كما كان متوقع، فقد جاء موتمر انابوليس ليظهر في طقس احتفالي لم يقدم المسيرة السلمية شبر واحد، وهناك شكوك كبيرة في ان تحرز المفاوضات التي ستبدأ بعد اقل من اسبوعين تقدما جديا ازاء ضعف الزعماء الثلاثة الرئيس الامريكي جورج بوش، والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت. لقد اثبت اولمرت في خطابه المنمق والجيد انه لم يتخذ قرارا حقيقيا بالانفصال عن اليمين، والذهاب في اتجاه جريء يمكن ان يقود خلال فترة قصيرة الي اختراق تاريخي، فقد تحدث اولمرت باللغة ذاتها في العامين الماضيين، لكنه لم يتخذ اي خطوة عملية لترجمة اقواله علي الارض، وعلي ضوء ذلك فإن الرابح الاكبر من المؤتمر هو رئيس الحكومة الاسرائيلية الذي ضمن لنفسه عاما اخر في منصبه، فما جري تم بفضل الاعيب رئيس الحكومة الاسرائيلية الذي اراد اساسا منع زحزحته عن كرسيه، اما الخاسر الاكبر فهو السلام لان جميع الاطراف لم تستغل الفرصة السانحة لتحقيق السلام، ومثل هذه الفرصة تحتاج الي زعماء اقوياء قادرين علي حمل هذه المهمة الثقيلة والتحدي العظيم علي كاهلهم بجدية، والقادة الحاليون "بوش وعباس واولمرت" ليسوا قادرين عليها. إن اخطر ما حدث في هذا المؤتمر الاحتفالي، ما ورد في خطاب بوش الذي تحدث فيه عن اعترافه بيهودية اسرائيل، اذ يعني ذلك امكانية ان الاعتراف بكونها قومية لليهود الحق الشرعي في الغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وافساح المجال لنقل اعداد من السكان العرب من اسرائيل، او ما يعرف بمشروع الترانسفير، كما يعطي ذلك اسرائيل الحق في إلغاء كل المعالم العربية التي تتعارض مع يهوديتها، بما فيها المساجد والكنائس والاثار العربية، بما ينذر بوعد بلفور جديد، وهو ما يعني اغلاق الباب نهائيا علي عودة اللاجئين، واقفاله علي نضال المواطنين العرب لتغيير طبيعة الدولة الاسرائيلية، وغطاء لخطة الترانسفير بترحيل العرب الفلسطينيين من اسرائيل. لقد نجحت اسرائيل في انابوليس نجاحا كبيرا بفرضها الامن كبوابة للتقدم السياسي، بينما اخفقت السلطة الفلسطينية في حربها، فقد فرضت اسرائيل خارطة الطريق مرجعية واحدة للمفاوضات، وهي مرجعية غامضة وتعتبر وصفة جديدة لحرب اهلية، ومزيدا من تعميق الانقسام، وفتح الطريق للتطبيع علي العرب، والاهم انها لم تلتزم بأي شيء. وهذا ما عودتنا عليه اسرائيل دوما "التواريخ ليست مقدسة" قالها رئيس الوزراء الراحل اسحق رابين في تعليق له علي مواعيد الانسحابات من مدن الضفة الغربية تمهيدا للانتخابات الفلسطينية في عام ،1996 ومن بعده رددها اكثر من زعيم اسرائيلي بدءا من شيمون بيريز الذي جاء في رئاسة الوزراء خلفا لرابين بعد اغتياله في نوفمبر ،1995 وكذلك بنيامين نتنياهو الذي هزم بيريز في الانتخابات الرئاسية عام ،1996 وحتي ايهود باراك وارييل شارون، فقد اثبت جميعهم في اكثر من مناسبة بالافعال والاقوال ان التواريخ والمواعيد ليست مقدسة، لذا كان اعلان الرئيس الامريكي في كلمة افتتاح المؤتمر عن امكانية التوصل الي اتفاقات بشأن قضايا الوضع النهائي خلال عام 2008 مجرد "اوهام" وحلم منفصل عن الواقع، لان السؤال الملح الان هل اولمرت وليست المفاوضات سيبقي في منصبه حتي نهاية العام المقبل؟ فرئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي ليس بالقوة السياسية او البرلمانية كأسلافه رابين وباراك وشارون التي تمكنه من فرض حلوله سواء علي الائتلاف الحكومي الذي يضم احزابا يمينية متطرفة مثل اسرائيل بيتنا لليهود روس بقيادة افيغدور ليبرمان، وحزب شاس لليهود الشرقيين المتزمتين او حتي حزبه كديما الذي لايبدو متجانسا مع مواقفه ازاء كيفية حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، بل ان اولمرت نفسه يفتقر لتجانس المواقف حتي في اوساط وزراء "كديما داخل حكومته"، وما يزيد من الشكوك ازاء امكانية الالتزام الاسرائيلي بهذا الوعد، كلام اولمرت في خطابه في المؤتمر الذي لم يكن قاطع بل عام ومطاط اذ اكتفي بالقول انه يسعي للعمل الي تحقيق اتفاق سلام خلال عام، وبذلك قد لا تكون مواعيد انابوليس اكثر قدسية من مواعيد اوسلو. اذن ما حدث في انابوليس هو ان اولمرت عاد الي اسرائيل سالما، بينما يستطيع الرئيس جورج بوش ان يدعي انه نجح في فعل شيء ايجابي، وحشد العالمين العربي والاسلامي في تحالف ضد ايران، كما يعود الرئيس عباس لشعبه ليقول له: "انه لم يتنازل عن شيء".