فى 20 لجنة عامة ب8 محافظات.. العربية لحقوق الإنسان: البعثة الدولية ستتابع المرحلة الثانية من انتخابات النواب    فيه حاجة غلط، أستاذ سدود يكشف دعامات خرسانية حديثة وهبوط بجسم سد النهضة (صور)    تداول 15 ألف طن بضائع عامة بموانئ البحر الأحمر    أول وفاة بسلالة نادرة من إنفلونزا الطيور فى أمريكا والطيور البرية السبب.. اعرف التفاصيل    مصرع عامل إثر سقوطه من قطار بمركز إيتاى البارود في البحيرة    جهود صندوق مكافحة الإدمان × أسبوع.. 450 فعالية لرفع الوعى بخطورة المخدرات    وزير الصحة يتفقد تطوير مبنى العيادات الخارجية بمستشفى الجمهورية التعليمى    محمد صلاح يقود ليفربول أمام نوتنجهام فورست    صلاح يقود هجوم ليفربول أمام نوتنجهام فورست في البريميرليج    الهلال بالقوة الضاربة أمام الفتح بالدوري السعودي    تشكيل بايرن ميونخ أمام فرايبورج في الدوري الألماني اليوم    غرفة الصناعات المعدنية: مصر شهدت طفرة غير مسبوقة في تطوير البنية التحتية ب 550 مليار دولار    رئيس الإمارات يصل إلى البحرين في زيارة عمل    القبض على 4 سائقين توك توك لاعتراضهم على غرامات حظر السير| فيديو    خاص بالفيديو .. ياسمين عبد العزيز: هقدم أكشن مع السقا في "خلي بالك من نفسك"    مؤتمر لاعب زيسكو: المعنويات مرتفعة وندرك مدى صعوبة الزمالك    «الرعاية الصحية»: حفظ الحياة يبدأ من وعي صغير وبرنامج الاستخدام الأمثل لمضادات الميكروبات برنامج استراتيجي    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    غزة والسودان والاستثمارات.. تفاصيل مباحثات وزير الخارجية ونظيره النيجيري    إصابة 4 أشخاص بنزلة معوية إثر تناول وجبة فاسدة فى الفيوم    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    ليست المرة الأولى لوقف إسلام كابونجا عن الغناء.. مصطفى كامل: حذرناه ولا مكان له بيننا    السيدة انتصار السيسي تشيد ببرنامج «دولة التلاوة» ودوره في تعزيز مكانة القرّاء المصريين واكتشاف المواهب    قبل عرضه.. تعرف على شخصية مي القاضي في مسلسل "2 قهوة"    انطلاق معسكر مغامرات نيلوس لتنمية وعي الأطفال البيئي فى كفر الشيخ    التعليم العالي: معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف    علاج نزلات البرد، بطرق طبيعية لكل الأعمار    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    شهيد في غارة إسرائيلية جديدة على جنوب لبنان    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    وزير الثقافة يختتم فعاليات الدورة ال46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي    27 ديسمبر.. الحكم في اتهام مها الصغير في قضية اللوحات الفنية    مايان السيد: "عانيت من الخوف سنين ومعنديش مانع أتابع مع طبيب نفسي"    الإفتاء يوضح حكم التأمين على الحياة    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    يخدم 950 ألف نسمة.. وزير الإسكان يوجه بالإسراع في تنفيذ مجمع محطات مياه بالفيوم    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    إصابة 28 عاملا وعاملة فى حادث انقلاب سيارة بمركز سمسطا ببني سويف    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    تعافٍ في الجلسة الأخيرة، الأسهم الأمريكية تقفز 1% رغم الخسائر الأسبوعية    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    انتخابات مجلس النواب بالخارج، التنسيقية ترصد انطلاق التصويت في 18 دولة باليوم الثاني    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع في الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الطريق .. إلى «أوسلو»
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 09 - 2018


أربعون عاما على كامب «دافيد»: 17 سبتمبر 1978
وخمسة وعشرون عاما على أوسلو: 13 سبتمبر 1993
ولا شيء في الأفق غير «صفقة» مشبوهة.
أين ذهب «حل الدولتين»؟ وأين ذهب شعار كامب دافيد، والمبادرة العربية / السعودية الأثير: «الأرض مقابل السلام»؟!
«قراءة أوسلو» لم تكن بحاجة أبدا إلى ربع قرن. فمعظم ما في السطور الآتية كتبته، أو أشرت إليه في «وجهات نظر» قبل ما يقرب من عقد كامل .. لا شيء تغير. غير أن الصورة تزداد وضوحا
لا شيء في التاريخ خارجٌ عن سياقه. «وأوسلو» التي تعثرت في أوهامها، لم تكن أبدا إلا في سياق ما جرى للعرب، أو ما جرى منهم. وما بدا في «كامب دافيد»، وما خطته وثائقها
مرتديًا كوفيته التقليدية، وزيَّه العسكري الذي لم يخلعه أبدا، صعد ياسر عرفات إلى منصة الأمم المتحدة بنيويورك صباح الثالث عشر من نوفمبر 1974 ليلقي «الخطاب الفلسطيني الأول» أمام المجتمع الدولي. معلنًا: «جئتكم أحمل غصنَ الزيتون فى يد، وبندقية الفدائي في اليد الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي».. ومؤكدا: «الحربُ تندلع من فلسطين.. والسلمُ يبدأ من فلسطين».
في 13 ديسمبر 1988، سافر عرفات إلى جنيف (مباشرة من الرياض) ليلقى خطابه الثاني أمام جلسة خاصة للجمعية العامة، انعقدت في المدينة السويسرية بعد أن رفض جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكي أيامها منحه تأشيرة دخول تمكنه من تلبية دعوة المنظمة «الدولية» (إدارة ترامب اتخذت إجراء مشابها قبل أيام حيال تأشيرات الدبلوماسيين الفلسطينيين).
في خطابه، وكانت مصرُ الرقم الأصعب قد خرجت واقعيا من المعادلة، بعد أن ذهب السادات إلى القدس (نوفمبر 1977)، كما كان عرفات نفسه قد أُخرج من بيروت (آخر حدوده مع العدو والوطن) أعلن عرفات قبوله قرار الجمعية العامة («المجحف» بمقاييس أيامها) رقم 181 الصادر عام 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين، وقراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338 (الأرض مقابل السلام) كأساس للتفاوض مع إسرائيل في إطار مؤتمر دولي.
في 13 سبتمبر 1993، وكان غزو صدام للكويت (أغسطس 1990)، ثم حربُ الخليج الثانية (تحرير الكويت) قد أطاحا بكل المتبقي من الثوابت العربية، ذهب زعيم منظمة التحرير الفلسطينية إلى واشنطن ليوقع مع إسحاق رابين إعلان المبادئ الذي تبلور في «أوسلو»، ولتلف العالم كله صورة المصافحة الأولى بين الرجلين في حديقة البيت الأبيض.
لا شيء في التاريخ خارجٌ عن سياقه.
***
بعد خمسة وعشرين عاما كاملة، أين ذهبت «أحلام أوسلو» التي كان من المفترض أن تنتهي إلى حل نهائي (كما يقضي الاتفاق ذاته) في غضون خمسة أعوام لا أكثر؟!
لم يبق من «أوسلو» واقعيا غير صورة المصافحة، ومبنى المقاطعة في رام الله الذي لم يتردد الإسرائيليون في قصفه ثم حصاره زمن عرفات (2001 2002) قبل أن يتخلصوا من الرجل في نهاية المطاف، بطريقة أقل ما يقال عنها أنها «غامضة».
بعد خمسة وعشرين عاما كاملة، أين ذهبت «أحلام أوسلو» التي كان من المفترض أن تنتهي إلى حل نهائي (كما يقضي الاتفاق ذاته) في غضون خمسة أعوام لا أكثر؟!
البادي أن أوسلو لم تكن ضحية من عارضوها فقط، بل كانت في الأغلب ضحية من «حلموا» بقدرتها على الإتيان بمعجزات في غير زمن المعجزات. أولئك الذين ساعدهم «إرجاء البت في كل شيء» للانطلاق بخيالاتهم الخاصة، وتوقع أن الحل النهائي الذي يرغبون فيه (أو بالأحرى الذي يقبلونه) هو الذي ستأتي به المسيرة في نهاية المطاف. كما يقول لنا ليف جرينبرج Lev Grinberg وهو أكاديمي إسرائيلي (يساري) متخصص في علم الاجتماع السياسي أعد دراسة مهمة حول «السلام المتخيل» نشرها في كتاب ترجمه إلى العربية المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مدار، ويصل فيه إلى أن أوسلو أتاحت لكل طرف أن «يتخيل السلام» وفق ما يريده، رغم البون الشاسع بين ما يريده كل منهما. الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى لا شيء.
حَلم الفلسطينيون أو معظمهم على الأقل بدولة مستقلة ذات سيادة، ولم يرغب «الحالمون» أن يعكِّروا صفو أحلامهم بحقيقة تلك المئات من البؤر الاستيطانية «السرطانية» وبخرائط الجدار الأفعى (708 كم) الذي يقطع أوصال الدولة «المفترضة». كما رفضوا أن يفسدوا هدوءَ أحلامهم بالاستماع إلى «نشاز» ما قاله رابين «عراب السلام» منذ اليوم الأول للمسيرة وبوضوح قاطع: «أيا ما كان الأمر فلا عودة لحدود 67»
على الضفة الأخرى من نهر الأردن، أو بالأحرى من الجسر الذي أسمته فيروز، ومعها جيلنا كله «جسر العودة»، بنى الإسرائيليون «خيالاتهم» على القول القديم ل Alexander Keith (1792–1880): «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» وبدوا كأنهم اطمأنوا إليه.. وصدقوه. فباتوا يتحدثون عن دولة «يهودية خالصة» (!) وعن حقوق توراتية لا تقبل المساومة في «يهودا والسامرة».
لم يكن هناك أبدًا طريق واحد، ولا خريطة لذلك الطريق.
فور أن قام رابين بمصافحة يد عرفات «الممدودة» في صباح ذلك اليوم من عام 1993، انطلق آلاف الفلسطينيون في شوارع القدس الشرقية يحملون أعلاما فلسطينية، لا يعرف أحدٌ أين كانوا يخبئونها، ولأية مناسبة. وبدا واضحا تماما أن السلام الذي يحتفلون به في واشنطن يعني لدى هؤلاء الذين انطلقوا إلى الشوارع «الاستقلال». ولا شيء غيره. أما بالنسبة إلى الإسرائيليين، حمائمهم مثل صقورهم، فلم يكن يعني ذلك بالضبط. وذلك ما سمحت به الاتفاقات المكتوبة التي كان جرى توقيعها، والتي تركت كل المسائل مفتوحة للمفاوضات المستقبلية؛ الأرض، والحدود واللاجئين، فضلا عن وضع القدس التي هي «العاصمة» في الخطاب السياسي لكلا الطرفين. وحسب الاتفاق، فكل تلك الأمور كان يفترض أن يتم حسمها نهائيا في غضون خمسة أعوام لا غير(مضى الآن خمسة وعشرون عاما كاملة)
جرى اغتيال رابين (نوفمبر 1995)، وبغض النظر عما إذا كان ذلك قد غيّر من الأمر شيئا، فسرعان ما ذهبت «سكرة» أنخاب التوقيع في البيت الأبيض. وبدأ الجميع يتعثر في «صخور الحقائق» على الأرض. كان طبيعيًا أن يستمر النضال / البحث الفلسطيني عن «الدولة» التي وُعدوا بها في أوسلو. خاصة وأنهم يعتقدون أن رابين لم يذهب إلى هناك إلا مضطرا بعد أن فشلت سياسته في «تكسير العظام» في إجهاض الانتفاضة الأولى. وكان أن أدى استمرار الإذلال اليومي للاحتلال، وعجرفة المستوطنين، وسياسة مصادرة الأراضي وتدمير المنازل، بالفلسطينيين إلى اليأس من تحقيق السلام الذي وعدت به أوسلو. وبعد سبعة أعوام كاملة (كان يفترض أن نكون قد انتهينا فيها إلى الحل النهائي، كما كانت بذلك تقضي أوسلو) اندلعت الانتفاضة الثانية. وسرعان ما جرى توصيفها والتعامل معها إسرائيليا حتى بين أوصاف النخبة الثقافية بوصفها «حربٌ على البيت». مما كشف بوضوح أن الإسرائيليين «الذين حلموا بالسلام» لم يكونوا على استعداد أبدا لأن يعتبروا أن ثمنه هو عودة الأرض التي لم يتخلوا أبدًا عن فكرة أنها باتت «جزءا من بيتهم».
***
بصياغة بيجين «الماكرة» للاتفاق الاطاري في كامب دافيد، بدأنا الدوران في دائرة «مفرغة» حول مائدة مفاوضات «وهمية»
لا شيء في التاريخ خارجٌ عن سياقه. «وأوسلو» التي تعثرت في أوهامها، (والتي تهل علينا هذه الأيام ذكراها الخامسة والعشرون) لم تكن أبدا إلا في سياق ما بدأ في «كامب دافيد»، وما خطته وثائقها (والتي نعيش هذه الأيام ذكراها الأربعين).
«الأرض مقابل السلام» كان شعار كامب دافيد الأثير، وكان شعار كل مبادرة وقمة «عربية» بعدها، كما كان من المفترض أنه المفهوم الذي ترتكز عليه العملية السلمية برمتها، منذ القرار الأممي الشهير 242. ما الذي حصل إذن، حتى قبل أن يتخلى «مهرولو» هذه الأيام عن ما رددوه لعقود؟
الإجابة، ويا لها من مفارقة، في وثائق كامب دافيد ذاتها. أو بالأحرى في الصياغة (الماكرة) التي حاكها مناحيم بيجين «الداهية» في اتفاقات السلام مع مصر، والتي تفصل بدهاء ما بين «الشعب» و «الأرض»
تعترفُ نصوص «إطار السلام في الشرق الأوسط» الذي جرى توقيعه في كامب دافيد في السابع عشر من سبتمبر/أيلول 1978 بالحقوق المشروعة «للشعب» الفلسطيني. وأنه سيجرى توفير حكم ذاتي «لسكان» الضفة الغربية وغزة (البند: أولا أ)
كان الحكم الذاتي الذي اقترحه بيجين للسكان «دون السيطرة على الأرض». وهنا تكمن المشكلة، ومن ثم كل تداعياتها؛ استمرت إسرائيل فى الإتيان بكل الممارسات البغيضة للاحتلال على «الأرض»، دون أي مسئولية قانونية حيال سكانها. كما استمرت في بناء المستوطنات في الضفة وغزة، وهي الصخرة الكؤود التي وقفت في طريق كل مفاوضات بعد ذلك. من ناحية، قدمت «صياغة بيجين» للاتفاق الإطاري في كامب دافيد، حلا بارعا للتناقض الداخلي لأسطورة الوعد المتعلقة بالأرض، والتي بموجبها تعهد الليكود «بفرض السيادة الإسرائيلية على كل أراضي يهودا والسامرة». كما أنها من ناحية أخرى نجحت في أن تقدم حلا للهاجس الديموجرافي المؤرق لمستقبل الدولة الصهيونية. فالسيطرة الكاملة على الأرض دون الضم القانوني للمناطق «تكفينا شر الديموجرافيا، وتعفينا حرج الأبارتهايد، حيث لن نكون مضطرين لأن يتمتع السكان بأي من حقوق المواطنة» وستبقى إسرائيل في التحليل النهائي «ديموقراطية» كما يريد العلمانيون. كما ستبقى «بلا حدود» نهائية، كما يريد الدينيون الذين لن يقبلوا التنازل عن حقهم في «أرض الميعاد». هذا كان الحال وقتها قبل أن يصل ترامب، وجماعته الصهيونية إلى البيت الأبيض، وقبل أن يصل العرب إلى حال من الهوان، يسمح لإسرائيل (الصهيونية) بالكشف، بلا خوف أو حرج عن حقيقة عنصريتها، بقانون «يهودية الدولة» الأخير.
تكشف القراءة المتأنية للفكر الإسرائيلي في سنوات ما بعد أوسلو أننا كنّا (وربما مازلنا) بصدد أسطورتين تبرران استمرار السيطرة على «المناطق». إحداهما يمينية دينية تستند إلى «الوعد التوراتي»، والأخرى سياسية علمانية تستند إلى «الأمن». وفي الحالتين فالدولة «يهودية» وينبغي أن تظل كذلك، كما أن «المناطق هي ممتلكات لنا». الأمر الذي كان من شأنه بالضرورة (قبل اعتماد قانون يهودية الدولة) أن يطرح إشكالية «الديموجرافيا»، بسؤالها المحرج: «كيف ستتم المحافظة إذن على الديموقراطية، التي يجري تسويقها كسمة تميز إسرائيل عن محيطها العربي؟ وكيف سيمكن تعريف الحقوق المدنية والسياسية للسكان الفلسطينيين، في حال جرى ضم «أرض إسرائيل» «لدولة إسرائيل؟».
وجد الإسرائيليون الحل دائما في صيغة «بيجين كامب دافيد» الجهنمية. وتتضح لنا من قراءة جرينبرج كيف تعاملت الحكومات المتعاقبة، دون فارق بين يسار ويمين، بطريقة مزدوجة على الدوام مع المناطق «يهودا والسامرة وغزة – يشع». حيث استمرت بالإبقاء على الحدود، «وطمسها» في آن واحد. أبقى الإسرائيليون على وصف «المناطق» بلغتهم كخارجة عن الدولة، وبالتالي لا يصبح لسكانها أية حقوق مدنية، إلا أنها في الوقت ذاته، طمست الحدود عن طريق بناء شبكة هائلة من المستوطنات، يسكنها اليهود «المواطنون» والذين هم بالتالي «المسيطرون»، والتعبير للكاتب الإسرائيلى ذاته. والذي يعتقد أن ذلك الوضع كان لا بد أن يدفع بالفلسطينيين «المقهورين» إلى العنف. الأمر الذي من شأنه بالتالي أن يعزز إيمان الإسرائيليين الخائفين تاريخيا من الإبادة بأسطورة الأمن. وهكذا تدور الحلقة الجهنمية بلا نهاية.
لا شيء تغير. العقيدة ذاتها، وإن اختلفت الأسماء والتفاصيل. بنيامين نتنياهو ليس أكثر من مناحيم بيجين جديد. قبل أعوام وتحديدا في 2010 قال نتنياهو مستنكرا أن يطالبه الفلسطينيون بتجميد البناء في المستوطنات: «إننا نتركهم يبنون مدينة بكاملها في يهودا والسامرة (يقصد الضفة)، ومعنا ينازعون في كل بيت». نتنياهو إذن الذي يعطينا (في تغريداته) كل يوم دروسا في «ضرورة السلام» ، يعتبر أن أرض الضفة «أرضه» يبني فيها ما يشاء وقتما يشاء. وهو «يمن» على الفلسطينيين / السكان أنه سمح لهم بالبناء (!) عقيدة «بيجين» هي إذن التي سبق أن ترسخت في «كامب دافيد».
ثم كان أن دارت بِنَا الأيام، لتصبح صيغة «بيجين كامب دافيد» تلك، بمفهومها «غير الطبيعي» أحد محاور «صفقة ترامب الإسرائيلية» التي يجري تسويقها للحل النهائي. مما سيجعلنا في النهاية بصدد «بانتوستانات» مثلما كان قائما في أواخر عهد التمييز العنصري في جنوب إفريقيا (انظر الخرائط التويحية المرفقة). وإن كان من غير المستبعد أيضا إعادة إحياء الأفكار القديمة لعبدالسلام المجالي وطاهر المصري حول الصيغة الأردنية. وفي المقابل، وك «حل نهائي» سيكون على الفلسطينيين (ومعهم كل العرب) الاعتراف بإسرائيل «كدولة يهودية»، الأمر الذي ينتفي معه عمليا الكلام عن «حق العودة»، (لا مانع من الحديث عن وعود رفاهية اقتصادية براقة، أو عن تعويضات يدفعها أثرياء الخليج). كما سيكون على الفلسطينيين، بالتالي التخلي عن أي مطالب في المستقبل، واعتبار أن القضية «منتهية». وَيَا لها من «نهاية»؟
***
يبقى أن بعد 40 عاما على كامب دافيد، وعلى وهم «الحاجز النفسي» الذي تحدث عنه السادات، يتشاجر المصريون والإسرائيليون حول حقيقة أشرف مروان.
وبعد 25 عاما على أوسلو، التي وعدت «بحل الدولتين»، يقنن الإسرائيليون نظامًا «عنصريا» لدولة «واحدة». ويعترف ترامب بالقدس عاصمة «أبدية، وموحدة» لدولة إسرائيل «اليهودية».
…………..
كما يبقى أن رغم كل ما في التاريخ من دروس، وما تحكيه الوقائع في كامب دافيد وغيرها، عن «عقيدة إسرائيلية»، وفخاخ تفاوضية يتغافل («المفَّرطون» هنا في مزايا جيوستراتيجية، كما«المهرولون» هناك نحو ما يتصورونه مكاسب آنية) عن حقيقة الصهيونية؛ أطماعا وأيديولوجية.
***
وبعد..
فقد يصرخ في وجهنا هذا «الطيب»، أو ذاك «المخادع» بأنكم قوم لا تريدون السلام، بيد أن الحقيقة البسيطة أننا قرأنا في التاريخ أن لا سلام إلا وكان قائما على «العدل»، أما عدا ذلك، فله في لغتنا العربية «الثرية» أسماء أخرى.
لمتابعة الكاتب:
twitter: @a_sayyad
Facebook: AymanAlSayyad.Page
روابط ذات صلة:
2017: عام «الصفقة».. «والصفعة»0(31 ديسمبر 2017)
المهرولون (30 نوفمبر 2017)
ودائما .. كانت إسرائيلُ هناك (18 يونيو 2017)
ما هو أبعد من «الجزيرتين» .. حقائق الأمن القومي (11 يونيو 2017)
هل هي حقًا «آخر الحروب»؟ (6 أكتوبر 2016)
إسرائيل «والإرهاب».. ما بين القانون، والسياسة.. والواقع (28 أغسطس 2016)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.