بوش يستفز والعرب يرحبون أحمد المرشد نجحت الولاياتالمتحدة في تجزئة الصراع العربى “الإسرائيلي" على مدى السنوات الماضية منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي توصل لمعاهدة السلام المصرية - “الإسرائيلية" فى عام ،1979 وتقزم الصراع الى مدلول ومعنى جديدين يصبان تحت مسمى الصراع الفلسطيني “الإسرائيلى"، حتى وان كانت هناك قضية الاحتلال “الإسرائيلي" لمرتفعات الجولان السورية وجنوب لبنان قبل الانسحاب منه في مايو/أيار 2000.
ونستطيع القول إن الولاياتالمتحدة حققت نجاحات متتالية في خطتها الرامية الى تقزيم الصراع، حتى فوجئ العالم والعرب أنفسهم بمشروع اوسلو وتوقيع إعلان المبادئ أو “اتفاق غزة - أريحا أولا" في سبتمبر/أيلول ،1993 وهنا تحول الصراع الى أجزاء منفصلة، ويحسب هذا للجانب الأمريكي الذي ساند “إسرائيل" في مراحل الصراع المختلفة منذ قيامها عام 1948.
فبعد أن كان يفترض إعلان الدولة الفلسطينية بعد خمس سنوات من توقيع إعلان المبادئ، تأجل الحل حتى الآن، لأن أمريكا و"إسرائيل" نجحا معاً في طمس معالم القرار 242 وكل القرارات الدولية ذات الصلة التي أكدت الحق الفلسطيني، وأصبحت القضايا محل التفاوض غير خاضعة للتدويل أو التحكيم الدولي. فواشنطن وتل أبيب تفرضان شروطهما وجدول الأعمال ومواعيده وآلياته على الطرف الفلسطيني الأضعف في حلقة الصراع رغم كونه صاحب الحق في الأرض والتاريخ والمقدسات.
حتى عندما هم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون بالتوصل الى معاهدة سلام تخلد اسمه في التاريخ على غرار معاهدة السلام المصرية - “الإسرائيلية" في عام ،1979 فشل في تحقيق أمنيته ولم يتمكن من إحراز هذا النصر السياسي بسبب تعنت “إسرائيل" التي أجبرت كلينتون ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت على العودة الى المربع رقم واحد في عملية المفاوضات، وهو البحث في الجزئيات وليس الأساسيات.
وتعلل رئيس الوزراء “الإسرائيلي" آنذاك العمالي إيهود باراك (وزير الحرب الحالي) بأن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لم يكن مؤهلا للتوصل الى “سلام الشجعان" ويقدم تنازلات فلسطينية مقابل التنازلات “الإسرائيلية" التي لم نسمع بها أبداً، اللهم سوى ربط قطاع غزة بالضفة الغربية بطريق سريع يربطهما مباشرة من دون الخضوع لرقابة “إسرائيلية".
وقد استفاد باراك وهو يفاوض الرئيس عرفات في منتجع كامب ديفيد من أسلوب عمل اسحق رابين رئيس الوزراء “الإسرائيلي" الذي وقع إعلان المبادئ مع الرئيس الفلسطيني في حديقة البيت الأبيض، فالأخير فرض على الفلسطينيين استراتيجيته القائلة “لا مواعيد مقدسة".
ومن هنا فشل الطرفان في التوصل الى اتفاق سلام نهائي حتى مات رابين ورحل عرفات. وجاء الرئيس الأمريكي جورج بوش في منتصف ولايته الأولى واخترع خطة “خريطة الطريق" المرحلية التي تتساوى فيها الالتزامات والحقوق على كلا الطرفين. ولكن كعادة الأمريكيين الدائمة، استجابت واشنطن للتحفظات “الإسرائيلية" على الخطة والتي بلغت آنذاك حوالي 14 تحفظا وأدخلت على الخطة الأصلية تعديلات كثيرة تصب جميعها في مصلحة تل أبيب، وتجاهلت مواعيد الخريطة المرحلية، لتتلاقى في ذلك مع استراتيجية رابين “لا مواعيد مقدسة".
وكان بوش قد أعلن في 24 يونيو/حزيران 2002 وفي خطاب شهير له اعترافه بالمستوطنات اليهودية التي تأكل حوالي نصف مساحة الضفة الغربية تقريباً، ويلغي من طرف واحد حق العودة للاجئين الفلسطينيين وانه على المفاوض الفلسطينى أن يعترف بحق “الإسرائيليين" في التوسع استجابة للزيادة السكانية لليهود والمستوطنين. ولم ينس بوش أن يذر بعض الرماد في العيون ويعلن موافقته المشروطة على إقامة الدولة الفلسطينية جنبا الى جنب مع “إسرائيل" بعد ضمان عزل عرفات والتخلص من أعمال المقاومة.
وتنتهي سنوات تنفيذ خريطة الطريق في عام 2005 ولم يتحقق للفلسطينيين أي شيء، وتزيد حركة الاستيطان رغم تلبية الجانب الفلسطيني لمعظم الالتزامات الواردة في خريطة الطريق، حتى جاء بوش للمنطقة قبل أشهر عقب اجتماع أنابولس ليعلن في “إسرائيل" اعترافه بيهودية الدولة العبرية وحقها في الاحتفاظ بما لديها من أراض مغتصبة ومستوطنات وجدار عزل عنصري.
بوش نفسه تعهد للفلسطينيين وهو يدشن اجتماع أنابولس بإعلان دولتهم المستقلة بحلول نهاية عام ،2008 ثم اختزل هذا الوعد أو قزمه بأن أعلنت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس في زيارتها الاخيرة للمنطقة قبل أيام بالعمل على التوصل الى “اتفاق إطار" بالأحرف الأولى لعملية السلام المرتقبة.
ونحن نتحدث عن زيارة بوش ل"إسرائيل" والمنطقة، فإن الدولة العبرية استقبلته برزمة مطالب استراتيجية تشمل إمدادها بوسائل قتالية تضمن لها الحفاظ على تفوقها النوعي على جاراتها في العتاد العسكري والوسائل القتالية. ومقابل الوفاء بهذه الصفقة التي مازالت طي الكتمان ولم يكشف عن مضمونها رسميا، تضمن “إسرائيل" للولايات المتحدة أن تكون جادة في التوصل الى اتفاق بنهاية عام 2008 تلبية لوعد بوش للفلسطينيين، علاوة على دراسة إمكان التوصل الى معادلة للحل قريبة من المبادرة العربية للسلام.
بعد كل هذا هل نصدق ان هناك أملاً في التوصل الى سلام أو إعلان للدولة الفلسطينية هذا العام حتى لو تحدث بوش في هذا الشأن كل الساعات المتبقية له في حكم البيت الأبيض؟
ختاما.. ننقل عن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمى كارتر الحائز على جائزة نوبل للسلام رأيه في الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش. فهو ذكر في حوار مع فضائية “CNN" الأمريكية ان بوش يكذب. ونزيد بأن الإدارة الأمريكية أدمنت الكذب على شعبها وعلى العرب وعلى الفلسطينيين، والطرف الوحيد الذي لا تكذب عليه وتصدقه القول هو “إسرائيل".
يقول الكاتب الفلسطيني حسن أبو دية: “ستون عاما وبذرة الأمل في أعماقنا تكبر وتكبر وتكبر.. إنها الذكرى الستون.. والعودة أقرب.. والخيام التي أُريد لها أن تكون قبوراً لشعب لم يروا فيه إلا مجموعة من اللاجئين أصبحت براكين تهدر بالعودة، وفيها يتلقى الصغار كل ليلة دروس الانتصار، وفن حراسة الحلم. وإذ تنطلق الرصاصة الأولى في عيلبون تحتضنها الأفئدة ليفتح العالم عينيه على شعب أكبر من قمقم اللجوء وأعظم من القنوط..". عن صحيفة الخليج الاماراتية 18/5/2008