«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة يكتب: أمام مصر والسودان ثلاثة تحديات قادمة: انفصال الجنوب.. مستقبل دارفور.. وملف مياه النيل
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 03 - 2010

لابد أن نعترف أن هناك أخطاء جسيمة شهدتها العلاقات التاريخية بين مصر والسودان.. بعض هذه الأخطاء كان نتيجة طبيعية لاختلال أولويات أجندة السياسة الخارجية المصرية.. فى أحيان كثيرة كانت العلاقات مع السودان فى آخر قائمة هذه الأولويات حيث سبقتها علاقات أخرى كثيرة لا يمكن أن تدخل مع السودان من حيث الأهمية والقيمة فى سياق واحد.. كما أنها كانت عبئا على القرار المصرى.. والأخطر من ذلك أن العلاقات المصرية السودانية شهدت مراحل فتور طالت كثيرا فى بعض الأحيان.. حدث ذلك حين تدخلت مصر عسكريا فى جزيرة آبا لتواجه انقلابا عسكريا فاشلا ضد الرئيس نميرى.. ورغم عودة نميرى للحكم إلا أن الشعب السودانى لم ينس أن الطيران المصرى فى لحظة مجنونة قصف الأرض السودانية.. حدث ذلك أيضا عندما اتضح أن المحاولة الفاشلة للاعتداء على حياة الرئيس حسنى مبارك فى أديس أبابا شاركت فيها عناصر سودانية.. وحدث ذلك أيضا عندما شجعت حكومة السودان هروب العناصر الإرهابية إلى أراضيها ابتداء بزعيم القاعدة بن لادن وانتهاء ببعض رموز الحركات الجهادية الدينية فى مصر فى الثمانينيات والتسعينيات..
يضاف لذلك كله أن هناك لوبيا شهيرا فى دائرة القرار المصرى والسودانى معا لا يرتاح كثيرا لوجود علاقات قوية بين القاهرة والخرطوم.. وبقدر اقتراب هذا اللوبى من دائرة القرار كانت العلاقات بين مصر والسودان تشهد فترات تراجع واضح بسبب نجاح هذا اللوبى فى إفساد العلاقات التاريخية بين البلدين..
وإذا كان هناك من يقف أمام تطور العلاقات المصرية السودانية فإن هناك بيوتا تاريخية كانت مهمتها دائما تأكيد هذه العلاقات والدفاع عنها.. إن كثيرا من رموز هذه البيوت دفعوا الثمن أمام حماقات كثيرة ارتكبتها الحكومات فى البلدين أمام شعور خاطئ بعدم المسئولية.. فى مصر كثيرون لا يحبون التقارب مع السودان.. وفى السودان أيضا من يسعى إلى إشعال الفتنة دائما بين الشعبين مستغلا فى ذلك أخطاء صغيرة هنا أو هناك..
من أسوأ الأخطاء أيضا التى أساءت للعلاقات السودانية المصرية أنها قامت فى أحيان كثيرة على أسباب وعوامل شخصية وعلاقات فرديلابد أن نعترف أن هناك أخطاء جسيمة شهدتها العلاقات التاريخية بين مصر والسودان.. بعض هذه الأخطاء كان نتيجة طبيعية لاختلال أولويات أجندة السياسة الخارجية المصرية.. فى أحيان كثيرة كانت العلاقات مع السودان فى آخر قائمة هذه الأولويات حيث سبقتها علاقات أخرى كثيرة لا يمكن أن تدخل مع السودان من حيث الأهمية والقيمة فى سياق واحد.. كما أنها كانت عبئا على القرار المصرى.. والأخطر من ذلك أن العلاقات المصرية السودانية شهدت مراحل فتور طالت كثيرا فى بعض الأحيان.. حدث ذلك حين تدخلت مصر عسكريا فى جزيرة آبا لتواجه انقلابا عسكريا فاشلا ضد الرئيس نميرى.. ورغم عودة نميرى للحكم إلا أن الشعب السودانى لم ينس أن الطيران المصرى فى لحظة مجنونة قصف الأرض السودانية.. حدث ذلك أيضا عندما اتضح أن المحاولة الفاشلة للاعتداء على حياة الرئيس حسنى مبارك فى أديس أبابا شاركت فيها عناصر سودانية.. وحدث ذلك أيضا عندما شجعت حكومة السودان هروب العناصر الإرهابية إلى أراضيها ابتداء بزعيم القاعدة بن لادن وانتهاء ببعض رموز الحركات الجهادية الدينية فى مصر فى الثمانينيات والتسعينيات..
لوبيات الإفساد
يضاف لذلك كله أن هناك لوبيا شهيرا فى دائرة القرار المصرى والسودانى معا لا يرتاح كثيرا لوجود علاقات قوية بين القاهرة والخرطوم.. وبقدر اقتراب هذا اللوبى من دائرة القرار كانت العلاقات بين مصر والسودان تشهد فترات تراجع واضح بسبب نجاح هذا اللوبى فى إفساد العلاقات التاريخية بين البلدين..
وإذا كان هناك من يقف أمام تطور العلاقات المصرية السودانية فإن هناك بيوتا تاريخية كانت مهمتها دائما تأكيد هذه العلاقات والدفاع عنها.. إن كثيرا من رموز هذه البيوت دفعوا الثمن أمام حماقات كثيرة ارتكبتها الحكومات فى البلدين أمام شعور خاطئ بعدم المسئولية.. فى مصر كثيرون لا يحبون التقارب مع السودان.. وفى السودان أيضا من يسعى إلى إشعال الفتنة دائما بين الشعبين مستغلا فى ذلك أخطاء صغيرة هنا أو هناك..
شخصنة العلاقات
من أسوأ الأخطاء أيضا التى أساءت للعلاقات السودانية المصرية أنها قامت فى أحيان كثيرة على أسباب وعوامل شخصية وعلاقات فردية بين أصحاب القرار.. وعلى سبيل المثال فقد شهدت هذه العلاقات تحسنا كبيرا فى فترة حكم الرئيس نميرى وكان السبب فى ذلك أن الرئيس نميرى كان محبا لمصر وشعبها وكان يرى أن وحدة البلدين تمثل المستقبل والمصير.. ربما جاء بعد ذلك من عمل على إفساد هذه العلاقات والآن لا ينبغى أن نبكى على ما فات خاصة أننا أمام واقع سياسى واقتصادى بل وجغرافى جديد ينبغى أن نقيم عليه حسابات جديدة..
قد يكون من الضرورى الاستفادة من دروس الماضى وهى كثيرة وإدراك الإخفاقات الكثيرة التى وقعت فيها العلاقات بين البلدين.. إلا أن المستقبل والحاضر أيضا يفرضان صيغة جديدة لا يمكن تجاهلها لأنها بالفعل تفرض على مصر والسودان واقعا جديدا..
انفصال الجنوب امر واقع
أول مظاهر هذا الواقع الجديد أن السودان أصبح أمام تقسيم جغرافى وسكانى واقتصادى لا مفر منه.. أن انتخابات الجنوب اقتربت وأصبحت على الأبواب وكل المؤشرات تقول إن الجنوب سوف يصبح دولة مستقلة وأن أهل الجنوب لم يعد فى حساباتهم بقاء السودان الموحد.. لن نناقش الآن أسباب ما حدث وكيف وصلت الأمور إلى نقطة الفراق ولكن لابد من دراسة هذا الواقع الجديد لأن انفصال الجنوب خسارة كبيرة للدولة السودانية الموحدة أنه يمثل خسارة اقتصادية فى الدرجة الأولى لأن موارد الجنوب خاصة فى البترول تمثل جانبا مهما من جوانب القضية.. وإذا أضفنا لذلك موارد أخرى فى الزراعة والمياه والأسماك والمعادن والثروة الحيوانية لأدركنا حجم الخسائر السودانية.. وإذا كان الانفصال ضرورة فإن على مصر أن تواجه هذا التحدى وتقف بكل قواها بجانب السودان.. أن أخطر ما فى قضية الجنوب أن فيها أطرافا دولية كثيرة وهى دول كبرى لها مطامع وحسابات ابتداء بأمريكا وإسرائيل وانتهاء بدول أوروبا وشرق آسيا والصين.. يحدث هذا فى ظل غياب عربى كامل عن جنوب السودان يؤكده غياب مصر عن قضايا الجنوب..
فى الرحلة الأخيرة التى قام بها السيد عمرو موسى أمين الجامعة العربية على رأس وفد من رجال الأعمال العرب تحققت نتائج ملموسة فقد كانت هذه الزيارة أول فرصة يلتقى فيها أهل الجنوب مع الاستثمارات العربية الوافدة.. شرح وزراء الجنوب للوفد العربى مجالات الاستثمار وضماناته ومستقبل العلاقات بين رجال الأعمال العرب والتنمية فى جنوب السودان.. هناك مشروعات عربية قليلة ولكنها ناجحة وهذا يتطلب المزيد حتى لا نترك الجنوب وليمة سائغة للدول الأجنبية التى تتصارع عليه الآن..
مبارك في الجنوب
منذ شهور قليلة زار الرئيس مبارك الجنوب وأجرى مباحثات مع المسئولين فيه وكانت أول زيارة يقوم بها رئيس مصرى للجنوب منذ استقلال السودان.. والآن مطلوب من حكومة مصر أن تدعم هذا الوجود المصرى العربى فى الجنوب قبل أن يعلن استقلاله.. أن الوقوف بجانب السودان يتطلب أن يكون لمصر دور واضح فى تنمية الجنوب فليس معنى استقلاله أن تتقطع جسور العودة والتواصل بين شماله وجنوبه.. أن الجنوب سيبقى العمق الإستراتيجى للسودان فى الزراعة والأمن والمياه والعلاقات الأخوية بين أبناء الشعب الواحد حتى ولو كان الانفصال قدرا مكتوبا.. فى شمال السودان ملايين من أبناء الجنوب وهؤلاء لن يتركوا أرضهم وبيوتهم وفى الجنوب ملايين من أبناء الشمال وهؤلاء أيضا لن يتركوا بيوتهم وأرضهم.. ومن هنا فإن موقف مصر بجانب السودان فى كل هذه التحديات سوف يجعل السودان فى الوضع الأقوى أمام تحديات خارجية كثيرة.
هناك مصالح كثيرة متضاربة ومتصارعة فى الجنوب.. أن أمريكا تضع عينها على البترول والصين لن تتركها وحدها وإسرائيل تلعب فى الخفاء ودول الجوار لها مصالح فى الزراعة والمياه والأراضى وقطعان الماشية التى لا تعرف الحدود ومن هنا يجب أن يكون لنا دور بجانب السودان حتى يخرج من هذه المعركة بأقل الخسائر..
معضلة دارفور
الأزمة الثانية التى ينبغى أن تتوحد فيها مواقف مصر والسودان هى قضية دارفور.. ورغم توقيع اتفاقية السلام ووقف المعارك بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة فى الدوحة برعاية تشادية قطرية إلا أن مستقبل دارفور لم يتحدد بعد فمازالت هناك مواجهات عسكرية تطل من وقت لآخر بين الجيش السودانى وفصائل أخرى من المتمردين .. كانت أزمة دارفور من أخطر الأزمات التى شدت اهتمام الإعلام العالمى وبسببها صدر حكم المحكمة الدولية بإدانة الرئيس البشير.. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ من الآن بالمستقبل الذى ينتظر دارفور وهل ستصبح دولة مستقلة أم ستظل فى إطار السودان الموحد.. لا أحد يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال.. وسواء بقى السودان موحدا وبقيت دارفور جزءا منه أو أصبحت دولة مستقلة فإن تنمية دارفور تحتاج إلى جهد دولى وإنسانى كبير تستطيع مصر أن تشارك فيه خاصة أنها غابت كثيرا عن هذه القضية.. أن دارفور مجتمع إسلامى فقير.. يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة منهم مليونان من الهاربين والمهاجرين والمطرودين فى الدول المجاورة.. وحتى يعود هؤلاء إلى بلادهم فلابد من توفير أساليب الحياة الضرورية فى الطعام والماء والدواء.. لا أقول التنمية البشرية بمفهومها الواسع تعليما وتطورا وتحديثا ولكننا الآن أمام مجتمع لا يجد طعامه ويعيش فى الملاجئ والخيام.. تستطيع مصر أن تقوم بدور كبير فى دعم السودان على أكثر من مستوى.. أن الدول العربية تستطيع أن تقدم الدعم الاقتصادى لسكان دارفور من خلال جامعة الدول العربية والمؤسسات الاستثمارية العربية.. وفى نفس الوقت تستطيع أن تؤدى دورا أكبر من خلال رجال الأعمال المصريين والحكومة المصرية.. على جانب آخر فإن الدعم الدولى لدارفور يتطلب دبلوماسية عربية ومصرية نشيطة لوضع خطة لإعادة بناء دارفور تسهم فيها المؤسسات المالية العالمية والأوروبية.. قد يكون الموقف فى دارفور أخطر بكثير من الموقف فى الجنوب.. لقد انتهت المواجهة العسكرية فى الجنوب من سنوات بينما بقيت مشتعلة فى دارفور حتى الآن.. أن حجم الدمار والتهجير والكوارث التى لحقت بسكان دارفور كان أكبر كثيرا مما حدث فى الجنوب.. أن الأزمة الحقيقية فى دارفور أن هناك روابط وثيقة تجمع بين أهل الشمال وسكان دارفور فى الأصول العربية والعقيدة الإسلامية ومصالح كثيرة جمعت بين أبناء الشعب الواحد..
وعلى ضوء ما سيحدث فى دارفور سوف يتشكل مستقبل السودان فى السنوات القادمة ولاشك أن أمن السودان واستقراره جزء من أمن مصر واستقرارها..
أن الحروب التى أجهدت الدولة السودانية طوال ربع قرن من الزمان فى دارفور والجنوب معا والانقلابات العسكرية الداخلية والقصور السياسى وإهمال التنمية جعل السودان يواجه ظروفا تاريخية وإنسانية صعبة.. والآن يدفع السودان ثمن كل هذه الأخطاء سواء فى مخطط التقسيم أو التنمية أو سقوط الوضع الداخلى فى صراعات حزيبة وقبلية تهدد استقرار هذا البلد الشقيق..
وحدة وادي النيل
القضية الثالثة التى تمثل تهديدا مباشرا لمصالح مصر والسودان معا هى ما يحدث فى دول حوض النيل.. كلنا يعلم أن مصر والسودان هما دولتا المصب أى إن مصالحهما واحدة وأن هناك اتفاقيات دولية قديمة تحدد حصة مصر والسودان فى مياه النيل..
منذ سنوات وهناك نغمة جديدة ترتفع فى دول المنبع تدعى أن مصر والسودان تحصلان على الجزء الأكبر من مياه النيل فى ظل اتفاقية استعمارية تم توقيعها منذ أكثر من خمسين عاما وتمنح مصر والسودان ضمانات دولية فى مياه النيل.. منذ سنوات ودول المنبع وهى أثيوبيا ورواندا وبروندى وأوغندا وتنزانيا وكينيا والكونغو يتحدثون عن ضرورة وضع اتفاقية جديدة لتوزيع مياه النيل.. أن اتفاقية مياه النيل التى وقعت فى 1929 تعطى مصر الحق فى تعطيل أى مشروعات فى حوض النيل تؤثر على حصتها السنوية من المياه وفى عام 1969 وقعت مصر والسودان اتفاقية تحصل القاهرة بموجبها على 55 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويا.. أن هناك أزمة تزداد حدتها كل يوم بين مصر والسودان من جانب ودول حوض النيل من جانب آخر.. أن القاهرة والخرطوم تتمسكان بنصوص اتفاقيات توزيع المياه التى تم توقيعها من سنوات بعيده.. بل إن هذه الاتفاقيات تنص على ضمان وصول المياه لدول المصب ومع زيادة السكان فى مصر والسودان وارتفاع نسبة الحاجة إلى مزيد من المياه فإن الأزمة تتعقد كل يوم.. هناك انفصال وتعارض واضح فى المصالح بين دول المنبع ودول المصب وهما مصر والسودان ولاشك أن هذا يتطلب.. موقفا مصريا سودانيا واضحا أمام دول المنبع.. أن مصر حتى الآن تعارض أى اتفاقيات لا تضمن النص على عدم تغيير حصتها فى مياه النيل وهى 55 مليار متر مكعب.. بل إن احتياجات مصر من المياه سوف تصل فى عام 2017 إلى 86 مليار متر مكعب وهى لا تملك من مصادر المياه غير 71 مليار متر مكعب فقط.. هناك خلاف آخر واضح وصريح وهو موقف مصر والسودان من مشروعات المياه من السدود والقناطر على مجرى النهر ومصادر المياه فى دول المنبع.. هذه القضية تتطلب تنسيقا مصريا سودانيا على أعلى المستويات خاصة أن هناك ما يشبه التحدى بين دول المصب ودول المنبع.. فى مناسبات كثيرة كان هناك من يطالب بوزارة مستقلة تتولى ملف مياه النيل بين مصر والسودان لتوحيد المواقف والدفاع عن المصالح المشتركة بين البلدين.. أن أزمة المياه قادمة ولا شك فى ذلك وهناك من يرى أنها قد تفتح أبوابا للحروب فى العالم وإذا أضفنا لذلك أطرافا دولية كثيرة تعبث فى منابع النيل ومعها أمريكا وإسرائيل.. لقد سافر رئيس الوزراء د.أحمد نظيف إلى أثيوبيا وأجرى هناك مباحثات ناجحة ووقع اتفاقيات لدعم التعاون مع أهم مصادر مياه النيل وهى أثيوبيا ولكن الموقف يتطلب دعما أكبر وتنسيقا كاملا بين مصر والسودان فى المرحلة القادمة وأمام تقسيم السودان إلى دولتين وربما ثلاثة دول سنجد أنفسنا أمام واقع جغرافى وسياسى جديد قد يرتب أوضاعا جديدة فى توزيع موارد مياه النيل وقد يؤدى إلى تغيير المواقف والحسابات ليس بين دول المنبع والمصب بل بين مصر والسودان أيضا وهذا ما نخشاه فى المرحلة القادمة..
أن قضية مياه النيل هى أخطر قضايا مصر والسودان مع دول حوض النيل وهى قضية لا تحتمل التأجيل أو الإهمال بل إنها تحتاج إلى متابعة دائمة بين القاهرة والخرطوم حتى لا نجد أنفسنا أمام كوارث تتجاوز حدود كل الأزمات..
علاقة فاترة بين شقيقين
بعد هذه الثلاثية التى ينبغى أن تكون لها أولوية خاصة فى أجندة العلاقات المصرية السودانية نأتى إلى نقطة أخيرة وهى العلاقات الثنائية بين البلدين وهنا يجب أن نتساءل أين صادرات مصر للسودان وأين واردات مصر من السودان وأين المشروعات المشتركة وأين مجالات الإنتاج الزراعى المشترك.. أليس من العار أن تحظى اتفاقيات الكويز مع إسرائيل والشراكة مع أوروبا على اهتمام يفوق كل شىء فى علاقات مصر والسودان؟.. أليس من العار أن تخلو أسواق السودان من كل إنتاج مصرى؟.. لماذا نوقع عشرات الاتفاقيات مع دول أوروبا ونقبل شروطا لا يقبلها أحد بينما نهمل السودان وهو الأولى والأهم؟.. كيف نفكر فى زراعة القمح فى الأرجنتين وبيننا وبين مشروع الجزيرة فى شمال السودان خطوات قليلة.. كيف نفكر فى زراعة القمح فى أوغندا أو تنزانيا بينما توجد مساحات شاسعة من الأراضى فى شمال السودان وأين القطاع الخاص المصرى ودوره فى التنمية فى السودان؟.. أين الشعبان الشقيقان والعلاقات الأزلية؟..
أين المثقفون والمبدعون وأصحاب الرأى مما وصلت إليه العلاقات المصرية السودانية من التراجع والإهمال؟
أعرف أن هناك مجموعة كبيرة من الاتفاقيات فى التعاون الزراعى والإنتاج الحيوانى وقعتها د.فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى وهى تبذل جهدا كبيرا لإعادة روابط كثيرة غابت فى العلاقات بين البلدين ولكن مجالات التعاون بين مصر والسودان يجب أن تسبق كل الأولويات وهنا يظهر دور القطاع الخاص فى البلدين.. أن مستقبل السودان فى ظل التقسيم يتطلب مساندة مصر عن أى وقت مضى ومصر قد جربت أن تمد أيديها شمالا وشرقا وغربا وفى كل اتجاه ولن يكون لها مستقبل إلا فى السودان..
بعيدا عن الشعارات والأغانى ينبغى أن ندرك أن مصير مصر والسودان مصير واحد ويكفى الذى ضاع..
ة بين أصحاب القرار.. وعلى سبيل المثال فقد شهدت هذه العلاقات تحسنا كبيرا فى فترة حكم الرئيس نميرى وكان السبب فى ذلك أن الرئيس نميرى كان محبا لمصر وشعبها وكان يرى أن وحدة البلدين تمثل المستقبل والمصير.. ربما جاء بعد ذلك من عمل على إفساد هذه العلاقات والآن لا ينبغى أن نبكى على ما فات خاصة أننا أمام واقع سياسى واقتصادى بل وجغرافى جديد ينبغى أن نقيم عليه حسابات جديدة..
قد يكون من الضرورى الاستفادة من دروس الماضى وهى كثيرة وإدراك الإخفاقات الكثيرة التى وقعت فيها العلاقات بين البلدين.. إلا أن المستقبل والحاضر أيضا يفرضان صيغة جديدة لا يمكن تجاهلها لأنها بالفعل تفرض على مصر والسودان واقعا جديدا..
أول مظاهر هذا الواقع الجديد أن السودان أصبح أمام تقسيم جغرافى وسكانى واقتصادى لا مفر منه.. أن انتخابات الجنوب اقتربت وأصبحت على الأبواب وكل المؤشرات تقول إن الجنوب سوف يصبح دولة مستقلة وأن أهل الجنوب لم يعد فى حساباتهم بقاء السودان الموحد.. لن نناقش الآن أسباب ما حدث وكيف وصلت الأمور إلى نقطة الفراق ولكن لابد من دراسة هذا الواقع الجديد لأن انفصال الجنوب خسارة كبيرة للدولة السودانية الموحدة أنه يمثل خسارة اقتصادية فى الدرجة الأولى لأن موارد الجنوب خاصة فى البترول تمثل جانبا مهما من جوانب القضية.. وإذا أضفنا لذلك موارد أخرى فى الزراعة والمياه والأسماك والمعادن والثروة الحيوانية لأدركنا حجم الخسائر السودانية.. وإذا كان الانفصال ضرورة فإن على مصر أن تواجه هذا التحدى وتقف بكل قواها بجانب السودان.. أن أخطر ما فى قضية الجنوب أن فيها أطرافا دولية كثيرة وهى دول كبرى لها مطامع وحسابات ابتداء بأمريكا وإسرائيل وانتهاء بدول أوروبا وشرق آسيا والصين.. يحدث هذا فى ظل غياب عربى كامل عن جنوب السودان يؤكده غياب مصر عن قضايا الجنوب..
فى الرحلة الأخيرة التى قام بها السيد عمرو موسى أمين الجامعة العربية على رأس وفد من رجال الأعمال العرب تحققت نتائج ملموسة فقد كانت هذه الزيارة أول فرصة يلتقى فيها أهل الجنوب مع الاستثمارات العربية الوافدة.. شرح وزراء الجنوب للوفد العربى مجالات الاستثمار وضماناته ومستقبل العلاقات بين رجال الأعمال العرب والتنمية فى جنوب السودان.. هناك مشروعات عربية قليلة ولكنها ناجحة وهذا يتطلب المزيد حتى لا نترك الجنوب وليمة سائغة للدول الأجنبية التى تتصارع عليه الآن..
منذ شهور قليلة زار الرئيس مبارك الجنوب وأجرى مباحثات مع المسئولين فيه وكانت أول زيارة يقوم بها رئيس مصرى للجنوب منذ استقلال السودان.. والآن مطلوب من حكومة مصر أن تدعم هذا الوجود المصرى العربى فى الجنوب قبل أن يعلن استقلاله.. أن الوقوف بجانب السودان يتطلب أن يكون لمصر دور واضح فى تنمية الجنوب فليس معنى استقلاله أن تتقطع جسور العودة والتواصل بين شماله وجنوبه.. أن الجنوب سيبقى العمق الإستراتيجى للسودان فى الزراعة والأمن والمياه والعلاقات الأخوية بين أبناء الشعب الواحد حتى ولو كان الانفصال قدرا مكتوبا.. فى شمال السودان ملايين من أبناء الجنوب وهؤلاء لن يتركوا أرضهم وبيوتهم وفى الجنوب ملايين من أبناء الشمال وهؤلاء أيضا لن يتركوا بيوتهم وأرضهم.. ومن هنا فإن موقف مصر بجانب السودان فى كل هذه التحديات سوف يجعل السودان فى الوضع الأقوى أمام تحديات خارجية كثيرة.
هناك مصالح كثيرة متضاربة ومتصارعة فى الجنوب.. أن أمريكا تضع عينها على البترول والصين لن تتركها وحدها وإسرائيل تلعب فى الخفاء ودول الجوار لها مصالح فى الزراعة والمياه والأراضى وقطعان الماشية التى لا تعرف الحدود ومن هنا يجب أن يكون لنا دور بجانب السودان حتى يخرج من هذه المعركة بأقل الخسائر..
الأزمة الثانية التى ينبغى أن تتوحد فيها مواقف مصر والسودان هى قضية دارفور.. ورغم توقيع اتفاقية السلام ووقف المعارك بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة فى الدوحة برعاية تشادية قطرية إلا أن مستقبل دارفور لم يتحدد بعد فمازالت هناك مواجهات عسكرية تطل من وقت لآخر بين الجيش السودانى وفصائل أخرى من المتمردين .. كانت أزمة دارفور من أخطر الأزمات التى شدت اهتمام الإعلام العالمى وبسببها صدر حكم المحكمة الدولية بإدانة الرئيس البشير.. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ من الآن بالمستقبل الذى ينتظر دارفور وهل ستصبح دولة مستقلة أم ستظل فى إطار السودان الموحد.. لا أحد يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال.. وسواء بقى السودان موحدا وبقيت دارفور جزءا منه أو أصبحت دولة مستقلة فإن تنمية دارفور تحتاج إلى جهد دولى وإنسانى كبير تستطيع مصر أن تشارك فيه خاصة أنها غابت كثيرا عن هذه القضية.. أن دارفور مجتمع إسلامى فقير.. يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة منهم مليونان من الهاربين والمهاجرين والمطرودين فى الدول المجاورة.. وحتى يعود هؤلاء إلى بلادهم فلابد من توفير أساليب الحياة الضرورية فى الطعام والماء والدواء.. لا أقول التنمية البشرية بمفهومها الواسع تعليما وتطورا وتحديثا ولكننا الآن أمام مجتمع لا يجد طعامه ويعيش فى الملاجئ والخيام.. تستطيع مصر أن تقوم بدور كبير فى دعم السودان على أكثر من مستوى.. أن الدول العربية تستطيع أن تقدم الدعم الاقتصادى لسكان دارفور من خلال جامعة الدول العربية والمؤسسات الاستثمارية العربية.. وفى نفس الوقت تستطيع أن تؤدى دورا أكبر من خلال رجال الأعمال المصريين والحكومة المصرية.. على جانب آخر فإن الدعم الدولى لدارفور يتطلب دبلوماسية عربية ومصرية نشيطة لوضع خطة لإعادة بناء دارفور تسهم فيها المؤسسات المالية العالمية والأوروبية.. قد يكون الموقف فى دارفور أخطر بكثير من الموقف فى الجنوب.. لقد انتهت المواجهة العسكرية فى الجنوب من سنوات بينما بقيت مشتعلة فى دارفور حتى الآن.. أن حجم الدمار والتهجير والكوارث التى لحقت بسكان دارفور كان أكبر كثيرا مما حدث فى الجنوب.. أن الأزمة الحقيقية فى دارفور أن هناك روابط وثيقة تجمع بين أهل الشمال وسكان دارفور فى الأصول العربية والعقيدة الإسلامية ومصالح كثيرة جمعت بين أبناء الشعب الواحد..
وعلى ضوء ما سيحدث فى دارفور سوف يتشكل مستقبل السودان فى السنوات القادمة ولاشك أن أمن السودان واستقراره جزء من أمن مصر واستقرارها..
أن الحروب التى أجهدت الدولة السودانية طوال ربع قرن من الزمان فى دارفور والجنوب معا والانقلابات العسكرية الداخلية والقصور السياسى وإهمال التنمية جعل السودان يواجه ظروفا تاريخية وإنسانية صعبة.. والآن يدفع السودان ثمن كل هذه الأخطاء سواء فى مخطط التقسيم أو التنمية أو سقوط الوضع الداخلى فى صراعات حزيبة وقبلية تهدد استقرار هذا البلد الشقيق..
القضية الثالثة التى تمثل تهديدا مباشرا لمصالح مصر والسودان معا هى ما يحدث فى دول حوض النيل.. كلنا يعلم أن مصر والسودان هما دولتا المصب أى إن مصالحهما واحدة وأن هناك اتفاقيات دولية قديمة تحدد حصة مصر والسودان فى مياه النيل..
منذ سنوات وهناك نغمة جديدة ترتفع فى دول المنبع تدعى أن مصر والسودان تحصلان على الجزء الأكبر من مياه النيل فى ظل اتفاقية استعمارية تم توقيعها منذ أكثر من خمسين عاما وتمنح مصر والسودان ضمانات دولية فى مياه النيل.. منذ سنوات ودول المنبع وهى أثيوبيا ورواندا وبروندى وأوغندا وتنزانيا وكينيا والكونغو يتحدثون عن ضرورة وضع اتفاقية جديدة لتوزيع مياه النيل.. أن اتفاقية مياه النيل التى وقعت فى 1929 تعطى مصر الحق فى تعطيل أى مشروعات فى حوض النيل تؤثر على حصتها السنوية من المياه وفى عام 1969 وقعت مصر والسودان اتفاقية تحصل القاهرة بموجبها على 55 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويا.. أن هناك أزمة تزداد حدتها كل يوم بين مصر والسودان من جانب ودول حوض النيل من جانب آخر.. أن القاهرة والخرطوم تتمسكان بنصوص اتفاقيات توزيع المياه التى تم توقيعها من سنوات بعيده.. بل إن هذه الاتفاقيات تنص على ضمان وصول المياه لدول المصب ومع زيادة السكان فى مصر والسودان وارتفاع نسبة الحاجة إلى مزيد من المياه فإن الأزمة تتعقد كل يوم.. هناك انفصال وتعارض واضح فى المصالح بين دول المنبع ودول المصب وهما مصر والسودان ولاشك أن هذا يتطلب.. موقفا مصريا سودانيا واضحا أمام دول المنبع.. أن مصر حتى الآن تعارض أى اتفاقيات لا تضمن النص على عدم تغيير حصتها فى مياه النيل وهى 55 مليار متر مكعب.. بل إن احتياجات مصر من المياه سوف تصل فى عام 2017 إلى 86 مليار متر مكعب وهى لا تملك من مصادر المياه غير 71 مليار متر مكعب فقط.. هناك خلاف آخر واضح وصريح وهو موقف مصر والسودان من مشروعات المياه من السدود والقناطر على مجرى النهر ومصادر المياه فى دول المنبع.. هذه القضية تتطلب تنسيقا مصريا سودانيا على أعلى المستويات خاصة أن هناك ما يشبه التحدى بين دول المصب ودول المنبع.. فى مناسبات كثيرة كان هناك من يطالب بوزارة مستقلة تتولى ملف مياه النيل بين مصر والسودان لتوحيد المواقف والدفاع عن المصالح المشتركة بين البلدين.. أن أزمة المياه قادمة ولا شك فى ذلك وهناك من يرى أنها قد تفتح أبوابا للحروب فى العالم وإذا أضفنا لذلك أطرافا دولية كثيرة تعبث فى منابع النيل ومعها أمريكا وإسرائيل.. لقد سافر رئيس الوزراء د.أحمد نظيف إلى أثيوبيا وأجرى هناك مباحثات ناجحة ووقع اتفاقيات لدعم التعاون مع أهم مصادر مياه النيل وهى أثيوبيا ولكن الموقف يتطلب دعما أكبر وتنسيقا كاملا بين مصر والسودان فى المرحلة القادمة وأمام تقسيم السودان إلى دولتين وربما ثلاثة دول سنجد أنفسنا أمام واقع جغرافى وسياسى جديد قد يرتب أوضاعا جديدة فى توزيع موارد مياه النيل وقد يؤدى إلى تغيير المواقف والحسابات ليس بين دول المنبع والمصب بل بين مصر والسودان أيضا وهذا ما نخشاه فى المرحلة القادمة..
أن قضية مياه النيل هى أخطر قضايا مصر والسودان مع دول حوض النيل وهى قضية لا تحتمل التأجيل أو الإهمال بل إنها تحتاج إلى متابعة دائمة بين القاهرة والخرطوم حتى لا نجد أنفسنا أمام كوارث تتجاوز حدود كل الأزمات..
بعد هذه الثلاثية التى ينبغى أن تكون لها أولوية خاصة فى أجندة العلاقات المصرية السودانية نأتى إلى نقطة أخيرة وهى العلاقات الثنائية بين البلدين وهنا يجب أن نتساءل أين صادرات مصر للسودان وأين واردات مصر من السودان وأين المشروعات المشتركة وأين مجالات الإنتاج الزراعى المشترك.. أليس من العار أن تحظى اتفاقيات الكويز مع إسرائيل والشراكة مع أوروبا على اهتمام يفوق كل شىء فى علاقات مصر والسودان؟.. أليس من العار أن تخلو أسواق السودان من كل إنتاج مصرى؟.. لماذا نوقع عشرات الاتفاقيات مع دول أوروبا ونقبل شروطا لا يقبلها أحد بينما نهمل السودان وهو الأولى والأهم؟.. كيف نفكر فى زراعة القمح فى الأرجنتين وبيننا وبين مشروع الجزيرة فى شمال السودان خطوات قليلة.. كيف نفكر فى زراعة القمح فى أوغندا أو تنزانيا بينما توجد مساحات شاسعة من الأراضى فى شمال السودان وأين القطاع الخاص المصرى ودوره فى التنمية فى السودان؟.. أين الشعبان الشقيقان والعلاقات الأزلية؟..
أين المثقفون والمبدعون وأصحاب الرأى مما وصلت إليه العلاقات المصرية السودانية من التراجع والإهمال؟
أعرف أن هناك مجموعة كبيرة من الاتفاقيات فى التعاون الزراعى والإنتاج الحيوانى وقعتها د.فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى وهى تبذل جهدا كبيرا لإعادة روابط كثيرة غابت فى العلاقات بين البلدين ولكن مجالات التعاون بين مصر والسودان يجب أن تسبق كل الأولويات وهنا يظهر دور القطاع الخاص فى البلدين.. أن مستقبل السودان فى ظل التقسيم يتطلب مساندة مصر عن أى وقت مضى ومصر قد جربت أن تمد أيديها شمالا وشرقا وغربا وفى كل اتجاه ولن يكون لها مستقبل إلا فى السودان..
بعيدا عن الشعارات والأغانى ينبغى أن ندرك أن مصير مصر والسودان مصير واحد ويكفى الذى ضاع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.