آثرت أحرر نفسي بالكتابة, وأفر من دائرة الذكري الشيطانية ولكنني عندما كتبت وجدت نفسي أغوص أكثر. هكذا كتب الاديب الالماني بيتر فافرسينك56 عاما في روايته الأخيرة حب الغربان والتي حصلت هذا العام علي جائزة انجبورج باخمان وهي أعلي جائزة تمنح للادب الذي يكتب بالالمانية وحصلت ايضا علي جائزة الجمهور كأفضل رواية ورشحت لجائزة الكتاب الالماني لعام2010, كما وصلت مبيعات الكتاب إلي50 الف نسخة في اول8 اسابيع من صدوره. وهي سيرة ذاتية للكاتب وتحكي قصة طفل تعرض للخيانة والهجر من قبل امة ومن قبلها ابيه, ومعاناته مع الوحدة واستجداء العطف والاهتمام من الآخرين ورحلة البحث عن الأم. وفي الرواية يغوص الكاتب في ماضيه وينقل للقاريء احاسيسه بعمق وشاعرية شديدتين, وان كان عنوان الرواية بدا غريبا للوهلة الأولي إلا ان الكاتب قد استعار هذا العنوان من مقولة في اللغة الالمانية تصف الأم التي تهمل اولادها بأم الغراب ومن هنا نجد ان الكاتب اراد ان يعرف قارئه منذ البداية فحوي مأساته ومرارة التجربة التي عاشها. جاء فافرسينك منذ اسابيع إلي القاهرة ضمن جولة للكاتب لقراءة مقتطفات من الرواية علي الجمهور المصري, وقد نظم معهد جوته هذه الامسية التي وصفها الكاتب بأنها حلم قد تحقق فطالما تمني ان يقرأ كلماته في بلد النيل والأهرامات, وقد التقت صفحة ادب بالكاتب وعلمت انه في نفس يوم الندوة تم التوقيع مع هيئة الكتاب لترجمة الرواية إلي العربية ضمن سلسلة الجوائز, وسوف يقوم بالترجمة د. علي عادل مدرس الادب الالماني بجامعة عين شمس, الذي كان همزة الوصل بيننا وبين الكاتب اثناء الحوار. * في البداية عرفنا بنفسك؟ بيتر فافرسينك كاتب قصة في المقام الأول, كتبت القليل من الشعر واحب كتابة الاغاني, رغبتي الأولي كانت ان اصبح رساما بالرغم من ان والدي بالتبني حاول ان اكون مدرسا إلا ان حبي للفن طغي علي تلك الرغبة احببت كل انواع الفنون, وبالفعل التحقت بالمعهد العالي للفنون بالمانيا لكني لم اشعر ان الدراسة هي ما اريد, فخرجت إلي الحياة العملية, عملت في مصنع للحديد والمعادن, وقررت ان اتحرك بين الناس لاتعرف علي البشر بمختلف الفئات الاجتماعية لاني كنت دائما اشعر في قرارة نفسي برغبة جامحة للكتابة فنما لدي احساس انني كلما تعرفت علي مجموعات أكثر من البشر اثري هذا تجربتي الشخصية وازدادت قدرتي علي الكتابة عنهم. * وماذا عن رحلتك؟ في يناير سنة1988 قررت ان ابدأ اولي تجاربي في الكتابة, وفي عام2000 كان قد صدر لي نحو10 كتب, بعض هذه الكتب كان ناجحا والبعض الآخر لم يحالفه الحظ في النجاح, ولم احصر رواياتي في قالب واحد, فمنها ما كان ساخرا ومنها ما اتجهت فيه للهجاء, كما قمت بكتابة قصة حب واخري بوليسية وماهواقرب للسيرة الذاتية كرواية الطفل الذي كان والتي اعتبرها المرحلة الأولي لكتابي الاخير حب الغربان. التي كتبتها في الخمسين حين شعرت انني قد تدربت في السنوات السابقة بما يكفي واصبحت جاهزا ومستعدا لتناول هذا الموضوع الحساس جدا بالنسبة لي, فلم اكن اجرؤ سابقا علي الخوض في هذا الموضوع حتي مع نفسي, فهو يتناول تجربة شخصية وحميمية للغاية بكل تفاصيلها الاليمة, كرحيل امي وفقدان ابي قبل ذلك, ولقد كنت في حاجة إلي معالجة الموضوع في نفسي أولا قبل ان ابدأ في حكيه, كما كنت ارغب ألا يسيطر علي هذه الرواية السواد الذي كان كامنا في داخلي من مشاعر كره وحقد وانتقام, فكان يجب ان تمر فترة كافية علي لقائي بأمي بعد سنوات من هجرها لي وانا طفل حتي أتمكن من كتابة هذه الرواية. * هل كنت تتنبأ وانت تكتب الرواية بهذا الكم الهائل من النجاح؟ لقد كان كل شيئا مفاجئا بالنسبة لي, فرغم ان هذه القصة كانت موضوعي الشاغل والدافع الاساسي وراء رغبتي في الكتابة لم اكن اعرف ان هناك آخرين سيجدون انفسهم فيها ويتواصلون معها, لقد وجدت ان هناك كثيرين عانوا من كل الموضوعات التي لمستها كمرارة الاحساس بالرفض والهروب والبحث عن الحقيقة والرغبة في استرجاع الماضي. * ان زيارتك لمصر تأتي ضمن جولة لكتابك في أكثر من دولة, كيف استقبل القراء الكتاب في الدول المختلفة؟ في البداية لم يكن هناك رد فعل كبير فقد كان عدد الحضور محدودا, لكن الاعداد تزايدت حتي وصلت في بعض الاحيان إلي250 أو أكثر, لان الكتاب رافقته في كل مكان من الزيارات مقالات في الصحف, فعرف الناس الكتاب وكانت النقاشات تمتد احيانا لساعات. * ما مدي صلتك بالادب العربي؟ ان معرفتي بالادب والثقافة العربية كانت من خلال أصدقاء لي عاشوا في مصر وكانوا يطلعونني علي بعض جوانب الحياة الثقافية في مصر من مسرح وأدب وروايات, وقد قرأت أعمالا لنجيب محفوظ مثل زقاق المدق وفي زيارتي الأخيرة لمصر قبل عام قرأت رواية عمارة يعقوبيان للكاتب علاء الأسواني. * ماهي مشاريعك القادمة بعد هذا النجاح الكبير الذي حظي به الكتاب؟ اريد ان اكتب اكثر عن الحب والصداقة من خلال التجارب الانسانية الكثيرة التي عايشتها وعندي مشروع رواية تدور احداثها في دار لتأهيل المدمنين تتناول تجارب مريرة لاشخاص علي حافة الهاوية, وارغب بشدة ان اكتب كتابا للأطفال, كما انني اريد ان اكتب اغاني فعندي مشروع لاصدار ألبوم غنائي مع بعض اصدقائي من الموسيقيين اطلق عليه الغراب الاسود اغانيه مستوحاة من الرواية. * كيف تصف زيارتك لمصر؟ هذه هي زيارتي الثالثة لمصر, فقد كانت زيارتي الأولي اثناء كتابة عمل يتناول البحر وما يخفيه من اسرار, فكتبت عن الاسكندرية وعن الفنارة وقمت بزيارة الاسكندرية خصيصا لأتعرف عليها عن قرب. اما هذه الزيارة فكنت اخطط لها قبل حصولي علي الجائزة بفترة طويلة, وحلمت ان اقرأ من روايتي واتفاعل مع القاريء المصري فمصر لها مكانة خاصة في قلبي, واجد نفسي مسحورا بالنيل وعظمته وبالاهرامات وتأسرني القصص المصرية القديمة والتاريخ الفرعوني, وانا متحمس جدا لترجمة كتابي إلي العربية.