نائب بالشيوخ يرفض تغليظ عقوبة سرقة التيار ويتهم الحكومة باحتكار الكهرباء    وكيل التعليم بالدقهلية يفتتح مطبخ للوجبات الساخنة بمدرسة التربية الفكرية ببلقاس    كشف سر مناكفات إثيوبيا ومخطط استهداف مصر، رسالة قوية من نصر علام إلى الاتحاد الإفريقي    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    ننشر حركة تداول السفن والحاويات والبضائع العآمة في ميناء دمياط    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء السيسي ب محافظ البنك المركزي ووزير المالية    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات اليوم    42.8% زيادة فى تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال الشهور العشر الأولى من عام 2025    ضبط مخصبات زراعية ومبيدات غير مصرح بها في حملة لزراعة الفيوم    محافظ أسوان يعلن انطلاق أعمال مد خطوط الغاز للقرى المدرجة بمبادرة "حياة كريمة "    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزير خارجية جنوب أفريقيا لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    حزب السادات: تحركات الرئيس السيسي الخارجية تؤكد أن مصر ركيزة الاستقرار وصوت العقل    تاريخ من الذهب.. كاف يستعرض إنجازات منتخب مصر فى أمم أفريقيا    وزير خارجية زيمبابوى: مصر وروسيا من أبرز الداعمين لمبدأ الوحدة الأفريقية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة قلقيلية ‫ويداهم بناية    تريزيجيه: تركيزنا الكامل على مواجهة زيمبابوي وتحقيق الفوز    ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباراة مانشستر يونايتد وأستون فيلا    حيماد عبدلي: منتخب الجزائر يسعى للذهاب بعيدًا ببطولة أمم أفريقيا    المشدد 6 سنوات لعاطل متهم بالشروع في قتل جاره بالسلام    كشف ملابسات سرقة قائد مركبة توك توك هاتف من أجنبيه في أسوان    محمود مسلم يحصل على جائزة أفضل كاتب صحفي في مسابقة المحاور مفيد فوزي    محافظ أسوان: استعداد مسرح «ليالي الفن» لإحياء احتفالات رأس السنة    محافظ الدقهلية يتفقد عيادة ابن لقمان للتأمين الصحي بالمنصورة    أبرز المسلسلات المؤجلة بعد رمضان 2026.. غادة عبد الرازق ونور النبوي في الصدارة    ليلة استثنائية في مهرجان القاهرة للفيلم القصير: تكريم عبير عواد واحتفاء بمسيرة عباس صابر    البورصة ترتفع بمستهل تعاملات اليوم الأحد 21 ديسمبر 2025    «الرعاية الصحية» تطلق حملة للمتابعة المنزلية مجانا لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن    رئيس جامعة الازهر يوضح بلاغة التعريف والتنكير في الدعاء القرآني والنبوي    من مصر منارةً للقرآن إلى العالم... «دولة التلاوة» مشروع وعي يحيي الهوية ويواجه التطرف    د.حماد عبدالله يكتب: "اَلَسَلاَم عَلَي سَيِدِ اَلَخْلقُ "!!    تكريم لمسيرة نضالية ملهمة.. دورة عربية لتأهيل الشباب في حقوق الإنسان تحمل اسم محمد فايق    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    مصر تتقدم 47 مركزا فى تصنيف مؤشر نضج الحكومة الرقمية للبنك الدولى    الري تتابع إيراد النيل.. تشغيل السد العالي وإدارة مرنة للمياه استعدادًا للسيول    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    محافظ أسيوط يعلن عن استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف ورعاية الموهوبين رياضيًا    على أنغام الربابة والمزمار… نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك والإعلان عن بدء فصل الشتاء    فريدة سيف النصر تنعي سمية الألفي بكلمات مؤثرة وتسرد ذكرياتهما معاً    المقاولون العرب يعلن تعيين علي خليل مستشارًا فنيًا لقطاع الناشئين    مصادر إسرائيلية: قلق بشأن نزع سلاح حماس مع استمرار انسحاب الجيش من غزة    استئناف إدخال شاحنات المساعدات الإنسانية من معبر رفح البري لتسليمها إلى الجهات الفلسطينية    إصابة 14 عاملا فى حادث انقلاب أتوبيس بالشرقية    تحرير 477 محضرًا تموينيًا للمخابز والأسواق خلال حملات مكثفة لضبط الأسعار بأسيوط    حقيقة تأثر رؤية شهر رمضان باكتمال أو نقص الشهور السابقة.. القومي يوضح    نقابة صيادلة القاهرة تكشف حقيقة عدم توافر أدوية البرد والأمراض المزمنة    النادى الذى فقد نجمه!!    مواعيد مباريات اليوم الأحد 21-12- 2025 والقنوات الناقلة لها | افتتاح أمم إفريقيا    بحضور وزير الشئون النيابية.. مجلس الشيوخ يناقش اليوم تعديلات قانون الكهرباء    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمي للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    مصرع شاب وإصابة آخر صدمتهما سيارة فى كرداسة    محاكمة المتهمين بسرقة 370 قطعة أثرية من متحف الحضارة اليوم    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام 2025    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    فحص أكثر من 8 ملايين طالب ضمن الكشف عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    الإسكان الاجتماعي لصاحبة فيديو عرض أولادها للبيع: سنوفر الحلول الملائمة.. والحاضنة لها حق التمكين من شقة الإيجار القديم    عضو بالأرصاد: أجواء مستقرة ودرجات حرارة طبيعية خلال الأسبوع الجاري    ندوة بمعرض جدة للكتاب تكشف «أسرار السرد»    اتحاد الكرة: حسام حسن وعدنا بلقب أمم إفريقيا.. وفينجر رشح مدير فني لتعيينه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة أوكرانيا والأمن الغذائى
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 02 - 2022

إبان القمة العالمية للأغذية، التى احتضنتها العاصمة الإيطالية روما عام 1996، توافقت الجماعة الدولية على تبنى مصطلح الأمن الغذائى. ذلك الذى ينصرف إلى تمتع الناس كافة، فى كل مكان وزمان، بإمكانية الوصول المادى، والاجتماعى، والاقتصادى، إلى طعام كاف وآمن ومغذٍ، على النحو الذى يلبى احتياجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية، ويضمن لهم حياة كريمة وحيوية وصحية.
منذ بضع سنين، تحاصرالأمن الغذائى العالمى،لاسيما فى الدول النامية، طائفة من التحديات. فثمة ملمات جسام تعصف بالاقتصاد الدولى، جراء الآثار الجانبية السلبية لتسارع وتيرة التحضٌر غير المنضبط، بما ينال من استدامة النشاط الزراعى وفعالية النظام الغذائى. وإلى جانب التنامى المزعج فى معدلات الزيادة السكانية، تنتشر الصراعات وتندلع النزاعات، ويستشرى الفساد فى السياسات الزراعية وتجارة الأغذية. بموازاة ذلك، تتوالى أصداء التغيرات المناخية، وتداعيات جائحة كورونا، بكل ما تمخضت عنه من تخبط الأنشطة الزراعية، وتعثر سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف الشحن، وارتباك إمدادات الطاقة. فنتيجة لتلك الاضطرابات مجتمعة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية عام 2021 بنحو 30%، مقارنة بالعام الذى سبقه، محققة أعلى مستوى لها خلال سنوات عشر. وطبقا لتقديرات الأمم المتحدة، اتسعت رقعة انعدام الأمن الغذائى المعتدل أو الشديد، على الصعيد العالمى، خلال السنوات الست المنقضية، حتى سقط قرابة 820 مليون إنسان فى براثن الجوع سنة 2020، فيما بات يلاحق شخصا من بين كل ثلاثة. وبعدما تفاقم بواقع 18% خلال العام الماضى، مسجلا أعلى معدل منذ قرابة عقدين، ينذر تفشى الجوع عالميا بتقويض استراتيجية الأمم المتحدة الرامية لاستئصاله بحلول العام 2030.
إلى سنة 2014، ترتد انعكاسات الأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائى العالمى. فحينئذ، كان الانفصاليون الأوكرانيون المدعومون من روسيا يقاتلون القوات الأوكرانية فى إقليم دونباس. وبينما تسنى لكييف تصديرمعظم إنتاجها من الحبوب الغذائية صيف العام 2021، رغم الجائحة الكورونية، يتوقع خبراء أن يحول الغزو الروسى المحتمل لأوكرانيا دون زراعة المحاصيل الجديدة فى الربيع المقبل. خصوصا أنه يتزامن مع استفحال أزمة الأسمدة العالمية، التى أشعلتها أزمة الطاقة، وقيود الصادرات، والعقوبات التجارية، التى ضاعفت جميعها أعباءَ جمة تثقل كواهل المزارعين الروس والأوكرانيين منذ سنوات.
تصارع منطقة الشرق الأوسط، منذ زمن، سيلا من التحديات الهيكلية لأمنها الغذائى، بجريرة ارتفاع معدّلات النمو السكانى، وتفشى الفساد، وتآكل قاعدة الموارد الطبيعية، لا سيما المياه العذبة والأراضى الصالحة للزراعة، فضلا عن ارتدادات التغيرات المناخية، وتعاظم الاعتماد على الخارج فى تدبير الاحتياجات الغذائية. وتسجل منطقتنا معدّلات مخيفة من سوء التغذية، جراء النقص فى المغذيات، وتجدد النزاعات والأزمات المزمنة، واستمرار الاضطرابات الاجتماعية الخانقة. واليوم، يترقب عدد من دول الإقليم، خصوصا مصر وتركيا اللتين تتصدران مستوردى القمح عالميا، ببالغ قلق، مآلات الأزمة الأوكرانية. إذ تستورد القاهرة نحو 13.6 مليون طن سنويا، توفر روسيا وأوكرانيا 97% منها، كى تملأ الفجوة المخيفة بين الاستهلاك، الذى يناهز العشرين مليون طن سنويا، والإنتاج المحلى، الذى يكاد يتخطى ثمانية ملايين طن بقليل. الأمر الذى يفرض على الدولة المصرية ضرورة تبنى استراتيجيات زراعية وغذائية ناجزة. بحيث لا تغفل دعم المزارعين عبر شراء إنتاجهم من القمح بأسعار مناسبة. عسى أن يحفزهم ذلك على التوسع فى زراعته محليا، بما يساعد على تقليص الفجوة المروعة بين الإنتاج والاستهلاك.
من شأن انفجار الموقف فى شرق أوروبا، بما قد يستتبعه من عقوبات قاسية ومتنوعة على روسيا، أن يفضى إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية عالميا، إثر انحسارالعرض مقابل تنامى الطلب. كيف لا؟! وتأتى كل من أوكرانيا وروسيا فى طليعة الدول المصدرة للقمح، والذرة، وزيت عباد الشمس، إذ تنتجان سويا 206.9 مليون ميجا طن من الحبوب، تشكل ثلث شحنات القمح والشعير العالمية. فبعدما قفزت أسعار القمح فى العام الفائت بنحو 45 % على أقل تقدير، على وقع جائحة كورونا، واصلت الارتفاع مجددا خلال الشهرين الماضيين، مدركة أعلى مستوى لها منذ يوليو2014، بسبب تصاعد التوترات بين روسيا والغرب حول أوكرانيا. وخلال يناير الماضى، سجل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة «فاو»، أعلى معدل للزيادة الشهرية، بواقع 6.8 %. وهو ما أرجعته المنظمة إلى تصاعد الطلب العالمى، وزيادة التوقعات بانخفاض المبيعات الروسية اعتبارا من مارس المقبل، تأثرا بتضاعف الرسوم الجمركية المفروضة على صادرات القمح.
ما إن يحجب تعطل العمل بموانئ البحر الأسود كميات هائلة من تدفقات المواد الغذائية عبرالأسواق الدولية، حتى يهتز الأمن الغذائى لدول مثل لبنان، ومصر، واليمن، وإسرائيل، وسلطنة عمان، باعتبارهم المشترين الأساسيين للقمح الأوكرانى. وبينما تعد أوكرانيا خامس أكبر مُصدّر للقمح عالميا، بما يجعلها أحد الضامنين للأمن الغذائى الكونى، تظل روسيا رافدا حيويا لتزويد الدول العربية بإمدادات القمح، الذى صدَرت منه 38 مليون ميجا طن فى عام 2020، رغم الجائحة الوبائية. لذلك، تتوجس دول المنطقة خيفة من جنوح الحلفاء الغربيين للرد على أى غزو روسى محتمل لأوكرانيا، بفرض «أم العقوبات» على الصادرات الروسية، بما يشمل استبعاد موسكو من جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت)، وهو نظام الدفع الدولى الذى تستخدمه البنوك فى شتى بقاع المعمورة. فوقتئذ، ستحلق أسعار السلع الغذائية فى آفاق تتجاوز إمكانات الحكومات، وتنوء بالشعوب. وإلى أبعد من الإضرار بإمدادات المحاصيل الزراعية، تمضى تبعات تصعيد الأزمة الأوكرانية لتطال سلعا غذائية أخرى. ففى عام 2020، احتلت دول عربية المراتب الخمس الأولى، ضمن قائمة تحوى أبرز عشرة مستوردين للحوم الدجاج الأوكرانى،على مستوى العالم.
بمقاربة سوسيولوجية، يستطيع أناسى كثير استشعار ما يمكن أن تخلفه اضطرابات الأمن الغذائى من آثار سلبية على الاستقرار السياسى والاجتماعى. فعلى نحو غير مباشر، أسهم تدمير الجفاف لمحصول القمح الروسى، وما تلاه من اضطرار موسكو لوقف تصدير القمح إلى الخارج بغية تأمين احتياجاتها المحلية، فى تهيئة الاجواء لتأجيج انتفاضات ما عرف إعلاميا بالربيع العربى، فى عدد من بلدان الشرق الأوسط. فلقد تمخض الارتفاع الجنونى فى أسعار القمح والخبز وقتذاك، عن تأجيج المسوغ الاقتصادى، الذى طالما شكل وقودا أساسيا لأى حراك جماهيرى. وعلى وقع تلاحم الاحتياجات المطلبية الملحة، مع المطالبة بالتغيير والإصلاح، اشتعل أوار الغضب الجماهيرى العارم، وانفجرت الاحتجاجات الشعبية الجارفة.
ومن منظور اقتصادى بحت، لا تستبعد دراسات منظمة الأغذية والزراعة أن يؤدى ارتفاع معدلات سوء التغذية، إلى تراجع فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى بمعدل 5 %. كذلك، قد يفضى غياب الأمن الغذائى المستقر وطويل الأمد، إلى النيل من رأس المال البشرى، وزيادة الأعباء المالية على الحكومات، إلى الحد الذى يرهق الإنفاق الحكومى العام، ويتسبب فى ركود النمو الاقتصادى على المدى الطويل.
كأننا بالمجتمع الدولى وقد أحسن صنعا بالتماسه سبلا دبلوماسية، تبتغى نزع فتيل التوتر بشرق أوروبا، وتحول دون انزلاق الأزمة الأوكرانية إلى ظلمات المواجهات المسلحة. لكن الإنسانية قاطبة ستتفوق على نفسها، إذا ما نجحت فى استثمار القمم الدورية التى تعقدها الأمم المتحدة بشأن الأنظمة الغذائية والتجارة العالمية، والتى كان أحدثها المؤتمر الإقليمى للشرق الأدنى وشمال أفريقيا، الذى استضافه العراق، قبل قليل، بالتعاون مع «الفاو». فلكم يتوق سكان كوكبنا المكلوم إلى تطويع هكذا حراك لوضع الخطط الكفيلة ببناء اقتصادات أكثر شمولا واستدامة، واتخاذ تدابير تتيح تحسين قواعد التجارة الدولية فى مجالى الأغذية والزراعة، وتعزيز الكفاءة الانتاجية، وتطوير نظم غذائية وزراعية أكثر عدلا، وأمضى همة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.