مصرع 4 وإصابة 3 في حادث تصادم سيارتي نقل جنوب أسوان    أسعار الطماطم والبصل والفاكهة الخميس 16 أكتوبر 2025 في أسواق الشرقية    كلام مهم من مدبولي بشأن زيادة المرتبات السنوية    انخفاض سعر الحديد اليوم الخميس 16 اكتوبر 2025.. كم سجل طن عز الآن؟    لقاءات لوزير الخارجية مع الإعلام الأجنبى لاستعراض جهود مصر فى إنهاء حرب غزة    إسرائيل ترفض فتح معبر رفح.. وتوجه طلب عاجل ل حماس    وفد موسكو في فيينا: محاولة "إلغاء" روسيا أدت إلى مشاكل في الدول الغربية    اليوم.. بعثة الأهلي تطير إلى بوروندي لمواجهة إيجل نوار بدوري أبطال إفريقيا    ارتفاع قياسي في سعر الذهب اليوم الخميس 16-10-2025 عالميًا    أمطار غزيرة تضرب السواحل.. جدول نوات الشتاء في البحر المتوسط 2026    الفيديوهات لا تعمل.. عطل عالمي يضرب يوتيوب.. والمنصة: شكرا لصبركم    صبري فواز يعلن بدء تصوير مسلسل «عاليا» مع غادة عبدالرازق.. والعرض رمضان 2026    تحويل مسار طائرة وزير الدفاع الأمريكي إلى بريطانيا بسبب تشقق الزجاج الأمامي    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 16كتوبر 2025    مدحت شلبي عن أزمة أرض أكتوبر: كرة القدم ما تنفعش من غير أهلي وزمالك    ارتفاع أسعار الذهب عالميًا في بداية تعاملات الخميس 16 أكتوبر    مادورو يستنكر انقلابات ال«سي آي أي» في أمريكا اللاتينية    قوات الاحتلال تعتقل شابًا خلال مداهمة في بلدة علار شمال طولكرم    ترامب يعتزم لقاء مودي خلال قمة آسيان    محسن صالح: شخصية الخطيب ستتغير في الولاية المقبلة للأهلي    محافظ الغربية ووزير الاوقاف يشهدان احتفالية مولد السيد البدوي    أحمد حمدي يكتب: «إخوان 2025.. التحالفات العابرَة للأيديولوجيا» 8    أكمنة ثابتة ومتحركة| «التأمين العالي» سر اختيار شرم الشيخ لاستضافة «قمة السلام»    امتداد لتاريخ من الحضور الوطني تحت القبة.. وجوه سياسية وفنية وإعلامية ضمن المعيّنين ب«الشيوخ»    تجهيزات مسرح النافورة لفعاليات مهرجان «الموسيقى العربية» ال33    مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن لجان تحكيم دورته الثامنة    عصام عطية يكتب: صناعة التاريخ    دوري المحترفين.. «وي» يواجه الترسانة في الجولة التاسعة    في العمرة.. سهر الصايغ تشارك جمهورها أحدث ظهور لها أمام الكعبة    ننشر أسماء مرشحي انتخابات النواب 2025 بالفيوم بعد غلق باب الترشح    عمرو محمود ياسين عن حالة زوجته: بنطمنكم لكن الطبيب منع الزيارة لحين استقرار الحالة    لماذا يجب الحصول على تطعيم الإنفلونزا الموسمية كل عام؟    الأخبار السارة تأتي دائمًا من بعيد..    عمرو موسى: الضفة الغربية أمام خطر كبير.. ونتنياهو لا يفهم السلام    سد العجز في المعلمين 2025.. ضوابط العمل بنظام الحصة ومكافآت المستعان بهم    وفاة شاب فى حادث تصادم دراجة بخارية بعربة كارو بحى المناخ فى بورسعيد    نجاة 3 أشخاص بعد سقوط سيارة في ترعة المريوطية بالهرم    السيطرة على حريق أتوبيس بالقناطر الخيرية بسبب ماس كهربائي    تحريات لكشف سرقة متعلقات مدربة خيول وجواز سفر خيل أحمد السقا بأبو النمرس    بعد استبعادها من القائمة الوطنية.. أمين مستقبل وطن بسوهاج تقدم استقالتها "مستند"    "بعد تكريمه من المحافظ".. عامل نظافة يحصل علي ماجيستير بالقانون ويترشح لانتخابات النواب في البحيرة (صور)    "الوطنية للانتخابات": ترشح 417 على المقاعد الفردية في اليوم الأخير لتقديم الأوراق بانتخابات مجلس النواب    أوسكار يجتمع مع حكام تقنية الفيديو بعد عودته من تشيلي    أحمد الجندي: هدفي ذهبية أولمبياد لوس أنجلوس.. وظروف طارئة منعتني من التواجد بقائمة أسامة أبوزيد في نادي الشمس    شوقي غريب يرشح 6 لاعبين من منتخب الشباب ل حسام حسن    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    أسعار التذاكر بعد حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    مشكلة الميراث    كريم ذكري: شيكابالا اعتزل مجبرًا والزمالك لا يملك بديلًا لدوره    بعد تراجع الدولار.. هل تنخفض أسعار الدواء في مصر؟    بخطوات بسيطة.. حضري ألذ كيكة بصوص القهوة    نم جيدًا وتناول هذه الفيتامينات.. 6 طرق علمية لمقاومة نزلات البرد في الشتاء    إنقاذ حياة مريضة بمستشفى سوهاج العام بعد إصابتها بثلاث لدغات عقرب    خشية الفضيحة.. تقتل رضيعتها وتلقيها في صندوق قمامة والمحكمة تعاقبها بالمشدد    هل يجوز شراء شقة بنظام التمويل العقاري بقصد الاستثمار؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الألعاب الإلكترونية المدرة لأرباح مالية حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأديب الليبى هشام مطر فى ضيافة دار الشروق: هدفي خدمة العمل الذي أكتبه.. وللكاتب اختيار قبول الإغراءات المصاحبة للجوائز أم لا

• لا تضايقنى القراءة السياسية لأعمالى بشكل عام بل «القراءة السطحية» عموما
• لا أؤمن بالكتابة المحترفة.. وفى الفن يجب أن يكون لديك جزء تجريبى
• أعدت كتابة «فى بلد الرجال» ثلاث مرات.. وتعلمت من ذلك الكثير عن الكتابة بشكل عام
• مشهد على البحر الأحمر فى مصر ألهمنى كتابة رواية «اختفاء»
• فى لقائى ب«نجيب محفوظ» قال لى: «اللغة هى نهر.. وهويتك هى اللغة التى تكتب بها»
• علمتنى الهندسة المعمارية الكثير عن الكتابة وتاريخ الفن والفكر
بساطته فى الكلام وخفة دمه الواضحة وروحه المرحة رُغم ما حفلت به حياته من صعاب وأسفار وآلام، لا تعكس أبدا حجم مكانته الكبيرة فى عالم الكتابة والأدب، فهو من ترشحت أولى رواياته «فى بلد الرجال 2006» لجائزة «البوكر» العالمية عام 2006 وترجمت إلى 30 لغة، وفازت روايته الأخيرة «العودة 2016» بجائزة بوليتزر العالمية عام 2017 فى مجال أدب السيرة الذاتية، وجائزة «بِن Pen» الأمريكية، وجائزة الكتاب الأجنبى الفرنسية عام 2017، وكذلك جائزة الأخوين شول الألمانية فى نسختها ال38، عام 2018.
عندما حل الأديب الليبى هشام مطر ضيفا على دار الشروق، استطاع كشف الكثير عن ملامح شخصيته وأفكاره ورحلة صعوده وفلسفته الخاصة فى الحياة، من خلال حوار دار فى حضور المهندس إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الشروق، والأستاذ أحمد بدير، مدير عام دار الشروق، والكاتب الصحفى سيد محمود، لم يخل من قطع فنية رفيعة سردها بهدوء فى انسيابية ممتعة.
الأديب الليبى الذى ولد فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1970 وعاش فى طرابلس ومصر أيام الطفولة، قبل أن يستقر فى بريطانيا منذ عام 1986، والذى يكتب باللغة الإنجليزية، عرفه القارئ العربى من خلال روايتيه المترجمتين إلى اللغة العربية «اختفاء» و«فى بلد الرجال» اللتين صدرتا عبر دار الشروق فى عامى 2012 و2016 بالترتيب.
يقول هشام مطر عن نفسه فى بداية الحوار: «كنت معماريا ناجحا وأقوم بتدريس العمارة فى جامعة بريطانية، وكنت أؤدى عملى بجدارة وإخلاص، لكن دائما ما كنت أشعر أننى لست فى جلدى، وظننت أن هذه هى الدنيا وطبيعة الحياة، وكانت عندى علاقة قوية بالأدب كقارئ، لكن لم أعرف أن عندى روح الكتَّاب إلا بعد وقت طويل.
فى طفولتى كنت مهتما بالملاحظة الدقيقة للمجتمع، وكانت لدى ذاكرة دقيقة للتفاصيل، حتى أن أمى حين كانت تأخذنى لأبيت عند أقاربى ثم تعود لى فى اليوم التالى، تجدهم يقولون لها: لم نشعر به على الإطلاق، ولم أكن أفهم لماذا هذا الإصرار على أن أصبح خفيا، رُغم ثقتى أن هذا الأمر هو الذى سيعطيك مفتاحا للمجتمع وخصوصياته والوجود والحياة والطبيعة وكيف سأستخدمها».
ويضيف مطر: أن شخصية الكاتب كانت موجودة داخله دوما، لكنه لم يكن يفكر أن يكون كاتبا، قائلا: «كانت لدى 3 أشياء أحبها وأنا صغير، الموسيقى والعمارة والشعر، لم تكن هناك أمثلة حولى أن أعيش كشاعر وكاتب كعمل لى، أما الموسيقى فقد حاولت فيها كثيرا ولم تكن عندى الموهبة للأسف، لكنى كنت أرسم جيدا وأحب المبانى، فأصبحت معماريا، والدراسة والشغل فى العمارة علمنى كثيرا عن الكتابة، فالعمارة تعلمك العلاقة بين الأشياء وتُدخلك فى التاريخ، تاريخ الفن الذى هو نفسه تاريخ الفكر، كما تعلمك الملاحظة، وكان أول درس فى أول يوم بالجامعة، هو رسم شجرة فى مدة طولها 3 ساعات، وأنا لم أنظر لشيء لمدة 3 ساعات طوال عمرى، واكتشفت يومها أنك لو توقفت أمام شيء وتأملت فيه لمدة 3 ساعات ستكتشف أن علاقتك به لم تكن علاقة قوية، كأنك لم تنظر له قبلا، فالعمارة علمتنى هذه النظرة الدقيقة».
وأكمل: «أى مبنى يسأل نفس السؤال الذى تسأله الرواية وهو: كيف يمكن أن تعيش؟ فالمبنى هو نوع من خلق فرص معينة للتداخل مع أشخاص أخرى ومع الطبيعة ومع النفس، وكانت بالنسبة لى مصادفة أنى درست العمارة؛ لأنها علمتنى كثيرا عن الفن، وعلاقتى بالفن قوية، والقراءة تغذى الكتابة، لكن الرسم يغذى الكتابة أكثر، وفى روايتى العودة توجد تداخلات مع الأدب ومع الفن».
وعن أسباب اتجاهه إلى الكتابة من البداية، قال: «بالنسبة لى كانت بداية عجيبة، لم يكن هناك قرار واعٍ بذلك، لكن شعرت بالمصادفة أنى وصلت لبيتى وكأنى كنت مغتربا قبل ذلك، فقد وجدت فى الكتابة إحساسا عكس ما ذكرته من قبل، لم أكن أمثل ولم أكن خارج جلدى، وكان عندى أمل أن الرواية تُنشر لكن لم أكن أتوقع أن يحدث ذلك، ولم أتوقع أن تُنشر فى 30 لغة وتفوز بالجوائز التى نالتها».
مضيفا: «طبعا الجوائز مهمة والكتابة عن الرواية مهمة، لكن المتعة الحقيقية هى متعة الكتابة نفسها، وجودك فى جو الكتاب، فالكتاب ينظم لك فكرة، أشعر أننى ذكى حين أكتب وإذا لم أكتب أشعر أن فضولى قلّ، يفسر الفيلسوف الهولندى باروخ سبينوزا الذكاء بأنه الفضول، فليس الذكاء أن تكون عندك معلومات فقط، بل لديك الرغبة فى المعرفة، وهذه الرغبة تزيد وأنا أكتب، وهكذا اكتشفت أن هذا هو المكان الذى أريد أن أكون فيه أطول وقت ممكن».
وأردف مطر: «لكنى لست محترفا، ولا أؤمن بالكتابة المحترفة، فى الفن لابد أن يكون لديك جزء تجريبى، فلا أريد أن أكون كاتبا طوال عمرى، أتمنى ذلك ولكن لا أريد أن أكتب لمجرد أن أكتب فقط».
وأشار هشام مطر إلى أن القدرة على التعبير والتمكن من اللغة موجودة لديه دوما، بشهادة الأسرة والأصدقاء الذين يحبونه، لكن شهادتهم ربما تكون نابعة عن هذا الحب مما قد يضعف من حكمهم ومصداقية ما يقولون، مكملا: «من أكبر الهدايا التى أعطاها لى والدى أنه أشعرنى أن بى شيئا فريدا دون أن يقولها علانية بل بتصرفاته، كان يشجع فيّ الشعر والكتابة، وبالنسبة لى اللغة هى ليست مرآة الواقع ولكنها تغير فى الواقع، وعندما نقلت دراستى من العربية إلى الإنجليزية فى سن الحادية عشرة، صار عندى نفس العشق ولكن بلغة مختلفة، وبالنسبة لى الكتابة بدون أسلوب لغوى خاص لا تعتبر كتابة، وتعد شيئا آخر».
• سبب الانتقال من العربية إلى الإنجليزية
يقول هشام مطر عن ذلك: «لم تكن نقلة مقصودة ولم أكن أنا من اتخذ القرار، كنت تلميذا فى مدارس مصر فى بداية الثمانينيات وكانت هناك تغيرات كثيرة فى التعليم أثرّت فيه خاصة فى المدارس العربية، وكل الأسر التى لديها استطاعة نقل أولادها لمدارس أجنبية فعلت ذلك، أما أنا فدخلت مدرسة باللغة الإنجليزية ومن وقتها صار تعليمى كله بالإنجليزية حتى انتقلت إلى إنجلترا.
كنت أكره المدرسة لكن الوقت الوحيد الذى كنت أسعد فيه هو قبل حصة اللغة العربية، لأننى كنت أشعر أن حسابات النحو مثل الفزورة المحبوبة، ولما انتقلت إلى الإنجليزية أخذت معى نفس الإحساس، لكن هنا مشكلة أن ترك اللغة يعنى تأثر الهوية، بل إنك تذهب إلى لغة المستعمر، هذه الإشكالية أدخلتنى فى تساؤلات كثيرة وعميقة ومعقدة.
• بداية هشام مطر مع احتراف الكتابة
فى فترة ما عانيت من قلة النقود واضطررت للاستدانة ولم أستطع دفع الإيجار، ولم أكن قد انتهيت بعد من رواية «فى بلد الرجال»، حتى قابلنى صديق ووجدنى مهموما، فاقترح التقديم على منحة من المجلس الثقافى البريطانى، ولم أكن متفائلا بقبول المنحة، لكنى حصلت عليها بالفعل لمدة 3 شهور، وهى تجربة مهمة، حيث إن المساعدة النقدية للكاتب لا تساعده فقط كى يعيش، ولكن تنزع عنه الخوف والتفكير المستمر فى ظروف الحياة الأخرى، ولذلك أحسست بالحرية وأكملت الرواية فى 6 أسابيع فقط وهى نصف المدة، ما دفعنى لمحاولة إرجاع نصف المنحة، لكنهم رفضوا بالطبع.
بعد ذلك أرسلت الكتاب لوسيط أخبرنى أن البحث عن ناشر قد يستغرق وقتا طويلا، لكن بعد يومين قال لى إن هناك ناشرة قرأت الرواية ومتحمسة لشرائها فورا، وحدث تنافس بين الناشرين على الرواية لمدة أسبوع، ومن هنا بدأت التجربة.
فازت الرواية بجوائز كثيرة فى بريطانيا وأوروبا وأمريكا وتُرجمت لحوالى 30 لغة، وهو ما أعطانى فرصة أن أستمر فى الكتابة، وشعرت أنه بعد مشوار طويل من الشغل فى النحت والعمارة والتجارة، أننى أخيرا وصلت لبيتى ومكانى.
• الجوائز والعبء على الكاتب
الجوائز تعطيك اختيارات معينة، وتشجع فيك أشياء مختلفة ولديك الاختيار أن تقبل الإغراءات المصاحبة للجوائز أم لا، وهدفى الأساسى هو خدمة العمل، والمفروض أن الكتاب هو من يتحدث الآن وليس أنا، فأنا كاتب فقط حين أجلس لأكتب، أيضا أكتب بنفس اللغة التى أتحدث بها، على عكس الرسام والموسيقار الذى يقدم لغة مختلفة عن لغة كلامه، وبالتالى حين أتحدث عن كتابى، يبدو الأمر شبيها بأن تطلب من رسام أن يرسم لك «اسكتش» من لوحته، فهذا لا يجوز، والقارئ لديه إجابات ومفاتيح للكتاب أكثر منى، فعلاقتى بالكتاب تشبه علاقة الميكانيكى الذى يعمل على محركات السفينة للتأكد من أنها تسير بشكل سليم، يهمه أن تعمل جيدا، أما القارئ فهو من يجلس على سطح السفينة وتشغله أسئلة أخرى حيث يفكر فى الرحلة والمشاهد الطبيعية أمامه وما إلى ذلك.
• عن رواية «فى بلد الرجال»
«فى بلد الرجال» هى الرواية الأولى لى، وقبل أن أبدأ فى كتابتها، كان كل طموحى الأدبى متخصص بالشعر والقصيدة، وذات صباح بدأت فى كتابة قصيدة عن طفل فى حديقة يذوق لأول مرة طعم التوت، وفكرت أن موضوعها الكلاسيكى سيصل بها إلى 14 سطرا وقد تأخذ منى أسبوعين لكتابتها، لكن فى نفس اليوم اكتشفت أنها تميل بشدة إلى «النثر»، وأسميتها قصة قصيرة بالفعل حتى بلغت 30 ألف كلمة.
بطل الرواية سليمان هو الطفل نفسه الذى كان فى الحديقة يتذوق التوت، الذى شدنى إليه هو صوته، حيث شعرت فيه بندم عجيب، وهو ندم لا يمكن أن يرتبط بطفل، فكان عندى تساؤلات كثيرة عنه، واكتشفت أنه موجود فى طرابلس بليبيا وفى فترة مهمة بنهاية السبعينيات، حيث إنها فترة نهاية الحلم الثورى لثورة القذافى وبداية الاستبداد والطغيان. ومن خلال سليمان الطفل وجدت أنه من الممكن أن أتكلم عما يصير فى ليبيا وما يصير فى الأسرة، والعلاقة المهمة بين الاستبداد السياسى وسلطة الرجل فى الأسرة.
استغرقت الرواية منى فى كتابتها 5 سنوات، والسبب أن أول نسخة منها كانت بها مشاكل كثيرة، وكانت الطريقة الوحيدة أمامى أن أبدأ من جديد، وتعمدت أن أرمى النسخة الأولى حتى لا أعود لها ثانية، وكتبت نسخة ثانية مقررا أن أكتب كتابا ثانيا وليس نفس الكتاب، ووجدت نفسى أعود لنفس الكتاب لكن عن طريق العلاقة القوية بين الطفل والأم، والأم لم تكن موجودة فى النسخة الأولى، كذلك انتبهت فى النسخة الثانية أن البيت له شخصيته أيضا فى الرواية. لكن حتى حين أكملتها كان بها مشاكل أيضا ولم أعرف كيف أحلها. ودعنى أضرب مثالا، لقد كنت أعمل نحاتا فى فترة من الفترات ليس نحتا فنيا ولكنه نحت للكتل الحجرية المستخدمة فيما بعد فى زخرفة المبانى، وفى مثل هذه المهنة نأخذ الحجارة التى تأتى بشكلها الأوّلى، ونطرق عليها لاكتشاف وجود أى شرخ، فإن كان هناك واحد يصعب العمل عليها لأنها من الممكن أن تنقسم فى أى وقت، هذا ما كنت أشعر به مع النسخة الثانية من الرواية، هناك شرخ بها ولا أعرف مكانه، ولذلك كتبتها مرة ثالثة.
هذه الإعادات المختلفة لنفس الرواية، والمختلفة عن التحرير الأدبى بعد الانتهاء منها، هى إعادة تامة وكتابة من الصفر مرة أخرى، علمتنى كثيرا عن الكتابة بطريقة عامة، وكذلك نوع الكاتب حيث إن كل كاتب له موضوعاته وله المشاغل التى تنشط فطرته وإبداعه، وهذه أمور تكتشفها فى الكتابة فقط، حيث إنى فوجئت فى الرواية هذه أن هناك نبرة غضب عميقة، وأنا لا أصف نفسى بشخص غاضب، لذلك أنا لدى دين شخصى وفنى لهذه الرواية.
• أسباب نجاح رواية «فى بلد الرجال»
فى رأيى جزء من نجاحها كان فى صوت الراوى الطفل سليمان الديوانى، وهو ليس طفلا فقط، بل يتذكر طفولته فى فترة قصيرة، لذلك هناك صوتان: صوت الماضى والحاضر وصداهما يخلق صوتا ثالثا، والسبب الآخر أن الرواية عرّفت القراء على وقت معين فى ليبيا لم يكتب عنه أحد من قبل، ولم أكن أقصد الكتابة عن هذه الفترة، مثلا، كان هناك مشهد فى الرواية عن الإعدامات العلنية التى كانت تُنفذ فى تلك الفترة فى ليبيا، كانت تُنفذ فى ملاعب الكرة على الملأ، وهو ما تسبب فى صدمة وجنون اجتماعى فى البلاد آنذاك، حيث يأتيك طلب للخروج حتى الملعب أنت وأولادك، وعند وصولك تُقفل الأبواب وتظهر مشنقة وشخص يُحاكم بأسئلة غبية، ثم يُشنق، والنساء والأطفال لا يعرفون ما المطلوب فعله فى ذلك الحين.
عندما كتبت عن تلك الأحداث فى الرواية، كان يوما مشمسا، وعند انتهائى استحممت كأننى أغسل نفسى من هذا المشهد، لأنك حين تكتب مشهدا كهذا يجب أن تكون الشخص الذى سيُعدم ومن سيُنفذ الحكم والحبل والمشاهدين وكل شيء، ورغم أننى استحممت بمياه ساخنة وكانت هناك نافذة تدخل منها أشعة الشمس للحمام، إلا أننى كنت أرتجف تحت الماء.
• رواية اختفاء
تدور عن ولاء غريب جدا، ولاء ابن لأبيه المختفى، ولاء لا يعبر عن نفسه ويختلف عن ولائى لأبى الذى اختفى بالفعل، حيث إنى أبحث عنه وأكتب رسائل للمنظمات الحقوقية متسائلا أين هو وهذا «ولاء نشط»، أما ولاء نورى الألفى بطل رواية «اختفاء» مختلف، فهو ولاء وجودى، مهتم أكثر بالمكان الموجود فيه والده والكرسى الذى كان يجلس عليه وعلاقته بالأشخاص الذين تعاملوا معه، فهو يبحث عن روح والده وليس عن جسده.
حصلت الرواية على جائزة فى كندا تعطيها جامعة مكجيل، ورُشحت لعدة قوائم فى بريطانيا لجوائز مثل جائزة إنكور للكتاب الثانى، لكن الرواية نشرت فى وقت الثورات، وكأنك أخذت ابنك للمدرسة مرتديا زيه الجديد ثم فوجئت أنك تذهب إلى مظاهرة وليس مدرسة، ودخل هو فى المظاهرة والناس كلها تريده أن يأخذ مكانة مختلفة تماما، فالرواية تم قراءتها بشكل ثورى وهى لم تكن متعلقة بالثورة.
وأنا لا تضايقنى القراءة السياسية لأعمالى بشكل عام، بل تضايقنى القراءة السطحية عموما، لكنى غير مهتم بشكل كبير بأى قراءة، لأننى أعرف أن القراءة للعمل تختلف من شخص لآخر وليست موحدة وتتغير مع الوقت، وعموما أنا محظوظ فى القراءات لكتبى أكثر مما كنت أتوقع وهو أمر يسعدنى، ولا أركز على القراءات السطحية، وهى تضايقنى فى كل الأعمال وليس فقط أعمالى.
• حظ هشام مطر فى العالم العربى مثل حظه فى الغرب؟
بالطبع قرائى فى الغرب أكثر من العالم العربى، وأتمنى أن يكون عندى قراء أكثر فى العالم العربى، ولكن لا أستطيع التحكم فى ذلك، فالكتاب يجد قراءه بطريقته هو.
• أثر المهن والفنون المختلفة التى عمل بها هشام مطر على كتاباته؟
كل المهن التى عملت بها فى النحت والعمارة والمسرح والشعر أوصلتنى إلى الكتابة، لكن كل التجارب عموما بما فيها الكتب التى قرأتها والأشخاص الذين قابلتهم، تساعدك وتؤثر فيك وهو الأمر الممتع فى الكتابة، لأنه حتى اللحظات المملة تصبح ثمينة، أو الأشياء التى انكسرت أو فشلك، تصبح تجارب ممكن استخدامها فى الكتابة.
• تعريف الإلهام عند هشام مطر؟
لا تفسير لدى للإلهام، لكن ممكن أقول إنه حين يكون للوجود أبعاد أخرى فأظن أن هذا هو الإلهام، مثلا حين انتهيت من رواية «فى بلد الرجال» نزلت إجازة لأزور أهلى فى مصر وذهبت إلى البحر الأحمر للاستجمام، وهناك نزلت فى فندق، وفى أول يوم شاهدت رجلا كبيرا ربما فى ال 75 من عمره ومعه شاب حوالى 25 سنة، وهما من الأشخاص القليلين الذين لم يكونوا من العاملين بالمكان، كان الشاب يسند العجوز من مرفقه فى الطريق، لكن الرجل الكبير كان يسير بطريقة تبدو متحمسة للدنيا، بينما يسير الولد الصغير بشكل متردد، فكانت تعكس الصورة المعتادة للعلاقة بين الأب والابن، ولا أعرف لماذا أثر فى هذا المشهد، وقد اختفيا على البحر ولم أرهما مرة أخرى، ودفعنى المشهد لكتابة صفحتين أو ثلاث من صوت الشاب، وحين عدت إلى لندن ظللت أحاول إيجاد صوت نورى الألفى بطل رواية «اختفاء»، وبقيتُ سنة حتى أصل إلى الجملة الأولى فى الرواية وهى: «تمر أوقات يثقل فيها غياب أبى عليّ كأن هناك طفلا جاثما على صدرى». وكانت مهمة هذه الجملة لأن فيها عقلية الرجل وعقلية الكتاب نفسه.
ومن الأمور الأخرى الصعب الحديث عنها فى الكتابة هو الصمت، فأنت تكتب فى الكلمات وتكتب أيضا فى الصمت، وكل صمت له صوته الخاص، فإذا جلست فى السيارة وحدك يكون للصمت صوت يختلف عن وجود والدك معك، أو يكون نائما وأن تقود السيارة ليلا.
• قصة لقاء وحيد بين هشام مطر ونجيب محفوظ
تقابلت مع الأستاذ نجيب محفوظ فى نهاية التسعينيات، ولم أكن قد نشرت أى عمل، وكان إنسانا عظيما كما كان كاتبا عظيما، كان متواضعا ورحب بى.
أول سؤال سأله لى: «من أين أنت؟» فأجبته أننى ليبى، فسألنى: «مع أم ضد؟» وكان يقصد السياسة بالطبع، فقلت له: «ضد»، وجلسنا مع مجموعة أخرى من الناس، وجاء دورى لأسأله سؤالا، وكان سؤالى يعتبر سؤالا غبيا، لأنى لم أقابله لأسأل بل لأسمع وأتعرف بكاتب قرأت له الكثير وأعجبت بأعماله، فاضطربت ولم أعرف ماذا أقول، لكنى سألت: «ما رأيك فى الكتّاب مثلى وأهداف سويف ووجيه غالى، وعرب يكتبون بلغات مختلفة؟»، فأجاب: «هويتك هى اللغة التى تكتب بها»، وكان ردا مؤلما لى ولكنه كان على صواب، ثم أكمل محفوظ: «اللغة هى نهر»، وطبعا اللغة ليست فقط ترجمة الأشياء ولكن تأتى معها فلسفتها وفكرها وتراثها وكل الكُتّاب الذين كتبوا بها من قبل، وحين وجد أننى «زعلت شوية» قال: «بس يعنى هى بتفرق؟ لما نقرأ لشكسبير بيكون تبعنا ومش تبع الإنجليز بس»، وهو نفس المفهوم فى رواياته أن تستخدم الشيء الخاص بمكانك ووقتك ولكن ثمنه ثمن عالمى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.