(فيديو)    عبد الغفار: نمتلك 5400 وحدة صحية تعكس صمود الدولة وقدرتها على توسيع التغطية الصحية الشاملة    وزير الصحة يشهد جلسة بعنوان «تمكين الأفراد: أجندة التنمية البشرية»    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    دوري المحترفين.. أسوان يفوز على الإنتاج الحربي.. والقناة يتعادل مع بلدية المحلة    محمد صبحي يشكر الرئيس السيسي: «قدمت لوطني الانتماء فمنحني الاحتواء»    «بعد نفاد تذاكر المتحف الكبير».. تعرف على قائمة أسعار تذاكر 5 أماكن بالأهرامات    خالد مرتجي يتحرك قانونيًا ضد أسامة خليل بعد مقال زيزو وأخلاق البوتوكس    السيسي نايم فى العسل..قاعدة أمريكية قرب حدود عزة لمراقبة القطاع وحماية أمن الصهاينة    وزير الطيران يعقد لقاءات ثنائية لتعزيز التعاون الدولي على هامش مؤتمر ICAN 2025 بالدومينيكان    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    «الصحة» تنظم جلسة «تعزيز الأمن الصحي العالمي» النقاشية ضمن فعاليات «السكان والصحة»    المؤتمر: المشاركة الواسعة في المرحلة الأولى تؤكد وعي المصريين وإيمانهم بالديمقراطية    «الجمعة ويوم عرفة».. خالد الجندي: «العباد المجتهدين» يباهي الله تعالى بهم ملائكته (تفاصيل)    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    رئيس جامعة بنها يتفقد أعمال صب الدور الأرضى بمبنى المدرجات الجديد    مدير التعليم الفني بالمنوفية يتابع سير العملية التعليمية بعدد من المدارس    رئيس مجلس الشيوخ: قانون الاجراءات الجناىية خطوة تشريعية تاريخية    المجلس الوطني الفلسطيني: قوات الجيش الإسرائيلي لا تزال موجودة على 54% من مساحة قطاع غزة    الزمالك يكشف حقيقة صدور حكم في قضية زيزو ويؤكد صحة موقفه    «مش بتحب الخنقة والكبت».. 3 أبراج الأكثر احتمالًا للانفصال المبكر    وزير الأوقاف: بنك المعرفة المصري أداة لتمكين الأئمة ودعم البحث العلمي الدعوي    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة سيارة حادث الراحل إسماعيل الليثي    سر رفض إدارة الكرة بالزمالك لتشكيل اللجنة الفنية    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    مناطق الإيجار السكنى المتميزة والمتوسطة والاقتصادية فى حى العجوزة    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    فاز بانتخابات العراق.. السوداني من مرشح توافقي إلى قطب سياسي    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    نيابة الحامول تأمر بانتداب الطب الشرعي لتشريح جثمان عروسة كفرالشيخ    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    متحدث الأوقاف: مبادرة «صحح مفاهيمك» دعوة لإحياء المودة والرحمة    سعاد بيومي أمينًا عامًا لجامعة المنوفية    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    والدة مى عز الدين الراحلة حاضرة فى فرحها بال Ai.. عشان الفرحة تكمل    إعلام فلسطيني: غارات وقصف مدفعي إسرائيلي على غزة وخان يونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زلزال مياه النيل .. أزمة عابرة أم مستقبل مخيف؟
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 06 - 2010

أفاق المصريون فجأة على زلزلزال عنيف يسمى زلزال مياه النيل فقد اكتشفوا فجأة وهم فى حالة نوم عميق حكومة وشعبا أن الأرض تتحرك من تحت أقدامهم وأن ما كان من الثوابت أصبح فى مهب الريح وأن التاريخ القديم الذى قامت عليه حضارة وادى النيل أصبح ذكريات قديمة لدى أصحابها..
أفاقت حكومة مصر وهى نائمة فى العسل على اتفاقيات وتوقيعات وانقسامات غيرت معالم كل شىء.. لقد أطاح هذا الزلزال المخيف بتاريخ طويل من الثوابت القانونية والأعراف والعلاقات الإنسانية والتاريخ الحافل بين دول المنبع ودول المصب.. فجأة اكتشفت مصر أن أهم الأشياء فى حياة المصريين يتعرض لأخطار رهيبة.. إنه ماء النيل الذى عاشت عليه مصر آلاف السنين سلاما وأمنا وحروبا وهزائم وانتصارات.. تستطيع أن تختصر عمر الحضارة الإنسانية فى أقدم عصورها على ضفاف هذا النهر الأشهر والأكبر والأهم فى تاريخ الأنهار فى العالم..
يرون أن مصر أضعف من اتخاذ قرار
لا أريد أن أتحدث عن جذور القضية فقد كانت طوال الأسابيع الأخيرة حديث مصر كلها.. ولن أتحدث عن أخطاء ارتكبناها وكانت سببا فيما نواجه الآن من محن وأزمات.. ولن أتحدث عن جوانب الفشل فى هذه المعركة فقد كانت الأسباب واضحة وصريحة وكانت النتائج فوق ما تصورت عقولنا.. ولكن المهم الآن أن نقف مع أنفسنا ونسأل ماذا نفعل الآن وما هى الأوراق التى يمكن أن نلعب بها فى هذه المباراة الخطيرة فى حياة المصريين.. أننا هنا لسنا فى مباراة فى بطولة أفريقيا التى كسبناها ثلاث مرات متتالية ويبدو أننا كسبنا فى اللعب وخسرنا فى معركة الحياة..
نحن الآن أمام قوة إقليمية قررت أن تغير قواعد اللعبة ولا شك أنها تستغل ظرفا تاريخيا صعبا وكما قالت إحدى الصحف الكينية إن مصر لا تستطيع أن تفعل الآن شيئا لأنها أضعف من أن تتخذ قرارا.. أنها أى مصر على أبواب انتخابات تشريعية مهمة.. وسوف تشهد فى العام القادم انتخابات رئاسية.. وأن دول المنبع كان عليها أن تستغل هذه اللحظة التاريخية التى تعيشها مصر حتى تنفذ ما تريد..
على جانب آخر فإن السودان يعيش أسوأ حالاته.. انفصال فى الجنوب سوف يصبح واقعا دوليا وجغرافيا وتاريخيا بعد بضعة شهور.. ومعارك تجرى فى إقليم دارفور الذى أصبح الآن مأساة دولية ومن المرجح أن ينفصل عن السودان.. كما أن المعارضة السودانية تمضى فى طريق ونظام الحكم يمضى فى طريق آخر ولا أمل فى لقاء يجمع بينهما.. أن ذلك يعنى أن مصر تمر بمرحلة مخاض صعبة وأن السودان يواجه مشكلات التقسيم وهذا يعنى أن دول المنبع فى موقف أفضل..لا شك أن هذه القراءة أغرت دول المنبع بقيادة إثيوبيا وبدعم أمريكى قديم وتآمر صهيونى واضح أن تكون إثيوبيا هى رأس الحربة فى قيادة هذا التجمع الإقليمى الذى يحاول أن يفرض واقعا جديدا..
أوراق اللعب ليست في أيدينا
هناك أوراق كثيرة فى يد دول المنبع لابد أن نعترف بها..أول هذه الأوراق وأهمها أن المياه تأتى من بلادهم بمعنى أن الأمطار تسقط فى هذه البلاد.. ولا تستطيع إطلاقا أن نتجاهل هذه الحقيقة أن منابع النيل الذى نعيش عليه ليست بين أيدينا نحن ولكنها فى يد الآخرين..
لا شك أن هناك عمليات شحن تاريخية ضد مصر والسودان لم تكن على مستوى الحكومات فقط ولكنها أخذت مساحات واسعة فى الشارع.. لا نستطيع أن ننكر أن شعوب هذه الدول تطالب بسيطرة كاملة على موارد المياه.. من الخطأ أن نتصور أن العالم كل العالم سيكون معنا فى هذه المعركة.. أن الدول الغربية ترى أن تنمية دول شرق أفريقيا ترتبط فى الأساس بالتنمية الزراعية والحيوانية وقد تتعاطف هذه الدول مع مصر إعلاميا إلا أنها فى الحقيقة تبحث عن مصالحها ومشروعاتها فى هذه الدول..
إن أفريقيا الآن هى المستقبل الذى تتجه إليه كل الأنظار أنها الأرض البكر التى تطوف حولها الشركات العالمية والمؤسسات المالية الدولية حيث إمكانيات الإنتاج الزراعى الوفير خاصة مع اتجاه دول العالم إلى إنتاج طاقة نظيفة من الحاصلات الزراعية وهذا يعنى أن الهدف هدف مشترك بين إنتاج الغذاء وإنتاج الطاقة..ولا يستطيع أحد أن ينكر أن هذه الدول عانت ظروفا اقتصادية وإنسانية صعبة أمام حروب قصيرة أو طويلة وانقلابات عسكرية ومعدلات للفقر تجاوزت كل الحدود حيث شهدت مجاعات كثيرة وصراعات بين مؤسسات الحكم وتقلبات سياسية حادة وعنيفة..
أزمة النيل بدأت بانفصال جنوب السودان
لابد أن نعترف أن هناك مقدمات سبقت ما يحدث الآن وأن الذى نراه فى دول حوض النيل سبقته مؤشرات كثيرة..كان انفصال جنوب السودان أول هذه المؤشرات التى لم يقرأها أحد فى الوقت المناسب.. بعد عشرين عاما من الحرب الأهلية أوشك الجنوب أن ينشطر عن الشمال ويصبح شرخا أبديا بين دول المنبع ودول المصب.. لقد أصبح انفصال جنوب السودان حقيقة واقعة الآن وسوف يكون ذلك أسوأ واقع يواجه مصر والسودان معا.. أن قيام دولة مستقلة فى جنوب السودان ستكون هى الأغنى من حيث الموارد.. والأقرب إلى العمق الأفريقى من حيث الأصول والأهداف والدوافع..
وهى الجانب الذى سيعطى قضية الانقسام التاريخى بين دول المصب ودول المنبع صورة أكثر وضوحا وتأكيدا.. وقبل هذا نحن أمام انقسام عرقى ودينى وجغرافى خطير سيكون سببا فى حالة انفصال وربما حالة قطيعة..
لقد كانت المعارضة السودانية على حق حينما أدانت انفصال الجنوب مهما كانت الأسباب لأن القضية أكبر من انقسام شعبين.. ورغم كل ما يقال عن الروابط بين الشعبين فى الشمال والجنوب فى السودان إلا أن الأقرب بحكم الواقع والتكوين أن دولة الجنوب سوف تتجه جنوبا على الأرجح وليس شمالا..
غياب مصري عن القرن الأفريقي لصالح إسرائيل
فى هذا السياق، لا نستطيع أن ننكر خطورة ما حدث فى الصومال.. لقد تعاملت مصر والسودان مع قضية الصومال وكأنها شىء لا يعنى أحدا رغم أن الصومال الموقع والدور والشعب كان صاحب تأثير رهيب فى توازنات هذه المنطقة لقد كبر دور أثيوبيا على حساب الصومال وإريتريا وجيبوتى وهذه الدول الثلاث كانت تمثل أوراقا مهمة فى لعبة التوازنات الإقليمية فى هذه المنطقة.. لقد لعبت أمريكا دورا خطيرا وساعدت إسرائيل على نجاح اختراقها لدول شرق أفريقيا فى السنوات الماضية وأمام غياب كامل لمصر..
وأمام ظروف صعبة يعيشها السودان وأمام دعم عسكرى واضح لإثيوبيا من أمريكا وإسرائيل نجحت فكرة حصار مصر والسودان وكانت مياه النيل أولى ثمار هذا الحصار لا يمكن لنا أن نتجاهل أن قيام إثيوبيا بدور الزعامة لدول المنبع كان نتيجة متوقعة لتراجع أدوار الكتلة العربية فى هذه المنطقة وقد بدأت بالسودان والصومال واريتريا وجيبوتى وعلى الجانب الآخر كانت اليمن وحروبها الاهلية التى سحبت الكثير من الرصيد العربى فى القرن الأفريقى..
نحن الآن أمام مؤامرة دولية لحصار مصر والسودان رغم كل ما يبدو لنا من مظاهر الصداقة والتعاون.. لقد خلعت أمريكا وإسرائيل السودان من الجنوب.. وخلعت مصر تماما من القرن الافريقى.. وتركت اليمن يعيش محنة الحرب الأهلية ولم يبق غير تدويل مياه القرن الافريقى على حدود الصومال التى تمتد على شواطئ المحيط على مساحة 2800 كيلو متر.. فى ظل غياب مصر والسودان عن القرن الافريقى كان من السهل الانفراد بالصومال وجيبوتى والسيطرة على هذا الجزء الاستراتيجى فى مدخل البحر الأحمر والممرات الدولية للبترول وهذه أكبر ضمانات حماية إسرائيل..
استعادة أوراق اللعب ضرورية
فى ظل هذا الواقع المتردى جاءت أزمة مياه النيل فى ظل ظرف تاريخى وسياسى وعسكرى مناسب.. لو كان السودان موحدا.. ولو كان الصومال فى حالة استقرار.. ولو كانت جيبوتى وارتيريا والوجود العربى فى هذه المنطقة فى أحسن حالاته ولو كانت مصر فى قيادتها وتأثيرها العربى ما اتخذت دول المنبع هذا الموقف المتشدد مع مصر والسودان فى هذه القضية الخطيرة..
إن البعض يطالب الآن بمد جسور التعاون والتفاهم مع دول المنبع ولكن المطلوب أيضا هو إعادة العلاقات القديمة بين مصر والسودان من جانب والصومال وإريتريا وجيبوتى من جانب آخر.. أن إثيويبا ستكون رأس الحربة الذى تقفز به إسرائيل إلى هذه الدول الصغيرة وهى تعيش أسوأ حالاتها.. لن يبقى السودان كبيرا بعد انفصال الجنوب.. ولن تبقى مصر قادرة على حماية السودان المنقسم المتشرذم بين تكتلات جديدة تدعمها أمريكا وتغزوها إسرائيل.. لقد انتهى العصر الذى كانت مصرفية قادرة على أن تفرض شروطها على الجميع.. ولم يعد بين زعماء دول المنبع هيلا سلاسى بعلاقاته القديمة مع مصر، نحن الآن أمام واقع جديد ينبغى أن نستخدم فيه كل أوراقنا ولا شك أنه بقى لدينا الكثير..
وزارة مستقلة لإدارة شئون أفريقيا
على المستوى الداخلى مطلوب وزارة مستقلة للشئون الأفريقية لأن ما تعرضت له مصر من خسائر فى السنوات الماضية كان نتيجة إهمال شديد للعلاقات السياسية بيننا وبين هذه الدول كما كان الإهمال الأكبر لملف مياه النيل الذى انتقل بين أكثر من جهة وظل حائرا بين الخارجية والرى.. إن إنشاء وزارة للشئون الأفريقية يمكن أن يضم عدة ملفات من أهمها ملف مياه النيل والعلاقات مع السودان والمخاطر التى سيواجهها فى ظل التقسيم وانفصال الجنوب وربما انفصال أجزاء أخرى.. هذه الوزارة ستضع تصورا كاملا عن العلاقات بين مصر وأفريقيا فى ظل حسابات جديدة أكثر واقعية..
من الخطأ أن ننظر إلى ما حدث مع دول المنبع كقضية مستقلة عن قضايا أخرى تخص هذه المنطقة.. من أولويات ذلك استقرار الصومال.. وإعادته إلى الصف العربى مرة أخرى مع وضع أولويات للتنمية فى جيبوتى وإريتريا لإعادة التوازن فى مواقع هذه الدول وتنسيق أدوارها..
إعادة الدور العربي للقارة السمراء
لابد من التنسيق بين مصر والسودان من جانب والدول العربية الشقيقة من جانب آخر لأن استثمارات دول الخليج خاصة السعودية وقطر والإمارات العربية تتجه الآن إلى دول شرق أفريقيا خاصة إثيوبيا ولا شك أن هذه الدول تستطيع أن تكون صاحبة دور مؤثر فى مستقبل هذه المنطقة.. لا يعقل مثلا أن تقوم دول عربية شقيقة بتمويل مشروعات زراعية على مياه النيل فى إثيوبيا فى الوقت الذى تتعرض فيه مصر لمخاطر كبيرة بسبب ذلك.. هناك مؤتمرات ولقاءات واتفاقات بين إثيوبيا والسعودية ومعظمها يتجه إلى الإنتاج الزراعى والحيوانى وهذا كله سيقوم على مياه النيل وهو تهديد واضح لمصالح مصر والسودان..
لقد التقى أخيرا الرئيس مبارك مع السيد عمرو موسى أمين الجامعة العربية وأعلن موسى أن الجامعة العربية تستطيع أن تقوم بدور فى قضية مياه النيل مع دول المنبع.. والمطلوب أن تكمل الجامعة هذا الدور مع الدول العربية التى تتجه أموالها للزراعة فى أثيوبيا وأوغنده وتنزانيا وان تدرس الجامعة العربية هذه الاستثمارات وتحدد مدى خطورتها على مستقبل المياه فى مصر والسودان..
حصار أمريكي لمصر في البحر الأحمر
إن إهمال الوجود المصرى فى البحر الأحمر قضية خطيرة على كل المستويات فى هذا البحر توجد قناة السويس وهى تمثل ركنا مهما وخطيرا من أركان موارد الدولة المصرية.. وعلى البحر الأحمر توجد أكثر من دولة عربية فهو بحر عربى بكل المقاييس ومن الخطأ الجسيم أن نترك إسرائيل وأمريكا ودول أخرى تعبث فى هذا المكان.. إن بقاء اليمن قويا موحدا.. وإنقاذ الصومال من الحروب الأهلية.. ووقف نزيف الانقسامات فى السودان.. ودعم جيبوتى وتأكيد الوجود العسكرى العربى فى البحر الأحمر قضية لها علاقة مباشرة بمياه النيل.. أن مصر القوية بالدعم العربى يمكن أن تحبط مؤامرات كثيرة ولابد أن نعيد استخدام أوراقنا الإقليمية التى كانت بين أيدينا وفرطنا فيها لمصلحة أطراف أخرى تحت دعاوى التعاون والصداقة..
لابد أن نكون على وعى بما يدور خلف الكواليس من دول تدعى صداقتنا أن أمريكا لا تريد وجودا مصريا على الإطلاق فى أى دولة عربية.. ومنذ وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وهناك عملية حصار وتقليص دائم للدور المصرى.. أن كل ما يساعد على هذا الحصار يجد استجابة وتأييدا من أمريكا وإسرائيل.. أن أمريكا تريد مصر فى حدودها فقط لا تريد لها امتدادا فى الجنوب ولا دورا فى الخليج العربى ولا مكانا فى البحر الأحمر ومن هنا كان اللعب بأوراق مثل مياه النيل واستقلال جنوب السودان.. والحرب الأهلية فى دارفور بل إن أمريكا تشعل من وقت لآخر الفتن الداخلية بين المصريين المسلمين والأقباط.. هذا الحصار هو الذى أعطى لدول المنبع فرصا تاريخية لتغيير خريطة أفريقيا وإبعاد مصر والسودان وحصارهما بعيدا عن كل هذه الأوراق..
عودة رموز الدبلوماسية لدول أفريقيا
لابد أن تعود مواكب الدبلوماسية المصرية برموزها التاريخية إلى دول أفريقيا ولدينا الكثير من هذه الرموز التى مازالت تتمتع برصيد تاريخى طويل.. يستطيع د.بطرس غالى بكل ثقله السياسى وتجربته الثرية أن يعيد الكثير من الجسور التى تقطعت مع دول أفريقيا.. لقد نسى البعض أن د.بطرس غالى نجح فى انتخابات الأمم المتحدة بدعم أفريقى كامل وهو قادر على ان يعيد لمصر الكثير مما ضاع منها فى هذه القارة.. لدينا أيضا واحد من الشخصيات التى وهبت حياتها لقضايا أفريقيا وهو السيد محمد فائق وزير الإعلام الأسبق وواحد من أهم الشخصيات التى ارتبطت بتاريخ أفريقيا فى مراحل نضالها واستقلالها..
ولدينا أيضا الدكتورة فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى ولها رصيد كبير من العلاقات فى دول أفريقيا ولن ننسى السيد محمد غانم رئيس شركة النصر للتصدير والاستيراد وكان له دور تاريخى فى العلاقات بين مصر وأفريقيا.. ولابد أن نستغل البعد الدينى للكنسية المصرية وقداسة البابا شنودة والعلاقات التاريخية مع دول أفريقيا.. كما أن للأزهر الشريف بعلمائه ومشايخه دورا كبيرا فى دول شرق أفريقيا.. أن المثل القديم يقول ما حك جلدك مثل ظفرك والمطلوب أن نتحرك نحن تجاه أفريقيا ولسنا فى حاجة إلى دعم أمريكى أو إيطالى أو إسرائيلى لأن هذه الدول تبحث عن مصالحها ولها حسابات تتعارض تماما مع مصالحنا كان من الخطأ الجسيم أن نتجه إلى الكويز والكتلة المتوسطية ونترك منابع النيل وقد حان الوقت لنعيد التوازن إلى علاقاتنا بدول العالم كانت لدينا مؤسسات وشركات لعبت دورا خطيرا فى سنوات ازدهار العلاقات المصرية الأفريقية ومنها شركة النصر للتصدير والاستيراد ولا أدرى كيف يمكن إعادة هذا الدور مرة أخرى..
الورقة الأهم: الاستثمارات عربية والسيادة مصرية
ولا ينبغى أن نتجاهل العمق العربى فى هذه المواجهة وأن الاستثمارات العربية تستطيع أن تقوم بدور كبير.. وهناك دول عربية يمكن أن تكون صاحبة دور إذا وجدت منا الدعم المناسب وفى مقدمتها الصومال وجيبوتى واريتريا وجنوب السودان..
وقبل هذا كله ان مصر القوية القادرة على حماية مصالحها وتأكيد سيادتها هى أول وآخر الأوراق، وأن أخطر ما فى زلزال مياه النيل هو صورة التحدى السافر الذى بدت عليه مواقف وقرارات دول المنبع تجاه مصر والسودان وعدم اعترافها باتفاقيات دولية يجب احترامها: أن ما حدث ليس فقط تهديدا لحقوق مصر والسودان فى مياه النيل ولكنه تهديد لسيادة هذه الدول وحياة شعوبها وهذا أخطر ما فى القضية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.